١٤١وقوله تعالى الذين يتربصون بكم الآية هذه صفة المنافقين ويتربصون بكم معناه ينتظرون دور الدوائر عليكم فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار وهذا حال المنافقين ونستحوذ معناه نغلب على أمركم ونحوطكم ومنه استحوذ عليهم الشيطان معناه غلب على أمرهم ثم سلى سبحانه المؤمنين وأنسهم بما وعدهم به في قوله فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة أي وبينهم وينصفكم من جميعهم وبقوله تعالى ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا أي يوم القيامة قاله علي رضي اللّه عنه وعليه جميع أهل التأويل والسبيل هنا الحجة والغلبة قلت إلا ابن العربي لم يرتض هذا التأويل قال وإنما معنى الآية أحد ثلاثة وجوه الأول لن يجعل اللّه للكافرين علىالمؤمني سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويستبيح بيضتهم الثاني لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتباعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم وهذا نفيس جدا الثالث لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع ونزع بهذا علماؤنا بالاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم انتهى ومخادعة المنافقين هي لأولياء اللّه ففي الكلام حذف مضاف إذ لا يقصد أحد من البشر مخادعة اللّه سبحانه وقوله تعالى وهو خادعهم عبارة عن عقوبتهم سماها باسم الذنب وقال ابن جريج والحسن والسدي وغيرهم من المفسرين إن هذا الخدع هو أن اللّه تعالى يعطي لهذه الأمة يوم القيامة نورا لكل إنسان مؤمن منافق فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ونهض المؤمنون فذلك قول المنافقين انظرونا نقتبس من نوركم فذلك هو الخدع الذي يجري على المنافقين ثم ذكر سبحانه كسلهم في الصلاة وتلك حال كل من يعمل كارها غير معتقد فيه الصواب بل تقية مصانعة قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا يذكرون اللّه إلا قليلا روى الأئمة مالك وغيره عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر اللّه فيها إلا قليلا قال ابن العربي وقد بين تعالى صلاة المؤمنين بقوله قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ومن خشع خضع واستمر ولم ينقر صلاته ولم يستعجل انتهى ومذبذبين معناه مضطرين لا يثبتون على حال والتذبذب الاضطراب فهؤلاء المنافقون مترددون بين الكفار والمؤمنين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال صلى اللّه عليه و سلم مثل المنافقين كمثل الشاة العايرة بين الغنمين والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية خطابه سبحانه للمؤمنين يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ففي اللفظ رفق بهم وهم المراد بقوله سبحانه أترديون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا لأن هذا التوقيف إنما هو لمن ألم يشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ويقوى هذا المنزع قوله تعالى من دون المؤمنين اي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين بل المعنى يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه والسلطان الحجة ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من نار جهنم وذلك لأنهم أسرى غوائل من الكفار واشد تمكنا من أذى المسلمين قلت وأيضا لأنهم شاهدوا من معجزات النبي صلى اللّه عليه وسلم وما جعل اللّه على يديه من الخوارق ما لم يشاهد غيرهم من الكفار فكانت الحجة عليهم أعظم وكان كفرهم محض عناد وروي عن أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما أنهم قالوا المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله ويعتصم باللّه أي يجعله منعته وملجأه ويخلص دينه للّه تعالى وإلا فليس بتائب وقوله فأولئك مع المؤمنين أي في رحمة اللّه سبحانه وفي منازل الجنة ثم وعد سبحانه المؤمنين الأجر العظيم وهو التخليد في الجنة وقال ص فأولئك خبره مضمر والتقدير فأولئك مؤمنون مع المؤمنين قاله أبو البقاء انتهى ثم قال سبحانه للمنافقين ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم الآية أي ايى منفعة له سبحانه في ذلك حاجة قال أبو عبد اللّه اللخمي زعم الطبري أن قوله تعالى ما يفعل اللّه بعذابكم خطاب للمنافقين ولا يكاد يقوم له على ذلك دليل يقطع به وليس في ذكر المنافقين قبله ما يقتضي أن يحمل عليهم خاصة مع احتمال الآية للعموم فقطعه بأن الآية في المنافقين حكم لا يقوم به دليل انتهى وهو حسن إذ حمل الآية على العموم أحسن والعجب من ع كيف تبع الطبري في هذا التخصيص ويظهر واللّه اعلم أنهما عولا في تخصيص الآية على قوله تعالى وآمنتم وهو محتمل أن يحمل في حق المنافقين على ظاهره وفي حق المؤمنين على معنى دمتم على إيمانكم واللّه أعلم والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه ثم وعد سبحانه بقوله وكان اللّه شاكرا عليما أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه فذلك شكر منه سبحانه لعباده والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر به بدنه والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة لأنها يقال تخضر وتتنضر بظل السحاب دون مطر وفي قوله عليما تحذير وندب إلى الإخلاص |
﴿ ١٤١ ﴾