سورة الإسراء

١

مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية . { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } سبحان اللّه  تنزيه اللّه تعالى من كل سوء ، ووصفه بالبراءة من كل نقص على طريق المبالغة ، ويكون { سبحان } بمعنى التعجب ، {أسرى بعبده } أي  سيره ، وكذلك سرى به ، والعبد هو  محمد صلى اللّه عليه وسلم . { من المسجد الحرام } ، قيل  كان الإسراء من مسجد مكة ، روى قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال  { بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق } ، فذكر حديث المعراج .

وقال قوم  عرج به من دار أم هانئ بنت أبي طالب ، ومعنى

قوله  { من المسجد الحرام} أي  من الحرم .

قال مقاتل  كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة . ويقال  كان في رجب .

وقيل  كان في شهر رمضان. { إلى المسجد الأقصى } ، يعني  بيت المقدس ، وسمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار .

وقيل  لبعده من المسجد الحرام . { الذي باركنا حوله } ، بالأنهار والأشجار والثمار .

وقال مجاهد  سماه مباركاً لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي ، ومنه يحشر الناس يوم القيامة . { لنريه من آياتنا } ، من عجائب قدرتنا، وقد رأى هناك الأنبياء والآيات الكبرى . { إنه هو السميع البصير } ، ذكر ( السميع ) لينبه على أنه المجيب لدعائه ، وذكر ( البصير ) لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل . وروى عن عائشة رضي اللّه عنه أنها كانت تقول  ما فقد جسد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولكن اللّه أسرى بروحه . والأكثرون على أنه بجسده في اليقظة ، وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ،

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن يوسف ، حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة (ح) قال البخاري  وقال لي خليفة العصفري  حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد و هشام . قال  حدثنا قتادة ( ح ) عن مالك بن صعصعة رضي اللّه عنه أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حدثهم عن ليلة أسرى به ، (ح) قال البخاري  حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال  كان أبو ذر يحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال  (ح) ، و

أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر ،

أخبرنا أبو الحسن عبد الغفار بن محمد [ الفارسي أنبأنا أبو الحسين محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ] بن سفيان ، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال - [ دخل حديث بعضهم في بعض - قال أبو ذر  إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال  ] { فرج عني سقف بيتي ، وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً ، فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه } . وقال مالك بن صعصعة  إن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال  { بينما أنا في الحطيم ، وربما قال في الحجر ، بين النائم واليقظان ، وذكر بين رجلين ، فأتيت بطست من ذهب مملوء حكمة وإيماناً فشق من النحر إلى مراق البطن ، واستخرج قلبي فغسل ثم حشي ، ثم أعيد } . وقال سعيد و هشام  ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيماناً وحكمةً ، ثم أوتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس ، قال  فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ،قال  ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ،فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل  اخترت الفطرة ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ،قيل من هذا ؟ قال  جبريل  قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل  مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا فيها آدم ، فقال لي  هذا أبوك آدم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال  مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح . وفي حديث أبي ذر  علونا السماء الدنيا ، فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، إذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ،

فقال  مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح . قلت لجبريل  من هذا ؟ قال  هذا آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل  من هذا ؟ قال  جبريل ، قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ،قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل  مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، إذا بيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، وهما ابنا خالة ،قال  هذا يحيى وعيسى ، فسلم عليهما، فسلمت فردا ، ثم قالا  مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل  من هذا ؟ قال  جبريل ، قال  ومن معك ؟ قال محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل  مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، قال  هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد علي ، ثم قال  مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل  من هذا ؟ قال  جبريل ، قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل  مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس ، قال هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه ،فرد ثم قال  مرحباً بالأخ الصالح والنبي والصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل  من هذا ؟ قال  جبريل ، قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل  مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا هارون ، قال  هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال  مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل  من هذا ؟ قال  جبريل ، قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا موسى ، قال  هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال  مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فلما جاوزت بكى قيل له  ما يبكيك ؟ قال  أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة ،فاستفتح جبريل ، قيل  من هذا ؟ قال جبريل ، قيل  ومن معك ؟ قال  محمد ، قيل  وقد أرسل إليه ؟ قال  نعم ، قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال  هذا أبوك إبراهيم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال  مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل ؟ فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ،إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم . وقال ثابت عن أنس  فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، إذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ،ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال  فلما غشيها من أمر اللّه ما غشي تغيرت ، فما أحد من خلق اللّه يستطيع أن ينعتها من حسنها ، في أصلها أربعة أنهار  نهران باطنان ، ونهران ظاهران ،

فقلت  ما هذان يا جبريل ؟

فقال  أما الباطنان ، فنهران في الجنة ، وأما الظاهرات فالنيل والفرات . وأوحى إلي ما أوحى ، ففرض علي خمسين صلاةً في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى ،فقال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت  خمسين صلاة ، قال  ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، قال  فرجعت إلى ربي

فقلت  يا رب خفف على أمتي ، فحط عني خمساً ، فرجعت إلى موسى

فقلت  حط عني خمسة ، قال  إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال  فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال  يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ،لكل صلاة عشر ، هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي ،ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن علمها كتبت له عشراً ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال  فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ،

فقال  ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك .

فقلت  سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم ،قال  فلما جاوزت نادى مناد  أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك . قال ابن شهاب  فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري ، كانا يقولان  قال النبي صلى اللّه عليه وسلم  { ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوىً فيه صريف الأقلام } . قال ابن حزم و أنس  قال النبي صلى اللّه عليه وسلم  { ففرض اللّه على أمتي خمسين صلاة } . وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم { أتي بالبراق ليلة أسرى به ملجماً مسرجاً ، فاستصعب عليه ، فقال جبريل  أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على اللّه منه ، فارفض عرقاً }. وقال ابن بريده عن أبيه قال  قال النبي صلى اللّه عليه وسلم  { لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه ، فخرق بها الحجر وشد بها البراق }. أنبأنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { ليلة أسرى بي لقيت موسى، قال  فنعته ، فإذا هو رجل- حسبته قال  مضطرب - رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة . قال  ولقيت عيسى ،فنعته النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال ربعة ، أحمر ، كأنما خرج من ديماس ، يعني  الحمام ، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به ،قال  وأتيت بإناءين  أحدهما لبن ، والآخر فيه خمر ، فقيل له  خذ أيهما شئت ،فأخذت اللبن فشربته ،فقيل لي  هديت الفطرة [ أو أصبت الفطرة ] ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك } . أنبأنا عبد الواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في

قوله  { } وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس {، قال  هي رؤيا عين أريها النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس . قال  والشجرة الملعونة في القرآن قال  هي شجرة الزقوم }.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن عبد اللّه ، حدثني سليمان ، عن شريك بن عبد اللّه قال  سمعت أنس بن مالك يقول  ليلة أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر ، قبل أن يوحى إليه ، وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم  أيهم هو ؟

فقال  أوسطهم هو خيرهم ، فقال آخرهم  خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ، ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده . وساق حديث المعراج بقصته .

فقال  فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، قال  هذا النيل والفرات ، عنصرهما واحد ، ثم مضى به في السماء الثانية ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر ، قال  ما هذا يا جبريل ؟ قال  هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك . وساق الحديث ، وقال  ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، وقال  قال موسى  رب لم أظن أن ترفع علي أحداً ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعمله إلا اللّه حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما يوحى إليه اللّه خمسين صلاة كل يوم وليلة ، وقال  فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس ،

فقال  يا محمد واللّه لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فأمتك أضعف قلوباً وأجساداً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً ، فارجع فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة ،

فقال  يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار  يا محمد ، قال  لبيك وسعديك ،قال  إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فقال موسى  ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد واللّه استحييت من ربي مما اختلفت إليه ، قال  فاهبط بسم اللّه. فاستيقظ وهو في المسجد الحرام . وروى مسلم هذا الحديث مختصراً عن هارون بن سعيد الإيلي ، عن ابن وهب ، عن سليمان ابن بلال . قال شيخنا الإمام رضي اللّه عنه  قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا ل محمد بن إسماعيل و ل مسلم في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا هذا ،وأحال الأمر فيه إلى شريك بن عبد اللّه ، وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه ، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة قبل الهجرة بسنة . وفيه أيضاً  ( أن الجبار دنا فتدلى ) . وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه السلام . قال شيخنا الإمام رضي اللّه عنه  وهذا الاعتراض عندي لا يصح ، لأن هذا كان رؤيا في النوم ، أراه اللّه عز وجل قبل الوحي ، بدليل آخر الحديث  قال فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقاً لرؤياه من قبل،كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل

قوله عز وجل { لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق } ( الفتح - ٢٧ ) وروي أنه لما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال  يا جبريل إن قومي لا يصدقوني ، قال  يصدقك أبو بكر وهو الصديق . قال ابن عباس ، وعائشة ، رضي اللّه عنهم ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  لما كانت ليلة أسري بي فأصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي ، فروي أنه عليه الصلاة و السلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزئ  هل استفدت من شيء ؟ قال  نعم إني أسري بي الليلة قال  إلى أين ؟ قال  إلى بيت المقدس ، قال  ثم أصبحت بين ظهرانينا ، قال  نعم ، فلم ير أبو جهل أنه ينكر ، مخافة أن يجحده الحديث ، قال  أتحدث قومك ما حدثتني ؟ قال  نعم ، قال أبو جهل  يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، قال  فانفضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما ، قال  فحدث قومك ما حدثتني قال  نعم إني أسري بي الليلة ، قالوا إلى أين ؟ قال  إلى بيت المقدس ، قالوا  ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال  نعم ،قال فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً ، وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر

فقال  هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال  أوقد قال ذلك ؟ قال  نعم ، قال  لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا  وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال  نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق . قال  وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ،فقالوا  هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ قال  نعم ، قال  ذهبت أنعت وأنعت ،فمازلت أنعت حتى التبس علي [ بعض النعت ] ، قال  فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد ، وأنا أنظر إليه ، فقال القوم  أما النعت فواللّه لقد أصاب ، ثم قالوا  يا محمد

أخبرنا عن عيرنا هي أهم إلينا، فهل لقيت منها شيئاً ؟ قال  نعم مررت على عير بني فلان ،وهي بالروحاء ، وقد أضلوا بعيرا لهم ،وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ، ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ؟ قالوا  هذه آية ، قال  ومررت بعير بني فلان ، وفلان وفلان راكبان قعوداً لهما بذي طوى ، فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان ، فانكسرت يده ،فسلوهما عن ذلك ، قالوا  وهذه آية . قالوا  ف

أخبرنا عن عيرنا نحن ؟ قال  مررت بها بالتنعيم ، قالوا  فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها ؟

فقال  نعم ، هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشمس ، قالوا وهذه آية . ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون  واللّه لقد قص محمد شيئا وبينه حتى أتوا كدىً ، فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه ، إذ قال قائل منهم  واللّه هذه الشمس قد طلعت ، وقال آخر  وهذه واللّه الإبل قد طلعت ، يقدمها بعير أورق ، فيها فلان وفلان ، كما قال لهم ، فلم يؤمنوا ، { وقالوا  إن هذا إلا سحر مبين } . أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ،حدثني زهير بن حرب ، حدثنا حجر بن المثنى ، أنبأنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة - عن عبد اللّه بن الفضل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنهم قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { لقد رأيتني في الحجر ، وقريش تسألني عن مسراي ،فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، فكربت كرباً ما كربت مثله قط ، قال  فرفعه اللّه لي أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ،ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي ،فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى قائم يصلي ، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي ، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فجاءت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل  يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه . فالتفت إليه فبدأني بالسلام }.

﴿ ١