٢

لا أقسم بهذا . . . . .

الكبد : الشدة والمشقة ، وأصله من كبد الرجل كبداً فهو أكبد ، إذا وجعه كبده وانتفخت ، فاستعمل في كل تعب ومشقة ، ومنه المكابدة . وقال لبيد : يا عين هلا بكيت أربد إذ

قمنا وقام الخصوم في كبد

وقال أبو الأصبع : لو ابن عم لو أن الناس في كبدلظل محتجراً بالنبل يرميني

الشفة معروفة ، وأصلها شفهة ، حذفت منها الهاء ، ويدل عليه شفيهة وشفاه وشافهت ، وهي مما لا يجوز جمعه بالألف والتاء ، وإن كان تاء التأنيث . النجد : العنق وجمعه نجود ، وبه سميت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة ، والنجد : الطريق العالي . قال امرؤ القيس :

فريقان منهم جازع بطن نخله

وآخر منهم قاطع كبكير

الفك : تخليص الشيء من الشيء ، قال الشاعر

فيا رب مكروب كررت وراءه

وعان فككت الغل عنه فقدني

السغب : الجوع العام ، وقد يقال سغب الرجل إذا جاع . ترب الرجل ، إذا افتقر ولصق بالتراب ، وأترب ، إذا استغنى وصار ذا مال كالتراب ، وكذلك أثرى . أوصدت الباب وآصدته ، إذا أغلقته وأطبقته . قال الشاعر : تحن إلى أجبال مكة ناقتي

ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة

هذه السورة مكية في قول الجمهور ،

وقيل : مدنية . ولما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم وحالة التقدير ، وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر ، وما آل إليه حاله وحال المؤمن ، أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيىء وما آل إليه في الآخرة . والإشارة لهذا البلد إلى مكة .

{وَأَنتَ حِلٌّ } : جملة حالية تفيد تعظيم المقسم به ، أي فأنت مقيم به ، وهذا هو الظاهر .

وقال ابن عباس وجماعة : معناه : وأنت حلال بهذا البلد ، يحل لك فيه قتل من شئت ، وكان هذا يوم فتح مكة . و

قال ابن عطية : وهذا يتركب على قول من قال لا نافية ، أي إن هذا البلد لا يقسم اللّه به ، وقد جاء أهله بأعمال توجب الإحلال ، إحلال حرمته . وقال شرحبيل بن سعد : يعني { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ } ، جعلوك حلالاً مستحل الأذى والقتل والإخراج ، وهذا القول بدأ به الزمخشري ، وقال : وفيه بعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة ، وتعجب من حالهم في عداوته ، أو سلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يحلو من مقاساة الشدائد ، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه ، فقال : وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريده من القتل والأسر .

ثم قال الزمخشري : بعد كلام طويل :

فإن قلت : أين نظير قوله :{ وَأَنتَ حِلٌّ } في معنى الاستقبال ؟

قلت : قوله عز وجل :{ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } ، واسع في كلام العباد ، تقول لمن تعده الإكرام والحبا : وأنت مكرم محبو ، وهو في كلام اللّه أوسع ، لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة ، وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال ، وأن تفسيره بالحال محال . إن السورة بالاتفاق مكية ، وأين الهجرة من وقت نزولها ؟ فما بال الفتح ؟ انتهى . وحمله على أن الجملة اعتراضية لا يتعين ، وقد ذكرنا أولاً أنها جملة حالية ، وبينا حسن موقعها ، وهي حال مقارنة ، لا مقدرة ولا محكية ؛ فليست من الإخبار بالمستقبل .

وأما سؤاله والجواب ، فهذا لا يسأله من له أدنى تعلق بالنحو ، لأن الأخبار قد تكون بالمستقبلات ، وإن اسم الفاعل وما يجري مجراه حالة إسناده أو الوصف به لا يتعين حمله على الحال ، بل يكون للماضي تارة ، وللحال أخرى ، وللمستقبل أخرى ؛ وهذا من مبادىء علم النحو .

وأما قوله : وكفاك دليلاً قاطعاً الخ ، فليس بشيء ، لأنا لم نحمل { وَأَنتَ حِلٌّ } على أنه يحل لك ما تصنع في مكة من الأسر والقتل في وقت نزولها بمكة فتنافيا ، بل حملناه على أنه مقيم بها خاصة ، وهو وقت النزول كان مقيماً بها ضرورة . وأيضاً فما حكاه من الاتفاق على أنها نزلت بمكة فليس بصحيح ، وقد حكى الخلاف فيها عن قول ابن عطية ، ولا يدل قوله :{ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ } على ما ذكروه من أن المعنى يستحل إذ ذاك ، ولا على أنك تستحل فيه أشياء ، بل الظاهر ما ذكرناه أولاً من

أنه تعالى أقسم بها لما جمعت من الشرفين ، شرفها بإضافتها إلى اللّه تعالى ، وشرفها بحضور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإقامته فيها ، فصارت أهلاً لأن يقسم بها .

﴿ ٢