سورة النساء

بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة النساء مدنية

إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح وهي ان اللّه يأمركم أن تؤدوا الآمانات إلى

أهلها الآية وفي البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعنى قد بنى بها

١

قوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية في الآية تنبيه على الصانع وعلى افتتاح الوجود وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب والمراد بالنفس آدم صلى اللّه عليه و سلم وقال واحدة على تأنيث لفظ النفس وزوجها يعني حواء قال ابن عباس وغيره خلق اللّه آدم وحشا في الجنة وحده ثم نام فانتزع اللّه إحدى أضلاعه القصيرى من شماله

وقيل من يمينه فخلق منها حواء ويعضد هذا الحديث الصحيح في قوله صلى اللّه عليه و سلم أن المرأة خلقت من ضلع أعوج الحديث وبث معناه نشر كقوله تعالى كالفراش المبثوث أي المنتشر وفي تكرير الأمر بالتقوى تأكيد لنفوس المأمورين وتساءلون معناه تتعاطفون به فيقول أحدكم أسألك باللّه

وقوله والأرحام أي واتقوا الأرحام وقرأ حمزة والأرحام بالخفض عطفا على الضمير كقولهم أسألك باللّه وبالرحم قاله مجاهد وغيره قال ع وهذه القراءة عند نحاة البصرة لا تجوز لأنه لا يجوز عندهم أن يعطف ظاهر على مضمر مخفوض إلا في ضرورة الشعر كقوله فاذهب فما بك والأيام من عجب لأن الضمير المخفوض ينفصل فهو كحرف من الكلمة ولا يعطف على حرف واستسهل بعض النحاة هذه القراءة انتهى كلام ع قال ص والصحيح جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار كمذهب الكوفيين ولا ترد القراءة المتواترة بمثل مذهب البصريين قال وقد أمعنا الكلام عليه في

قوله تعالى وكفر به والمسجد الحرام انتهى وهو حسن ونحوه للامام الفخر وفى

قوله تعالى إن اللّه كان عليكم رقيبا ضرب من الوعيد قال المحاسبي سألت أبا جعفر محمد بن موسى فقلت أجمل حالات العارفين ما هي فقال ان

الحال التي تجمع لك الحالات المحمودة كلها في حالة واحدة هي المراقبة فالزم نفسك وقلبك دوام العلم بنظر اللّه إليك في حركتك وسكونك وجميع أحوالك فإنك بعين اللّه عز و جل في جميع تقلباتك وإنك في قبضته حيث كنت وإن عين اللّه على قلبك وناظر إلى سرك وعلانيتك فهذه الصفة يا فتى بحر ليس له شط بحر تجري منه السواقي والأنهار وتسير فيه السفن إلى معادن الغنيمة انتهى من كتاب القصد إلى اللّه سبحانه

٢

وقوله سبحانه وءاتوا اليتامى أموالهم الآية قال ابن زيد هذه مخاطبة لمن كانت عادته من العرب أن لا يرث الصغير من الأولاد وقالت طائفة هذه مخاطبة للأوصياء

قال ابن العربي وذلك عند الابتلاء والإرشاد انتهى

وقوله ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب قال ابن المسيب وغيره هو ما كان يفعله بعضهم من ابدال الشاة السمينة من مال اليتم بالهزيلة من ماله والدرهم الطيب بالزائف

وقيل المراد لا تأكلوا اموالهم خبيثا وتدعوا اموالكم طيبا

وقيل غير هذا والطيب هنا الحلال والخبيث الحرام

وقوله إلى أموالكم التقدير ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل والضمير في أنه عائد على الأكل والحوب الإثم قاله ابن عباس وغيره وتحوب الرجل إذا القى الحوب عن نفسه وكذلك تحنث وتأثم وتحرج فإن هذه الأربعة بخلاف تفعل كله لأن تفعل معناه الدخول في الشيء كتعبد وتكسب وما أشبهه ويلحق بهذه الأربعة تفكهون في

قوله تعالى لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم

وقوله تعالى كبيرا نص على أن أكل مال اليتيم من الكبائر

٣

وقوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى الآية قال أبو عبيدة خفتم هاهنا بمعنى أيقنتم قال ع وما قاله غير صحيح ولا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه وإنما هو من أفعال التوقع إلا أنه قد يميل فيه الظن

إلى احدى الجهتين قلت وكذا رد الداودي على أبي عبيدة ولفظه وعن أبي عبيدة فإن خفتم ألا تعدلوا مجازه أيقنتم قال أبو جعفر بل هو على ظاهر الكلمة انتهى وتقسطوا معناه تعدلوا قال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار قالت عائشة رضي اللّه عنها نزلت هذه الآية في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهن في المهر لمكان ولا يتهم عليهن فقيل لهم اقسطوا في مهورهن فمن خاف ألا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي يكايسن في حقوقهن وقاله ربيعة قال الحسن وغيره ما طاب معناه ما حل

وقيل ما ظرفية أي ما دمتم تستحسنون النكاح وضعف قلت وفي تضعيفه نظر فتأمله قال الإمام الفخر وفي تفسير ما طاب بما حل نظر وذلك أن

قوله تعالى فانكحوا أمر اباحة فلو كان المراد بقوله ما طاب لكم أي ما حل لكم لتنزلت الآية منزلة ما يقال ابحنا لكم نكاح من يكون نكاحها مباحا لكم وذلك يخرج الآية عن الفائدة ويصيرها مجملة لا محالة أما إذا حملنا طاب على استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عامة دخلها التخصيص وقد ثبت في أصول الفقه أنه إذا وقع التعارض بين الاجمال والتخصيص كان رفع الاجمال أولى لان العام المخصص حجة في غير محل التخصيص والمجمل لا يكون حجة اصلا انتهى وهو حسن ومثنى وثلاث ورباع موضعها من الاعراب نصب على البدل من ما طاب وهي نكرات لا تنصرف لانها معدولة وصفة

وقوله فواحدة اي فانكحوا واحدة  ما ملكت ايمانكم يريد به الاماء والمعنى ان خاف ان لا يعدل فى عشرة واحدة فما ملكت يمينه واسند الملك إلى اليمين اذ هي صفة مدح واليمين مخصوصة بالمحاسن إلا ترى إنها المنفقة كما قال عليه السلام حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهي المعاهدة المبايعة

قال ابن العربي قال علماؤنا وفي الآية دليل على أن ملك

اليمين لا حق له في الوطء والقسم لان المعنى فإن خفتم ألا تعدلوا في القسم فواحدة  ما ملكت أيمانكم فجعل سبحانه ملك اليمين كله بمنزلة الواحدة فانتفى بذلك أن يكون للامة حق في وطء  قسم انتهى من الاحكام

وقوله ذلك ادنى ألا تعولوا ادنى معناه اقرب ألا تعولوا أي ألا تميلوا قاله ابن عباس وغيره

وقالت فرقة معناه ادنى ألا يكثر عيالكم وقدح في هذا الزجاج وغيره

٤

وقوله تعالى وأتوا النساء صدقاتهن نحلة الآية قال ابن عباس وغيره الآية خطاب للازواج وقال أبو صالح هي خطاب لاولياء النساء لان عادة بعض العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها فرفع اللّه ذلك بالاسلام

وقيل ان الآية في المتشاغرين الذين يتزوجون امرأة بأخرى فأمروا أن يضربوا المهور قال ع والآية تتناول هذه التأويلات الثلاث ونحلة أي عطية منكم لهن

وقيل نحلة معناه شرعة مأخوذ من النحل

وقيل التقدير نحلة من اللّه لهن

قال ابن العربي وذلك أن النحلة في اللغة العطية عن غير عوض انتهى

وقوله فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا الآية الخطاب حسبما تقدم من الاختلاف والمعنى إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن والضمير في منه يعود على الصداق قاله عكرمة وغيره ومن تتضمن الجنس ها هنا ولذلك يجوز أن تهب المهر كله

وقوله تعالى هنيئا مريئا قال اللغويون الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة وكذلك المريء

٥

وقوله سبحانه ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال أبو موسى الاشعري وغيره نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط اللّه من السفه كان من كان

وقوله أموالكم يريد اموال المخاطبين قاله أبو موسى الاشعري وابن عباس والحسن وغيرهم وقال ابن جبير يريد اموال السفهاء واضافها إلى المخاطبين إذ هي كاموالهم وقيما جمع قيمة

وقوله تعالى وارزقوهم فيها الآية قيل معناه فيمن

تلزم الرجل نفقته

وقيل في المحجورين من اموالهم ومعروفا قيل معناه ادعوا لهم

وقيل معناه عدوهم وعدا حسنا أي أن رشدتم دفعنا لكم اموالكم ومعنى اللفظة كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع

٦

وقوله وابتلوا اليتامى الآية الابتلاء الاختبار وبلغوا النكاح معناه بلغوا مبلغ الرجال بحلم  حيض  غير ذلك ومعناه جربوا عقولهم وقرائحهم وتصرفهم وآنستم معناه علمتم وشعرتم وخبرتم ومالك رحمه اللّه يرى الشرطين البلوغ والرشد المختبر وحينئذ يدفع المال قال ع والبلوغ لم تسقه الآية سياق الشرط ولكنها حالة الغالب على بني آدم أن تلتئم عقولهم فيها فهو الوقت الذي لا يعتبر شرط الرشد إلا فيه فقال إذا بلغ ذلك الوقت فلينظر إلى الشرط وهو الرشد حينئذ وفصاحة الكلام تدل على ذلك لأن التوقيت بالبلوغ جاء بإذا والمشروط جاء بأن التي هي قاعدة حروف الشرط وإذا ليست بحرف شرط إلا في ضرورة الشعر قال ابن عباس الرشد في العقل وتدبير المال لا غير وهو قول ابن القاسم في مذهبنا وقال الحسن وقتادة الرشد في العقل والدين وهو رواية أيضا عن مالك

وقوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ان يكبروا نهي منه سبحانه للاوصياء عن اكل اموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم والاسراف الافراط في الفعل والسرف الخطأ في مواضع الانفاق وبدارا معناه مبادرة كبرهم أي ان الوصي يستغنم مال محجوره وأن يكبروا نصب ببدار ويجوز أن يكون التقدير مخافة أن يكبروا

وقوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف يقال عف الرجل عن الشيء واستعف إذ امسك فامر الغني بالامساك عن مال اليتيم وأباح اللّه للوصي الفقير أن يأكل من مال يتيمه بالمعروف

واختلف العلماء في حد المعروف فقال ابن عباس وغيره إنما يأكل الوصي بالمعروف إذا شرب من اللبن وأكل من التمر بما يهنا الجرباء ويلط الحوض ويجد التمر وما اشبهه

قلت يقال للقطر أن الهناء في لغة العرب كذا رأيته منصوصا عليه

وقوله تعالى فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم امر من اللّه تعالى بالتحرز والحزم وهذا هو الاصل في الاشهاد في المدفوعات كلها إذا كان حبسها أولا معروفا قال ع والاظهر أن حسيبا هنا معناه حاسبا أعمالكم ومجازيا بها ففي هذا وعيد لكل جاحد حق

٧

وقوله سبحانه للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية قال قتادة وغيره سبب نزول هذه الآية أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقولون لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف

٨

وقوله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى الآية اختلف فيمن خوطب بهذه الآية فقيل الخطاب للوارثين

وقيل للمحتضرين والمعنى إذا حضركم الموت أيها المؤمنون وقسمتم أموالكم بالوصية وحضركم من لا يرث من ذوى القرابة واليتامى فارزقوهم منه قاله ابن عباس وغيره

واختلف هل هي منسوخة بآية المواريث  هي محكمة وعلى انها محكمة فهل الأمر على الوجوب فيعطى لهم ما خف  على الندب خلاف والضمير في قوله فارزقوهم وفي قوله لهم عائد على الاصناف الثلاثة والقول المعروف كل ما يتأنس به من دعاء  عدة  غير ذلك

وقوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم الآية اختلف من المراد في هذه الآية فقال ابن عباس وغيره المراد من حضر ميتا حين يوصى فيقول له قدم لنفسك وأعط لفلان وفلان ويوذى الورثة بذلك فكأن الآية تقول لهم كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة وقال مقسم وحضرمي نزلت في عكس ذلك وهو أن يقول للمحتضر امسك على ورثتك وأبق لولدك وينهاه عن الوصية فيضر بذلك ذوى القربى واليتامى والمساكين وكل من يستحق أن يوصى له فقيل لهم كما كنتم تخشون على

ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم فكذلك فسددوا القول في جهة اليتامى والمساكين قال ع والقولان لا يطردان في كل الناس بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد وللآخر القول الثاني وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة اغنياء حسن ان يندب الى الوصية ويحمل على ان يقدم لنفسه واذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن اجره في قصد ذلك كأجره في المساكين فالمراعي إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه وقال ابن عباس أيضا المراد بالآية ولاة الأيتام فالمعنى أحسنوا إليهم وسددوا القول لهم واتقوا اللّه في أكل أموالهم كما تخافون على ذريتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك

وقالت فرقة بل المراد جميع الناس فالمعنى أمرهم بالتقوى في الأيتام وأولاد الناس والتسديد لهم في القول وإن لم يكونوا في حجورهم كما يريد كل أحد أن يفعل بولده بعده والسديد معناه المصيب للحق

وقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية أكثر الناس أن الآية نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من أموال اليتامى وهي تتناول كل أكل وإن لم يكن وصيا وورد في هذا الوعيد أحاديث منها حديث أبي سعيد الخدري قال حدثنا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ليلة أسري به قال رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار تخرج من أسافلهم قلت يا جبريل من هؤلاء قال هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما قلت تأمل رحمك اللّه صدر هذه السورة معظمة إنما هو في شأن الأجوفين بالبطن والفرج مع اللسان وهما المهلكان وأعظم الجوارح آفة وجناية علىالإنسان وقد روينا عن مالك في الموطإ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من وقاه اللّه شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه

قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ومعلوم أنه أراد صلى اللّه عليه و سلم ما بين لحييه اللسان وما بين رجليه الفرج واللّه أعلم ولهذا أردف مالك حديثه هذا بحديثه عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه وهو يجبذ لسانه فقال له عمر مه غفر اللّه لك فقال أبو بكر إن هذا أوردني الموارد قال أبو عمر وفي اللسان آثار كثيرة ثم قال أبو عمر وعن أبي هريرة أن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان البطن والفرج ثم أسند أبو عمر عن سهل بن سعد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من يتكفل لي بما بين لحييه وما بين رجليه وأضمن له الجنة ومن طريق جابر نحوه انتهى والصلى هو التسخن بقرب النار  بمباشرتها والمجترق الذي يذهبه الحرق ليس بصال إلا في بدء أمره وأهل جهنم لا تذهبهم النار فهم فيها صالون أعاذنا اللّه منها بجوده وكرمه والسعير الجمر المشتعل وهذه آية من آيات الوعيد والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة ليلا يقع الخبر بخلاف مخبره ساقط بالمشيئة عن بعضهم

١١

وقوله تعالى يوصيكم اللّه في أولادكم الآية تتضمن الفرض والوجوب قيل نزلت بسبب بنات سعد بن الربيع

وقيل بسبب جابر بن عبد اللّه

وقوله للذكر مثل حظ الأثنيين أي حظ مثل حظ الأنثيين

وقوله فوق اثنتين معناه اثنتين فما فوقهما تقتضي ذلك قوة الكلام وأما الوقوف مع اللفظ فيسقط معه النص علىالإثنين ويثبت الثلثان لهما بالإجماع ولم يحفظ فيه خلاف إلا ما روي عن ابن عباس أنه يرى لهما النصف ويثبت لهما أيضا ذلك بالقياس على الأختين وبحديث الترمذي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى للابنتين بالثلثين

وقوله سبحانه فإن لم يكن له ولد المعنى ولا ولد ولد ذكرا كان  أنثى

فلأمه الثلث أي وللأب الثلثان

وقوله تعالى فإن كان له إخوة فلأمه السدس أي كانوا أشقاء  للأب  للأم والإجماع على أنهم لا يأخذون السدس الذي يحجبون الأم عنه وكذا اجمعوا على أن أخوين فصاعدا يحجبون الأم عنه إلا ما روي عن ابن عباس من أن الأخوين في حكم الواحد وقدم الوصية في اللفظ اهتماما بها وندبا إليها إذ هي أقل لزوما من الدين وأيضا قدمها لأن الشرع قد حض عليها فلا بد منها والدين قد يكون وقد لا يكون وأيضا قدمها إذ هي حظ مساكين وضعاف وأخر الدين لأنه حق غريم يطلبه بقوة وله فيه مقال وأجمع العلماء عى أن الدين مقدم على الوصية والإجماع على أنه لا يوصى بأكثر من الثلث واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث

وقوله تعالى ءاباؤكم وأبناؤكم رفع بالابتداء والخبر مضمر تقديره هم المقسوم عليهم  هم المعطون وهذا عرض للحكمة في ذلك وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة قال ابن زيد قوله لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا يعني في الدنيا والآخرة قال الفخر وفي الآية إشارة إلى الانقياد إلى الشرع وترك ما يميل إليه الطبع انتهى

١٢

وقوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد الآية الولد هنا في هذه الآية وفي التي بعدها هم بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سلفوا والكلالة خلو الميت عن الوالد والولد هذا هو الصحيح

وقوله تعالى وله أخ  أخت الآية الإجماع على أن الأخوة في هذه الآية الأخوة للأم وأما حكم سائر الأخوة سواهم فهو المذكور في آخر السورة وقرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ  أخت لأمه والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء بإجماع

وقوله سبحانه غير مضار قال ابن عباس الضرار في الوصية من الكبائر ورواه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم

وروى أبو هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال من ضار في وصيته ألقاه اللّه تعالى في واد في

جهنم قال ع ووجوه المضارة كثيرة من ذلك أن يقر بحق ليس عليه  يوصي بأكثر من ثلثه  لوارثه قال ص غير مضار منصوب على الحال أي غير مضار ورثته انتهى قلت وتقدير أبي حيان ورثته ياباه فصاحة الفاظ الآية إذ مقتضاها العموم فلو قال غير مضار ورثة  غيرهم لكان احسن لكن الغالب مضارة الورثة فلهذا قدرهم

١٣

وقوله تعالى تلك حدود اللّه الآية تلك إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث وباقي الآية بين

١٥

وقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية الفاحشة في هذا الموضع الزنا

وقوله من نسائكم إضافة في معناها الإسلام وجعل اللّه الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء تغليظا على المدعى وسترا على العباد قلت ومن هذا المعنى اشتراط رؤية كذا في كذا كالمرود في المكحلة قال ع وكانت أول عقوبة الزناة الإمساك في البيوت ثم نسخ ذلك بالأذى الذي بعده ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب قاله عبادة بن الصامت وغيره وعن عمران بن حصين أنه قال كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فنزل عليه الوحي ثم أقلع عنه ووجهه محمر فقال قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم خرجه مسلم وهو خبر آحاد ثم ورد في الخبر المتواتر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجم ولم يجلد فمن قال أن السنة المتواترة تنسخ القرآن جعل رجم الرسول دون جلد ناسخا لجلد الثيب وهذا الذي عليه الأمة أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذ هما جميعا وحي من اللّه سبحانه ويوجبان جميعا العلم والعمل ويتجه عندي في هذه النازلة بعينها أن يقال أن الناسخ لحكم الجلد هو القرآن المتفق على رفع لفظه وبقاء حكمه في

قوله تعالى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة وهذا نص في الرجم وقد

قرره عمر على المنبر بمحضر الصحابة والحديث بكماله في مسلم والسنة هي المبينة ولفظ البخاري  يجعل اللّه لهن سبيلا الرجم للثيب والجلد للبكر انتهى

١٦

وقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم الآية قال مجاهد وغيره الآية الأولى في النساء عموما وهذه في الرجال فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى وهذا قول يقتضيه اللفظ ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عامة ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم

وقوله في الثانية منكم وأجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان كما تقدم

١٧

وقوله تعالى إنما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة الآية قال ص التوبة مبتدأ على حذف مضاف أي قبول التوبة انتهى قال ع إنما حاصرة وهو مقصد المتكلم بها أبدا فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر كقوله تعالى إنما اللّه إله واحد وقد لا تصادف ذلك كقوله إنما الشجاع عنترة وهي في هذه الآية حاصرة إذ ليست التوبة إلا لهذا الصنف المذكور وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب فإن التوبة الأولى طاعة قد إنقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة وتصح أيضا التوبة من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه خلافا للمعتزلة في قولهم لا يكون تائبا من أقام على ذنب

وقوله تعالى على اللّه أي على فضل اللّه ورحمته لعباده وهذا نحو قوله صلى اللّه عليه و سلم ما حق العباد على اللّه إنما معناه ما حقهم على فضله ورحمته والعقيدة أنه لا يجب على اللّه تعالى شيء عقلا والسوء في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي

وقوله تعالى بجهالة معناه بسفاهة وقلة تحصيل أدى إلى المعصية وليس المعنى أن تكون الجهالة بأن ذلك الفعل معصية لأن المتعمد للذنوب كان يخرج من التوبة وهذا فاسد إجماعا وما ذكرته في الجهالة قاله أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه وسلم ذكر ذلك عنهم أبو العالية وقال قتادة اجتمع أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت  جهلا وقال به ابن عباس ومجاهد والسدي

وروي عن مجاهد والضحاك أنهما قالا الجهالة هنا العمد وقال عكرمة أمور الدنيا كلها جهالة قال ع يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة اللّه سبحانه وهذا المعنى عندي جار مع

قوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو

واختلف المتأولون في

قوله تعالى من قريب فقال ابن عباس والسدي معنى ذلك قبل المرض والموت وقال الجمهور معنى ذلك قبل المعاينة للملائكة والسوق وأن يغلب المرء على نفسه

وروى أبو قلابة أن اللّه تعالى لما خلق آدم فرآه إبليس أجوف ثم جرى له ما جرى ولعن وانظر قال وعزتك لابرحت من قلبه ما دام فيه الروح فقال اللّه تعالى وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح قال ع فابن عباس رضي اللّه عنه ذكر أحسن أوقات التوبة والجمهور حدوا آخر وقتها

وروى بشير بن كعب والحسن أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إن اللّه تعال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله قال ع لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على الترك

وقوله تعالى من قريب إنما معناه من قريب إلى وقت الذنب ومدة الحياة كلها قريب والمبادرة في الصحة أفضل قلت بل المبادرة واجبة

وقوله تعالى وكان اللّه عليما أي بمن يتوب وييسره هو سبحانه للتوبة حكيما فيما ينفذه من ذلك وفي تأخير من يؤخر حتى يهلك ثم نفى بقوله تعالى وليست التوبة الآية أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته وصار في حيز اليأس كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهره من الإيمان وبهذا قال ابن عباس وجماعة المفسرين قال ع والعقيدة عندي في هذه الآيات

أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب هذا مذهب أبي المعالي وغيره وقال غيرهم بل هو مغفور له قطعا لأخبار اللّه تعالى بذلك وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين فإن كان كافرا فهو يخلد وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة لكن يغلب الخوف عليه ويقوى الظن في تعذيبه ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر اللّه تعالى له تفضلا منه لا يعذبه وأعلم اللّه تعالى أيضا أن الذين يموتون وهم كفار فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة

وقوله تعالى اولئك اعتدنا لهم عذابا أليما إن كانت الإشارة الى الذين يموتون وهم كفار فقط فالعذاب عذاب خلود مؤبد وان كانت الاشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت فهو في جهة هؤلاء عذاب لا خلود معه واعتدنا معناه يسرناه وأحضرناه

١٩

قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية قال ابن عباس كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان اولياؤه أحق بامرأته من أهلها إن شاءوا تزوجها أحدهم وإن شاءوا زوجوها من غيرهم وإن شاؤا منعوها الزواج فنزلت الآية في ذلك وقال بعض المتأولين معنى الآية لا يحل لكم عضل النساء اللواتي أنتم أولياء لهن وإمساكهن دون تزويج حتى يمتن فتورث أموالهن قال ع فعلى هذا القول فالموروث مالها لا هي

وروي نحو هذا عن ابن عباس

وقوله تعالى ولا تعضلوهن الآية قال ابن عباس وغيره هي أيضا في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة وقال نحوه الحسن وعكرمةو قال ابن عباس أيضا هي في الأزواج في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه فذلك لا يحل له وقال مثله قتادة وهو

اقوى الأقوال ودليل ذلك قوله إلا أن يأتين بفاحشة وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة وإنما ذلك للزوج على ما سنبينه الآن إن شاء اللّه وكذلك قوله عاشروهن إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته

واختلف في معنى الفاحشة هنا فقال الحسن بن أبي الحسن هو الزنا قال ابو قلابة إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه وقال السدي إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن قلت وحديث المتلاعنين يضعف هذا القول لقوله صلى اللّه عليه و سلم فذاك بما أستحللت من فرجها الحديث وقال ابن عباس وغيره الفاحشة في هذه الآية البغض والنشوز فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها قال ع وهو مذهب مالك وقال قوم الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وهذا في معنى النشوز قال ع والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال

وقوله تعالى وعاشروهن بالمعروف أمر يعم الأزواج والأولياء ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج والعشرة المخالطة والممازجة

وقوله تعالى فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا قال السدي الخير الكثير في المرأة الولد وقال نحوه ابن عباس قال ع ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة شيء لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه ويحسن إذ عاقبه الصبر إلى خير إذا أريد به وجه اللّه

٢٠

وقوله تعالى وإن أردتم اسبتدال زوج مكان زوج الآية لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه الزوج والمنع من أخذ مالها مع ذلك وقال بعض الناس يؤخذ من الآية جواز المغالات بالمهور وقال قوم لا تعطى الآية ذلك لأن التمثيل إنما جاء على جهة المبالغة والبهتان

مصدر في موضع الحال وومعناه مبهتا ثم وعظ تعالى عباده وأفضى معناه باشر وقال مجاهد وغيره الإفضاء في هذه الآية الجماع قال ابن عباس ولكن اللّه كريم يكنى

واختلف في المراد بالميثاق الغليظ فقال الحسن وغيره هو

قوله تعالى فإمساك بمعروف  تسريح بإحسان وقال مجاهد وابن زيد الميثاق الغليظ عقدة النكاح وقول الرجل نكحت وملكت النكاح ونحوه فهذه التي بها تستحل الفروج وقال عكرمة والربيع الميثاق الغليظ يفسره قول النبي صلى اللّه عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه

٢٢

قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف سبب الآية ما اعتادته بعض قبائل العرب أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة

واختلف في مقتضى ألفاظ الآية فقالت فرقة قوله ما نكح يريد النساء أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم

وقوله إلا ما قد سلف معناه ولكن ما قد سلف فدعوه وقال بعضهم المعنى لكن ما قد سلف فهو معفو عنكم لمن كان واقعه فكأنه قال ولا تفعلوا حاشا ما قد سلف

وقالت فرقة معناه لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة إلا ما قد سلف منكم من تلك العقود الفاسدة فمباح لكم الإقامة عليه في الإسلام إذا كان مما يقرر الإسلام عليه

وقيل إلا ما قد سلف فهو معفو عنكم وقال ابن زيد معنى الآية النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الأب إلا ما سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنساء لا على وجه المناكحة فذلك جائز لكم لأن ذلك الزنا كان فاحشة والمقت البغض والإحتقار بسبب رذيلة يفعلها الممقوت وساء سبيلا أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه إذ عاقبته إلى عذاب اللّه قال ص ساء للمبالغة في الذم كبيس وسبيلا تفسيره والمخصوص بالذم

محذوف أي سبيل هذا النكاح كقوله تعالى بيس الشراب أي ذلك الماء انتهى

٢٣

وقوله سبحانه حرمت عليكم أمهاتكم الآية حكم حرم اللّه به سبعا من النسب وستا من بين رضاع وصهر والحقت السنة المتواترة سابعة وهي الجمع بين المرأة وعمتها ومضى عليه الإجماع

وروي عن ابن عباس أنه قال حرم من النسب سبع ومن لاصهر سبع وتلا هذه الآية وقال عمرو بن سالم مثل ذلك وجعل السابعة

٢٤

قوله تعالى والمحصنات

وقوله تعالى ٦وأمهات نسائكم أي سواء دخل بالبنت  لم يدخل فبالعقد علىا لبنت حرمت الأم هذا الذي عليه الجمهور

وقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم ذكر الأغلب من هذه الأمور إذ هذه حالة الربيبة في الأكثر وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر ويقال حجر بكسر الحاء وفتحها وهو مقدم ثوب الإنسان وما بين يديه منه ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر

وقوله اللاتي دخلتم بهن قال ابن عباس وغيره الدخول هنا الجماع وجمهور العلماء يقولون أن جميع أنواع التلذذ بالأم يحرم الإبنة كما يحرمها الجماع والحلائل جمع حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال فهي حليلة بمعنى محللة

وقوله تعالى الذين من أصلابكم يخرج من كانت العرب تتبناه ممن ليس للصلب وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله صلى اللّه عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

وقوله تعالى وإن تجمعوا بين الأختين لفظ يعم الجمع بنكاح وبملك يمين وأجمعت الأمة على منع جمعهما بنكاح ولا خلاف في جواز جمعهما بالملك ومذهب مالك أن له أن يطأ أيتهما شاء والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته فإن أراد وطء الأخرى فيلزمه أن يحرم فرج الأولى بعتق  كتابة  غير ذلك وثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم

أنه نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وأجمعت الأمة على ذلك

وقوله تعالى إلا ما قد سلف استثناء منقطع معناه لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن اللّه تعالى يغفره والإسلام يجبه

وقوله تعالى والمحصنات عطفا على المحرمات قيل والتحصن التمنع ومنه الحصن وحصنت المرأة امنتنعت بوجه من وجوه الإمتناع وأحصنت نفسها وأحصنها غيرها والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب اللّه عز و جل فتستعمله في الزواج لأن ملك الزوج منعة وحفظ وتستعمله في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا والحرة بخلاف ذلك ألا ترى إلى قول هند وهل تزنى الحرة وتستعمله في الإسلام لأنه حافظ وتستعمله في العفة لأنها إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها فهي منعة وحفظ وحيث ما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض كما سيأتي بيانه في أماكنه إن شاء اللّه فقوله سبحانه في هذه الآية والمحصنات قال فيه ابن عباس وغيره هن ذوات الأزواج محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي

وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية والمحصنات من النساء فقال نرى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ولم يحل شيء من ذلك إلا بنكاح  شراء  تملك وهذا قول حسن عمم الفظ الإحصان ولفظ ملك اليمين وذلك راجع إلى أن اللّه حرم الزنا قال عبيدة السلماني وغيره

قوله سبحانه كتاب اللّه عليكم إشارة إلى ما ثبت من القرآن من

قوله سبحانه مثنى وثلاث ورباع وفي هذا بعد وإلا ظهر أن

وقوله كتاب اللّه عليكم إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت الجاهلية تفعله قال الفخر وكتاب اللّه عليكم مصدر من غير

لفظ الفعل قال الزجاج ويجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر ويكون عليكم خبرا له فيكون المعنى الزموا كتاب اللّه انتهى وفي التمهيد لأبي عمر بن عبد البر كتاب اللّه عليكم أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم انتهى

وقوله سبحانه وأحل لكم ما وراء ذلكم قال عطاء وغيره المعنى وأحل لكم ما وراء من حرم قلت أي على ما علم تفصيله من الشريعة قال ع وإن تبتغوا باموالكم لفظ يجمع التزوج والشراء ومحصنين معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك غير مسافحين أي غير زناة والسفاح الزنا

وقوله سبحانه فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن قال ابن عباس وغيره المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر كله وقال ابن عباس أيضا وغيره إن الآية نزلت في نكاح المتعة قال ابن المسيب ثم نسخت قال ع وقد كانت المتعة في صدر الإسلام ثم نهى عنها النبي صلى اللّه عليه وسلم

وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به أي من حط  تأخير بعد استقرار الفريضة ومن قال بأن الآية المتقدمة في المتعة قال الإشارة بهذه إلى أن ما ترضيا عليه من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر جائز

٢٥

وقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا الآية قال ابن عباس وغيره الطول هنا السعة في المال وقاله مالك في المدونة فعلى هذا التأويل لا يصح للحر أن يتزوج الأمة إلا باجتماع شرطين عدم السعة في المال وخوف العنت وهذا هو نص مالك في المدونة قال مالك في المدونة وليست الحرة تحته بطول أن خشي العنت وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول قال الشيخ أبو الحسن اللخمي وهو ظاهر القرآن ونحوه عن ابن حبيب وقال أبو حنيفة وجود الحرة تحته لا يجوز معه نكاح الأمة وقال الطبري وتقول طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع وطولا بضمها في ضد القصر والمحصنات في هذا الموضع الحرائر والفتاة وإن

كانت في اللغة واقعة على الشابة اية كانت فعرفها في الإماء وفتى كذلك والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه فلا يجوز نكاح أمة كافرة عندهم قلت والعلة في منع نكاح الأمة ما يؤول إليه الحال من استرقاق الولد

وقوله تعالى واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض معناه واللّه أعلم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر فلا تعجبوا بمعى الحرية والمقصد بهذا الكلام أن الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء أكرمهم عند اللّه اتقاهم وفي هذا توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة

وقوله تعالى فانكحوهن بإذن أهلهن معناه بولاية أربابهن المالكين وأتوهن أجورهن أي مهورهن بالمعروف معناه بالشرع والسنة ومحصنات الظاهر أنه بمعنى عفيفات قال ص محصنات منصوب على الحال والظاهر أن العامل وأتوهن ويجوز أن يكون العامل فانكحوهن محصنات أي عفائف انتهى والمسافحات الزواني المتبذلات اللواتي هن سوق للزنا ومتخذات الأخدان هن المستترات اللواتي يصحبن واحد واحد ويزنين خفية وهذا كانا نوعين في زنا الجاهلية قاله ابن عباس وغيره

وقوله تعالى فإذا أحصن الآية أي تزوجن قال الزهري وغيره فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث وفي مسلم والبخاري أنه قيل يا رسول اللّه الأمة إذا زنت ولم تحصن فأوجب عليها الحد والفاحشة هنا الزنا قال ص وجواب إذا فإن اتين وجوابه وانتهى والمحصنات في هذه الآية الحرائر إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل والرجم لا يتنصف فلم يرد في الآية بإجماع والعنت في اللغة المشقة قال ابن عباس وغيره والمقصد به هنا الزنا

وقوله تعالى وإن تصبروا خير لكم يعني عن نكاح

الإماء قاله ابن عباس وغيره وهذا ندب إلى الترك وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن

٢٦

وقوله تعالى يريد اللّه ليبين لكم ويهديكم الآية التقدير عند سيبويه يريد اللّه لأن يبين لكم ويهديكم بمعنى يرشدكم والسنن الطرق ووجوه الأمور وانحاؤها واللذين من قبلنا هم المؤمنون من كل شريعة

٢٧

وقوله سبحانه واللّه يريد أن يتوب عليكم الآية مقصد هذه الآية الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات فقدمت إرادة اللّه تعالى توطئة مظهره لفساد إرادة متبعى الشهوات

واختلف المتأولون في تعيين متبعي الشهوات فقال مجاهد هم الزناة وقال السدي هم اليهود والنصارى

وقالت فرقة هم اليهود خاصة لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب وقال ابن زيد ذلك على العموم في هؤلاء وفي كل متبع شهوة ورجحة الطبري

٢٨

وقوله تعالى يريد اللّه أن يخفف عنكم الآية أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء قاله مجاهد وغيره وهو ظاهر مقصود الآية ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية مخرج التفضل لأنها تتناول كل ما خففه اللّه سبحانه عن عباده وجعله الدين يسرا ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب

٢٩

وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة الآية الاستثناء منقطع المعنى لكن إن كانت تجارة فكلوها واخرج البخاري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى اللّه عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه اللّه انتهى

وقوله تعالى ولا تقتلوا انفسكم إن اللّه بكم رحيما أجمع المتأولون على أن المقصود بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل  بأن يحملها على غرر ربما مات منه فهذا كله يتناوله النهي وقد احتج

عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الأغتسال بالماء البارد خوفا على نفسه منه فقرر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجاجه

٣٠

وقوله تعالى ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما الآية اختلف في المشار إليه بذلك فقال عطاء ذلك عائد على القتل لأنه أقرب مذكور

وقالت فرقة ذلك عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس

وقالت فرقة ذلك عائد على كل ما نهي عنه من أول السورة وقال الطبري ذلك عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك

قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها لأن كل ما نهي عنه قبله إلى أول السورة قرن به وعيد

قال ابن العربي في أحكامه والقول الأول أصح وما عداه محتمل انتهى والعدوان تجاوز الحد قال ص عدوانا وظلما مصدران في موضع الحال أي متعدين وظالمين أبو البقاء  مفعول من أجله انتهى

واختلف العلماء في الكبائر فقال ابن عباس وغيره الكبائر كل ما ورد عليه وعيد بنار  عذاب  لعنة  ما أشبه ذلك وقال ابن عباس ايضا كل ما نهي اللّه عنه فهو كبير وعلى هذا القول أئمة الكلام القاضي وأبو المعالي وغيرهما قالوا وإنما قيل صغيرة بالإضافة إلى أكبر منها وإلا فهي في نفسها كبيرة من حيث المعصى بالجميع واحد

واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء والمحدثين يرون أن بإجتناب الكبائر تكفر الصغائر قطعا وأما الأصوليون فقالوا محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء لا على القطع ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها

قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وكريما يقتضي كرم الفضيلة ونفي العيوب كما تقول ثوب كريم وهذه آية رجاء

وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلس

على المنبر ثم قال والذي نفسي بيده ثلاث مرات ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزينا ليمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصفق ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية انتهى من التذكرة للقرطبي ونحوه ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر قال القطربي وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء وهو الصحيح أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر قطعا بوعد اللّه الصدق

وقوله الحق سبحانه وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة منها انتهى قلت وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول اللّه وما هن قال الشرك باللّه والسحر وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات انتهى

٣٢

وقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم علىبعض الآية سبب الآية أن النساء قلن ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشاركناهم في الغزو

وروي أن أم سلمة قالت ذلك  نحوه وقال الرجال ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء كما لنا عليهن في الدنيا فنزلت الآية قال ع لأن في تمنيهم هذا تحكما على الشريعة وتطرقا إلىالدفع في صدر حكم اللّه تعالى فهذا نهي عن كل تمن بخلاف حكم شرعي وأما التمني في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن وقد قال صلى اللّه عليه و سلم وددت أن اقتل في سبيل اللّه ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا الحديث وفي غير موضع ولقوله تعالى واسألوا اللّه من

فضله قال القشيري سمعت الشيخ أبا علي يقول من علامات المعرفه أن لا تسأل حوائجك قلت  كثرت إلا من اللّه تعالى مثل موسى اشتقاق إلى الرؤية فقال رب أرني أنظر إليك واحتاج مرة إلى رغيف فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير انتهى من التجبير

وقوله تعالى للرجال نصيب الآية قالت فرقة معناه من الأجر والحسنات فكأنه قيل للناس لا تتمنوا في أمر مخالف لما حكم اللّه به لأختيار ترونه أنتم فإن اللّه تعالى قد جعل لكل أحد نصيبا من الأجر والفضل بحسب اكتسابه فيما شرع له وهذا قول حسن وفي تعليقه سبحانه النصيب بالإكتساب حض على العمل وتنبيه على كسب الخير

وقوله سبحانه وسألوا اللّه من فضله قال ابن جبير وغيره هذا في فضل العبادات والدين لا في فضل الدنيا وقال الجمهور ذلك على العموم وهو الذي يقتضيه اللفظ فقوله وسألوا اللّه يقتضي مفعولا ثانيا تقديره وأسالوا اللّه الجنة  كثيرا من فضله

٣٣

وقوله تعالى ولكل جعلنا موالي الآية أي ولكل أحد قال ابن عباس وغيره الموالي هنا العصبة والورثة والمعنى ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون

وقوله تعالى واللذين رفع بالابتداء والخبر في قوله فآتوهم نصيبا

واختلف من المراد بالذين فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وغيرهم هم الأحلاف فإن العرب كانت تتوارث بالحلف ثم نسخت بآيات الأنفال وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض وقال ابن عباس أيضا هم الذين كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آخى بينهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم وقال ابن المسيب هم الذين كانوا يتبنون قال ع ولفظة المعاقدة والإيمان ترجح أن المراد الأحلاف

٣٤

وقوله الرجال قوامون بناء مبالغة وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه فقيام الرجال على النساء هو على هذا

الحد وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء قال ابن عباس الرجال أمراء على النساء

قال ابن العربي في أحكامه وللرجال عليهن درجة لفضل القوامية فعليه أن يبذل المهر والنفقة وحسن العشرة ويحجبها ويأمرها بطاعة اللّه تعالى وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام وما وجب على المسلمين وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره في الحجبة وغيرها إلا بإذنه وقبول قوله في الطاعات انتهى وما مصدرية في الموضعين والصلاح في قوله فالصالحات هو الصلاح في الدين وقانتات معناه مطيعات لأزواجهن  للّه في أزواجهن حافظات للغيب معناه لكل ما غاب عن علم زوجها مما استرعيته

وروى أبو هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية

وقوله بما حفظ اللّه ما مصدرية تقديره بحفظ اللّه ويصح أن تكون بمعنى الذي ويكون العائد في حفظ ضمير نصب أي بالذي حفظه اللّه ويكون المعنى أما حفظ اللّه ورعايته التي لا يتم أمر دونها وأما أوامره ونواهيه للنساء فكأنها حفظه بمعنى أن النساء يحفظن بازاء ذلك وبقدره

وقوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن الآية النشوز أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلى على زوجها واهجروهن في المضاجع قال ابن عباس يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها وقال مجاهد جنبوا مضاجعتهن وقال ابن جبير هي هجرة الكلام أي لا تكلموهن واعرضوا عنهن فيقدر حذف تقديره وأهجروهن في سبب المضاجع حتى يراجعنها م قوله في المضاجع ذكر أبو البقاء فيه وجهين الأول أن في على بابها من الظرفية أي اهجروهن في مواضع الإضطجاع أي أتركوا

مضاجعتهن دون ترك مكالمتهن الثاني أنها بمعنى السبب أي اهجروهن بسبب المضاجع كما تقول في هذه الجناية عقوبة انتهى وكونها للظرفية اظهر واللّه اعلم والضرب في هذه الآية هو ضرب الادب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح قال عطاء قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح قال بالشراك ونحوه

قال ابن العربي في احكامه قوله عز و جل واضربوهن ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال ايها الناس ان لكم على نسائكم حقا لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه وعليهن الا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن اللّه قد اذن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وفي هذا دليل على ان الناشز لا نفقة لها ولا كسوة وأن الفاحشة هي البذاء ليس الزنا كما قال العلماء ففسر النبي صلى اللّه عليه وسلم الضرب وبين أنه لا يكون مبرحا أي لا يظهر له أثر على البدن انتهى قال ع وهذه العظة والهجر والضرب مراتب أن وقعت الطاعة عند احداها لم يتعد إلى سائرها وتبغوا معناه تطلبوا وسبيلا أي إلى الاذى وهو التعنيت والتعسف بقول  فعل وهذا نهي عن ظلمهن وحسن هنا الاتصاف بالعلو والكبر أي قدره سبحانه فوق كل قدر ويده بالقدرة فوق كل يد فلا يستعلى احد بالظلم على امرأته فاللّه تعالى بالمرصاد وينظر إلى هذا حديث أبي مسعود قال كنت أضرب غلامي فسمعت قائلا يقول اعلم أبا مسعود أعلم أبا مسعود فصرفت وجهي فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول أعلم أبا مسعود أن اللّه اقدر عليك منك على هذا العبد الحديث

٣٥

وقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الآية اختلف من المأمور بالبعثة فقيل الحكام

وقيل المخاطب الزوجان

واليهما تقديم الحكمين وهذا في مذهب مالك والأول لربيعة وغيره ولا يبعث الحكمان إلا مع شدة الخوف والشقاق ومذهب مالك وجمهور العلماء أن الحكمين ينظران في كل شيء ويحملان على الظالم ويمضيان ما رأياه من بقاء  فراق وهو قول علي بن أبي طالب في المدونه وغيرها

وقوله أن يريدا اصلاحا قال مجاهد وغيره المراد الحكمان أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما

وقالت فرقة المراد الزوجان والأول اظهر وكذلك الضمير في بينهما يحتمل الأمرين والأظهر أنه للزوجين والاتصاف بعليم خبير يناسب ما ذكر من ارادة الاصلاح

٣٦

وقوله تعالى واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا العبادة التذلل بالطاعة واحسانا مصدر والعامل فيه فعل تقديره واحسنوا بالوالدين احسانا وبذى القربى هو القريب النسب من قبل الأب والأم قال ابن عباس وغيره والجار ذو القربى هو القريب النسب والجار الجنب هو الجار الأجنبي

وقالت فرقة الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك والجار الجنب هو البعيد المسكن منك والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض ادناها الزوجة قال ابن عباس وغيره الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى وغيرهم هو الزوجة وقال ابن زيد هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه واسند الطبري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان معه رجل من اصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غيضة فقطع قضيبين احدهما معوج وخرج فاعطى صاحبه القويم وحبس هو المعوج فقال له الرجل كنت يا رسول اللّه احق بهذا فقال له يا فلان ان كل صاحب يصحب الآخر فانه مسؤل عن صحابته ولو ساعة من نهار قلت واسند الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال خير الاصحاب عند

اللّه خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره انتهى من صفوة التصوف وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه اخرجه البخاري واخرجه ايضا من طريق عائشة رضي اللّه عنها انتهى وابن السبيل المسافر وسمي ابنه للزومه له وما ملكت ايمانكم هم العبيد الارقاء

قال ابن العربي في احكامه وقد أمر اللّه سبحانه بالرفق بهم والاحسان اليهم وفي الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال اخوانكم ملككم اللّه رقابهم فاطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون فان كلفتموهم فاعينوهم انتهى ونفى سبحانه محبته عن من صفته الخيلاء والفخر وذلك ضرب من التوعد يقال خال الرجل يخول خولا إذا تكبر واعجب بنفسه وخص سبحانه هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو وذلك هوالحامل على الاخلال بالاصناف الذين تقدم أمر اللّه بالاحسان اليهم

٣٧

وقوله تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الآية قالت فرقة الذين في موضع نصب بدل من من في قوله من كان مختالا ومعناه على هذا يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس يعنى اخوانهم ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالاموال أن تنفق في شيء من وجوه الاحسان إلى من ذكر ويكتمون ما أتاهم اللّه من فضله يعنى من الرزق والمال فالآية اذن في المؤمنين أي وأما الكافرون فأعد لهم عذابا مهينا

وروي أن الآية نزلت في احبار اليهود بالمدينة إذ كتموا أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم وبخلوا به والتوعد بالعذاب المهين لهم واعتدنا معناه يسرنا واحضرنا والعتيد الحاضر والمهين الذي يقترن به خزي وذل وهو انكى واشد على المعذب

٣٨

وقوله تعالى والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس الآية الذين في موضع رفع على القطع والخبر محذوف وتقديره بعد اليوم الآخر معذبون والصحيح الذي عليه

الجمهور أن هذه الآية في المنافقين والقرين فعيل بمعنى فاعل من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب والانسان كله يقارنه الشيطان لكن الموفق عاص له

٣٩

وقوله تعالى وما ذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر الآية التقدير واي شيء عليهم لو آمنوا وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم واستدعاء جميل يقتضى حيطة واشفاقا وكان اللّه بهم عليما اخبار يتضمن وعيدا وينبه على سوء تواطئهم أي لا ينفعهم كتم مع علم اللّه بهم

٤٠

وقوله تعالى أن اللّه لا يظلم مثقال ذرة الآية مثقال مفعال من الثقل والذرة الصغيرة الحمراء من النمل

وروي عن ابن عباس انه قال الذرة راس النملة وقرأ ابن عباس مثقال نملة قال قتادة عن نفسه ورواه عن بعض العلماء لان تفضل حسناتى على سيئاتي بمثقال ذرة احب الي من الدنيا جميعا

وقوله سبحانه وان تك حسنة التقدير وان تك زنة الذرة وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللّهم سلم سلم وفيه فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من احد منكم باشد مناشدة للّه في استيفاء الحق من المؤمنين للّه يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد اخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها احد ممن امرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها احد ممن امرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخروجون خلقا كثيرا ثم

يقولون ربنا لم نذر فيها احدا ممن امرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذره من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول ان لم تصدقونى في هذا الحديث فاقرؤا إن شئتم أن اللّه لا يظلم مثقال ذرة وأن تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه اجرا عظيما فيقول اللّه عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط الحديث انتهى ولفظ البخاري فما انتم باشد لى مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في اخوانهم الحديث وقرأ نافع وابن كثير حسنة بالرفع على تمام كان التقدير وأن توجد حسنة ويضاعفها جواب الشرط وقرأ ابن كثير يضعفها وهو بناء تكثير يقتضى اكثر من مرتين إلى اقصى ما تريد من العدد قال بعض المتأولين هذه الآية خص بها المهاجرون لان اللّه تعالى اعلم في كتابه ان الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار وأعلم في هذه الآية انها مضاعفة مرارا كثيرة حسبما روى أبو هريرة من أنها تضاعف الفي الف مرة

وروى غيره الف الف مرة وقال بعضهم بل وعد بذلك جميع المؤمنين قال ع والآية تعم المؤمنين والكافرين فأما المؤمنون فيجازون في الآخرةى على مثاقيل الذر فما زاد وأما الكافرون فما يفعلونه من خير فانه تقع عليه المكافأة بنعم الدنيا ويأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم قلت وقد ذكرنا في هذا المختصر من احاديث الرجاء واحاديث الشفاعة جملة صالحة لا توجد مجتمعة في غيره على نحو ما هي فيه عسى اللّه ان ينفع به الناظر فيه ومن أعظم احاديث الرجاء ما ذكره عياض في الشفا قال ومن حديث أنس سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول لا شفعن يوم القيامة لا كثر مما في الأرض من شجر وحجر وهذا الحديث

اخرجه النساءي ولفظه انى لا شفع يوم القيامة لا كثر مما على الأرض من شجر وحجر الحديث انتهى من الكوكب الدري ومن لدنه معناه من عنده والأجر العظيم الجنة قال ابن مسعود وغيره وإذا من اللّه سبحانه بتفضله على عبده بلغ الغاية اللّهم من علينا بخير الدارين بفضلك

وقوله جلت قدرته فيكف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا الآية لما تقدم في التي قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة حسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها ويجاء فيها بالشهداء على الأمم ومعنى الآية ان اللّه سبحانه يأتي بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ومعنى الأمة في هذه الآية جميع من بعث إليه من آمن منهم ومن كفر وكذلك قال المتأولون أن الاشارة بهؤلاء إلى كفار قريش وغيرهم روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه ابن مسعود حسبما هو مذكور في الحديث الصحيح وفي صحيح البخاري عن عقبة بن عامر قال صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على قتلى أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال أني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وأني لا نظر إليه من مقامي هذا وأني لست أخشى عليكم أن تشكروا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى

وقوله تعالى لو تسوى قالت فرقة معناه تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم

وقالت فرقة معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم

وقوله تعالى ولا يكتمون اللّه حديثا معناه عند طائفة أن الكفار لما يرونه من الهول وشدة المخاوف يودون لو تسوى بهم الأرض فلا

ينالهم ذلك الخوف ثم استأنف الكلام فأخبرأنهم لايكتمون اللّه حديثا لنطق جوارحهم بذلك كله حين يقول بعضهم واللّه ربنا ما كنا مشركين فيقول اللّه سبحانه كذبتم ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثا وهذا قول ابن عباس وقالت طائفة الكلام كله متصل وودهم أن لا يكتموا اللّه حديثا إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا واللّه ربنا ما كنام مشركين والرسول في هذه الآية الجنس شرف بالذكر وهو مفرد دل على الجمع

٤٣

وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية نزلت قبل تحريم الخمر وجمهور المفسرين على ان المراد سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال المراد سكر النوم وهذا قول ضعيف والمراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة وقالت طائفة الصلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا

قال ابن العربي في الأحكام

وروي في سبب نزول هذه الآية عن علي رضي اللّه عنه أنه قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر يعني وذلك قبل تحريمها قال فأخذت الخمر منا حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل اللّه تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية أخرجه الترمذي وصححه انتهى

وقوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وغيره عابر السبيل المسافر وقال ابن مسعود وغيره عبار السبيل هنا الخاطر في المسجد وعابر السبيل هو من العبور أي الخطور والجواز والمريض المذكور في الآية هو الحضري وأصل الغائط ما انخفض من الأرض ثم كثر استعماله في قضاء الحاجة واللمس في اللغة لفظ يقع للمس الذي هو الجماع وللمس الذي هو جس اليد والقبلة ونحوه

واختلف في موقعها هنا فمالك رحمه اللّه يقول اللفظة هنا تقتضي الوجهين فالملامس بالجماع

يتيمم والملامس باليد يتيمم ومعنى

قوله سبحانه فتيمموا اقصدوا والصعيد في اللغة وجه الأرض قاله الخليل وغيره

واختلف الفقهاء فيه من أجل تقييد الآية أياه بالطيب فقالت طائفة يتيمم بوجه الأرض ترابا كان  رملا  حجارة  معدنا  سبخة وجعلت الطيب بمعنى الطاهر وهذا هو مذهب مالك وقال طائفة منهم الطيب بمعنى المنبت كما

قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه فالصعيد عندهم هو التراب وهذه الطائفة لا تجيز التيمم بغيره فمكان الإجماع أن يتيمم في تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور وفي المدونة أن التيمم ضربتان وجمهور العلماء أنه ينتهي في مسح اليدين إلى المرافق

٤٤

وقوله سبحانه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة الآية ألم تر من رؤية القلب وهي علم بالشيء والمراد باللذين اليهود قاله قتادة وغيره ثم اللفظ يتناول معهم النصارى وقال ابن عباس نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي والكتاب التوراة والإنجيل ويشترون عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان

وقالت فرقة أراد اللذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهو شراء حقيقة ويريدون أن تضلوا السبيل معناه أن تكفروا

٤٥

وقوله سبحانه واللّه أعلم بأعدائكم خبر في ضمنه التحذير منهم وكفى باللّه وليا أي اكتفوا باللّه وليا

٤٦

وقوله سبحانه من الذين هادوا قال بعض المتأولين من راجعة على الذين الأولى

وقالت فرقة من متعلقة بنصيرا والمعنى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذين التأويلين لا يوقف في قوله نصيرا

وقالت فرقة هي ابتداء كلام وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون وهذا مذهب أبي علي وعلى هذا التأويل يوقف في نصيرا وقول سيبويه أصوب لأن إضمار الموصول ثقيل وإضمار الموصوف أسهل وتحريفهم للكلام على وجهين أما بتغيير اللفظ وقد

فعلوا ذلك في الأقل وأما بتغيير التأويل وقد فعلوا ذلك في الأكثر وإليه ذهب الطبري وهذا كله في التوراة على قول الجمهور وقالت طائفة هو كلم القرآن وقال مكي هو كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم فالتحريف على هذا في التأويل

وقوله تعالى عنهم سمعنا وعصينا عبارة عن عتوهم في كفرهم وطغيانهم فيه وغير مسمع يتخرج فيه معنيان أحدهما غير مأمور وغير صاغر كأنهم قالوا غير أن تسمع مأمورا بذلك والآخر على جهة الدعاء أي لا سمعت كما تقول إمض غير مصيب ونحو ذلك فكانت اليهود إذا خاطبت النبي صلى اللّه عليه وسلم بغير مسمع أرادت في الباطن الدعاء عليه وأرت ظارهرا أنها تريد تعظيمه قال ابن عباس وغيره نحوه وكذلك كانوا يريدون منه في أنفسهم معنى الرعونة وحكى مكي معنى رعاية الماشية ويظهرون منه معنى المراعاة فهذا معنى لي اللسان وقال الحسن ومجاهد غير مسمع أي غير مقبول منك وليا أصله لويا وطعنا في الدين أي توهينا له وإظهارا للاستخفاف به قال ع وهذا اللي باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن في بني إسرائيل ويحفظ منه في عصرنا أمثله إلا أنه لايليق ذكرها بهذا الكتاب

وقوله تعالى ولو أنهم الآية المعنى ولو أنهم ءامنوا وسمعوا وأطاعوا واقوم معناه أعدل وأصوب وقليلا نعت أما لإيمان وإما لنفر  قوم والمعنى مختلف

٤٧

وقوله تعالى يا أيها الذين اوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم الآية هذا خطاب لليهود والنصارى ولما معكم معناه من شرع وملة لا لما معهم من مبدل ومغير والطامس الداثر المغير الاعلام قالت طائفة طمس الوجوه هنا هو خلو الحواس منها وزوال الخلقة وقال ابن عباس وغيره طمس الوجوه أن تزال العينان خاصة منها وترد العينان في القفا فيكون ذلك ردا على الأدبار ويمشي القهقري وقال مالك رحمه اللّه كان اول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو

يقرأ هذه الآية يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا الآية فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه وقال واللّه لقد خفت أن لا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي وأصحاب السبت هم الذين اعتدوا في السبت في الصيد حسبما تقدم قال قتادة وغيره وأمر اللّه في هذه الآية واحد الأمور دال على جنسها لا واحد الأوامر فهي عبارة عن المخلوقات كالعذاب واللعنة هنا  ما اقتضاه كل موضع مما يختص به

٤٨

وقوله تعالى إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والعويد وتلخيص الكلام فيها أن يقال الناس أربعة أصناف كافر مات على كفره فهذا مخلد في النار بإجماع ومؤمن محسن لم يذنب قط ومات على ذلك فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من اللّه تعالى بإجماع وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع الخلاف فقالت المرجئة هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته وجعلوا آيات الوعيد كلها في الكفار وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيهم وعاصيهم وقالت المعتزلة إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيرة  صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له لأنهم يرون كل الذنوب كبائر وجعلوا آيات الوعد كلها في المؤمن الذي لم يعص قط والمؤمن التائب وقال أهل السنة هو في المشيئة وهذه الآية هي الحاكمة وهي النص في موضع النزاع وذلك أن

قوله تعالى إن اللّه لا يغفر أن يشرك به فصل مجمع عليه

وقوله ويغفر ما دون ذلك فصل قاطع للمعتزلة راد على قولهم ردا لا محيد لهم عنه ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة فجاء قوله لمن

يشاء ردا عليهم مبينا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن ولما حتم سبحانه على أنه لا يغفر الشرك ذكر قبح موقعه وقدره في الذنوب والفرية أشد مراتب الكذب قبحا وهو الاختلاق

٥٠

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل اللّه يزكي من يشاء الآية لا خلاف بين المتأولين إن المراد بالآية اليهود وإنما اختلفوا في المعنى الذي به زكوا أنفسهم فقال الحسن وقتادة ذلك قولهم نحن ابناء اللّه واحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا إلى غير ذلك من غرورهم قال ع فتقتضي هذه الآية الغض من المزكي لنفسه بلسانه والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله وزكاه اللّه عز و جل قال ابن عباس وغيره الفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة وذلك راجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره وإن اللّه لا يظلمه ولا شيء دونه في الصغر فكيف بما فوقه

وقوله تعالى أنظر كيف يفترون على اللّه الكذب الآية يبين أن تزكيتهم أنفسهم كانت بالباطل والكذب ويقوى أن التزكية كانت بقولهم نحن أبناء اللّه وأحباؤه إن الإفتراء أعظم في هذه المقالة وكيف يصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله يفترون وكفى به إثما مبينا خبر في ضمنه تعجب وتعجيب من أمرهم قال ص وكفى به عائد على الإفتراء

وقيل على الذكب انتهى

٥١

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية اجمع المتأولون ان المراد بها طائفة من اليهود والقصص تبين ذلك ومجموع ما ذكره المفسرون فى تفسير الجبت والطاغوت يقتضي أنه كل ما عبد وأطيع من دون اللّه تعالى

وقوله تعالى ويقولون للذين كفروا الآية سببها أن قريشا قالت لكعب بن الأشرف حين ورد مكة أنت سيدنا وسيد قومك إنا قوم ننحر الكوماء

ونقري الضيف ونصل الرحم ونسقي الحجيج ونعبد آلهتنا التي وجدنا عليها آباءنا وهذا محمد قد قطع الرحم فمن أهدى نحن  هو فقال كعب أنتم أهدى منه وأقوم دينا فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس فالضمير في يقولون عائد على كعب وعلى الجماعة التي معه من اليهود المحرضين على قتال النبي صلى اللّه عليه وسلم والذين كفروا في هذه الآية هم كفار قريش والإشارة بهؤلاء اليهم والذين آمنوا هم النبي صلى اللّه عليه وسلم وأمته

وقالت فرقة بل المراد حيي ابن أخطب واتباعه وهم المقصود من أول الآيات قال ص للذين اللام للتبليغ متعلقة بيقولون انتهى

وقوله تعالى أم لهم نصيب من الملك الآية عرف أم أن تعطف بعد إستفهام متقدم كقولك أقام زيد أم عمرو فإذا وردت ولم يتقدمها استفهام كما هي هنا فمذهب سيبويه أنها مضمنة معنى الإضراب عن الكلام الأول والقطع منه وهي متضمنة مع ذلك معنى الاستفهام فهي بمعنى بل مع همزة استفهام كقول العرب إنها لإبل أم شاء التقدير عند سيبويه أنها لإبل بل أهي شاء وكذلك هذا الموضع بل ألهم نصيب من الملك فإذا عرفت هذا فالمعنى على الأرجح الذي هو مذهب سيبويه والحذاق أن هذا إستفهام على معنى الإنكار أي ألهم ملك فإذن لو كان لبخلوا به والنقير هي النكتة التي في ظهر النواة من التمر هذا قول الجمهور وهذا كناية عن الغاية في الحقارة والقلة وتكتب إذا بالنون وبالألف فالنون هو الأصل كعن ومن وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون التنوين ولا يصح الوقوف على عن ومن

وقوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه الآية أم هذه على بابها من العطف بعد الاستفهام وقال ص أم يحسدون أم أيضا منقطعة تتقدر ببل والهمزة انتهى قلت والظاهر ما قاله ع

واختلف في

المراد بالناس هنا فقال ابن عباس وغيره هو النبي صلى اللّه عليه وسلم والفضل النبوءة فقط والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك وقال قتادة الناس هنا العرب حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي صلى اللّه عليه وسلم منها والفضل على هذا التأويل هو صلى اللّه عليه وسلم قال أبو عمر بن عبد البر وقد ذم اللّه قوما على حسدهم فقال أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله ثم حدث بسنده عن عمرو ابن ميمون قال لما رفع اللّه موسى نجيا رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال يا رب من هذا فقال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله فقال يا رب أخبرني فقال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم اللّه من فضله ثم حدث أبو عمر بسنده عن أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول اللّه قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ انتهى من التمهيد

وقوله تعالى فمنهم من آمن به اختلف في الضمير من به فقال الجمهور هو عائد على القرآن الذي في

قوله تعالى ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فأعلم اللّه سبحانه أن منهم من آمن كما أمر فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله سحبانه وكفى بجهنم سعيرا

وقيل هو عائد على إبراهيم عليه السلام

وقيل هو عائد على الفضل الذي آتاه اللّه النبي عليى السلام والعرب على ما تقدم

٥٦

وقوله تعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا الآية لما تقدم في الآية وصف المردة من بني إسرائيل وذكر أفعالهم وذنوبهم

جاءت هذه الآية بالوعيد النص لهم بلفظ جلي عام لهم ولغيرهم ممن فعل فعلهم من الكفرة

واختلف في معنى تبديل الجلود فقالت فرقة تبدل عليهم جلود اغيار إذ نفوسهم هي المعذبة والجلود لا تألم في ذاتها

وقالت فرقة تبديل الجلود هو إعادة ذلك الجلد بعينه الذي كان في الدنيا إنما سماه تبديلا لأن أوصافه تتغير قال الحسن بن أبي الحسن تبدل عليهم في اليوم سبعين ألف مرة عافانا اللّه من عذابه برحمته ولما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة وظليلا معناه عند بعضهم يقي الحر والبرد ويصح ان يريد أنه ظل لا يستحيل ولا يتنقل وصح وصفه بظليل لامتداده فقد قال صلى اللّه عليه و سلم ان في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها ورأيت لبعضهم ما نصه وذكر الطبري في كتابه قال لما خلق اللّه عز و جل الجنة قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مقدار رحمتي فامتدت فهي تمتد ابد الآبدين فليس للجنة طرف كما أنه ليس لرحمة اللّه طرف انتهى فهذا لا يعلم إلا من جهة السمع فهو مما اطلع عليه الطبري وهو إمام حافظ محدث ثقة قاله الخطيب أحمد بن علي بن ثابت

٥٨

وقوله تعالى إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية قال ابن جريج وغيره الآية خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة ومن ابن عمه شيبة فطلبه العباس بن عبد المطلب ليضيف السدانة إلى السقاية دخل البني صلى اللّه عليه و سلم الكعبة وكسر ما كان فيها من الأوثان وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الآية قال عمر بن الخطاب

فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية وما كنت سمعتها قبل منه فدعا عثمان وشيبة فقال لهما خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ثم الآية بعد تتناول الولاة فيما لديهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلمات وعدل الحكومات وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات للّه تعالى

قال ابن العربي في أحكامه هذه الآية في أداء الآمانة والحكم بين الناس عامة في الولاة والخلق لأن كل مسلم عالم بل كل مسلم حاكم ووال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا وقال صلى اللّه عليه و سلم كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤل عنهم والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عنه وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على ما قلناه انتهى ونعما أصله نعم ما سكنت الميم الأولى وادغمت في الثانية وحركت العين لإلتقاء الساكنين وخصت بالكسر اتباعا للنون وما المردوفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها ومع أنها موطئة فهي بمعنى الذي

٥٩

وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول الآية لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة تقدم في هذه إلى الرعية فأمر بطاعته عز و جل وهي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله وطاعة الأمراء على قول الجمهور وهو قول ابن عباس وغيره فالأمر على هذا التأويل هو ضد النهي ومنه لفظة الأمير وقال جابر وجماعة أولوا الأمر أهل القرآن والعلم قال عطاء طاعة الرسول هي اتباع سنته يعني بعد موته ولفظ ابن العربي في أحكامه قال

قوله تعالى وأولي الأمر منكم فيها قولان الأول قال ميمون بن مهران

 

هم أصحاب السرايا

وروى في ذلك حديثا وهو اختيار البخاري

وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد اللّه بن حذافة إذ بعثه النبي صلى اللّه عليه وسلم في سرية

والثاني هم العلماء وبه قال أكثر التابعين واختاره مالك والطبري والصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء أم الأمراء فلأن الأمر منهم والحكم إليهم وأما العلماء فلأن سؤالهم متعين على الخلق وجوابهم لازم وامتثال فتواهم واجب ويدخل فيه تأمر الزو على الزوجة لأنه حاكم عليها انتهى

وقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء الآية معنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها والرد إلى اللّه هو النظر في كتابه العزيز والرد إلى الرسول هو سؤاله صلى اللّه عليه و سلم في حياته والنظر في سنته بعد وفاته هذا قول مجاهد وغيره وهو الصحيح

وقوله سبحانه إن كنتم تؤمنون باللّه الآية فيه بعض وعيد وتأويلا معناه مآلا في قول جماعة وقال قتادة وغيره المعنى أحسن عاقبة

وقالت فرقة المعنى أن اللّه ورسوله أحسن نظرا وتأولا منكم إذا انفردتم بتأولكم

٦٠

وقوله تعالى ألم تر إلىالذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك الآية تقول العرب زعم فلان كذا في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق وغاية درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونا وإذا قال سيبويه زعم الخليل فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به وكان اقوى رتب زعم ان تبقى معها عهدة الخبر على المخبر قال عامر الشعبي نزلت الآية في منافق اسمه بشر خاصم رجلا من اليهود فدعاه اليهودي إلى المسلمين لعلمه أنكم لا يرتشو وكان المنافق يدعو اليهودي إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون فاتفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه فنزلت هذه الآية فيهما وفي صنفيهما فالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على محمد عليه السلام هم المنافقون والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود وكل قد أمر في كتابه بالكفر بالطاغوت والطاغوت

هنا الكاهن المذكور فهذا تأنيب للصنفين وقال ابن عباس الطاغوت هنا هو كعب ابن الأشرف وهو الذي تراضيا به

وقيل غير هذا

وقوله رأيت هي رؤية عين لمن صد من المنافقين مجاهرة وتصريحا وهي رؤية قلب لمن صد منهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالقرائن الصادرة عنه

٦٢

وقوله تعالى فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم قالت فرقة هي في المنافقين الذين احتكموا حسبما تقدم فالمعنى فكيف بهم إذا عاقبهم اللّه بهذه الذنوب بنقمة منه ثم حلفوا إن أرادنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه

٦٣

وقوله تعالى اولائك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم تكذيب لهم وتوعد أي فهو سبحانه مجازيهم فأعرض عنهم وعظهم بالتخويف من عذاب اللّه وغيره من المواعظ

وقوله سبحانه وقل لهم في أنفسهم قال ص أي قل لهم خاليا بهم لأن النصح إذا كان في السر كان أنجح  قل لهم في حال أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم الزجر عن العود إلى ما فعلوا انتهى

واختلف في القول البليغ فقيل هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول

وقيل هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق قاله الحسن وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم والبلاغة مأخوذة من بلوغ المراد بالقول

٦٤

وقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن اللّه تنبيه على جلالة الرسل أي فأنت يا محمد منهم تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك وبإذن اللّه معناه بأمر اللّه وظلموا أنفسهم أي بالمعصية والنفاق وعن العتبي قال كنت جالسا عند قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول اللّه سمعت اللّه تعالى يقول ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توابا رحيما وقد جئتك مستعفيا من ذنوبي مستغفرا إلى ربي ثم انشأ يقول

يا خير من دفنت بالقاع اعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم ...

... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ...

قال ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في النوم فقال لي يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره أن اللّه تعالى قد غفر له انتهى من حلية النووي وسنن الصالحين للباجي وفيه مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي

٦٥

وقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية قال الطبري قوله فلا رد على ما تقدم تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ثم استأنف القسم وقال غيره إنما قدم لا على القسم اهتماما بالنهي وإظهارا لقوته قال ابن عطاء اللّه في التنوير وفي

قوله سبحانه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم دلالة على أن الإيمان الحقيقي لا يحصل إلا لمن حكم اللّه ورسوله على نفسه قولا وفعلا وأخذا وتركا وحبا وبغضا فتبين لك من هذا أنه لا تحصل لك حقيقة الإيمان باللّه إلا بأمرين الامتثال لأمره والاستسلام لقهره سبحانه انتهى وشجر معناه اختلط والتف من أمورهم وهو من الشجر شبه بالتفاف الأغصان والحرج الضيق والتكلف والمشقة قال مجاهد حرجا شكا

وقوله تسليما مصدر مؤكد منبىء عن التحقيق في التسليم لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة كما

قال تعالى وكلم اللّه موسى تكليما قال مجاهد وغيره المراد بهذه الآية من تقدم ذكره ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت ورجح الطبري هذا لأنه أشبه بنسق الآية وقالت طائفة نزلت فى رجل خاصم الزبير بن العوام فى السقي بماء الحرة كما هو مذكور فى البخاري وغيره وان الزبير قال فما احسب ان هذه الآية نزلت إلا في ذلك وكتبنا معناه فرضنا أن أقتلوا أنفسكم معناه يقتل بعضكم بعضا وقد تقدم نظيره في البقرة

وسبب الآية على ما حكى أن اليهود قالوا لما لم يرض المنافق بحكم النبي صلى اللّه عليه وسلم ما رأينا أسخف من هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا يرضون بحكمه ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغ القتل فينا سبعين ألفا فقال ثابت بن قيس لو كتب ذلك علينا لفعلناه فنزلت الآية معلمة بحال أولئك المنافقين وانه لو كتب ذلك على الأمة لم يفعلوه وما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محققون كثابت قلت وفي العتبية عن مالك عن أبي بكر رضي اللّه عنه نحو مقالة ثابت بن قيس قال ابن رشد ولا شك أن أبا بكر من القليل الذي استثنى اللّه تعالى في الآية فلا احد أحق بهذه الصفة منه انتهى قال ص إلا قليل الجمهور بالرفع علىالبدل من واو فعلوه عند البصريين انتهى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به أي لو أن هؤلاء المنافقين اتعظوا وأنابوا لكان خيرا لهم وتثبيتا معناه يقينا وتصديقا ونحو هذا أي يثبتهم اللّه ثم ذكر تعالى ما كان يمن به عليهم من تفضله بالأجر ووصفه إياه بالعظيم مقتض ما لا يحصيه بشر من النعيم المقيم والصراط المستقيم الإيمان المؤدي إلى الجنة والمقصود تعديد ما كان ينعم به عليهم سبحانه

وقوله جلت عظمته ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم الآية لما ذكر اللّه سبحانه الأمر الذي لو فعلوه لأنعم عليهم ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله وهذه الآية تفسر

قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم وقالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد اللّه بن زيد الأنصاري الذي أري الأذان يا رسول اللّه إذا مت ومتنا كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية قال ع ومعنى أنهم معهم في دار واحدة ومتنعم واحد وكل من فيها قد رزق الرضى بحاله وذهب عنه أن يعتقد أنه مفصول وإن كنا نحن قد علمنا من

الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم وعلى قدر فضل اللّه على من يشاء والصديق فعيل من الصدق

وقيل من الصدقة

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم الصديقون المتصدقون ولفظ الشهداء في هذه الآية يعم أنواع الشهداء قال ص وحسن اولائك رفيقا فيه معنى التعجب كأنه قال وما أحسن أولئك رفيقا وقد قدمنا في كلام ابن الحاج ما يدل على أن التعجب لازم لفعل المستعمل للمدح والذم على كل حال سواء استعملت استعمال نعم  لا انتهى

وقوله تعالى ذلك الفضل من اللّه الإشارة بذلك إلى كون المطيعين مع المنعم عليهم

٧١

وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم الآية هذا خطاب المخلصين من أمة نبينا صلى اللّه عليه وسلم وأمر لهم بجاهد الكفار والخروج في سبيل اللّه وحماية الإسلام وخذوا حذركم أي احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد وانفروا معناه اخرجوا وثبات معناه جماعات متفرقات وهي السرايا والثبة حكي أنها فوق العشرة وجميعا معناه الجيش الكثير مع النبي صلى اللّه عليه وسلم هكذا قال ابن عباس وغيره

٧٢

وقوله تعالى وإن منكم إيجاب والخطاب لجماعةالمؤمنين والمراد بمن المنافقون وعبر عنهم بمنكم إذ هم في الظاهر في عداد المؤمنين واللام الداخلة على من لام التأكيد والداخلة على يبطئن لام القسم عند الجمهور وتقديره وإن منكم لمن واللّه ليبطئن ويبطئن معناه يبطيء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومصيبة يعني من قتال واستشهاد وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة من اللّه سبحانه لحسن مئالها وشهيدا معناه مشاهدا

٧٣

وقوله تعالى ولئن أصابكم فضل من اللّه أي ظفرتم وغنمتم ندم المنافق وقال يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما متمنيا شيئا قد

كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده

وقوله تعالى كأن لم يكن بينكم وبينه مودة التفاتة بليغة واعتراض بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم وقال الزجاج قوله كأن لم يكن بينكم وبينه مودة مؤخر وإنما موضعه فإن أصابكم مصيبة قال ع وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام قال ص

وقوله فأفوز بالنصب هو جواب التمني انتهى

٧٤

وقوله تعالى فليقاتل في سبيل اللّه الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة الآية هذا أمر من اللّه سبحانه للمؤمنين بالجهاد ويشرون هنا معناه يبيعون ثم وصف سبحانه ثواب المقاتلين والأجر العظيم الجنة

٧٥

وقوله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه الآية ما استفهام والمستضعفين عطف على اسم اللّه عز و جل أي وفي سبيل المستضعفين لاستنقاذهم ويعني بالمستضعفين من كان بمكة تحت إذلال كفرة قريش وفيهم كان صلى اللّه عليه و سلم يقول اللّهم أنج المستضعفين من المؤمنين والولدان عبارة عن الصبيان والقرية هنا مكة بإجماع والآية تتناول المؤمنين والأسرى في حواضر الشرك إلى يوم القيامة

قال ابن العربي في أحكامه قال علماؤنا رحمهم اللّه أوجب اللّه تعالى في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من يد العدو وقد روى الأئمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ينعي الأسير قال مالك رحمه اللّه على الناس أن يفكوا الأسرى بجميع أموالهم وكذلك قالوا عليهم أن يواسوهم انتهى

٧٦

وقوله تعالى الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل اللّه الآية هذه الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين وتحريضهم وقرينة ذكر الشيطان بعد تدل على أن المراد بالطاغوت هنا الشيطان وإعلامه تعالى بضعف كيد الشيطان فيه تقوية لقلوب المؤمنين وتجرئة لهم على مقارعة الكيد الضعيف فإن العزم والحزم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره ويهده

٧٧

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم وأقيموا الصلوة الآية اختلف المتأولون فيمن المراد بقوله الذين قيل لهم فقال ابن عباس وغيره كان جماعة من المؤمنين قد انفوا من الذل بمكة قبل الهجرة وسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبيح لهم مقاتلة المشركين فامرهم عن اللّه تعالى بكف الايدى فلما كتب عليهم القتال بالمدينة شق ذلك على بعضهم ولحقهم ما يلحق البشر من الخور والكع عن مقارعة العدو فنزلت الآية فيهم وقال ابن عباس ايضا ومجاهد انما الآية حكاية عن حال اليهود انهم فعلوا ذلك مع نبيهم في وقته فمعنى الحكاية عنهم تقبيح فعلهم ونهي المؤمنين عن فعل مثله

وقيل المراد المنافقون واو تقدم شرحها في سورة البقرة في

قوله تعالى  اشد قسوة لان الموضعين سواء وقولهم لم كتبت علينا القتال رد في صدر اوامر اللّه سبحانه وقلة استسلام له والاجل القريب يعنون به موتهم على فرشهم هكذا قال المفسرون قال ع وهذا يحسن إذا كانت الآية في اليهود  في المنافقين وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة فانما طلبوا التأخر إلى وقت ظهور الاسلام وكثرة عددهم ويحسن القول بانها في المنافقين اطراد ذكرهم فيما يأتى بعد من الآيات

وقوله سبحانه قل متاع الدنيا قليل الآية المعنى قل يا محمد لهؤلاء متاع الدنيا أي الاستمتاع بالحياة فيها الذى حرصتم عليه قليل وباقى الآية بين وهذا اخبار منه سبحانه يتضمن تحقير الدنيا قلت ولما علم اللّه في الدنيا من الآفات حمى منها اولياءه ففي الترمذي عن قتادة بن النعمان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه قال إذا احب اللّه عبدا حماه الدنيا كما يظل احدكم يحمى سقيمه الماء قال أبو عيسى وفي الباب عن صهيب وأم المنذر وهذا حديث حسن وفي الترمذي عن ابن مسعود قال نام النبي صلى اللّه عليه وسلم على حصير فقام وقد اثر في جنبه فقلنا

يا رسول اللّه لو اتخذنا لك فراشا فقال مالى وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى

وقوله سبحانه في بروج الاكثر والاصح الذى عليه الجمهور أنه اراد بالبروج الحصون التي في الأرض المبنية لانها غاية البشر في التحصن والمنعة فمثل اللّه لهم بها قال قتادة المعنى في قصور محصنة وقاله ابن جريج والجمهور وبرج معناه ظهر ومنه تبرج المرأة ومشيدة قال الزجاج وغيره معناه مرفوعة مطولة ومنه اشاد الرجل ذكر الرجل إذا رفعه وقالت طائفة مشيدة معناه محسنة باللشيد وهو الجص

وروى النساءي عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اكثروا ذكر هادم اللذات يقنى الموت وخرجه ابن ماجه والترمذي وخرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن انس عن يحي بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بمثله

وروى ابن ماجة بسنده عن ابن عمر انه قال كنت جالسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاء رجل من الانصار فسلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه أي المؤمنين افضل قال احسنهم خلقا قال فأي المؤمنين اكيس قال اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم لما بعده استعدادا اولائك الاكياس واخرجه مالك ايضا انتهى من التذكرة

وقوله تعالى وإن تصبهم حسنة الآية الضمير في تصبهم عائد على الذين قيل لهم كفوا ايديكم وهذا يدل على انهم المنافقون لان المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة ولان اليهود لم يكونوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم تحت امر فتصيبهم بسببه اسواء والمعنى أن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من غنيمة  غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع اللّه لا ببركة اتباعك والايمان بك وان

تصبهم سيئة أي هزيمة  شدة جوع  غير ذلك قالوا هذه بسببك

وقوله قل كل من عند اللّه إعلام من اللّه سبحانه أن الخير والشر والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده لا رب غيره ولا خالق ولا مخترع سواه والمعنى قل يا محمد لهؤلاء ثم وبخهم سبحانه بالاستفهام عن علة جهلهم وقلة فهفهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق والفقه في اللغة الفهم وفي الشرع الفهم في أمور الدين ثم غلب عليه الإستعمال في علم المسائل الأحكامية

٧٩

وقوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن اللّه الآية خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وغيره داخل في المعنى ومعنى الآية عند ابن عباس وغيره على القطع واستيناف الأخبار من اللّه عز و جل بأن الحسنة منه ومن فضله وبأن السيئة من الإنسان بإذنابه وهي من اللّه تعالى بخلقه واختراعه لا خالق سواه سبحانه لا شريك له وفي مصحف ابن مسعود فمن نفسك وأنا قضيتها عليك وقرأ بها ابن عباس وفي وراية وأنا قدرتها عليك ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم معناه أن ما يصيب ابن آدم من المصائب فإنما هو عقوبة ذنوبه قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي

قوله تعالى وما أصابك من سيئة فمن نفسك خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد غيره انتهى وفي

قوله سبحانه وأرسلناك للناس رسولا ثم تلاه بقوله وكفى باللّه شهيدا توعد للكفار وتهديد تقتضيه قوة الكلام لأن المعنى شهيدا على من كذبه

٨٠

وقوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع اللّه فالمعنى أن الرسول عليه السلام إنما يأمر وينهي بيانا وتبليغا عن اللّه وتولى معناه أعرض وحفيظا يحتمل معنيين أي لتحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه  لتحفظ مساويهم وتحسبها عليهم وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من اللّه

عز و جل حتى يستحكم أمر الإسلام

٨١

وقوله تعالى ويقولون طاعة الآية نزلت في المنافقين باتفاق المفسرين المعنى يقولون لك يا محمد أمرنا طاعة فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلا وقالوا غير ما أظهروا لك وبيت معناه فعل ليلا وهو مأخوذ من بات  من البيت لأنه ملتزم بالليل

وقوله تقول يحتمل أن يكون معناه تقول أنت ويحتمل تقول هي لك والأمر بالإعراض إنما هو عند معاقبتهم ومجازاتهم وأما استمرار عظتهم ودعوتهم فلازم ثم أمر سبحانه بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر والوكيل القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها

٨٢

وقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن الآية المعنى أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون كلام اللّه تعالى فتظهر لهم براهينه وتلوح لهم أدلته قلت اعلم رحمك اللّه تعالى أن تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير وأما الهدرمة والعجلة فتأثيرها في القلب ضعيف قال النووي رحمه اللّه وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في اقل من ثلاث انتهى قال ع والتدبر هو النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء هذا كله يقتضيه

قوله سبحانه أفلا يتدبرون القرآن وهذا أمر بالنظر والاستدلال ثم عرف تعالى بموقع الحجة أي لو كان من كلام البشر لدخله ما في البشر من القصور وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه إذ ذلك موجود في كلام البشر والقرآن منزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيء سبحانه قال ع فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا في شيء من كتاب اللّه فالواجب أن يتهم نظره ويسأل من هو أعلم منه

٨٣

وقوله تعالى وإذا جاءهم أمر من الأمن  الخوف الآية

قال جمهور المفسرين أن الآية في المنافقين حسبما تقدم والمعنى أن المنافقين كانوا يتشوفون إلى سماع ما يسيء النبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين  فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا ذلك التحقير والتصغير وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين  مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك وأذاعوا به معناه أفشوه وهو فعل يتعدى بحرف الجر وبنفسه أحيانا

وقالت فرقة الآية نزلت في المنافقين وفيمن ضعف جلده وقلت تجربته من المؤمنين وفي الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه ثم قال فقلت يا رسول اللّه أطلقت نساءك فقال لا قال عمر فقمت على باب المسجد فقلت ألا إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يطلق نساءه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية وإذ جاءهم أمر من الأمن  الخوف الآية قال وأنا الذي استنبطته

وقوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول الآية المعنى لو أمسكوا عن الخوض واستقصوا الأمر من قبل الرسول وأولي الأمر وهم الأمراء والعلماء لعلمه طلابه من أولي الأمر والبحثة عنه وهم مستنبطوه كما يستنبط الماء وهو استخراجه من الأرض

وقوله سبحانه ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته الآية خطاب لجميع المؤمنين باتفاق من المتأولين

وقوله إلا قليلا هو مستنثى في قول جماعة من قوله لا تبعتم الشيطان إلا قليلا وقال ابن عباس وابن زيد ذلك مستثنى من قوله اذاعوا به إلا قليلا ورجحه الطبري وقال قتادة هو مستثنى من قوله يستنبطونه إلا قليلا ت قال الداودي قال أبو عبيدة وإنما كره العلماء أن يجعلوا الاستثناء من قوله لاتبعتم الشيطان إلا قليلا لأنه لا وجه له فإنه لولا فضل اللّه ورحمته لاتبعوا الشيطان كلهم انتهى وهو حسن وأما قوله لا وجه له ففيه نظر فقد وجهه العلماء بما لا نطيل بذكره

٨٤

وقوله تعالى فقاتل

في سبيل اللّه الآية هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي صلى اللّه عليه وسلم وحده لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى اللّه عليه وسلم دون الأمة مدة ما والمعنى واللّه أعلم أنه خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم في اللفظ وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه أي أنت يا محمد ولك واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل اللّه لا تكلف إلا نفسك ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وسلم واللّه لأقاتلنكم حتى تنفرد سالفتي وقول أبي بكر رضي اللّه عنه وقت الردة ولول خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي وعسى إذا وردت من اللّه تعالى فقال عكرمة وغيره هي واجبة بفضل اللّه ووعده الجميل قلت أي واقع ما وعد به سبحانه والتنكيل الأخذ بأنواع العذاب

٨٥

وقوله سبحانه من يشفع شفاعة حسنة الآية قال مجاهد وغيره هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم فمن يشفع لينفع فله نصيب ومن يشفع ليضر فله كفل والكفل النصيب ويستعمل في الخير وفي الشر وفي كتاب اللّه تعالى يؤتكم كفلين من رحمته

وروى أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها قد أتى بابا عظيما من أبواب الربا انتهى ومقيتا معناه قديرا ومنه قول الزبير بن عبد المطلب ... وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على إساءته مقيتا ...

أي قديرا

وقيل ميتا معناه شهيدا

وقيل حفيظا وذهب مقاتل إلى أنه الذي يقوت كل حيوان قال الداودي قال الكلبي المقيت هوالمقدر بلغة قريش انتهى

٨٦

وقوله سبحانه وإذا حييتم بتحية الآية قالت فرقة معنى الآية تخيير الراد فإذا قال البادىء السلام عليك فللراد أن يقول وعليك السلام فقط وهذا هو

الرد وله أن يقول وعليك السلام ورحمة اللّه وهذا هو التحية بأحسن

وروي عن ابن عمر وغيره انتهاء السلام إلى البركة

وقالت فرقة المعنىإذا حييتم بتحية فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن منهاوإن انتهى فردوها كذلك قال عطاء والآية في المؤمنين خاصة ومن سلم من غيرهم فيقال له عليك كما في الحديث وفي أبي داود والترمذي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أولى الناس باللّه من بدأ بالسلام انتهى واكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة ورده فريضة لأنه حق من الحقوق قاله الحسن وغيره قال النووي

وروينا في كتاب ابن السني عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ما من عبدين متحابين في اللّه عز و جل يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصلينان على النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر

وروينا فيه عن أنس أيضا قال ما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

وروينا فيه عن البراء بن عازب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما وفي رواية إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا اللّه تعالى واستغفرا غفر اللّه عز و جل لهما انتهى حسيبا معناه حفيظا وهو فعيل من الحساب

٨٧

وقوله سبحانه اللّه لا إله إلا هو ليجمعنكم الآية لما تقدم الإنذار والتحذير الذي تضمنه

قوله تعالى إن اللّه كان على كل شيء حسيبا تلاه الإعلام بصفة الربوبية وحال الوحدانية والإعلام بالحشر والبعث من القبور للثواب والعقاب إعلاما بقسم تقديره وحقه وعظمته ليجمعنكم والجمع بمعنى الحشر

وقوله سبحانه ومن أصدق من اللّه حديثا المعنى لا أحد أصدق من اللّه تعالى

٨٨

وقوله تعالى فما لكم في

المنافقين فئتين الآية

واختلف في هؤلاء المنافقين فقال ابن عباس هم قوم كانوا بمكة أظهروا الإيمان لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم في كتب بعثوا بها إلى المدينة ثم خرجوا مسافرين إلى الشام واعطتهم قريش بضاعات وقالوا لهم أنتم لا تخافون أصحاب محمد لأنكم تخدعونهم بإظهار الإيمان فاتصل خبرهم بالمدينة فاختلف المؤمنون فيهم فقالت فرقة نخرج إليهم فإنهم منافقون

وقالت فرقة بل هم مؤمنون لا سبيل لنا إليهم فنزلت الآية وعن مجاهد نحوه قال ع ويعضده ما في آخر الآية من

قوله تعالى حتى يهاجروا وقال زيد بن ثابت نزلت في عبد اللّه بن أبي وأصحابه المنافقين الذين رجعوا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد وهم في صحيح البخاري مسندا

قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو اختيار البخاري والترمذي انتهى قال ع وعلى هذا فقوله سبحانه حتى يهاجروا المراد هجر ما نهى اللّه عنه كما قال عليه السلام والمهاجر من هجر ما نهى اللّه عنه وفئتين معناه فرقتين واركسهم معناه أرجعهم في كفرهم وضلالهم والركس الرجيع ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم في الروثة أنها ركس وحكى النضر بن شميل والكسائي ركس وأركس بمعنى واحد أي أرجعهم ومن قال من المتأولين أهلكهم  أضلمهم فإنما هو بالمعنى وباقي الآية بين قال ص اركسهم أي ردهم في الكفر

وقال ابن العربي في أحكامه أخبر اللّه تعالى أنه رد المنافقين إلى الكفر وهو الإركاس وهو عبارة عن الرجوع إلى الحالة المكروهة كما قال في الروثة أنها ركس أي رجعت إلى حالة مكروهة فنهى اللّه سبحانه الصحابة ان يتعلقوا فيهم بظاهر الإيمان إذ كان باطنهم الكفر وأمرهم بقتلهم حيث وجدوهم انتهى

٩٠

وقوله تعالى إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ص إلا الذين يصلون استثناء متصل من

مفعول فخذوهم واقتلوهم انتهى قال ع هذه الآية من آيات الموادعة في أول الإسلام ثم نسخت بما في سورة براءة فالآية تقتضي أن من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل فعلهم من الموادعة فلا سبيل عليه

وقوله تعالى  جاءوكم عطف على يصلون ويحتمل أن يكون على قوله بينكم وبينهم ميثاق والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضا حكم قبل أن يستحكم أمر الإسلام فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه وهذه نسخت أيضا بما في براءة ومعنى حصرت ضاقت وحرجت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم وحصرت في موضع نصب على الحال والسلام في قوله لسلطهم جواب لو والمعنى ولو شاء اللّه لسلط هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المسالمة والمتاركة عليكم فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم وهذا كله والذي في سورة الممتحنة لا ينهاكم اللّه الآية منسوخ قاله قتادة وغيره والسلم هاهنا الصلح

٩١

وقوله تعالى ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم الآية لما وصف اللّه سبحانه المحققين في المتاركة والقاء السلم نبه على طائفة مخادعة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون لهم نحن معكم وعلى دينكم ويقولون أيضا للمسلمين نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة

وقوله إلى الفتنة معناه إلى الاختبار حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم قل ربي الخنفساء ربي العود ربي العقرب ونحوه فيقولها ومعنى أركسوا أي رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختبار بما واقعوه من الكفر وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم وثقفتموهم مأخوذ من الثقاف أي

ظفرتم بهم مغلوبين متمكنا منهم والسلطان الحجة قال عكرمة حيثما وقع السلطان في كتاب اللّه عز و جل فهو الحجة

٩٢

وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية قال جمهور المفسرين معنى الآية وما كان في إذن اللّه وفي أمره للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول وهو الذي تكون فيه إلا بمعنى لكن والتقدير لكن الخطأ قد يقع ويتجه في معنى الآية وجه آخر وهو أن تقدر كان بمعنى استقر ووجد كانه قال وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ إذ هو مغلوب فيه فيجيء الاستثناء على هذا متصلا وتتضمن الآية على هذا اعظام العمد وبشاعة شأنه

وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية حقيقة الخطأ أن لا يقصده بالقتل ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى يربطها عدم القصد قال ابن عباس وغيره الرقبة المؤمنة هي الكبيرة التي قد صلت وعقلت الإيمان وقالت جماعة منهم مالك بن أنس يجزىء كل من يحكم له بحكم الإسلام في الصلاة عليه إن مات قال مالك ومن صلى وصام أحب إلي ولا يجزىء ذو العيب الكثير كأقطع اليدين  الرجلين  الأعمى إجماعا فيما علمت ومسلمة معناه مؤداة مدفوعة وهي على العاقلة فيما جاوز ثلث الدية وإلا أن يصدقوا يريد أولياء القتيل

وقوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن الآية أي وإن كان هذا المقتول خطأ مؤمنا قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدو لكم فلا دية فيه وإنما كفارته تحرير الرقبة قاله ابن عباس وغيره وسقطت الدية عندهم لوجهين أحدهما أن أولياء المقتول كفار فلا يصح دفع الدية إليهم والآخر قلة حرمة هذا المقتول فلا دية فيه واحتجوا بقوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا

وقالت فرقة بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء

كفار فقط وسواء قتل بين أظهر المسلمين  بين قومه الكفار لأنه لا يصح دفعها إلى الكفار قال ع وقائل المقالة الاولى يقول أن قتل المؤمن في بلد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة

وقوله تعالى وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ابن عباس وغيره المقتول من اهل العهد خطأ لانبالى كان مؤمنا  كافرا على عهد قومه فيه الدية والتحرير

وقوله فمن لم يجد فصيام شهرين الآية أي فمن لم يجد الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها فيجزيه صيام شهرين متتابعة الايام لا يتخللّها فطر وتوبة نصب على المصدر ومعناه رجوعا بكم إلى التيسير والتسهيل

٩٣

وقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية المتعمد في لغة العرب القاصد إلى الشيء والجمهور إن المتعمد كان من قتل كان القتل بحديدة  غيرها وهذا هو الصحيح ورأى الشافعي وغير أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد ورأوا فيه تغليظ الدية ومالك لا يرى شبه العمد ولا يقول به وإنما القتل عنده ما ذكره اللّه تعالى عمد  خطأ لا غير

وقوله تعالى فجزاؤه جهنم تقديره عند أهل السنة فجزاؤه ان جازاه بذلك أي هو أهل لذلك ومستحقه لعظيم ذنبه قال ع ومن اقيم عليه الحد وقتل قودا فهو غير متبع في الآخرة والوعيد غير نافذ عليه اجماعا وللحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له ومعنى الخلود هنا مدة طويلة أن جازاه اللّه ويدل على ذلك سقوط لفظ التأبيد قال ع والجمهور على قبول توبته

وروي عن بعض العلماء انهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف احيانا فيطلقون أن لا تقبل توبته منهم ابن شهاب وابن عباس فكان ابن شهاب إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له توبتك مقبولة وإذا سأله من لم يفعل قال لا توبة للقاتل وعن ابن عباس

نحوه قال الداودي وعن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال واللّه للدنيا وما فيها اهون على اللّه من قتل نفس بغير حق ومن اعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي اللّه يوم يلقاه مكتوب على جبهته آيس من رحمة اللّه وعن معاوية أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا من قتل مؤمنا متعمدا  مات كافرا وعن أبي هريرة أنه سئل عن قاتل المؤمن هل له من توبة فقال لا واللّه الذى لا اله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قال ولو أن أهل السموات والأرض اشركوا في دم مؤمن إلا كبهم اللّه جميعا في النار انتهى

٩٤

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا الآية تقول ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة  غزو  غيره مقترنة بفى وضربت الأرض دون في إذا قصدت قضاء الحاجة وقال ص ضربتم أي سافرتم قال ع وسبب هذه الآية أن سرية من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقيت رجلا له جمل ومتيع

وقيل غنيمة فسلم على القوم وقال لا اله إلا اللّه محمد رسول اللّه فحمل عليه احدهم فقتله

واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة والذى عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط ولا خلاف أن الذى لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة وقرأ جمهور السبعة فتبينوا وقرأ نافع وغيره السلم ومعناه الاستسلام أي القى بيده واستسلم لكم واظهر دعوتكم وقرأ باقى السبعة السلام بالالف يريد سلام ذلك المقتول على السرية لأن سلامه بتحية الاسلام مؤذن بطاعته وانقيادة وفي بعض طرق عاصم السلم بكسر السين المشددة وسكون

اللام وهو الصلح والمعنى المراد بهذه الثلاثة متقارب وقرئ لست مؤمنا بفتج الميم أي لسنا نؤمنك

وقوله تعالى فعند اللّه مغانم كثيرة عدة منه سبحانه بما يأتي به من فضله من الحلال دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا

واختلف في قوله كذلك كنتم من قبل فقال ابن جبير معناه كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم فمن اللّه عليكم باعزاز دينكم واظهار شريعتكم فهم الآن كذلك كل واحد منهم خائف من قومه متربص ان يصل اليكم فلم يصلح اذا وصل ان تقتلوه حتى تتبينوا امره وقال ابن زيد المعنى كذلك كنتم كفرة فمن اللّه عليكم بان اسلمتم فلا تنكروا ان يكون هو كافرا ثم يسلم لحيه ثم وكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين واعلم انه خبير بما يعمله العباد وذلك منه خبر يتضمن تحذيرا منه سبحانه أي فاحفظوا انفسكم وجنبوا الزلل الموبق لكم

وقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر الآية في

قوله تعالى لا يستوى ابهام على السامع وهو ابلغ من تحديد المنزلة التى بين المجاهد والقاعد فالمتأمل يمشى مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما والقاعدون عبارة عن المتخلفين قلت وخرج ابو بكر بن الخطيب بسيده عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان في الجنة شجرة تخرج من اعلاها الحلل ومن اسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر والياقوت لا تروث ولا تبول ذوات اجنحة فيجلس عليها أولياء اللّه فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم يا اهل الجنة ناصفونا يا رب ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة فيقول اللّه تعالى إنهم كانوا يصومون وكنتم تفطرون وكانوا يقومون بالليل وكنتم تنامون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يجاهدون العدو وكنتم تجبنون انتهى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة غير بالرفع صفة للقاعدون وقرأ نافع وغيره

غير بالنصب استثناء من القاعدين

وروي من غير ما طريق أن الآية نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها فقال يا رسول اللّه هل من رخصة فإنى ضرير البصر فنزلت عند ذلك غير أولى الضرر قال الفلتان بن عاصم رضي اللّه عنه كنا قعودا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فانزل عليه وكان إذا اوحي اليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من اللّه وكنا نعرف ذلك في وجهه قال فلما فرغ قال للكاتب اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى أخر الآية قال فقام الأعمى فقال يا رسول اللّه ما ذنبنا قال فأنزل اللّه على رسوله فقلنا للاعمى أنه ينزل عليه قال فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول اتوب إلى رسول اللّه حتى فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال للكاتب اكتب غير أولى الضرر وأهل الضرر هم اهل الاعذار إذ قد اضرت بهم حتى منعتهم الجهاد قاله ابن عباس وغيره

وقوله تعالى بأموالهم وانفسهم هي الغاية في كمال الجهاد قال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من اهل العذر قال ع لانهم مع المؤمنين بنياتهم كما هو مذكور في الحديث الصحيح قال ابن جريج والتفضيل بالاجر العظيم والدرجات هو على القاعدين من غير عذر والحسنى الجنة التي وعدها اللّه المؤمنين وكذلك قال السدي وغيره وقال ابن محيريز الدرجات هي درجات في الجنة سبعون ما بين الدرجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة قلت وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أن في الجنة مائة درجة اعدها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فأنه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوفه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة انتهى

وقال ابن زيد الدرجات في الآية هي السبع المذكورة في براءة في

قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآية قال ع ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة اللّه هي العليا ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها فالاقوال كلها متقاربة وباقى الآية وعد كريم وتانيس

وقوله تعالى أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم الآية المراد بهذه الآية إلى قوله مصيرا جماعة من أهل مكة كانوا قد اسلموا فلما هاجر النبي صلى اللّه عليه وسلم اقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم قال ع والذى يجرى مع الاصول أن من مات من هؤلاء مرتدا فهو كافر ومأواه جهنم على جهةالخلود المؤبد وهذا هو ظاهر أمر هؤلاء وأن فرضنا فيهم من مات مؤمنا واكره على الخروج  مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود

وقوله تعالى توفاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ويحتمل أن يكون مستقبلا على معنى تتوفاهم فحذفت احدى التائين وتكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية وظالمى أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة وتوفاهم الملائكة معناه تقبض أرواحهم قال الزجاج وحذفت النون من ظالمين تخفيفا كقوله بالغى الكعبة وقول الملائكة فيم كنتم تقرير وتوبيخ وقول هؤلاء كنا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض اللّه واسعة والأرض الأولى هي أرض مكة خاصة وأرض اللّه هي الأرض بالاطلاق والمراد فتها جروا فيها

إلى مواضع الامن وهذه المقاولة إنما هي بعد توفي الملائكة لارواح هؤلاء وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ثم استثنى سبحانه من كان استضعافه حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين والحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص والسبيل سبيل المدينة فيما قاله مجاهد وغيره والصواب انه عام فى جميع السبل ثم رجى اللّه تعالى هؤلاء بالعفو عنهم والمراغم المتحول والمذهب قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد المراغم المتزحزح عما يكره وقال ابن زيد المراغم المهاجر وقال السدي المراغم المبتغى للمعيشة قال ع وهذا كله تفسير بالمعنى وأما الخاص باللفظة فإن المراغم هو موضع المراغمة فلو هاجر احد من هؤلاء المحبوسين بمكة لارغم انوف قريش بحصوله في منعة منهم فتلك المنعة هي موضع المراغمة قال ابن عباس وغيره السعة هنا هي السعة في الرزق وقال مالك السعة سعة البلاد قال ع وهذا هو المشبه للفصاحة أن يريد سعة الأرض وبذلك تكون السعة في الرزق واتساع الصدر وغير ذلك من وجوه الفرج وهذا المعنى ظاهر من

قوله تعالى الم تكن أرض اللّه واسعة قال مالك بن أنس رحمه اللّه الآية تعطي أن كل مسلم ينبغى له أن يخرج من البلاد التي تغير فيها السنن ويعمل فيها بغير الحق

وقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت الآية حكم هذه الآية باق في الجهاد والمشي إلى الصلاة والحج ونحوه قلت وفي الباب حديث عن أبي أمامة وسياتي عند

قوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم قال ع والآية نزلت بسبب رجل من كنانة

وقيل من خزاعة أسمه ضمرة في قول الأكثر لما سمع قول اللّه تعالى الذين لا يستطيعون حيلة

ولا يهتدون سبيلا قال اني لذو مال وعبيد وكان مريضا فقال أخرجوني إلى المدينة فأخرج في سرير فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت الآية بسببه قال ع ومن هذه الآية رأى بعض العلماء أن من مات من المسلمين وقد خرج غازيا فله سهمه من الغنيمة قاسوا ذلك على الاجر ووقع عبارة عن الثبوت وكذلك هي وجب لان الوقوع والوجوب نزول في الاجرام بقوة فشبه لازم المعاني بذلك وباقي الآية بين

١٠١

وقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية ضربتم معناه سافرتم قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه تقصر الصلاة في أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا وحجتهم احاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقال الحسن والزهري تقصر في مسيرة يومين

وروي هذا أيضا عن مالك

وروي عنه تقصر في مسافة يوم وليلة وهذه الاقوال الثلاثة تتقارب في المعنى والجمهور على جواز القصر في السفر المباح وقال عطاء لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل خير والجمهور أنه لا قصر في سفر معصية والجمهور أنه لا يقصر المسافر حتى يخرج من بيوت القرية وحينئذ هو ضارب في الأرض وهو قول مالك وجماعة المذهب وإلى ذلك في الرجوع وقد ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين وليس بينهما ثلث يوم ويظهر من

قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا أن القصر مباح  مخير فيه وقد روى ابن وهب عن مالك ان المسافر مخير فيه وقاله الأبهري وعليه حذاق المذهب وقال مالك في المبسوط القصر سنة وهذا هو الذي عليه جمهور المذهب وعليه جواب المدونة بالإعادة في الوقت لمن اتم في سفره وقال ابن سحنون وغيره القصر فرض

وقوله تعالى إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا

الآية وفي حديث يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أن اللّه تعالى يقول ان خفتم وقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته ويفتنكم معناه يمتحنكم بالحمل عليكم واشغال نفوسكم وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما صلى الظهر بأصحابه قال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم أن لهم أخرى في أثرها فأنزل اللّه تعالى بين الصلاتين إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إلى أخر صلاة الخوف

١٠٢

وقوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية قال جمهور الأمه الآية خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف قال الطبري فاقمت لهم معناه حدودها وهيئتها

وقوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك أمر بالانقسام أي وسائرهم وجاه العدو ومعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع

واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا فقيل الطائفة المصلية

وقيل بل الحارسة قال ع ولفظ الآية يتناول الكل ولكن سلاح المصلين ما خف قلت ومن المعلوم أنه إذا كانت الطائفة المصلية هي المأمورة بأخذ السلاح فالحارسة من باب احرى واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف وبحسب ذلك اختلف الفقهاء فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن ابى حثمة انه ص - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا واتموا لا نفسهم ثم سلم

بهم

وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه إلا انه روى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين صلى بالطائفة الاخيرة ركعة سلم ثم قضت بعد سلامه وبحديث القاسم بن محمد أخذ مالك واليه رجع بعد أن كان اولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان

وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال لم يصل النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف إلا مرتين مرة بذات الرقاع من أرض بنى سليم ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة قا لع وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين وقد ذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذى قرد صلاة خوف

وقوله تعالى فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم الآية المعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا هذا على بعض الهيآت المروية

وقيل المعنى فإذا سجدوا ركعة القضاء وهذا على رواية ابن أبي حثمة والضمير في قوله فليكونوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة اولا بازاء العدو ويجيء الكلام وصاة في حال الحذر والحرب

وقوله تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون الآية أخبار عن معتقد القوم وتحذير من الغفلة ليلا ينال العدو أمله وأسلحة جمع سلاح وفي

قوله تعالى ميلة واحدة مبالغة أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية

وقوله تعالى ولا جناح عليكم الآية ترخيص قال ابن عباس نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس قال ع كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب فرخص اللّه تعالى في هاتين الحالتين وينقاس عليهما كل عذر ثم قوى سبحانه نفوس المؤمنين بقوله إن اللّه أعد للكافرين عذابا مهينا

وقوله تعالى فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا اللّه قياما وقعودا الآية

ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر اللّه فهو ذكر باللسان والطمانينة في الآية سكون النفوس من الخوف وقال بعض المتأولين المعنى فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فاقيموها تامة أربعا

وقوله تعالى كتابا موقوتا معناه منجما في أوقات هذا ظاهر اللفظ

وروي عن ابن عباس ان المعنى فرضا مفروضا فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة

١٠٤

وقوله تعالى ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي لا تلينوا وتضعفوا يقال حبل واهن أي ضعيف ومنه وهن العظم وأبتغاء القوم طلبهم وهذا تشجيع لنفوس المؤمنين وتحقير لأمر الكفرة ثم تأكد التشجيع بقوله وترجون من اللّه ما لا يرجون وهذا برهان بين ينبغى بحسبه ان تقوى نفوس المؤمنين وباقى الآية بين

١٠٥

وقوله تعالى أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اللّه الآية في هذا الآية تشريف للنبي صلى اللّه عليه وسلم وتفويض اليه وتقويم أيضا على الجادة في الحكم وتأنيب ما على قبول ما رفع اليه في أمر بنى ابيرق بسرعة

وقوله تعالى بما أراك اللّه معناه على قوانين الشرع أما بوحي ونص  نظر جار على سنن الوحي وقد تضمن اللّه تعالى لانبيائه العصمة

وقوله تعالى ولا تكن للخائنين خصيما قال الهروي خصيما أي مخاصما ولا دافعا انتهى قال ع سببها باتفاق من المتأولين أمر بنى ابيرق وكانوا أخوة بشر وبشير ومبشر وطعيمة وكان بشير رجلا منافقا يهجو اصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وينحل الشعر لغيره فكان المسلمون يقولون واللّه ما هو إلا شعر الخبيث فقال شعرا يتنصل فيه فمنه قوله ... افي كل ما قال الرجال قصيدة ... نحلت وقالوا ابن الأبيرق قالها ...

قال قتادة بن النعمان وكان بنو ابيرق أهل فاقة فابتاع عمى رفاعة بن زيد

حملا من درمك الشام فجعله في مشربه له وفي المشربة درعان له وسيفان فعدي على المشربة من الليل فلما أصبح أتاني عمى رفاعة فقال يا أبن أخي اتعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني ابيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نراه إلا على بعض طعامكم قال وقد كان بنو ابيرق قالوا ونحن نسأل واللّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح واسلام فسمع ذلك لبيد فأخترط سيفه ثم اتى بنى ابيرق فقال واللّه ليخالطنكم هذا السيف  لتبينن هذه السرقة فقالوا اليك عنا أيها الرجل فو اللّه ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم اصحابها فقال لي عمى يا ابن أخي لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته بهذه القصة فأتيته صلى اللّه عليه و سلم فقصصتها عليه فقال انظر في ذلك فلما سمع بذلك بنو ابيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع اليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فقالوا يا رسول اللّه إن قتادة بن النعمان وعمه رفاعة عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرميانهم بالسرقة على غير بينة قال قتادة فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة من غير بينة قال فرجعت وقد وددت أن أخرج عن بعض مالي ولم أكلمه فأتيت عمي فقال ما صنعت فأخبرته بما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال اللّه المستعان فلم نلبث أن نزل القرءان أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق الآيات قال فالخائنون بنو ابيرق والبريء المرمى لبيد بن سهل والطائفة التي همت أسير وأصحابه قال ع قال قتادة وغير واحد هذه القصة ونحوها إنما كان صاحبها طعمة بن ابيرق ويقال فيه طعيمة قال

ع وطعمة بن ابيرق صرح بعد ذلك بالارتداد وهرب إلى مكة فروي أنه نقب حائط بيت ليسرقه فأنهدم الحائط عليه فقتله ويروى أنه أتبع قوما من العرب فسرقهم فقتلوه

١٠٦

وقوله تعالى واستغفر اللّه ذهب الطبري إلى أن المعنى استغفر من ذنبك في خصامك للناس قال ع وهذا ليس بذنب لان النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما دافع عن الظاهر وهو يعتقد براءتهم والمعنى واستغفر للمؤمنين من أمتك والمتخاصمين بالباطل لا أن تكون ذا جدال عنهم وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللّهم وبحمدك لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب اليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك رواه أبو داود والترمذي والنساءي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح غريب ورواه النساءي والحاكم أيضا من طرق عن عائشة وغيرها انتهى من السلاح

١٠٧

وقوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم لفظ عام يندرج تحته أصحاب النازلة ويتقرر به توبيخهم وفي

قوله تعالى أن اللّه لا يحب من كان خوانا أثيما رفق وأبقاء فإن الخوان هو الذى تتكرر منه الخيانة كطعيمة بن الابيرق والاثيم هو الذى يقصدها فيخرج من هذا التشديد الساقط مرة واحدة ونحو ذلك واختيان الانفس هو بما يعود عليها من الاثم والعقوبة في الدنيا والآخرة

١٠٨

وقوله تعالى يستخفون من اللّه الآية الضمير في يستخفون للصنف المرتكب للمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل الخيانة في النازلة المذكورة وأهل التعصب لهم والتدبير في خدع النبي صلى اللّه عليه وسلم والتلبيس عليه ويحتمل أن يكون الضمير لأهل هذه النازلة ويدخل في معنى هذا التوبيخ كل

من يفعل نحو فعلهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية النفوس المرتكبة للمحارم المحتقبة للمآثم والمظالم شبيهة بالأراقم تملأ أفواهها سما وتقصد من تقذفه عليه عدوانا وظلما تجمع في ظمائرها سموم شرورها وضررها وتحتال لالقائها على الفافلين عن مكائدها وخدعها انتهى ومعنى وهو معهم بالاحاطة والعلم والقدرة ويبيتون يدبرون ليلا ويحتمل أن تكون اللفظة مأخوذة من البيت أي يستترون في تدبيرهم بالجدرات

وقوله تعالى هانتم هؤلاء خطاب للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل النازلة وهو الاظهر عندى بحكم التأكيد بهؤلاء وهي إشارة إلى حاضرين ومن مصابيح البغوي عن أبي داود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من حالت شفاعته دون حد من حدود اللّه فقد ضاد اللّه ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط اللّه حتى ينزع قال في مؤمن ما ليس فيه اسكنه اللّه ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ويروى من اعان على خصومة لا يدري احق أم باطل فهو في سخط اللّه حتى ينزع انتهى

وقوله تعالى فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة الآية وعيد محض ولما تمكن هذا الوعيد وقضت العقول بأن لا مجادل للّه سبحانه ولا وكيل يقوم بأمر العصاة عنده عقب ذلك بهذا الرجاء العظيم والمهل المنفسح فقال ومن يعمل سوءا  يظلم نفسه الآية وباقي الآية بين

١١٢

وقوله تعالى ومن يكسب خطيئة  إثما ذهب بعض الناس إلى انهما لفظان بمعنى كرر لا ختلاف اللفظ وقال الطبري إنما فرق بين الخطيئة والاثم لان الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والاثم لا يكون إلا عن عمد وهذه الآية لفظها عام ويندرج تحت ذلك العموم أهل النازلة المذكورة وبريء النازله بريء

وقوله فقد احتمل بهتانا تشبيه إذ

الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات وبهتانا معناه كذبا ثم وقف اللّه تعالى نبيه على مقدار عصمته له وإنها بفضل منه سبحانه ورحمة

وقوله تعالى لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه وهذا يدل على أن الالفاظ عامة في غير أهل النازلة وإلا فاهل التعصب لبنى ابيرق قد وقع همهم وثبت ثم أخبرتعالى أنهم لا يضلون إلا انفسهم وما يضرونك من شيء قلت ثم ذكر سبحانه ما انعم به على نبيه من انزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم

قال ابن العربي في رحلته اعلم ان علوم القرءان ثلاثة اقسام توحيد وتذكير واحكام وعلم التذكير هو معظم القرءان فإنه مشتمل على الوعد والوعيد والخوف والرجاء والقرب وما يرتبط بها ويدعو اليها ويكون عنها وذلك معنى تتسع ابوابه وتمتد اطنابه انتهى وباقي الآية وعد كريم لنبيه عليه السلام وتقرير نعمه لديه سبحانه لا إله غيره

١١٤

وقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة  معروف  اصلاح بين الناس الآية الضمير في نجواهم عائد على الناس أجمع وجاءت هذه الآيات عامة التناول وفي عمومها يندرج أصحاب النازلة وهذا من الفصاحة والايجاز المضمن الماضي والغابر في عبارة واحدة قال النووي

وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أم حبيبة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال كل كلام ابن أدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف  نهيا عن منكر  ذكرا للّه تعالى انتهى والنجوى المسارة وقد تسمى بها الجماعة كما يقال قوم عدل وليست النجوى بمقصورة على الهمس في الاذن والمعروف لفظ يعم الصدقة والاصلاح وغيرهما ولكن خصا بالذكر اهتماما إذ هما عظيما الغناء في مصالح العباد ثم وعد تعالى بالاجر العظيم على فعل هذه الخيرات بنية وقصد لرضى اللّه تعالى

١١٥

وقوله تعالى ومن يشاقق الرسول الآية لفظ عام نزل بسبب طعمة بن ابيرق لانه ارتد وسار إلى مكة فاندرج

الانحاء عليه في طي هذا العموم المتناول لمن اتصف بهذه الصفات إلى يوم القيامة

وقوله نوله ما تولى وعيد بأن يترك مع فاسد اختياره في تودد الطاغوت ثم اوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به وقد مضى تفسير مثل هذه الآية

١١٧

وقوله تعالى أن يدعون من دونه إلا إناثا وأن يدعون إلا شيطانا مريدا الآية الضمير في يدعون عائد على من ذكر في قوله ومن يشاقق الرسول وأن نافية بمعنى ما ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنى يعبدون ويتخذون ءالهة قلت وفي البخاري إلا إناثا يعنى الموات حجرا ومدرا وما أشبهه انتهى وفي مصحف عائشة إلا أوثانا ونحوه عن ابن عباس والمراد بالشيطان هنا ابليس قاله الجمهور وهو الصواب لأن سائر المقالة به تليق ومريدا معناه متمردا عاتيا صليبا في غوايته واصل اللعن الإبعاد والمفروض معناه في هذا الموضع المنحاز وهو مأخوذ من الفرض وهو الحز في العود وغيره قال ع ويحتمل ان يريد واجبا أن اتخذه وبعث النار هو نصيب ابليس

١١٩

وقوله ولأ ضلنهم الآية معنى اضلنهم اصرفهم عن طريق الهدى ولأمنينهم لأسولن لهم وامانيه لا تنحصر في نوع واحد والبتك القطع

وقوله ولآمرنهم فليغيرن خلق اللّه اختلف المتأولون في معنى تغيير خلق اللّه وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير ضار فهو داخل في الآية وكل تغيير نافع فهو مباح وفي مختصر الطبري فليغيرن خلق اللّه قال ابن عباس خلق اللّه دين اللّه وعن إبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد مثله وفسر ابن زيد لا تبديل لخلق اللّه أي لدين اللّه واختار الطبري هذا القول واستدل له بقوله تعالى ذلك الدين القيم وأجاز أن يدخل في الآية كل ما نهى اللّه عنه من معاصيه والترك لطاعته انتهى وهو حسن قال ع واللامات كلها للقسم قال ص ولأضلنهم مفعوله محذوف أي عن الهدى وكذا ولا ولأمنينهم أي

الباطل وكذا ولآمرنهم أي بالبتك فليبتكن وكذا ولآمرنهم أي بالتغيير فلغيرن كل ما اوجده اللّه للطاعة فيستعينون به في المعصية انتهى ولما ذكر اللّه سبحانه عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره حذر تبارك وتعالى عباده بأن شرط لمن يتخذه وليا جزاء الخسران

وقوله تعالى يعدهم ويمنيهم أي يعدهم باباطيله من المال والجاه وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل احد ما يليق بحاله ويمنيهم كذلك ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن حقيقة ذلك بقوله وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ثم اخبر سبحانه بمصير المتخذين الشيطان وليا وتوعدهم بأن مأواهم جهنم لا يدافعونها بحيلة ولا يتروغون ومحيصا من حاص إذ راغ ونفر ومنه قول الشاعر ... ولم ندر أن حصنا من الموت حيصة ... كم العمر باق والمدى متطاول ...

ومنه الحديث فحاصوا حيصة حمر الوحش ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الوعيد واقتضى ذلك التحذير عقب ذلك عز و جل بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين واعلم بصحة وعده ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله ومن اصدق من اللّه قيلا والقيل والقول واحد ونصبه على التمييز

١٢٣

وقوله تعالى ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب الآية الاماني جمع امنية وهي ما يتشهاه المرء ويطمع نفسه فيه قال ابن عباس وغيره الخطاب لأمة النبي صلى اللّه عليه وسلم وفي مختصر الطبري عن مسروق وغيره قال احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون نحن اهدى وقال اهل الكتاب نحن اهدى فأنزل اللّه هذه الآية وعن مجاهد قالت العرب لن نبعث ولن نعذب وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا  نصارى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قال الطبري وقول مجاهد اولى بالصواب وذلك أن المسلمين لم يجر لامانيهم ذكر

فيما مضى من الآي وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان انتهى وعليه عول ص في سبب نزول الآية أعني على تأويل مجاهد

وقوله تعالى من يعمل سوءا يجز به قال جمهور الناس لفظ الآية عام فالكافر والمؤمن مجازى فإما مجازات الكافر فالنار وأما مجازات المؤمن فبنكبات الدنيا فمن بقي له سوأ إلى الآخرة فهو في المشيئة يغفر اللّه لمن يشاء ويجازي من يشاء

١٢٤

وقوله تعالى ومن يعمل من الصالحات دخلت من للتبعيض إذ الصالحات على الكمال مما لا يطيقه البشر ففي هذا رفق بالعباد لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه والنقير النكتة التي في ظهر النواة ومنه تنبت وعن ابن عباس ما تنقره بإصبعك ثم أخبر تعالى إخبارا موقفا على أنه لا احسن دينا ممن أسلم وجهه للّه أي أخلص مقصده وتوجهه وأحسن في أعماله واتبع الحنيفية ملة إبراهيم إمام العالم وقدوة الأديان ثم ذكر سبحانه تشريفه لنبيه إبراهيم عليه السلام باتخاذه خليلا وسماه خليلا إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجرى إليها المحب المبالغ وذهب قوم إلى أنه سمي خليلا من الخلة بفتح الخاء أي لأنه أنزل خلته وفاقته باللّه تعالى وكذلك شرف اللّه نبينا صلى اللّه عليه وسلم بالخلة كما هو مصرح به في الحديث الصحيح

وقوله تعالى وللّه ما في السموات وما في الأرض الآية ذكر سبحانه سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه ترغيبا في طاعته والانقطاع إليه سبحانه

١٢٧

وقوله تعالى ويستفتونك في النساء قل اللّه يفتيكم الآية معنى قوله يفتيكم فيهن أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه قال ع تحتمل ما أن تكون في موضع رفع عطفا على اسم اللّه عز و جل أي ويفتيكم ما يتلي عليكم في الكتاب يعني القرآن

والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الآية في أمر النساء وهو

قوله تعالى في صدر السورة وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء الآية قالت عائشة نزلت هذه الآية أولا ثم سأل ناس بعدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أمر النساء فنزلت ويستفتونك في النساء قل اللّه يفتيكم فيهن الآية

وقوله تعالى فى يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن معناه النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة بدون ما تستحقه من المهر ومن عضل الدميمة الغنية حتى تموت فيرثها العاضل والذي كتب اللّه لهن هو توفية ما تستحقه من مهر

وقوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن أي إن كانت الجارية غنية جميلة فالرغبة في نكاحها وإن كانت بالعكس فالرغبة عن نكاحها

وقوله تعالى والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النساء والذي يتلى في المستضعفين من الولدان هو

قوله تعالى يوصيكم اللّه في أولادكم الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير ففرض اللّه تعالى لكل واحد حقه

وقوله تعالى وأن تقوموا لليتامى بالقسط عطف أيضا على ما تقدم والذي تلي في هذا المعنى هو

قوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم الآية إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم والقسط العدل وباقي الآية بين

١٢٨

وقوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية هذه الآية حكم من اللّه تعالى في أمر المرأة التي تكون ذات سن ونحو ذلك مما يرغب زوجها عنها فيعرض عليها الفرقة  الصبر على الأثرة فتريد هي بقاء العصمة فهذه التي أباح اللّه بينهما الصلح ورفع الجناح فيه

واختلف في سبب نزول الآية فقال ابن عباس وجماعة نزلت في النبي عليه السلام وسودة بنت زمعة وفي المصنفات أن سودة لما كبرت وهبت يومها لعائشة وقال ابن المسيب وغيره نزلت بسبب

رافع بن خديج وامرأته خولة وقال مجاهد نزلت بسبب أبي السنابل وامرأته ولفظ ابن العربي في أحكامه

قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا  إعراضا الآية قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها هي المرأة تكون عند الرجل ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول له أجعلك من شأني في حل فنزلت الآية قال الفقيه أبو بكر بن العربي فرضوان اللّه على الصديقة المطهرة لقد وفت بما حملها ربها من العهد في

قوله تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة انتهى

وقوله تعالى والصلح خير لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير علىالإطلاق ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة

وقوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح معذرة عن عبيده تعالى أي لا بد للإنسان بحكم خلقته وجبلته من أن يشح على إرادته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره وخصص المفسرون هذه اللفظة هنا فقال ابن جبير هو شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها وقال ابن زيد الشح هنا منه ومنها قال ع وهذا حسن والشح الضبط على المعتقدات وفي الهمم والأموال ونحو ذلك فما أفرط منه ففيه بعض المذمة وهو الذي

قال تعالى فيه ومن يوق شح نفسه وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية  التي تقتضيها المروءة فهو البخل وهي رذيلة لكنها قد تكون في المؤمن ومنه الحديث قيل يا رسول اللّه أيكون المؤمن بخيلا قال نعم وأما الشح ففي كل أحد وينبغي أن لا يفرط إلى على الدين ويدلك على أن الشح في كل أحد

قوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح

وقوله ومن يوق شح نفسه فقد أثبت أن لكل نفس شحا وقول النبي عليه السلام وان تصدق وأنت صحيح شحيح وهذا لم يرد به واحدا

بعينه وليس يجمل أن يقال هنا أن تصدق وأنت صحيح بخيل

وقوله تعالى وإن تحسنوا ندب إلى الإحسان في تحسين العشرة والصبر على خلق الزوجة وتتقوا معناه تتقوا اللّه في وصيته بهن إذ هن عوان عندكم

١٢٩

وقوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا الآية معناه العدل التام على الإطلاق والمستوى في الأفعال والأقوال والمحبة والجماع وغير ذلك وكان صلى اللّه عليه و سلم يقسم بين نسائه ثم يقول اللّهم هذا فعلي فيما أملك فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك فوصف اللّه سبحانه حالة البشر أنهم بحكم الخلفة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض ثم نهى سبحانه عن الميل كل الميل وهو أن يفعل فعلا يقصده من التفضيل وهو يقدر أن لا يفعله فهذا هو كل الميل وإن كان في أمر حقير

وقوله سبحانه فتذروها كالمعلقة أي لا هي أيم ولا ذات زوج وجاء في التي قبل وإن تحسنوا وفي هذه وإن تصلحوا لأن الأولى في مندوب إليه وفي هذه في لازم إذ يلزمه العدل فيما يملك

١٣٠

وقوله تعالى وإن يتفرقا يغن اللّه كلا من سعته الآية أي إن شح كل واحد من الزوجين فلم يتصالحا لكنهما تفرقا بطلاق فإن اللّه تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه بفضله ولطائف صنعه في المال والشعرة والسعة وجود المرادات والتمكن منها والواسع معناه الذي عنده خزائن كل شيء

١٣١

وقوله سبحانه وللّه ما في السموات وما في الأرض تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين ثم جاء بعد ذلك قوله وإن تكفروا فإن للّه ما في السموات وما في الأرض تنبيها على استغنائه عن العباد ومقدمة للخبر بكونه غنيا حميدا ثم جاء بعد ذلك قوله وللّه ما في السموات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلا مقدمة للوعيد فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات متقاربة ت وفي تمشيته هذه عندي نظر والأحسن

بقاء الكلام على نسقه فقوله رحمه اللّه تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين حسن وإنما الذي فيه قلق ما بعده من توجيهه

وقوله تعالى ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم الآية لفظ عام لكل من أوتي كتابا فإن وصيته سبحانه لعباده لم تزل منذ أوجدهم ت قال الأستاذ أبو بكر الطرطوشي في سراج الملوك ولما ضرب ابن ملجم عليا رضي اللّه عنه أدخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا أولاده الحسن والحسين ومحمدا فقال أوصيكم بتقوى اللّه في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر والعدل على الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل والرضا عن اللّه في الشدة والرخاء يا بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار عافية من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن رضي بقسم اللّه لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف بغي قتل به ومن حفر لأخيه بيرا وقع فيها ومن هتك حجاب أخيه كشف عورات بنيه ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن أعجب برأيه ضل ومن جالس العلماء وقر ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار يا بني الأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر اللّه وواحد في ترك مجالسة السفهاء يا بني زينة الفقر الصبر وزينة الغنى الشكر يا بني لا شرف أعز من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى يا بني الحرص مفتاح البغي ومطية النصب طوبى

لمن أخلص للّه عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته

وقوله وفعله انتهى والوكيل القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه

وقوله أيها الناس مخاطبة للحاضرين من العرب وتوقيف للسامعين لتحضر أذهانهم

وقوله بآخرين يريد من نوعكم وتحتمل الآية أن تكون وعيد لجميع بني آدم ويكون الآخرون من غير نوعهم كالملائكة وقول الطبري هذا الوعيد والتوبيخ للشافعين والمخاصمين في قصة بني أبيرق بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة  العالم الحاضر

وقوله تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة الآية أي من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا لا يعتقد أن ثم سواه فليس كما ظن بل عند اللّه سبحانه ثواب الدارين فمن قصد الآخرة أعطاه اللّه من ثواب الدنيا وأعطاه قصده ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب واللّه تعالى سميع للأقوال بصير بالأعمال والنيات وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى الحديث قال النووي بلغنا عن ابن عباس أنه قال إنما يحفظ الرجل على قدر نيته وقال غيره إنما يعطى الناس على قدر نياتهم انتهى ثم خاطب سبحانه المؤمنين بقوله كونوا قوامين بالقسط وهو العدل ومعنى شهداء للّه أي لذاته ولوجهه ولمرضاته سبحانه

وقوله ولو على أنفسكم متعلق بشهداء هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس وإن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق ويحتمل ان يكون المعنى شهداء للّه بالوحدانية ويتعلق قوله ولو على أنفسكم بقوامين بالقسط والتأويل الأول أبين وشهادة المرء على نفسه هو إقراره بالحقائق قال ص

وقوله تعالى إن يكن غنيا  فقيرا ضمير يكن عائد إلى المشهود عليه والضمير في بهما عائد على جنسي الغني والفقير

انتهى قال ع

وقوله أولى بهما أي هو انظر لهما

وروى الطبري أن هذه الآية هي بسبب نازلة بني أبيرق وقيام من قام فيها بغير القسط

وقوله تعالى فلا تتبعوا الهوى نهي بين واتباع الهوى مرد مهلك

وقوله تعالى إن تعدلوا يحتمل أن يكون معناه مخافة أن تعدلوا ويكون العدل هنا بمعنى العدول عن الحق ويحتمل أن يكون معناه محبة أن تعدلوا ويكون العدل بمعنى القسط

وقوله تعالى وإن تلووا  تعرضوا الآية قال ابن عباس هي في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر وقال ابن زيد وغيره هي في الشهود يلوى الشهادة بلسانه  يعرض عن أدائها قال ع ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة والتوسط بين الناس وكل إنسان مأخوذ بأن يعدل والخصوم مطلوبون بعدل ما في القضاة فتأمله وقد تقدم تفسير إلى وباقي الآية وعيد

١٣٦

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله الآية اختلف من المخاطب بهذه الآية فقيل الخطاب للمؤمنين ومضمن هذا الأمر الثبوت والدوام

وقالت فرقة الخطاب لأهل الكتابين ورجحه الطبري

وقيل الخطاب للمنافقين أي يا أيها الذين آمنوا في الظاهر ليكن إيمانكم حقيقة

وقوله سبحانه ومن يكفر باللّه إلى آخر الآية وعيد وخبر مضمنه تحذير المؤمنين من حالة الكفر

وقوله تعالى إن الذين ءامنوا ثم كفروا الآية قال مجاهد وابن زيد الآية في المنافقين فإن منهم من كان يؤمن ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ثم ازداد كفرا بأن تم على نفاقه حتى مات قال ع وهذا هو التأويل الراجح وتأمل

قوله تعالى لم يكن اللّه ليغفر لهم فإنها عبارة تقتضي أن هؤلاء محتوم عليهم من أول أمرهم ولذلك ترددوا وليست هذه العبارة مثل أن يقول لا يغفر اللّه لهم بل هي أشد فتأمل الفرق بين العبارتين فإنه من

دقيق غرائب الفصاحة التي في كتاب اللّه سبحانه

١٣٧

وقوله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الآية في هذه الآية دليل على ما على ان التي قبلها إنما هي في المنافقين ثم نص سبحانه من صفات المنافقين على أشدها ضررا وهي موالاتهم الكافرين وإطراحهم المؤمنين وبنه على فساد ذلك ليدعه من عسى أن يقع في نوع منه من المؤمنين غفلة  جهالة  مسامحة ثم وقفهم سبحانه على جهة التوبيخ فقال أيبتغون عندهم العزة والاستكثار أي ليس الأمر كذلك فإن العزة للّه جميعا يؤتيها من يشاء وقد وعد بها المؤمنين وجعل العاقبة للمتقين والعزة أصلها الشدة والقوة ومنه وعزني في الخطاب أي غلبني بشدته

وقوله سبحانه وقد نزل عليكم في الكتاب الآية مخاطبة لجميع من أظهر الإيمان من محقق ومنافق لأنه إذا أظهر الإيمان فقد لزمه امتثال أوامر كتاب اللّه تعالى والإشارة بهذه الآية إلى

قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى نحو هذا من الآيات والكتاب في هذا الموضع القرآن وفي الآية دليل قوي على وجوب تجنب أهل البدع والمعاصي وأن لا يجالسوا

وقد قيل ... عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل فرين بالمقارن مقتد ...

وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ثم توعد سبحانه المنافقين والكافرين بجمعهم في جهنم فتأكد بذلك النهي عن مجالستهم وخلطتهم

١٤١

وقوله تعالى الذين يتربصون بكم الآية هذه صفة المنافقين ويتربصون بكم معناه ينتظرون دور الدوائر عليكم فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار وهذا حال المنافقين ونستحوذ معناه نغلب على أمركم ونحوطكم

ومنه استحوذ عليهم الشيطان معناه غلب على أمرهم ثم سلى سبحانه المؤمنين وأنسهم بما وعدهم به في قوله فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة أي وبينهم وينصفكم من جميعهم وبقوله تعالى ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا أي يوم القيامة قاله علي رضي اللّه عنه وعليه جميع أهل التأويل والسبيل هنا الحجة والغلبة قلت إلا ابن العربي لم يرتض هذا التأويل قال وإنما معنى الآية أحد ثلاثة وجوه الأول لن يجعل اللّه للكافرين علىالمؤمني سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويستبيح بيضتهم الثاني لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتباعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم وهذا نفيس جدا الثالث لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع ونزع بهذا علماؤنا بالاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم انتهى ومخادعة المنافقين هي لأولياء اللّه ففي الكلام حذف مضاف إذ لا يقصد أحد من البشر مخادعة اللّه سبحانه

وقوله تعالى وهو خادعهم عبارة عن عقوبتهم سماها باسم الذنب وقال ابن جريج والحسن والسدي وغيرهم من المفسرين إن هذا الخدع هو أن اللّه تعالى يعطي لهذه الأمة يوم القيامة نورا لكل إنسان مؤمن  منافق فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ونهض المؤمنون فذلك قول المنافقين انظرونا نقتبس من نوركم فذلك هو الخدع الذي يجري على المنافقين ثم ذكر سبحانه كسلهم في الصلاة وتلك حال كل من يعمل كارها غير معتقد فيه الصواب بل تقية  مصانعة

قال ابن العربي في أحكامه

قوله تعالى ولا يذكرون اللّه إلا قليلا روى الأئمة مالك وغيره عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين

تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر اللّه فيها إلا قليلا

قال ابن العربي وقد بين تعالى صلاة المؤمنين بقوله قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ومن خشع خضع واستمر ولم ينقر صلاته ولم يستعجل انتهى ومذبذبين معناه مضطرين لا يثبتون على حال والتذبذب الاضطراب فهؤلاء المنافقون مترددون بين الكفار والمؤمنين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال صلى اللّه عليه و سلم مثل المنافقين كمثل الشاة العايرة بين الغنمين والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان

وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية خطابه سبحانه للمؤمنين يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ففي اللفظ رفق بهم وهم المراد بقوله سبحانه أترديون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا لأن هذا التوقيف إنما هو لمن ألم يشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ويقوى هذا المنزع

قوله تعالى من دون المؤمنين اي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين بل المعنى يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه والسلطان الحجة ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من نار جهنم وذلك لأنهم أسرى غوائل من الكفار واشد تمكنا من أذى المسلمين قلت وأيضا لأنهم شاهدوا من معجزات النبي صلى اللّه عليه وسلم وما جعل اللّه على يديه من الخوارق ما لم يشاهد غيرهم من الكفار فكانت الحجة عليهم أعظم وكان كفرهم محض عناد

وروي عن أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما أنهم قالوا المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ومن شروط التائب أن

يصلح في قوله وفعله ويعتصم باللّه أي يجعله منعته وملجأه ويخلص دينه للّه تعالى وإلا فليس بتائب

وقوله فأولئك مع المؤمنين أي في رحمة اللّه سبحانه وفي منازل الجنة ثم وعد سبحانه المؤمنين الأجر العظيم وهو التخليد في الجنة وقال ص فأولئك خبره مضمر والتقدير فأولئك مؤمنون مع المؤمنين قاله أبو البقاء انتهى ثم قال سبحانه للمنافقين ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم الآية أي ايى منفعة له سبحانه في ذلك  حاجة قال أبو عبد اللّه اللخمي زعم الطبري أن

قوله تعالى ما يفعل اللّه بعذابكم خطاب للمنافقين ولا يكاد يقوم له على ذلك دليل يقطع به وليس في ذكر المنافقين قبله ما يقتضي أن يحمل عليهم خاصة مع احتمال الآية للعموم فقطعه بأن الآية في المنافقين حكم لا يقوم به دليل انتهى وهو حسن إذ حمل الآية على العموم أحسن والعجب من ع كيف تبع الطبري في هذا التخصيص ويظهر واللّه اعلم أنهما عولا في تخصيص الآية على

قوله تعالى وآمنتم وهو محتمل أن يحمل في حق المنافقين على ظاهره وفي حق المؤمنين على معنى دمتم على إيمانكم واللّه أعلم والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه ثم وعد سبحانه بقوله وكان اللّه شاكرا عليما أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه فذلك شكر منه سبحانه لعباده والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر به بدنه والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة لأنها يقال تخضر وتتنضر بظل السحاب دون مطر وفي قوله عليما تحذير وندب إلى الإخلاص

١٤٨

وقوله تعالى لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم الآية قراءة الجمهور بضم الظاء وقرىء شاذا بفتحها

واختلف على قراءة الجمهور فقالت فرقة المعنى لا يحب اللّه أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من

ظلم فلا يكره له الجهر به ثم اختلفت هذه الفرقة في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح منه فقال ابن عباس وغيره لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول أي بما يوازي الظلامة وقال مجاهد وغيره نزلت في الضيف المحول رحله فإنه رخص له أن يجهر بالسوء من القول للذي لم يكرمه يريد بقدر الظلم والظلامة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا  ليصمت انتهى وسميع عليم صفتان لائقتان بالجهر بالسوء وبالظلم أيضا فإنه يعلمه ويجازي عليه ولما ذكر سبحانه عذر المظلوم في أن يجهر بالسوء لظالمه اتبع ذلك عرض إبداء الخير وإخفائه والعفو عن السوء ثم وعد عليه سبحانه بقوله فإن اللّه كان عفوا قديرا وعدا خفيا تقتضيه البلاغة ورغب سبحانه في العفو إذ ذكر أنها صفته مع القدرة على الانتقام قال ع ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها قال الداودي وعن ابن عمر أنه قال لا يحب اللّه سبحانه أن يدعو أحد علىأحد إلا أن يظلم فقد رخص له في ذلك انتهى

١٥١

وقوله تعالى إن الذين يكفرون باللّه ورسله إلى آخر الآية نزل في اليهود والنصارى وقد تقدم بيان هذه المعاني

وقوله تعالى والذين ءامنوا باللّه ورسله الآية لما ذكر سبحانه أن المفرقين بين الرسل هم الكافرون حقا عقب ذلك بذكر المؤمنين باللّه ورسله جميعا وهم المؤمنون بصلى اللّه عليه وسلم ليصرح بوعد هؤلاء كما صرح بوعيد أولئك فبين الفرق بين المنزلتين

١٥٣

وقوله تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء الآية قال قتادة سألت اليهود النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم بكتاب من عند اللّه خاص

لليهود يأمرهم فيه بالإيمان بصلى اللّه عليه وسلم ونحوه عن ابن جريج وزاد إلى فلان وإلى فلان إنك رسول اللّه ثم قال سبحانه على جهة التسلية لنبيه صلى اللّه عليه و سلم فقد سألوا موسى أكبر من ذلك وفي الكلام محذوف يدل عليه المذكور تقديره فلا تبال يا محمد من سؤالهم وتشططهم فإنها عادتهم وجمهور المتأولين على أن جهرة معمول لأمرنا أي حتى نراه جهارا أي عيانا وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا لكنه محال من جهة الشرع إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى سبحانه في هذه الدنيا والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بالخبر المتواتر وهي جائزة عقلا من غير تحديد ولا تكييف ولا تحيز كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذلك هو مرئي لا كالمرءيات سبحانه هذه حجة أهل السنة وقولهم وقد تقدم قصص القوم في البقرة وظلمهم هو تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه

وقوله تعالى ثم اتخذوا العجل ثم للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر التقدير ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل وذلك أن اتخاذ العجل كان عند أمر المضي في المناجاة ولم يكن الذين صعقوا ممن اتخذ العجل لكن الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البينات

١٥٥

وقوله سبحانه فعفونا عن ذلك يعني بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم ثم وقع العفو عن الباقين منهم

وقوله سبحانه فبما نقضهم ما زائدة مؤكدة التقدير فبنقضهم فالآية مخبرة عن أشياء واقعوها هي ضد ما أمروا به وحذف جواب هذا الكلام بليغ مبهم متروك مع ذهن السامع تقديره لعناهم ونحوه ثم قال سبحانه وبكفرهم أي بعيسى وقولهم على مريم بهتانا هو رميهم إياها بالزنا بعد رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم الآية هذه الآية والتي قبلها عدد اللّه تعالى فيها أقوال بني إسرائيل وأفعالهم على

اختلاف الأزمان وتعاقب القرون فاجتمع من ذلك توبيخ خلفهم المعاصرين لنبينا صلى اللّه عليه وسلم فهذه الطائفة التي قالت إنا قتلنا المسيح غير الذين نقضوا الميثاق في الطور وغير الذين اتخذوا العجل وقول بني إسرائيل إنما هو إلى قوله عيسى ابن مريم

وقوله تعالى رسول اللّه إنما هو إخبار من اللّه تعالى بصفة لعيسى وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوا عيسى لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول اللّه فلزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى قال ص وعيسى بدل  عطف بيان من المسيح ورسول اللّه كذلك ويجوز أن يكون صفة لعيسى وأن يكون نصبا على إضمار أعني قلت وهذا الأخير أحسنها من جهة المعنى انتهى ثم أخبر سبحانه أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى وما صلبوه ولكن شبه لهم واختلفت الرواة في هذه القصة والذي لا يشك فيه أن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويدعو إلى اللّه وكانت بنو إسرائيل تطلبه وملكهم في ذلك الزمان يجعل عليه الجعائل وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريون يسيرون معه حيث سار فلما كان في بعض الأوقات شعر بأمر عيسى فروي أن رجلا من اليهود جعل له جعل فما زال ينقر عنه حتى دل على مكانه فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين بهم دخلوا بيتا بمرأى من بني إسرائيل فروي أنهم عدوهم ثلاثة عشر

وروي ثمانية عشر وحصروا ليلا فروي أن عيسى فرق الحواريين عن نفسه تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق وبقي هو ورجل معه فرفع عيسى والقي شبهه على الرجل فصلب ذلك الرجل

وروي أن الشبه القي على اليهودي الذي دل عليه فصلب

وروي أن عيسى عليه السلام لما أحيط بهم قال لأصحابه ايكم يلقى

عليه شبهى فيقتل ويخلص هؤلاء وهو رفيقي في الجنة فقال سرجس أنا فالقي عليه شبه عيسى

وروي أن شبه عيسى ألقي على الجماعة كلها فلما أخرجهم بنو إسرائيل نقصوا واحدا من العدة فأخذوا واحدا ممن عليه الشبه حسب هذه الروايات التي ذكرناها فصلبوه

وروي أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر

وقوله تعالى وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه الآية يعني اختلاف المحاولين لأخذه لأنهم حين فقدوا واحدا من العدد وتحدث برفع عيسى اضطربوا واختلفوا لكن أجمعوا على صلب واحد من غير ثقة ولا يقين أنه هو

وقوله تعالى وما قتلوه يقينا قال ابن عباس وجماعة المعنى وما صح ظنهم عندهم ولا تحققوه يقينا فالضمير في قتلوه عندهم عائد على الظن كما تقول ما قتلت هذا الأمر علما قلت وعبارة السدي وما قتلوا أمره يقينا أن الرجل هو عيسى انتهى من مختصر الطبري وقال قوم الضمير عائد على عيسى أخبر سبحانه أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة لا يقينا ولا شكا لكن لما حصلت في ذلك الدعوى صار قتله عندهم مشكوكا فيه وقال قوم من أهل اللسان الكلام تام في قوله وما قتلوه ويقينا مصدر مؤكد للنفي في قوله وما قتلوه المعنى نخبركم يقينا  نقص عليكم يقينا  أيقنوا بذلك يقينا وقال ص بعد كلام والظاهر أن الضمير في قتلوه عائد إلى عيسى لتتحد الضمائر ويقينا منصوب في موضع الحال من فاعل قتلوه أي مستيقنين أنه عيسى  نعت لمصدر محذوف أي قتلا يقينا انتهى

١٥٨

وقوله تعالى بل رفعه اللّه إليه يعني إلى سمائه وكرامته وعيسى عليه السلام في السماء على ما تضمنه حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج وذكره غيره وهو هنالك مقيم حتى ينزله اللّه تعالى لقتل الدجال وليملأ الأرض عدلا ويحيى

فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر

١٥٩

وقوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته اختلف في معنى الآية فقال ابن عباس وغيره الضمير في موته راجع إلى عيسى والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر وترجع الأديان كلها واحدا يعني يرجعون على دين نبينا صلى اللّه عليه وسلم إذ عيسى واحد من أمته وعلى شريعته وائمتنا منا كما ورد في الحديث الصحيح وقال مجاهد وابن عباس أيضا وغيرهما الضمير في به لعيسى وفي موته للكتابي لكن عند المعاينة للموت فهو إيمان لا ينفعه وقال عكرمة الضمير في به لنبينا صلى اللّه عليه وسلم وقبل موته للكتابي قال وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بصلى اللّه عليه وسلم ولو غرق  سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت وفي مصحف أبي بن كعب قبل موتهم ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي قال ص وإن من أهل الكتاب الآية إن هنا نافية والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه أي وما أحد من أهل الكتاب كما حذف في

قوله تعالى وإن منكم إلا واردها

وقوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم أي وما أحد منا وما أحد منكم قال الشيخ أبو حيان ليؤمنن به جواب قسم محذوف والقسم وجوابه هو الخبر وكذلك أيضا إلا له مقام وإلا واردها هما الخبر قال الزجاج وحذف أحد مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو ما قام إلا زيد أي ما قام أحد إلا زيد انتهى

١٦٠

وقوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية فبظلم معطوف على

قوله سبحانه فبما نقضهم والطيبات هنا هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك وقرأ ابن عباس طيبات كانت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل اللّه كثيرا يحتمل

أن يريد صدهم في ذاتهم ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم وأخذهم الربوا هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة وقد نهوا عنه ثم استثنى سبحانه الراسخين في العلم منهم كعبد اللّه بن سلام ومخيريق ومن جرى مجراهم

واختلف الناس في

قوله سبحانه والمقيمين وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدم وما تأخر فقال بعض نحاة البصرة والكوفة إنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب باعني والرفع بعد ذلك بهم وقال قوم والمقيمين عطف على ما في قوله وما أنزل من قبلك والمعنى ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الملائكة  من تقدم من الأنبياء وقال قوم والمقيمين عطف على الضمير في منهم

وقال آخرون بل على الكاف في قوله من قبلك وزاد ص والمقيمين منصوب على المدح قال وقرأ جماعة والمقيمون انتهى

١٦٣

وقوله تعالى انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده الآية سبب نزولها قول بعض أحبار يهود ما أنزل اللّه على بشر من شيء فأنزل اللّه سبحانه الآية تكذيبا لهم قال ع إسماعيل هو الذبيح في قول المحققين والوحي إلقاء المعنى في خفاء وعرفه في الأنبياء بوساطة جبريل عليه السلام وكلم اللّه سبحانه موسى بكلام دون تكييف ولا تحديد ولا حرف ولا صوت والذي عليه الراسخون في العلم إن الكلام هو المعنى القائم في النفس ويخلق اللّه لموسى إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام وكما أن اللّه تعالى موجود لا كالموجودات معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام

١٦٤

وقوله سبحانه رسلا مبشرين ومنذرين الآية رسلا بدل من الأول وأراد سبحانه أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول لو بعث إلى رسول لآمنت واللّه سبحانه عزيز لا يغالبه شيء ولا حجة لأحد عليه حكيم في أفعاله فقطع الحجة بالرسل حكمة منه سبحانه

١٦٦

وقوله تعالى لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك الآية

سببها قول اليهود ما أنزل اللّه على بشر من شيء وقال ص لكن استدراك ولا يبتدأ بها فيتعين تقدير جملة قبلها يبينها سبب النزول وهو أنه لما نزل انا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل لكن اللّه يشهد انتهى

وقوله تعالى أنزله بعلمه هذه الآية من أقوى متعلقات أهل السنة في إثبات علم اللّه عز و جل خلافا للمعتزلة في أنهم يقولون عالم بلا علم والمعنى عند أهل السنة انزله وهو يعلم إنزاله ونزوله

وقوله سبحانه والملائكة يشهدون يشهدون تقوية لأمر نبينا صلى اللّه عليه وسلم ورد على اليهود

وقوله تعالى وكفى باللّه شهيدا تقديره وكفى اللّه شهيدا لكنه دخلت الباء لتدل على أن المراد اكتفوا باللّه وباقي الآية بين

وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم الآية خطاب لجميع الناس وهي دعاء إلى الشرع ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام ونحو هذا لكانت يا أيها الذين أمنوا والرسول في الآية نبينا صلى اللّه عليه وسلم ثم قال سبحانه وإن تكفروا فإن للّه ما في السموات والأرض وهذا خبر بالاستغناء وإن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم ثم خاطب سبحانه أهل الكتاب من النصارى وهو أن يدعوا الغلو وهو تجاوز الحد

وقوله في دينكم معناه في دين اللّه الذي انتم مطلوبون به بأن توحدوا اللّه ولا تقولوا على اللّه إلا الحق وليست الإشارة إلى دينهم المضلل وعن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من قال أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن عيسى عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله اللّه الجنة على ما كان من عمل رواه مسلم والبخاري والنسائي وفي مسلم أدخله اللّه من أي أبواب الجنة الثمانية شاء انتهى

وقوله تعالى فآمنوا باللّه ورسله أي الذين من جملتهم عيسى

ومحمد عليهما السلام

وقوله تعالى إنما اللّه إله واحد إنما في هذه الآية حاصرة وسبحانه معناه تنزيها له وتعظيما والاستنكاف اباية بأنفة قال ع

وقوله سبحانه ولا الملائكة المقربون زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان أي وهؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين لا يستنكفون عن ذلك فكيف بسواهم وفي هذه الآية دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء

وقوله سبحانه فسيحشرهم عبارة وعيد قال ع وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه

وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم الآية إشارة إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم والبرهان الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام والنور المبين يعني القرآن لأن فيه بيان كل شيء وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما فينا خطيبا فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه وعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا فحث على كتاب اللّه ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه ثلاثا في أهل بيتي الحديث وفي رواية كتاب اللّه فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن اخطأه ضل وفي رواية ألا وأني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللّه وهو حبل اللّه من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة انتهى

١٧٥

وقوله سبحانه فأما الذين ءامنوا باللّه واعتصموا به أي اعتصموا باللّه ويحتمل اعتصموا بالقرآن كما قال عليه السلام القرآن حبل اللّه المتين من تمسك به عصم والرحمة والفضل الجنة ونعيمها ويهديهم معناه إلى الفضل وهذه هداية طريق الجنان كما

قال تعالى سيهديهم ويصلح

بالهم الآية لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين ءامنوا باللّه واعتصموا بكتابه فيهديهم هنا بمعنى يعرفهم وباقي الآية بين

وقوله تعالى يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة فقد تقدم القول في تفسير الكلالة في صدر السورة وكان أمر الكلالة عند عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه مشكلا واللّه أعلم ما الذي أشكل عليه منها قوله النبي صلى اللّه عليه وسلم له تكفيك منها آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء بيان فيه كفاية قال كثير من الصحابة هذه الآية هي من آخر ما نزل

وقوله سبحانه يبين اللّه لكم أن تضلوا التقدير ليلا تضلوا واللّه بكل شيء عليم سبحانه وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

﴿ ٠