٩٤وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا الآية تقول ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة غزو غيره مقترنة بفى وضربت الأرض دون في إذا قصدت قضاء الحاجة وقال ص ضربتم أي سافرتم قال ع وسبب هذه الآية أن سرية من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقيت رجلا له جمل ومتيع وقيل غنيمة فسلم على القوم وقال لا اله إلا اللّه محمد رسول اللّه فحمل عليه احدهم فقتله واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة والذى عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط ولا خلاف أن الذى لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة وقرأ جمهور السبعة فتبينوا وقرأ نافع وغيره السلم ومعناه الاستسلام أي القى بيده واستسلم لكم واظهر دعوتكم وقرأ باقى السبعة السلام بالالف يريد سلام ذلك المقتول على السرية لأن سلامه بتحية الاسلام مؤذن بطاعته وانقيادة وفي بعض طرق عاصم السلم بكسر السين المشددة وسكون اللام وهو الصلح والمعنى المراد بهذه الثلاثة متقارب وقرئ لست مؤمنا بفتج الميم أي لسنا نؤمنك وقوله تعالى فعند اللّه مغانم كثيرة عدة منه سبحانه بما يأتي به من فضله من الحلال دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا واختلف في قوله كذلك كنتم من قبل فقال ابن جبير معناه كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم فمن اللّه عليكم باعزاز دينكم واظهار شريعتكم فهم الآن كذلك كل واحد منهم خائف من قومه متربص ان يصل اليكم فلم يصلح اذا وصل ان تقتلوه حتى تتبينوا امره وقال ابن زيد المعنى كذلك كنتم كفرة فمن اللّه عليكم بان اسلمتم فلا تنكروا ان يكون هو كافرا ثم يسلم لحيه ثم وكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين واعلم انه خبير بما يعمله العباد وذلك منه خبر يتضمن تحذيرا منه سبحانه أي فاحفظوا انفسكم وجنبوا الزلل الموبق لكم وقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر الآية في قوله تعالى لا يستوى ابهام على السامع وهو ابلغ من تحديد المنزلة التى بين المجاهد والقاعد فالمتأمل يمشى مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما والقاعدون عبارة عن المتخلفين قلت وخرج ابو بكر بن الخطيب بسيده عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان في الجنة شجرة تخرج من اعلاها الحلل ومن اسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر والياقوت لا تروث ولا تبول ذوات اجنحة فيجلس عليها أولياء اللّه فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم يا اهل الجنة ناصفونا يا رب ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة فيقول اللّه تعالى إنهم كانوا يصومون وكنتم تفطرون وكانوا يقومون بالليل وكنتم تنامون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يجاهدون العدو وكنتم تجبنون انتهى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة غير بالرفع صفة للقاعدون وقرأ نافع وغيره غير بالنصب استثناء من القاعدين وروي من غير ما طريق أن الآية نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها فقال يا رسول اللّه هل من رخصة فإنى ضرير البصر فنزلت عند ذلك غير أولى الضرر قال الفلتان بن عاصم رضي اللّه عنه كنا قعودا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فانزل عليه وكان إذا اوحي اليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من اللّه وكنا نعرف ذلك في وجهه قال فلما فرغ قال للكاتب اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى أخر الآية قال فقام الأعمى فقال يا رسول اللّه ما ذنبنا قال فأنزل اللّه على رسوله فقلنا للاعمى أنه ينزل عليه قال فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول اتوب إلى رسول اللّه حتى فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال للكاتب اكتب غير أولى الضرر وأهل الضرر هم اهل الاعذار إذ قد اضرت بهم حتى منعتهم الجهاد قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى بأموالهم وانفسهم هي الغاية في كمال الجهاد قال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من اهل العذر قال ع لانهم مع المؤمنين بنياتهم كما هو مذكور في الحديث الصحيح قال ابن جريج والتفضيل بالاجر العظيم والدرجات هو على القاعدين من غير عذر والحسنى الجنة التي وعدها اللّه المؤمنين وكذلك قال السدي وغيره وقال ابن محيريز الدرجات هي درجات في الجنة سبعون ما بين الدرجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة قلت وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أن في الجنة مائة درجة اعدها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فأنه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوفه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة انتهى وقال ابن زيد الدرجات في الآية هي السبع المذكورة في براءة في قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآية قال ع ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة اللّه هي العليا ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها فالاقوال كلها متقاربة وباقى الآية وعد كريم وتانيس وقوله تعالى أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم الآية المراد بهذه الآية إلى قوله مصيرا جماعة من أهل مكة كانوا قد اسلموا فلما هاجر النبي صلى اللّه عليه وسلم اقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم قال ع والذى يجرى مع الاصول أن من مات من هؤلاء مرتدا فهو كافر ومأواه جهنم على جهةالخلود المؤبد وهذا هو ظاهر أمر هؤلاء وأن فرضنا فيهم من مات مؤمنا واكره على الخروج مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود وقوله تعالى توفاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ويحتمل أن يكون مستقبلا على معنى تتوفاهم فحذفت احدى التائين وتكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية وظالمى أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة وتوفاهم الملائكة معناه تقبض أرواحهم قال الزجاج وحذفت النون من ظالمين تخفيفا كقوله بالغى الكعبة وقول الملائكة فيم كنتم تقرير وتوبيخ وقول هؤلاء كنا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض اللّه واسعة والأرض الأولى هي أرض مكة خاصة وأرض اللّه هي الأرض بالاطلاق والمراد فتها جروا فيها إلى مواضع الامن وهذه المقاولة إنما هي بعد توفي الملائكة لارواح هؤلاء وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ثم استثنى سبحانه من كان استضعافه حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين والحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص والسبيل سبيل المدينة فيما قاله مجاهد وغيره والصواب انه عام فى جميع السبل ثم رجى اللّه تعالى هؤلاء بالعفو عنهم والمراغم المتحول والمذهب قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد المراغم المتزحزح عما يكره وقال ابن زيد المراغم المهاجر وقال السدي المراغم المبتغى للمعيشة قال ع وهذا كله تفسير بالمعنى وأما الخاص باللفظة فإن المراغم هو موضع المراغمة فلو هاجر احد من هؤلاء المحبوسين بمكة لارغم انوف قريش بحصوله في منعة منهم فتلك المنعة هي موضع المراغمة قال ابن عباس وغيره السعة هنا هي السعة في الرزق وقال مالك السعة سعة البلاد قال ع وهذا هو المشبه للفصاحة أن يريد سعة الأرض وبذلك تكون السعة في الرزق واتساع الصدر وغير ذلك من وجوه الفرج وهذا المعنى ظاهر من قوله تعالى الم تكن أرض اللّه واسعة قال مالك بن أنس رحمه اللّه الآية تعطي أن كل مسلم ينبغى له أن يخرج من البلاد التي تغير فيها السنن ويعمل فيها بغير الحق وقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت الآية حكم هذه الآية باق في الجهاد والمشي إلى الصلاة والحج ونحوه قلت وفي الباب حديث عن أبي أمامة وسياتي عند قوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم قال ع والآية نزلت بسبب رجل من كنانة وقيل من خزاعة أسمه ضمرة في قول الأكثر لما سمع قول اللّه تعالى الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا قال اني لذو مال وعبيد وكان مريضا فقال أخرجوني إلى المدينة فأخرج في سرير فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت الآية بسببه قال ع ومن هذه الآية رأى بعض العلماء أن من مات من المسلمين وقد خرج غازيا فله سهمه من الغنيمة قاسوا ذلك على الاجر ووقع عبارة عن الثبوت وكذلك هي وجب لان الوقوع والوجوب نزول في الاجرام بقوة فشبه لازم المعاني بذلك وباقي الآية بين |
﴿ ٩٤ ﴾