٢٤٥

قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا الآية هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم قصة هؤلاء فيما قال الضحاك انهم قوم من بني اسراءيل أمروا بالجهاد فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك فاماتهم اللّه ليعرفهم انه لا ينجيهم من الموت شيء ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله وقاتلوا في سبيل اللّه الآية

وروى ابن جريج عن ابن عباس انهم كانوا من بني اسراءيل وانهم كانوا أربعين الفا وثمانية ءالاف وانهم اميتوا ثم احيوا وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني اسراءيل إلى اليوم

فامرهم اللّه بالجهاد ثانية فذلك قوله وقاتلوا في سبيل اللّه قال ع وهذا القصص كله لين الاسناد وانما اللازم من الآية ان اللّه تعالى اخبر نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه و سلم اخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فاماتهم اللّه ثم احياهم ليعلموا هم وكل من خلف بعدهم إن الإماتة إنما هي بإذن اللّه لا بيد غيره فلا معنى لخوف خائف وجعل اللّه تعالى هذه الآية مقدمة بين يدي امره المؤمنين من أمة صلى اللّه عليه وسلم بالجهاد هذا قول الطبري وهو ظاهر رصف الآية والجمهور على أن الوف جمع الف وهو جمع كثرة وقال ابن زيد في لفظة الوف إنما معناها وهم مؤتلفون

وقوله تعالى أن اللّه لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون الآية تنبيه على فضله سبحانه على هؤلاء القوم الذين تفضل عليهم بالنعم وأمرهم بالجهاد وإن لا يجعلوا الحول والقوة إلا له سبحانه حسبما أمر جميع العالم بذلك فلم يشكروا نعمته في جميع هذا بل استبدوا وظنوا أن حولهم وسعيهم ينجيهم وهذه الآية تحذير لسائر الناس من مثل هذا الفعل أي فيجب أن يشكر الناس فضله سبحانه في ايجاده لهم ورزقه اياهم وهدايته بالأوامر والنواهي فيكون منهم المبادرة إلى امتثالها لا طلب الخرص عنها وفي تخصيصه تعالى الأكثر دلالة على أن الأقل الشاكر

وقوله تعالى وقاتلوا في سبيل اللّه الآية الجمهور أن هذه الآية مخاطبة لامة صلى اللّه عليه وسلم بالقتال في سبيل اللّه وهو الذي ينوي به أن تكون كلمة اللّه هي العليا حسب الحديث وقال ابن عباس والضحاك الأمر بالقتال هو للذين احيوا من بني اسراءيل قال الطبري ولاى وجه لهذا القول ثم

قال تعالى من ذا الذي يقرض اللّه الآية فدخل في ذلك المقاتل في سبيل اللّه فانه يقرض رجاء ثواب اللّه كما فعل عثمان في جيش العسرة ويروى أن هذه الآية لما

نزلت قال أبو الدحداح يا رسول اللّه  أن اللّه يريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال فإني قد اقرضته حائطي لحائط فيه ستمائة نخلة ثم جاء الحائط وفيه أم الدحداح فقال أخرجي فاني قد أقرضت ربي حائطي هذا قال فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول كم من عذق مذلل لابي الدحداد في الجنة وأستدعاء القرض في هذه الآية وغيرها انما هو تأنيس وتقريب للافهام واللّه هو الغني الحميد

قال ابن العربي في أحكامه وكنى اللّه عز و جل عن الفقير بنفسه العلية ترغيبا في الصدقة كما كنى عن المريض والجائع والعاطش بنفسه المقدسة فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه عز و جل يقول يوم القيامة يا أبن ءادم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته لو جدتني عنده يا أبن ءادم استطعمتك فلم تطعمني يقال يا رب كيف اطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يارب كيف اسقيك وانت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي انتهى واللفظ لصحيح مسلم

قال ابن العربي وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كني عنه وترغيبا لمن خوطب أنتهى

وقوله حسنا معناه تطيب فيه النية ويشبه أيضا أن تكون أشارة الى كثرته وجودته وهذه الاضعاف الكثيرة إلى السبع مائة التي رويت ويعطيها مثال السنبلة ت والحق الذي لاشك فيه وجوب الإيمان بما ذكر المولى سبحانه ولا سبيل إلى التحديد إلا أن يثبت في ذلك حديث صحيح فيصار اليه وقد بين ذلك صلى اللّه عليه و سلم فيما خرجه مسلم والبخاري انظره عند

قوله تعالى كمثل حبة قال ع

روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم طلب منه أن يسعر بسبب غلاء خيف على المدينة فقال أن اللّه هو الباسط القابض وأني لارجو أن القي اللّه ولا يتبعني أحد بمظلمة في نفس ولا مال قال صاحب سلاح المؤمن عند شرحه لاسمه تعالى القابض الباسط قال بعض العلماء يجب أن يقرن بين هذين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون أنبأ عن القدرة وادل على الحكمة كقوله تعالى واللّه يقبض ويبصط وإذا قلت القابض مفردا فكانك قصرت بالصفة على المنع والحرمان وإذا جمعت اثبتت الصفتين وكذلك القول في الخافض والرافع والمعز والمذل انتهى وما ذكره عن بعض العلماء هو كلام الإمام الفخر في شرحه لأسماء اللّه الحسنى ولفظه القابض والباسط الأحسن في هذين الاسمين أن يقرن أحدهما في الذكر بالآخر ليكون ذلك ادل على القدرة والحكمة ولهذا السبب قال اللّه تعالى واللّه يقبض ويبصط وأذا ذكرت القابض منردا عن الباسط كنت قد وصفته بالمنع والحرمان وذلك غير جائز

وقوله المعز المذل وقد عرفت أنه يجب في أمثال هذين ذكر كل واحد منها مع الآخر أنتهى

﴿ ٢٤٥