٩٤

{ قالوا يا ذا القرنين } فإن قيل  كيف قالوا ذلك وهم لا يفقهون ؟ قيل  كلم عنهم مترجم ، دليله  قراءة ابن مسعود  لا يكادون يفقهون قولاً قال الذين من دونهم ياذا القرنين . { إن يأجوج ومأجوج } ، قرأهما عاصم بمهزتين [ وكذلك في الأنبياء ، ( فتحت يأجوج ومأجوج ) ] ، والآخرون بغير همز [ في السورتين ] ، وهما لغتان ، أصلهما من أجيج النار ، وهو ضوؤها وشررها ، شبهوا به لكثرتهم وشدتهم .

وقيل  بالهمزة من شدة أجيج النار ، وبترك الهمز اسمان أعجميان ، مثل  هاروت وماروت ، وهم من أولاد يافث بن نوح . قال الضحاك  هم جيل من الترك .

قال السدي  الترك سرية من يأجوج ومأجوج ، خرجت فضرب ذو القرنين السد ، [ فبقيت خارجه ، فجميع الترك منهم . وعن قتادة  أنهم اثنان وعشرون قبيلة ، بني ذو القرنين السد ] على إحدى وعشرين قبيلة فبقيت واحدة فهم الترك ، سموا الترك لأنهم تركوا خارجين . قال أهل التواريخ أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب والعجم والروم ، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ، ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ، ويأجوج ومأجوج ، قال ابن عباس في رواية عطاء  هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء . روي عن حذيفة مرفوعاً  { إن يأجوج أمة ، ومأجوج أمة ، كل أمة أربعمائة ألف أمة ،لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كلهم قد حمل السلاح وهم من ولد آدم ، يسيرون إلى خراب الدنيا .

وقيل  هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز ، شجر الشام، طوله عشرون ومائة ذراع في السماء ، وصنف منهم عرضه وطوله سواء ، عشرون ومائة ذراع ، وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف منهم يفترش أحدهم [ إحدى أذنيه ] ويلتحف الأخرى ، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم . أكلوه ، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان ، يشربون أنهار المشارق وبحيرة طبرية }. وعن علي أنه قال  منهم من طوله شبر ، ومنهم من هو مفرط في الطول . وقال كعب  هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب ، فخلق اللّه من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم . وذكر وهب بن منبه  أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز ، فلما بلغ كان عبداً صالحاً . قال اللّه له  إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم ، منهم أمتان بينهما طول الأرض  إحداهما عند مغرب الشمس ، يقال لها ناسك ، والأخرى عند مطلعها ، يقال لها منسك ، وأمتان بينهما عرض الأرض ، إحداهما  في القطر الأيمن ، يقال لها  هاويل ، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها  تأويل ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج ، فقال ذو القرنين  بأي قوة أكابرهم ؟ وبأي جمع أكاثرهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ قال اللّه عز وجل  إني سأوطقك وأبسط لك لسانك ، وأشد عضدك فلا يهولنك شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك ، يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك ، فانطلق ، حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيه إلا اللّه فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد ، فدعاهم إلى اللّه وعبادته ، فمنهم من آمن ، ومنهم من صد عنه ، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته ، فجند من أهل المغرب جنداً عظيماً فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ، ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها وجند منها جنوداً كفعله في الأمتين ، ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فأتى تاويل فعمل فيها كعلمه فيها قبلها ، ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض ، فلما دنا مما يلي منقطع الترك نحو المشرق ، قالت له أمة صالحة من الإنس  ياذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش ، [ لهم أنياب وأضراس ] كالسباع ، يأكلون الحيات والعقارب ، وكل ذي روح ، خلق في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ، ولا شك أنهم سيملؤون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها ، فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ، قال ما ملكني فيه ربي خير ، قال  أعدوا إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم ، فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب كالأظفار في أيدينا وأنياب وأضراس كالسباع ، ولهم هدب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ويتقون به من الحر وبالبرد ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى ، يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا ، فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين ، فقاس ما بينهما ، فحفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس ، يذاب فيصب عليه ، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض .

قوله تعالى  { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } ،

قال الكلبي  فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا شيئاً يابساً إلا احتملوا ، وأدخلوا أرضهم ، وقد لقوا منهم أذى شديداً وقتلاً .

وقيل  فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس .

وقيل  معناه أنهم سيفسدون في الأرض عند خروجهم . { فهل نجعل لك خرجاً } ، قرأ حمزة و الكسائي { خراجاً } بالألف ، وقرأ الآخرون { خرجاً } بغير ألف ، وهما لغتان بمعنى واحد ، أي جعلاً وأجراً من أموالنا . وقال أبو عمرو  ( الخرج )  ما تبرعت به ، و ( الخراج )  ما لزمك أداؤه .

وقيل  ( الخراج )  على الأرض ، و ( الخرج )  على الرقاب . يقال  أد خرج رأسك وخراج مدينتك . { على أن تجعل بيننا وبينهم سداً } ، أي حاجزا ً ، فلا يصلون إلينا .

﴿ ٩٤