٢٨٦

وقوله تعالى لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها الآية خبر جزم نص على أنه لا يكلف اللّه العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب والجوارح ألا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته وبهذا إنكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر وهذا المعنى الذي ذكرناه في هذه الآية يجري مع معنى

قوله تعالى يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر

وقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج

وقوله فاتقوا اللّه ما استطعتم قال العراقي وسعها أي طاقتها ا ه قال ع

واختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا الآن في الشرع وأن هذه الآية آذنت بعدمه

واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة سيدنا صلى اللّه عليه وسلم أم لا فقالت فرقة وقع في نازلة أبي لهب لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار وذلك مؤذن أنه لا يؤمن وتكليف الشرع له الإيمان راتب فكأنه كلف أن يؤمن وأن يكون في إيمانه أنه لا يؤمن لأنه إذا آمن فلا محالة أن يدين بسورة تبت يدا أبي لهب

وقالت فرقة لم يقع قط

وقوله تعالى سيصلى نارا إنما معناه إن وافى على كفره ع ومالا يطاق على أقسام منه المحال عقلا كالجمع بين الضدين ومنه المحال عادة كرفع إنسان جبلا ومنه ما لا يطاق من حيث هو مهلك كالاحتراق بالنار ونحوه ومنه ما لا يطاق للاشتغال بغيره وهذا إنما يقال فيه ما لا يطاق على تجوز كثير

وقوله تعالى لها ما كسبت يريد من الحسنات وعليها ما اكتسبت يريد من السيآت قاله جماعة المفسرين لا خلاف في ذلك والخواطر ونحوها ليس من كسب الإنسان وجاءت العبارة في الحسنات بلها من حيث هي مما يفرح الإنسان بكسبه ويسر المرء بها فتضاف إلى ملكه وجاءت في السيئة بعليها من حيث هي أوزار وأثقال ومتحملات صعبة وهذا كما تقول لي مال وعلي دين وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريفين حسنا لنمط الكلام كما قال فمهل الكافرين أمهلهم رويدا هذا وجه ع والذي يظهر لي في هذا أن الحسنات مما يكسب دون تكلف إذ كاسبها على جادة أمر اللّه ورسم شرعه والسيئات تكتسب ببناء المبالغة إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي اللّه تعالى ويتخطاه إليها فيحسن في الآية مجيء التصريفين لهذا

المعنى وقال المهدوي وغيره معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد قال ع وهذا صحيح في نفسه لكن من غير هذه الآية

وقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا معناه قولوا

واختلف الناس في معنى

قوله سبحانه إن نسينا  أخطأنا فذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الدعاء في النسيان الغالب والخطأ غير المقصود وهو الصحيح عندي قال قتادة في تفسير الآية بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال إن اللّه تعالى تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطأها وقال السدي لما نزلت هذه الآية فقالوها قال جبريل للنبي صلى اللّه عليه وسلم قد فعل اللّه ذلك يا محمد قال ع فظاهر قوليهما ما صححته وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في

قوله تعالى يحاسبكم به اللّه أمروا بالدعاء في ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه وذلك في النسيان والخطأ والإصر الثقيل وما لا يطاق على اتم أنواعه وهذه الآية على هذا القول تقضي بجواز تكليف ما لا يطاق ولذلك أمر المؤمنين بالدعاء في أن لا يقع هذا الجائز الصعب ومذهب أبي الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين إن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع وذهب الطبري وغيره إلى أن تكليف ما لا يطاق غير جائز وإن النسيان في الآية بمعنى الترك أي إن تركنا شيئا من طاعتك والخطأ هو المقصود من العصيان والإصر هي العبادات الثقيلة كتكاليف بني إسرائيل وما لا طاقة للمرء به هو عندهم على تجوز كما تقول لا طاقة لي على خصومة فلان  لا طاقة لنا به من حيث هو مهلك كعذاب جهنم وغيره ثم

قال تعالى فيما أمر المؤمنين بقوله واعف عنا أي فيما واقعناه وأغفر لنا أي استر علينا ما علمت منا وارحمنا أي تفضل مبتدئا برحمة منك لنا فهذه مناح من الدعاء متباينة وأنت مولانا مدح في ضمنه تقرب إليه وشكر على نعمه ومولى هو من ولي وفي الحديث

إن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم قل ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا  أخطأنا فقالها فقال جبريل قد فعل قال قل كذا وكذا فيقولها فيقول جبريل قد فعل إلى آخر السورة وتظاهرت بهذا المعنى أحاديث

وروى أبو مسعود عقبة ابن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه يعني من قيام الليل قال صاحب سلاح المؤمن هذا الحديث رواه الجماعة يعني الستة ومعنى كفتاه اجزتاه عن قيام الليل

وقيل كفتاه من كل شيطان فلا يقربه ليلته

وقيل كفتاه ما يكون من الآفات تلك الليلة

وقيل معناه حسبه بهما فضلا وأجرا ويحتمل الجميع واللّه أعلم ا ه من سلاح المؤمن وقال علي رضي اللّه عنه ما أظن أحدا عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما وفي الحديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن أحد قبلي كمل تفسير سورة البقرة والحمد للّه

﴿ ٢٨٦