١١{له معقبات}، أي للّه تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل. والتعقيب العود بعد البدء، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب، وجمعه معقبة، ثم جمع الجمع معقبات، كما قيل ابناوات سعد ورجالات بكر. أخرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصالة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون}. قوله تعالى {من بين يديه ومن خلفه}،يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار، ومن خلفه من وراء ظهره، {يحفظونه من أمر اللّه}، يعني بأمر اللّه، أي يحفظونه بإذن اللّه تعالى ما لم يجيء المقدور، فإذا جاء المقدور خلوا عنه. وقيل يحفظونه من أمر اللّه أي مما أمر اللّه به من الحفظ عنه. قال مجاهد ما من عبد إلا وله ملك موكل به، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال ورءك! إلا شيء يأذن اللّه فيه فيصيبه. قال كعب الأحبار لولا أن اللّه عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن. وقال عكرمة الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونه من بين أيديهم ومن خلفهم. وقيل الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات، كما قال اللّه تعالى {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} (ق-١٧). قال ابن جريج معنى يحفظونه أي يحفظون عليه أعماله من أمر اللّه، يعني الحسنات والسيئات. وقيل الهاء في قوله {له} راجعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم روى جؤيبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال له معقبات يعني لمحمد صلى اللّه عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه، يعني من شر الجن وطوارق الليل والنهار. وقال عبد الرحمن بن زيد نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وهما عامريان، يريدان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجل الناس. فقال رجل يا رسول اللّه، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال دعه فإن يرد اللّه به خيرا يهده. فأقبل حتى قام عليه، فقال يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين. قال تجعل لي الأمر بعدك. قال ليس ذلك إلي، إنما ذلك إلى اللّه عز وجل، يجعله حيث يشاء. قال فتجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال لا. قال فلماذا تجعل لي؟. قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال أو ليس ذلك إلى اليوم؟ قم معي أكلمك. فقام معه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويراجعه فدار أربد من خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا، ثم حبسه اللّه تعالى عنه، فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرأى أربد وما صنع بسيفه، فقال اللّهم أكفنيهما بما شئت. فأرسل اللّه على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته، وولى عامر هاربا وقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد واللّه لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يمنعك اللّه تعالى من ذلك، وأبناء قيلة يريد الأوس والخزرج. فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه، فجعل يركض في الصحراء، ويقول ابرز يا ملك الموت، ويقول الشعر، ويقول واللات والعزى لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي، فأرسل اللّه إليه ملكا فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية. ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب اللّه دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقتل عامر بن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة، وأنزل اللّه عز وجل في هذه القصة قوله { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه }، يعني لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر اللّه. يعني تلك المعقبات من أمر اللّه، وفيه تقديم وتأخير. وقال لهذين {إن اللّه لا يغير ما بقوم}، من العافية والنعمة، {حتى يغيروا ما بأنفسهم}. من الحال الجميلة فيعصوا ربهم. {وإذا أراد اللّه بقوم سوءاً}، أي عذابا وهلاكا {فلا مرد له} أي لا راد له {وما لهم من دونه من وال}، أي ملجأ يلجؤون إليه. وقيل وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم. |
﴿ ١١ ﴾