سورة الانشراح

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

ألم نشرح لك . . . . .

هذه السورة مكية . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة . وشرح الصدر : تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه ، قاله الجمهور . والأولى العموم لهذا ولغيره من مقاساة الدعاء إلى اللّه تعالى وحده ، واحتمال المكاره من إذاية الكفار .

وقال ابن عباس وجماعة : إشارة إلى شق جبريل عليه السلام صدره في وقت صغره ، ودخلت همزة الاستفهام على النفي ، فأفاد التقرير على هذه النعمة وصار المعنى : قد شرحنا لك صدرك ، ولذلك عطف عليه الماضي وهو وضعنا وهذا نظير قوله : { أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ}

وقرأ الجمهور :{ نَشْرَحْ } بجزم الحاء لدخول الحازم .

وقرأ أبو جعفر : بفتحها ، وخرجه ابن عطية في كتابه على أنه ألم نشرحن ، فأبدل من النون ألفاً ، ثم حذفها تخفيفاً ، فيكون مثل ما أنشده أبو زيد في نوادره من قول الراجز : من أي يومي من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وقال الشاعر : أضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسيف قونس الفرس

وقال : قراءة مرذولة .

وقال الزمخشري : وقد ذكرها عن أبي جعفر المنصور ، وقالوا : لعله بين الحاء ، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها ، انتهى . ولهذه القراءة تخريج أحسن من هذا كله ، وهو أنه لغة لبعض العرب حكاها اللحياني في نوادره ، وهي الجزم بلن والنصب بلم عكس المعروف عند الناس . وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد ، وهو القائم بثأر الحسين بن علي رضي اللّه تعالى عنهما : قد كان سمك الهدى ينهد قائمه

حتى أتيح له المختار فانعمدا

في كل ما هم أمضى رأيه قدماً ولم يشاور في إقدامه أحدا

٢

ووضعنا عنك وزرك

بنصب يشاور ، وهذا محتمل للتخريجين ، وهو أحسن مما تقدم . { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } : كناية عن عصمته من الذنوب وتطهيره من الأدناس ، عبر عن ذلك بالحط على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك ، كما يقول القائل : رفعت عنك مشقة الزيارة ، لمن لم يصدر منه زيارة ، على طريق المبالغة في انتفاء الزيارة منه .

٣

الذي أنقض ظهرك

وقال أهل اللغة : أنقض الحمل ظهر الناقة ، إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل ، وسمعت نقيض المرجل : أي صريره . قال عباس بن مرداس : وأنقض ظهري ما تطويت منهم

وكنت عليهم مشفقاً متحننا

وقال جميل : وحتى تداعت بالنقيض حباله

وهمت بوأي زورة أن نحطها

والنقيض : صوت الانقضاض والانفكاك .

٤

ورفعنا لك ذكرك

{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } : هو أن قرنه بذكره تعالى في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخطب ، وفي غير موضع من القرآن ، وفي تسميته نبي اللّه ورسول اللّه ، وذكره في كتب الأولين ، والأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به . وقال حسان : أغر عليه للنبوة خاتم

من اللّه مشهور يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

فإن مع العسر . . . . .

وتعديد هذه النعم عليه صلى اللّه عليه وسلم يقتضي أنه تعالى كما أحسن إليك بهذه المراتب ، فإنه يحسن إليك بظفرك على أعدائك وينصرك عليهم . وكان الكفار أيضاً يعيرون المؤمنين بالفقر ، فذكره هذه النعم وقوى رجاءه بقوله : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } : أي مع الضيق فرجاً . ثم كرر ذلك مبالغة في حصول اليسر . ولما كان اليسر يعتقب العسر من غير تطاول أزمان ، جعل كأنه معه ، وفي ذلك تبشيراً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحصول اليسر عاجلاً . والظاهر أن التكرار للتوكيد ، كما قلنا .

وقيل : تكرر اليسر باعتبار المحل ، فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة .

وقيل : مع كل عسر يسر ، إن من حيث أن العسر معرف بالعهد ، واليسر منكر ، فالأول غير الثاني . وفي الحديث : { لن يغلب عسر يسرين} . وضم سين العسر ويسراً فيهن ابن وثاب وأبو جعفر وعيسى ، وسكنهما الجمهور .

٧

فإذا فرغت فانصب

ولما عدد تعالى نعمه السابقة عليه صلى اللّه عليه وسلم ، ووعده بتيسير ما عسره ، أمره بأن يدأب في العبادة إذا فرغ من مثلها ولا يفتر . وقال ابن مسعود : { فَإِذَا فَرَغْتَ } من فرضك ، { فَانصَبْ } في التنفل عبادة لربك . وقال أيضاً :{ فَانصَبْ } في قيام الليل . وقال مجاهد : قال { فَإِذَا فَرَغْتَ } من شغل دنياك ، { فَانصَبْ } في عبادة ربك .

وقال ابن عباس وقتادة :{ فَإِذَا فَرَغْتَ } من الصلاة ، { فَانصَبْ } في الدعاء . وقال الحسن :{ فَإِذَا فَرَغْتَ } من الجهاد ، { فَانصَبْ } في العبادة . ويعترض قوله هذا بأن الجهاد فرض بالمدينة .

وقرأ الجمهور :{ فَرَغْتَ } بفتح الراء ؛ وأبو السمال : بكسرها ، وهي لغة .

قال الزمخشري : ليست بفصيحة .

وقرأ الجمهور :{ فَانصَبْ } بسكون الباء خفيفة ، وقوم : بشدها مفتوحة من الأنصاب .

وقرأ آخرون من الإمامية : فانصب بكسر الصاد بمعنى : إذا فرغت من الرسالة فانصب خليفة .

قال ابن عطية : وهي قراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم ، انتهى .

٨

وإلى ربك فارغب

وقرأ الجمهور : { فَارْغَبْ } ، أمر من رغب ثلاثياً : أي اصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه .

وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة : فرغت ، أمر من رغب بشد الغين .

﴿ ٠