٨١

وقوله تعالى وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن

به ولتنصرنه المعنى واذكر يا محمد إذ فيحتمل أن يكون أخذ هذا الميثاق حين أخرج بني ءادم من ظهر ءادم نسما ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه ووقت بعثه والمعنى أن اللّه تعالى أخذ ميثاق كل نبي بأنه ملتزم هو ومن ءامن به الإيمان بمن أتى بعده من الرسل والنصر له وقال ابن عباس إنما أخذ اللّه ميثاق النبيين على قومهم فهو أخذ لميثاق الجميع وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه لم يبعث اللّه نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في صلى اللّه عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأخذه على قومه ثم تلا هذه الآية وقاله السدي وقرأ حمزة لما بكسر اللام وهي لام الجر والتقدير لأجل ما آتيناكم إذ أنتم القادة والرؤوس ومن كان بهذه الحال فهو الذي يؤخذ ميثاقه وما في هذه القراءة بمعنى الذي والعائد إليها من الصله تقديره آتيناكموه ومن لبيان الجنس وثم جاءكم الآية جملة معطوفة على الصلة ولا بد في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول وإنما حذف تخفيفا لطول الكلام وتقديره عند سيبويه رسول به مصدق لما معكم واللام في لتؤمنن به هي اللام المتلقية للقسم الذي تضمنه أخذ الميثاق وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجار والمجرور وذلك جائز وقرأ سائر السبعة لما بفتح اللام وذلك يتخرج على وجهين أحدهما أن تكون ما موصولة في موضع رفع بالابتداء واللام لام الابتداء وهي متلقية لما اجري مجرى القسم من

قوله تعالى وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين وخبر الابتداء قوله لتؤمنن ولتؤمنن متعلق بقسم محذوف فالمعنى واللّه لتؤمنن قاله أبو علي وهو متجه بأن الحلف يقع مرتين والوجه الثاني أن تكون ما للجزاء شرطا فتكون في موضع نصب بالفعل الذي بعدها وهو مجزوم وجاءكم معطوف في موضع جزم واللام الداخلة على ما ليست الملتقية للقسم ولكنها

الموطئة المؤذنة بمجيء لام القسم فهي بمنزلة اللام في

قوله تعالى لئن لم ينته المنافقون لأنها مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لنغرينك بهم وكذلك هذه مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لتؤمنن وقرأ نافع وحده آتيناكم بالنون وقرأ الباقون آتيتكم بالتاء ورسول في هذه الآية اسم جنس وقال كثير من المفسرين هو نبينا صلى اللّه عليه وسلم

وقوله تعالى قال ءاقررتم وأخذتم على ذلكم اصري هذه الآية هي وصف توقيف الأنبياء عليهم السلام على إقرارهم بهذا الميثاق والتزامهم له وأخذتم في هذه الآية عبارة عما تحصل لهم من إيتاء الكتب والحكمة فمن حيث أخذ عليهم أخذوا هم أيضا وقال الطبري أخذتم في هذه الآية معناه قبلتم والأصر العهد لا تفسير له في هذا الموضع إلا ذلك

وقوله تعالى فاشهدوا يحتمل معنيين احدهما فاشهدوا على اممكم المؤمنين بكم وعلى أنفسكم بالتزام هذا العهد قاله الطبري وجماعة والمعنى الثاني بثوا الأمر عند أممكم واشهدوا به وشهادة اللّه على هذا التأويل هي إعطاء المعجزات وإقرار نبوءاتهم هذا قول الزجاج وغيره قال ع فتأمل أن القول الأول هو إيداع الشهادة واستحفاظها والقول الثاني هو الأمر بأدائها وحكم تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق قاله علي بن أبي طالب وغيره وقرأ أبو عمرو يبغون بالياء من أسفل مفتوحة وترجعون بالتاء من فوق مضمومة وقرأ عاصم بالياء من اسفل فيهما وقرأ الباقون بالتاء فيهما ووجوه هذه القراءات لا تخفى بادنى تأمل وتبغون معناه تطلبون قال النووي

وروينا في كتاب ابن السني عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه يؤنس ابن عبيد بن دينار البصري الشافعي المشهور أنه قال ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في إذنها أفغير دين اللّه تبغون وله اسلم من في السماوات

والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون إلا وقفت بإذن اللّه تعالى

وروينا في كتاب ابن السني عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد اللّه احبسوا يا عباد اللّه احبسوا فإن للّه عز و جل في الأرض حاضرا سيحبسها قال النووي حكى لي بعض شيوخنا أنه انفلتت له دابة اظنها بغلة وكان يعرف هذا الحديث فقاله فحبسها اللّه عليه في الحال وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت منها بهيمة فعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام اه واسلم معناه استسلم عند الجمهور واختلفوا في معنى قوله طوعا وكرها فقال مجاهد هذه الآية كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللّه فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرها ونحوه لأبي العالية وعبارته كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن اللّه ربي وأنا عبده فمن أشرك في عبادته فهو الذي اسلم كرها ومن أخلص فهو الذي أسلم طوعا قال ع والمعنى في هذه الآية يفهم كل ناظر أن الكره خاص بأهل الأرض

﴿ ٨١