سورة الاعرافبسم اللّه الرحمن الرحيم سورة الاعراف مكية كلها قاله الضحاك وغيره وقال مقاتل هي مكية الا ١قوله سبحانه واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الى قوله من ظهورهم ذرياتهم فان هذه الآيات مدنية قوله جلت عظمته المص كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين تقدم القول في تفسير الحروف المقطعة في اوائل السور والحرج الضيق ومنه الحرجة الشجر المتلف الذي قد تضايق والحرج هاهنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر والضمير فى منه عائد على الكتاب أي بسبب من اسبابه ٢وقوله سبحانه فلا يكن في صدرك حرج منه اعتراض في اثناء الكلام ولذلك قال بعض الناس ان فيه تقديما وتاخيرا وقوله وذكرى معناه تذكرة وارشاد ٣وقوله سبحانه اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم امر يعم جميع الناس ولا تتبعوا من دونه أي من دون ربكم اولياء يريد كل من عبد واتبع من دون اللّه وقليلا نعت لمصدر نصب بفعل مضمر وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده وما في قوله ما تذكرون مصدرية ٤وقوله سبحانه وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا بياتا هم قائلون قالت فرقة المراد وكم من اهل قرية وقالت فرقة اللفظ يتضمن هلاك القرية واهلها وهو اعظم من العقوبة والفاء في قوله سبحانه فجاءها بأسنا لترتيب القول فقط وقيل المعنى اهلكناها بالخذلان وعدم التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك وبياتا نصب على المصدر في موضع الحال وقائلون من القائلة وانما خص وقتي الدعة والسكون لان مجيء العذاب فيهما افظع واهول لما فيه من البغتة والفجأة قال ابو حيان للتفصيل أي جاء بعضهم بأسنا ليلا وبعضهم نهارا انتهى و ٥قوله عز و جل فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا ان قالوا انا كنا ظالمين هذه الآية يتبين منها ان المراد في الآية قبلها اهل القرى والدعوى في كلام العرب تأتي لمعنيين احدهما الدعاء ومنه قوله عز و جل فما زالت تلك دعواهم والثاني الادعاء وهذه الآية تحتمل المعنيين ثم استثنى سبحانه من غير الاول كأنه قال لم يكن منهم دعاء ادعاء إلا الاقرار والاعتراف أي هذا كان بدل الدعاء والادعاء واعترافهم وقولهم انا كنا ظالمين هو في المدة التي ما بين ظهور العذاب الى اتيانه على انفسهم وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها وروى ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه قال ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ٦وقوله سبحانه فلنسئلن الذين أرسل اليهم ولنسئلن المرسلين الآية وعيد من اللّه عز و جل لجميع العالم أخبر سبحانه انه يسأل الامم اجمع عما بلغ اليهم عنه وعن جميع اعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا وهذا هو سؤال التقرير فان اللّه سبحانه قد احاط علما بكل ذلك قبل السؤال فأما الانبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذابا وتوبيخا ت وروى ابو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم بسنده عن مالك انه قال بلغني ان العلماء يسألون يوم القيامة كما تسأل الانبياء يعني عن تبليغ العلم انتهى وخرج ابو نعيم الحافظ من حديث الاعمش عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ما من عبد يخطو خطوة الا يسأل عنها ما اراد بها وقد ذكرنا حديث مسلم عن ابي برزة في غير هذا الموضع وخرج الطبراني بسنده عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول اذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبد من عباده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله انتهى وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني ان اول ما ينظر فيه من عمل المرء الصلاة فان قبلت منه نظر فيما بقي من عمله وان لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله وروى أبو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه معنى هذا الحديث مرفوعا عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أول ما يحاسب به الناس يوم القيامة من اعمالهم الصلاة قال يقول ربنا عز و جل للملائكة انظروا في صلاة عبدي اتمها أم نقصها فان كانت تامة كتبت له تامة وان كان انتقص منها شيء قال اللّه انظروا هل لعبدي من تطوع فان كان له تطوع قال اتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الاعمال على ذلك انتهى واللفظ لأبي داود وقال النساءي ثم سائر الاعمال تجري على ذلك انتهى من التذكرة ٧وقوله سبحانه فلنقصن عليهم بعلم أي فلنسردن عليهم اعمالهم قصة قصة بعلم أي بحقيقة ويقين وما كنا غائبين ٨وقوله عز و جل والوزن يومئذ الحق التقدير والوزن الحق ثابت ظاهر يومئذ أي يوم القيامة قال جمهور الامة ان اللّه عز و جل اراد ان يبين لعباده ان الحاسب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل بامر قد عرفوه في الدنيا وعهدته افهامهم فميزان القيامة له عمود وكفتان على هيئة موازين الدنيا جمع لفظ الموازين اذ في الميزان موزونات كثيرة فكانه اراد التنبيه عليها قال الفخر والاظهر اثبات موازين في يوم القيامة لاميزان واحد لظواهر الآيات وحمل الموازين على الموزونات على الميزان الواحد يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ وذلك انما يصار اليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ولا مانع هاهنا منه فوجب اجراء اللفظ على حقيقته فكما لم يمتنع إثبات ميزان له كفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة وما الموجب لتركه والمصير إلى التأويل انتهى قال أبو حيان موازينه جمع باعتبار الموزونات وهذا على مذهب الجمهور في أن الميزان واحد وقال الحسن لكل واحد ميزان فالجمع إذن حقيقة انتهى والآيات هنا البراهين والأوامر والنواهي ١٠وقوله سبحانه ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش الآية خطاب لجميع الناس والمعايش بكسر الياء دون همز جمع معيشة وهي لفظة تعم جميع المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدى إليه وقليلا نصب بتشكرون ويحتمل أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره شكرا قليلا شكركم شكرا قليلا تشكرون ١١وقوله سبحانه ولد خلقناكم ثم صورناكم الآية هذه الآية معناها التنبيه على مواضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة واختلف العلماء في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك فقالت فرقة المراد بقوله سبحانه ولقد خلقناكم ثم صورناكم آدم وأن كان الخطاب لبنيه وقال مجاهد المعنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في صلب آدم وفي وقت استخراج ذرية آدم من ظهره امثال الذر في صورة البشر ويترتب في هذين القولين أن تكون ثم على بابها في الترتيب والمهلة وقال ابن عباس والربيع بن أنس أما خلقناكم فآدم وأما صورناكم فذريته في بطون الأمهات وقال قتادة وغيره بل ذلك كله في بطون الأمهات من خلق وتصوير وثم لترتيب الإخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجمل في أنفسها وقوله سبحانه فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم تقدم الكلام على قصص الآية في سورة البقرة وما في قوله ما منعك استفهام على جهة التوبيخ والتقريع و لا في قوله ألا تسجد قيل هي زائدة والمعنى ما منعك أن تسجد وكذلك قال أبو حيان أنها زائدة كهي في قوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب قال ويدل على زيادتها سقوطها في قوله تعالى ما منعك أن تسجد في ص انتهى وجواب إبليس اللعين ليس بمطابق لما سئل عنه لكن لما جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة فكأنه قال منعني فضلي عليه إذ أنا خير منه وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هما في درجة واحدة من حيث أنهما جماد مخلوق ولما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلا على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها افضل مما خلق من الطين فأخطأ قياسه وذهب عليه أن الروح الذي نفخ في آدم ليس من الطين وقال الطبري ذهب عليه ما في النار من الطيش والخفة والاضطراب وفي الطين من الوقار والأناة والحلم والتثبت وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والمقر إلا بالقياس وهذا القول منهما ليس هو بإنكار للقياس وإنما خرج كلامهما نهيا عما كان في زمانهما من مقاييس الخوارج وغيرهم فأرادا حمل الناس على الجادة ١٣وقوله سبحانه فاهبط منها الآية يظهر منه أنه اهبط أولا وأخرج من الجنة وصار في السماء لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر اخرا بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية وقوله إنك من الصاغرين حكم عليه بضد معصيته التي عصى بها وهي الكبرياء فعوقب بالحمل عليه بخلاف شهوته وامله والصغار الذل قاله السدي ومعنى أنظرني أخرني فأعطاه اللّه النظرة إلى النفخة الأولى قاله أكثر الناس وهو الأصح والأشهر في الشرع ١٦وقوله فبما يريد به القسم كقوله في الآية الأخرى فبعزتك وأغويتني قال الجمهور معناه أضللتني من الغي وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي قاتل اللّه القدرية لإبليس أعلم باللّه منهم يريد في أنه علم أن اللّه يهدي ويضل وقوله لأقعدن لهم صراطك المعنى لاعتراضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهم النجاة فلا صدنهم عنه ومنه قوله عليه السلام إن الشيطان قعد لابن آدم باطراقه نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فاسلم فنهاه عن الهجرة فقال تدع اهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد فقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة الحديث ١٧وقوله سبحانه ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم أجمعين مقصد الآية أن إبليس أخبر عن نفسه أنه يأتي اضلال بني آدم من كل جهة فعبر عن ذلك بألفاظ تقتضي الإحاطة بهم وفي اللفظ تجوز وهذا قول جماعة من المفسرين قال الفخر وقوله لأقعدن لهم صراتك المستقيم أي على صراطك اجمع النحاة على تقدير على في هذا الموضع انتهى وقوله ولا تجد أكثرهم شاكرين اخبر اللعين أن سعايته تفعل ذلك ظنا منه وتوسما في خلقة آدم حين رأى خلقته من أشياء مختلفة فعلم أنه ستكون لهم شيم تقتضي طاعته كالغل والحسد والشهوات ونحو ذلك قال ابن عباس وقتاده إلا أن إبليس لم يقل أنه يأتي بني آدم من فوقهم ولا جعل اللّه له سبيلا إلى أن يحول بينهم وبين رحمة اللّه وعفوه ومنه وما ظنه إبليس صدقه اللّه عز و جل ومنه قوله سبحانه ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا قريقا من المؤمنين فجعل أكثر العالم كفرة ويبينه قوله صلى اللّه عليه و سلم في الصحيح يقول اللّه عز و جل يا آدم أخرج بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة ونحوه مما يخص أمة نبينا صلى اللّه عليه وسلم ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود وشاكرين معناه مؤمنين لأن ابن آدم لا يشكر نعمة اللّه إلا بأن يؤمن قاله ابن عباس وغيره ١٨وقوله سبحانه أخرج منها أي من الجنة مذءوما أي معيبا مدحورا أي مقصيا مبعدا لمن تبعك بفتح اللام هي لام قسم وقال أبو حيان الظاهر إنها الموطئة للقسم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه ويجوز أن تكون لام ابتداء ومن موصولة في موضع رفع بالابتداء والقسم المحذوف وجوابه وهو لاملأن في موضع خبرها انتهى وقال الفخر وقيل مذءوما أي محقورا فالمذءوم المحتقر قاله الليث وقال ابن الانباري المذءوم المذموم وقال الفراء اذأمته إذا عيبته انتهى وباقي الآية بين اللّهم انا نعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء ودرك الشقاء وشامتة الأعداء ١٩جلا وعلا ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين إذا امر الانسان بشيء وهو متلبس به فإنما المقصد من ذلك أن يستمر على حاله ويتمادى في هيئته وقوله سبحانه لآدم اسكن وهو من هذا الباب وقد تقدم الكلام في سورة البقرة عل الشجرة وتعيينها وقوله سبحانه هذه قال م الأصل هذى والهاء بدل من الياء ولذلك كسرت الذال إذ ليس في كلامهم هاء تأنيث قبلها كسرة انتهى ٢٠عز و جل فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما الوسوسة الحديث في إخفاء همسا وأسرارا من الصوت والوسواس صوت الحلى فشبه الهمس به وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ الأسرار وأخفاه هذا في حال الشيطان معنا الآن وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمحاورة خفية بإلقاء في نفس واللام في ليبدي هي في قول الأكثرين لام الصيرورة والعاقبة ويمكن أن تكون لام كي على بابها وما ووري معناه ما ستر من قولك وأرى يواري إذا ستر والسوأة الفرج والدبر ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء وقالت طائفة إن هذه العباده إنما قصد بها أنها كشفت لهما معائهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة وهذا القول محتمل إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في عليهما عائد على بدنيهما فيصح سبحانه وقال ما نهاكما الآية هذا القول المحكي عن إبليس يدخله من التأويل ما دخل الوسوسة فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحوارا وممكن أن يقولها إلقاء في النفس ووحيا وإلا أن تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية ان وتقديره عند الكوفيين إلا أن لا على اضمار لا ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء احسن من إضمار الحروف وقرأ جمهور الناس ملكين بفتح اللام وقرأ ابن عباس ملكين بكسرها ويؤيده قوله وملك لا بيلي وقال بعض الناس يؤخذ من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسئلة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء وقاسمهما أي حلف لهما باللّه وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له اليمين كالقسم عز و جل فدلاهما بغرور قال ع يشبه عندي أن تكون هذه استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد ارم سبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به وهلك فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلي من هوة بسبب ضعيف سبحانه بدت قيل تمزقت عنهما ثياب الجنة وملابسهما وتطايرت تبريا منهما ويخصفان معناه يلصقانها والمخصف الاشقى وضم الورق بعضه إلى بعض اشبه بالخرز منه بالخياطة قال البخاري يخصفان يؤلفان الورق بعضه إلى بعض انتهى وهو معنى ما تقدم وروى أبي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه النخلة السحوق فلما أكل من الشجرة وبدت له حاله فر على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه فقال لها أرسلني فقالت ما أنا بمرسلتك فناداه ربه جل وعلا أمني تفر يا آدم فقال لا يا رب ولكن استحييك فقال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك قال بلى يا رب ولكن وعزتك ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش الأكدا عن تلكما يريد بحسب اللفظ أنه إنما أشار إلى شجرة مخصوصة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين إشارة إلى الآية التي في طه في قوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من جعل النسيان على بابه وقولهما ربنا ظلمنا أنفسنا اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة فطلب آدم هذا فأجيب وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى سوء رأيه قال الضحاك وغيره هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه عز و جل قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو المخاطبة بقوله اهبطوا قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم هي لآدم وحواء وإبليس والحية وقالت فرقة هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته قال ع وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت ت وما ضعفه رحمه اللّه صححه في سورة البقرة فتأمله هناك وعداوة الحية معروفة روى قتادة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ما سالمناهن منذ حاربناهن سبحانه يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم الآية خطاب لجميع الأمم وقت النبي صلى اللّه عليه وسلم والسبب والمراد قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع آيات وقوله أنزلنا يحتمل التدريج أي لما أنزل المطر فكان عنه جميع ما يلبس ويحتمل أن يريد بانزلنا خلقنا كقوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وأنزلنا الحديد ولباسا عام في جميع ما يلبس ويوارى يستر وقرأ الجهور وريشا وقرأ عاصم وأبو عمرو ورياشا وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهة العيش وجودة الملبس والتمتع وقال البخاري قال ابن عباس وريشا المال انتهى وقرأ نافع وغيره ولباس بالنصب وقرأ حمزة وغيره بالرفع ٢٦وقوله ذلك من آيات اللّه إشارة إلى جميع ما أنزل اللّه من اللباس والريش وحكى النقاش إن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية أي علامة وإمارة من اللّه تعالى أنه قد رضي عنه ورحمه وقال ابن عباس لباس التقوى هو السمت الحسن في الوجه وقاله عثمان بن عفان على المنبر وقال ابن عباس أيضا هو العمل الصالح وقال عروة بن الزبير هو خشية اللّه وقيل هو لباس الصوف وكل ما فيه تواضع للّه عز و جل وقال الحسن هو الورع وقال معبد الجهني هو الحياء وقال ابن عباس أيضا لباس التقوى العفة قال ع وهذه كلها مثل وهي من لباس التقوى ولعلهم ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة ٢٧وقوله عز و جل يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الآية خطاب لجميع العالم والمقصود بها في ذلك الوقت من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا قيل كانت العرب تطوف عراة إلا الحمس وهم قريش ومن والاها وهذا هو الصحيح ثم نودي بمكة في سنة تسع لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان والفتنة في هذه الآية الاستهواء والغلبة على النفس وأضاف الإخراج في هذه الآية إلى إبليس تجوزا لما كان هو السبب في ذلك قال أبو حيان كما أخرج كما في موضع نصب أي فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم انتهى سبحانه إنه يراكم زيادة في التحذير وإعلام بأن اللّه عز و جل قد مكن إبليس من بني آدم في هذا القدر وبحسب ذلك يجب أن يكون التحرز بطاعة اللّه عز و جل وقبيل الشيطان يريد نوعه وصنفه وذريته والشيطان موجود وهو جسم قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه بسم اللّه الذي لا إله إلا هو انتهى وعن علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنف أن يقولوا بسم اللّه رواه الترمذي وقال إسناده ليس بالقوي قال النووي قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن مضوعا وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع الانكحة فإن المستحب أن يتنزه عنه ولكن لا يجب انتهى لأبي عمر بن عبد البر في - كتاب فضل العلم ثم أخبر عز و جل أنه صير الشياطين أولياء أي صحابة ومتداخلين للكفرة الذين لا إيمان لهم ٢٨وقوله وإذا فعلوا وما بعده داخل في صفة الذين لا يؤمنون والفاحشة في هذه الآية وإن كان اللفظ عاما هي كشف العورة عند الطواف فقد روي عن الزهري أنه قال إن في ذلك نزلت هذه الآية وقاله ابن عباس ومجاهد ٢٩عز و جل قل أمر ربي بالقسط تضمن معنى اقسطوا ولذلك عطف عليه قوله واقيموا حملا على المعنى والقسط العدل واختلف في قوله سبحانه وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فقال مجاهد والسدي أراد إلى الكعبة والمقصد على هذا على هذا شرع القبلة والتزامها وقيل أراد الأمر بإحضار النية للّه في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول وجهت وجهي للّه قاله الربيع وقيل المراد إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض أي حيث ما كنتم فهو مسجد لكم تلزمكم عند الصلاة إقامة وجوهكم فيه للّه عز و جل سبحانه كما بدأكم تعودون قال ابن عباس وقتادة ومجاهد المعني كما اوجدكم واخترعم كذلك يعيدكم بعد الموت والوقف على هذا التأويل تعودون وفريقا نصب بهدى والثاني منصوب بفعل تقديره وعذب فريقا وقال جابر بن عبد اللّه وغيره وروي معناه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن المراد الإعلام بأن من سبقت له من اللّه الحسنى وكتب سعيدا كان في الآخرة سعيدا ومن كتب عليه أنه من أهل الشقاء كان في الآخرة شقيا ولا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء فالوقف في هذا التأويل في قوله تعودون غير حسن وفريقا على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول ويحسبون أنهم مهتدون معناه يظنون قال الطبري وهذه الآية دليل على خطأ من زعم أن اللّه لا يعذب أحدا على معصية ركبها ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب ٣١سبحانه يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية هذا خطاب عام لجميع العالم كما تقدم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها والزينة الثياب الساترة قاله مجاهد وغيره و عند كل مسجد أي عند موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها ت ومن المستحسن هنا ذكر شيء مما جاء في اللباس فمن احسن الأحاديث في ذلك وأصحها ما رواه مالك في الموطإ عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول أن أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما سقط من اسفل ذلك ففي النار قال ذلك ثلاث مرات لا ينظر اللّه عز و جل إلى من جر أزاره بطرا وحدث أبو عمر في التمهيد بسنده عن ابن عمر قال فيما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه ولم في الأزار فهو في القميص يعني ما تحت الكعبين من القميص في النار كما قال في الأزار وقد روى أبو خيثمة زهير بن معاوية قال سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ادركتهم وقمصهم إلى نصف الساق قريب من ذلك وكم أحدهم لا يجاوز يده انتهى وورى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت كانت يد كم قميص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الرسغ وأما احب اللباس فما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القميص انتهى وجاء في المسبل وعيد شديد وعنه صلى اللّه عليه و سلم أن قال لرجل اسبل ازاره ان هذا كان يصلى وهو مسبل ازاره وأن اللّه لا يقبل صلاة رجل مسبل ازاره رواه أبو داود انتهى سبحانه وكلوا واشربوا إباحة لما التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام المواسم قاله ابن زيد وغيره ويدخل في ذلك البحيرة والسائبة ونحو ذلك نص على ذلك قتادة سبحانه ولا تسرفوا معناه لا تفرطوا قال أهل التأويل يريد تسرفوا بأن تحرموا ما لم يحرم اللّه عز و جل واللفظة تقتضي النهي عن السرف مطلقا ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد واوسط الأمور فحسن وإن أفرط جعل أيضا من المسرفين وقال ابن عباس في هذه الآية أحل اللّه الأكل والشرب ما لم يكن سرفا مخيلة قال ابن العربي قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الإسراف تعدى الحد فنهاهم سبحانه عن تعدى الحلال إلى الحرام وقيل لا يزيد على قدر الحاجة وقد اختلف فيه على قولين فقيل حرام وقيل مكروه وهو الأصح فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والإنسان والطعمان انتهى من أحكام القرآن ٣٢وقوله سبحانه قل من حرم زينة اللّه التي أخرج لعباده أي قل لهم على جهة التوبيخ وزينة اللّه هي ما حسنته الشريعة وقررته وزينة الدنيا كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين والطيبات قال الجمهور يريد المحللات وقال الشافعي وغيره هي المستلذات أي من الحلال وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ ونحوها فإنه يقول هي من الخبائث ت وقال مكي المعنى قل من حرم زينة اللّه أي اللباس الذي يزين الإنسان بأن يستر عورته ومن حرم الطيبات من الرزق المباحة وقيل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من السوائب والبحائر انتهى وقوله سبحانه قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال ابن جبير المعنى قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها يوم القيامة وقال ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة وغيرهم المعنى هو أن يخبر صلى اللّه عليه و سلم أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحدا في استعمالها في الآخرة وقرأ نافع وحده خالصة بالرفع والباقون بالنصب وقوله سبحانه كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر نفصل الآيات أي نبين الإمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به ٣٣وقوله عز و جل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن الآية لما تقدم إنكار ما حرمه الكفار بآرائهم اتبعه بذكر ما حرم اللّه عز و جل و الفواحش في اللغة ما فحش وشنع وأصله من القبح في النظر وهي هنا إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش والإثم لفظ عام في جميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم هذا قول الجمهور وقال بعض الناس هي الخمر وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية وإنما حرمت الخمر بالمدينة بعد احد والبغي التعدي وتجاوز الحد وان تقولوا على اللّه مالا تعلمون من أنه حرم البحيرة والسائبة ونحوه ٣٤وقوله سبحانه ولكل أمة اجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون المعنى ولكل أمة أجل مؤقت لمجيء العذاب إذا كفروا وخالفوا أمر ربهم فأنتم أيتها الأمة كذلك قاله الطبري وغيره وقوله ساعة لفظ عين به الجزء القليل من الزمان والمراد جميع أجزائه والمعنى لا يستأخرون ساعة ولا اقل منها ولا أكثر ٣٥وقوله عز و جل يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها اولائك أصحاب النار هم فيها خالدون الخطاب في هذه الآية لجميع العالم وان هي الشرطية دخلت عليها ما مؤكدة وكان هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري نبينا صلى اللّه عليه وسلم أن هذا حكم اللّه في العالم منذ أنشأه ويأتينكم مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق رقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبؤة إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم وهذا على مراعاة وقت نزول الآية واسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن اللّه سبحانه خاطب آدم وذريته فقال يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم الآية قال ثم نظر سبحانه إلى الرسل فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون الحديث قال ع ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل نبينا صلى اللّه عليه وسلم ذكره النقاش ويقصون أي يسردون ويوردون والآيات لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وانكادها ٣٧قوله سبحانه فمن فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا كذب بآياته الآية هذه الآية وعيد واستفهام على جهة التقرير أي لا أحد أظلم منه والكتاب هو اللوح المحفوظ في قول الحسن وغيره وقيل ما تكتبه الحفظة ونصيبهم من ذلك هو الكفر والمعاصي قاله مجاهد وغيره وقيل هو القرآن وحظهم فيه سواد الوجوه يوم القيامة وقال الربيع بن أنس وغيره المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا ورجحه الطبري واحتج له بقوله تعالى بعد ذلك إذا جاءتهم رسلنا عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل اولائك يتمتعون ويتصرفون في الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم وهذا تأويل جماعة وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري وقالت فرقة رسلنا يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة ويتوفونهم معناه عندهم يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم وقوله سبحانه حكاية عن الرسل اين ما كنتم تدعون استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزي وتدعون معناه تعبدون وتؤملون وقولهم ضلوا عنا معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله سبحانه وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قوله سبحانه قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار هذه حكاية ما يقول اللّه سبحانه لهم يوم القيامة بواسطة ملائكة العذاب نسأل اللّه العافية وعبر عن يقول بقال لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة وهذا كثير وخلت حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السابقة لكم في الدنيا الكافرة ت وكذا قدره أبو حيان في جملة أمم قال وقيل في بمعنى مع أي مع أمم وتقدم له في البقرة أن في تجيء للمصاحبة كقوله تعالى ادخلوا في أمم قد خلت انتهى وقدم ذكر الجن لأنهم اعرق في الكفر وإبليس اصل الضلال والإغواء وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا وقد بوب البخاري رحمه اللّه بابا في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم وذكر في ذلك حديثا مجهولا وما أراه يصح واللّه أعلم والأخوة في هذه الآية أخوة الملة قال ص في النار متعلق بخلت بمحدوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والأنس كائنة في النار ويحتمل أن يتعلق بادخلوا على أن في الأولى بمعنى مع والثانية للظرفية وإذا اختلف مدلول الحرفين جاز تعلقهما بمحل واحد انتهى وأدركوا معناه تلاحقوا اصله تداركوا ادغم فجلبت الف الوصل وقال البخاري اداركوا إجتمعوا انتهى وقوله سبحانه قالت أخراهم لأولهم معناه قالت الأمم الأخيرة التي وجدت ضلالات متقررة وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على اللّه وسلكت سبيل الضلال ابتداء ربنا هؤلاء أضلونا أي طرقوا لنا طرق الضلال قال لكل ضعف أي عذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف قوله سبحانه وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل أي قد استوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم وهو من كلام الأمة المتقدمة للمتأخرة وقيل قوله فذوقوا هو من كلام اللّه عز و جل لجميعهم ٤٠وقوله سبحانه إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة الآية هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم قرأ نافع وغيره لا تفتح بتشديد التاء الثانية وقرأ أبو عمر وتفتح بالتاء أيضا وسكون الفاء وتخفيف ا لثانية وقرأ حمزة يفتح بالياء من أسفل وتخفيف التاء ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين قاله ابن عباس وغيره ثم نفى سبحانه عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة حيث يدخل الخيط والجمل كما عهد والسم كما عهد وقرأ جمهور المسلمين الجمل واحد الجمال وقرأ ابن عباس وغيره الجمل بضم ا لجيم تشديد الميم وهو حبل السفينة والسم الثقب من الإبرة وغيرها وكذلك أي وعلى هذه الصفة وبمثل هذا الحتم وغيره نجزى الكفرة وأهل الجرائم على اللّه لهم من جهنم مهاد أي فراش ومسكن ومضجع يتمهدونه وهي لهم غواش جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان أي يغطيه ويستره من جهة فوق وقوله سبحانه لا نكلف نفس إلا وسعها اولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها ثم اعترض فيها القول بعقب الصفة التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة اللّه ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق وقد تقدم ذلك في سورة البقرة والواسع معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له البشر ٤٣وقوله سبحانه ونزعنا ما في صدورهم من هذا إخبار من اللّه عز و جل أنه ينقى قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد وذلك أن صاحب الغل معذب به ولا عذاب في الجنة وورد في الحديث الغل على باب الجنة كمبارك ألا بل قد نزعه اللّه من قلوب المؤمنين والغل الحقد والاحنة الخفية في النفس وقالوا الحمد للّه الذي هدانا لهذا الإشارة بهذا يتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحات المؤدية إلى الجنة ويحتمل أن تكون إلى الجنة نفسها أي أرشدنا إلى طرقها وقرأ ابن عامر وحده ما كنا لنهتدي بسقوط الواو وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ووجهها أن الكلام متصل مرتبط بما قبله ولما رأو تصديق ما جآت به الأنبياء عن اللّه سبحانه وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أي قيل لهم بصياح وهذا النداء من قبل اللّه وإن مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي وقوله بما كنتم تعملون لا على طريق وجوب ذلك على اللّه تعالى لكن بقرينة رحمته وتغمده والأعمال امارة من اللّه سبحانه وطريق إلى قوة الرجاء ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمته والقسم فيها على قدر الأعمال وأورثتم مشيرة إلى الأقسام ٤٤وقوله سبحانه ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا الآية هذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار وقوله سبحانه فأذن مؤذن بينهم أي اعلم معلم والظالمون هنا هم الكافرين ت حكي عن غير واحد أن طاووس دخل على هشام بن عبد الملك فقال له اتق اللّه وأحذر يوم الأذان فقال وما يوم الأذان فقال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة اللّه على الظالمين فصعق هشام فقال طاووس هذا ذل الوصف فكيف ذل المعاينة انتهى ويبغونها عوجا أي يطلبونها يطلبون لها والضمير في يبغونها عائد على السبيل ٤٦وقوله سبحانه وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وبينهما أي بين الجنة والنار ويحتمل بين الجمعين والحجاب هو السور الذي ذكره اللّه عز و جل في قوله فضرب بينهم بسور له باب قال ابن عباس وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار وقال ابن عباس أيضا هو تل بين الجنة والنار وذكر الزهراوي حديثا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال أن احدا جبل يحبنا ونحبه وأنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء اللّه من أهل الجنة والأعراف جمع عرف وهو المرتفع من الأرض ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما وقال بعض الناس سمي الأعراف أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس قال ع وهذه عجمة وإنما المراد على أعراف ذلك الحجاب أي أعاليه وقوله رجال قال الجمهور انهم رجال من البشر ثم اختلفوا في تعيينهم فقال شرحبيل بن سعد هم المستشهدون في سبيل اللّه الذين خرجوا عصاة لآبائهم وذكر الطبري في ذلك حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم وقال ابن عباس وغيره هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ووقع في مسند خثيمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر عن جابر بن عبد اله قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار قيل يا رسول اللّه فمن استوت حسناته وسيئاته قال أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون وقيل غير هذا من التأويلات قال واللازم من الآية أن على أعراف ذلك السور على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء اللّه تعالى رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار ويعرفون كلا بسيماهم أي بعلاماتهم من بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة وسوادها وقبحها في أهل النار إلى غير ذلك في حيز هؤلاء وحيز هؤلاء وقوله لم يدخلوها وهم يطمعون المراد به أهل الأعراف فقط وهو تأويل ابن مسعود والسدي وقتادة والحسن وقال واللّه ما جعل اللّه ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم قال ع وهذا هو الأظهر الأليق مما قيل في هذه الآية ولا نظر لأحد مع قول النبي صلى اللّه عليه وسلم ٤٧وقوله سبحانه وإذا صرفت أبصارهم أي أبصار أصحاب الأعراف فهم يسلمون على أصحاب الجنة وإذا نظروا إلى النار وأهلها قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين قاله ابن عباس وجماعة من العلماء ٤٨وقوله سبحانه ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم يريد من أهل النار ما أغنى عنكم جمعكم ما استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ وما الثانية مصدرية وجمعكم لفظ يعم المال والأجناد والخول ٤٩وقوله سبحانه أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اله برحمة ادخلوا الجنة أهل الأعراف هم القائلون إشارة إلى أهل الجنة والذين خوطبوا هم أهل النار والمعنى أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن اللّه لا يعبؤ بهم قيل لهم ادخلوا الجنة وقال النقاش اقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف داخلون النار معهم فنادتهم الملائكة أهولاء ثم نادت أصحاب الأعراف أدخلوا الجنة وقرأ عكرمة دخلوا الجنة على الأخبار بفعل ماض ٥٠قوله سبحانه ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء الآية لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بادراك يجعله اللّه لهم على بعد السفل من العلو وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر وروي أن ذلك النداء هو عند اطلاع أهل الجنة عليهم وقوله سبحانه مما رزقكم اللّه إشارة إلى الطعام قاله السدي فيقول لهم أهل الجنة إن اللّه حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر اللّه تعالى ومعنى ٥١قوله تعالى الذين اتخذوا دينهم لهوا أي بالإعراض والاستهزاء بمن يدعوهم إلى الإسلام وغرتهم الحياة الدنيا أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى وقوله فاليوم ننساهم هو من أخبار اللّه عز و جل عما يفعل بهم والنسيان هنا بمعنى الترك أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم قاله ابن عباس وجماعة وما كانوا عطف على ما من قوله كما نسوا ويحتمل أن تقدر ما الثانية زائدة ويكون قوله وكانوا عطفا على قوله نسوا ٥٢وقوله سبحانه ولقد جئناهم بكتاب الضمير في جئناهم لمن نقدم ذكره والكتاب اسم جنس واللام في لقد لام قسم وقال يحيى بن سلام بل الكلام تم في يجحدون وهذا الضمير لمكذبي نبيا صلى اللّه عليه وسلم وهو ابتداء كلام آخر والمراد بالكتاب القرآن الكريم وعلى علم معناه على بصيرة ٥٣وقوله سبحانه هل ينظرون أي ينتظرون إلا تأويله أي مئاله وعاقبته يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره وقال السدي مئالة في الدنيا وقعة بدر وغيرها ويوم القيامة أيضا ثم أخبر تعالى أن مئال حال هذا الدين يوم يأتي يقع معه ندمهم ويقولون تأسفا على ما فاتهم من الإيمان لقد جاءت رسل ربنا بالحق فالتأويل على هذا من آل يؤل ونسوه يحتمل أن يكون بمعنى الترك وباقي الآية بين ت وهذا التقرير يرجح تأويل ابن سلام المتقدم ٥٤وقوله سبحانه إن ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام الآية خطاب عام يقتضي التوحيد والحجة عليه بدلائله وجاء في التفسير والأحاديث أن اللّه سبحانه ابتدأ الخلق يوم الأحد وكملت المخلوقات يوم الجمعة وهذا كله والساعة اليسيرة في قدرة اللّه سبحانه سواء قال م في ستة أيام ستة أصلها سدسة فأبدلوا من السين تاء ثم ادغموا الدال في التاء وتصغيره سديس وسديسة انتهى وقوله سبحانه ثم استوى على العرش معناه عند أبي المعالى وغيره من حذاق المتكلمين الملك والسلطان وخص العرش بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم المخلوقات وقوله سبحانه ألا له الخلق والأمر إلا استفتاح كلام وأخذ المفسرون الخلق بمعنى المخلوقات أي هي كلها ملكه واختراعه وأخذوا الأمر مصدرا من آمر يأمر قال ع ويحتمل أن تؤخذ لفظة الخلق على المصدر من خلق يخلق خلقا أي له هذه الصفة إذ هو الموجد للأشياء بعد العدم ويؤخذ الأمر على أنه واحد الأمور فيكون بمنزلة قوله وإليه يرجع الأمر كله وإلى اللّه ترجع الأمور وكيف ما تأولت الآية فالجميع للّه سبحانه وتبارك معناه عظم وتعالى وكثرت بركاته ولا يوصف بها إلا اللّه سبحانه و تبارك لا يتصرف في كلام العرب فلا يقال منه يتبارك و العالمين جمع عالم ٥٥وقوله عز و جل ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يجب المعتدين هذا أمر بالدعاء وتعبد به ثم قرن سبحانه بالأمر به صفات تحسن معه وقوله تضرعا معناه بخشوع وإستكانه والتضرع لفظة تقتضي الجهر لأن التضرع إنما يكون بإشارات جوارح وهيآت أعضاء تقترن بالطلب وخفية يريد في النفس خاصة وقد أثنى اللّه سبحانه على ذلك في قوله سبحانه إذ نادى ربه نداء خفيا ونحو هذا قول النبي صلى اللّه عليه وسلم خير الذكر الخفي والشريعة مقررة أن السر فيما لم يفرض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر ت ونحو هذا لابن العربي لما تكلم على هذه الآية قال الأصل في الأعمال الفرضية الجهر والأصل في الأعمال النفلية السر وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بذلك في الدنيا والتفاخر على الأصحاب بالأعمال وقلوب الخلق جبلت بالميل إلى أهل الطاعة انتهى من الأحكام وقوله سبحانه إنه لا يحب المعتدين يريد في الدعاء وإن كان اللفظ عاما والاعتداء في الدعاء على وجوه منها الجهر الكثير والصياح وفي الصحيح عنه صلى اللّه عليه و سلم أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ومنها أن يدعو في محال ونحو هذا من التشطط وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسب المراء أن يقول اللّهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول عمل وقال البخاري إنه لا يحب المتعدين أي في الدعاء وغيره انتهى ت قال الخطابي وليس معنى الاعتداء الإكثار فقد جاء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إن اللّه يحب الملحين في الدعاء وقال إذا دعا أحدكم فليستكثر فإنما هو يسأل ربه انتهى وروى أبو داود في سننه عن عبد اللّه بن مغفل قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهر والدعاء انتهى ٥٦وقوله سبحانه ولا تفسدوا في الأرض الآية ألفاظها عامة تتضمن كل فساد قل كثر بعد صلاح قل كثر والقصد بالنهي هو العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على جهة المثال وقوله سبحانه وأدعوه خوفا وطمعا أمر بأن يكون الإنسان في حالة تقرب وتحرز وتأميل للّه عز و جل حتى يكون الخوف والرجاء كالجناحين للطير يحملانه في طريق استقامة وان انفرد أحدهما هلك الإنسان وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة فإذا جاء الموت غلب الرجاء وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير وهذا كله طريق احتياط ومنه تمنى الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ثم أنس سبحانه بقوله إن رحمت اللّه قريب من المحسنين ٥٧وقوله سبحانه وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا الآية هذه آية اعتبار واستدلال وقرأ عاصم الرياح بالجمع بشرا بالباء المضمومة والشين الساكنة وروي عنه بشرا بضم الباء والشين ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات واكثر ذكر الريح مفردة إنما هو بقرينة عذاب كقوله سبحانه وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وقد تقدم إيضاح هذا في سورة البقرة ومن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس وأيضا فتقييدها بنشرا يزيل الاشتراك والإرسال في الريح هو بمعنى الأجراء والإطلاق ونشرا أي تنشر السحاب وأما بشرا بضم الباء والشين فجمع بشير كنذير ونذر والرحمة في هذه آية المطر وبين يدي أي أمام رحمته وقدامها وأقلت معناه رفعته من الأرض واستقلت به وثقالا معناه من الماء والعرب تصف السحاب بالثقل والريح نسوق السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة والضمير في سقناه عائد على السحاب ووصف البلد بالموت استعارة بسبب شعثه وجذوبته والضمير في قوله فأنزلنا به يحتمل أن يعود على السحاب أي منه ويحتمل أن يعود على البلد ويحتمل أن يعود على الريح وقوله تبارك وتعالى كذلك نخرج الموتى يحتمل مقصدين أحدهما أن يراد كهذه القدرة العظيمة هي القدرة على إحياء الموتى وهذا مثال لها الثاني أن يراد أن هكذا نصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به حسب ما وردت به الآثار فيكون الكلام خبرا لا مثالا ٥٨وقوله سبحانه والبلد الطيب يخرج نباته آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها معرفة بعادة اللّه سبحانه في إنبات الأرضين فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن وقلت الكافر كما هو محكي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي فذلك مترتب لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثل قصد به ذلك والطيب هو الجيد التراب الكريم الأرض وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا وهذا كما تقول لمن تغض منه أنت كما شاء اللّه فهي عبارة تعطي مبالغة في مدح ذم والخبيث هو السباخ ونحوها من رديء الأرض و النكد العسير القليل كذلك نصرف الآيات أي هكذا نبين الأمور و يشكرون معناه يؤمنون ويثنون بآلاء اللّه سبحانه ٥٩قوله عز و جل لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من اللّه مالا تعلمون قال الطبري أقسم اللّه تعالى أنه أرسل نوحا وكذا قال أبو حيان لقد اللام جواب قسم محذوف انتهى وغيره بالرفع بدل من قوله من اله لأنه في موضع رفع ويجوز أن يكون نعتا على الموضع لأن التقدير ما لكم إله غيره والملأ الجماعة من الإشراف قيل أنهم مأخذون من أنهم يملؤن النفس والعين ويحتمل من أنه إذا تمالؤا على أمرتم وقولهم إنا لنراك يحتمل من رؤية البصر ويحتمل من رؤية القلب وهو أظهر وفي ضلال أي في تلف وجهالة بما تسلك وقوله لهم جواب عن هذا ليس بي ضلالة مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم وتناول رفيق وسعة صدر حسب ما تقتضيه خلق النبؤة وقوله ولكني رسول تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل في المعجزة وقوله عليه السلام وأعلم من اللّه ما لا تعلمون لفظ مضمنه الوعيد لا سيما وهم لم يسمعوا قط بأمة عذبت ٦٣وقوله عجبتكم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أنهم كانوا قوما عمين الاستفهام هنا على جهة التقرير والتوبيخ وقوله على رجل منكم قيل على بمعنى مع وقيل هو على حذف مضاف تقديره على لسان رجل ويحتمل أن يكون معناه منزل على رجل منكم إذ كل ما يأتي من اللّه سبحانه فله حكم النزول ولعلكم ترج بحسب حال نوح ومعتقده ٦٤وقوله سبحانه فأنجيناه والذين معه في الفلك الآية وفي التفسير أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلا وقيل ثمانون رجلا وثمانون امرأة وقيل عشرة وقيل ثمانية قاله قتادة وقيل سبعة واللّه أعلم وفي كثير من كتب الحديث الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام وقوله عمين جمع عم ويريد عمي البصائر وأتى في حديث الشفاعة وغيره أن نوحا أول الرسل ٦٥وقوله سبحانه وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا اللّه مالكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين عاد اسم الحي وهم عرب فيما يذكر وأخاهم نصب بأرسلنا وهو معطوف على نوح وهذه أيضا نذارة من هود عليه السلام وقوله افلا تتقون استعطاف إلى التقوى والإيمان وقوله عجبتم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللّه لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قوله وزادكم في الخلق أي في الخلقة والبسطة الكمال في الطول والعرض وقيل زادكم على أهل عصركم وقال الطبري زادكم على قوم نوح وقاله قتادة قال ع واللفظ يقتضي أن الزيادة على جميع العالم وهوالذي يقتضيه ما يذكر عنهم وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول اقصرهم ستون ونحوها والآلاء جمع الى على مثل معي وهي النعمة والمنة قال الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح وكانت مساكنهم الشحر من ارض اليمن وما وإلى حضرموت إلى عمان قال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال وكانت بلادهم اخصب بلاد فردها اللّه صحارى وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب احمر تخالطه مدرة ذات أراك وسدر وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيرا بقوتهم وعددهم وظلموا الناس وكانوا ثلاثة عشر قبيلة وكانوا أصحاب أوثان فبعث اللّه إليهم هودا من أفضلهم وأوسطم نسبا فدعاهم إلى توحيد اللّه سبحانه وإلى ترك الظلم قال ابن إسحاق ولم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمروا على ذلك إلى أن أراد اللّه إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا دهمهم أمر بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم اللّه فيه تعظيما له مؤمنهم وكافرهم وأهل مكة يؤمئد العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفدا إلى مكة يستسقون اللّه لهم فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعتيل بن ضد ابن عاد الأكبر ومرثد بن سعد وكان هذا مؤمنا يكتم إيمانه وجلهمة بن الخيبري في سبعين رجلا من قومهم فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارج الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم أمه كلهذة ابنة الخيبري اخت جلهمة وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر اضيافه بالانصراف عنه فشكا ذلك إلى قينتيه فقالتا أصنع شعرا نغني به عسى أن ننبههم فقال ... ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل اللّه يصحبنا غماما ... ... فتسقى أرض عاد أن عادا ... قد أمسوا لا يبينون الكلاما ... ... من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما ... ... وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عياما ... ... وان الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما ... ... وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما ... ... فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما ... فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل اللّه يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد ابن سعد إنكم واللّه ما تسقون بدعائكم ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم سقيتم وأظهر إيمانه يومئذ فخالفه الوفد وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مردا ولا يدخل معنا الحرم فإنه قد اتبع هودا ومضوا إلى الحرم فاستسقى قيل بن عنز وقال يا الاهنا أن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا فانشأ اللّه تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت فقال قيل قد اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء فنودي قد اخترت رمادا رمددا لا تبقى من عاد أحدا لا والدا ولا ولدا إلا جعلتهم همدا وساق اللّه السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت قالت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها اللّه عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك فأعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من ريح إلا ما يلتذ به قال ع وهذا قصص وقع في تفسير الطبري مطولا وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة حتى تلقيها في البحر وفي خبرهم أن أقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع وقال زيد بن أسلم بلغني أن ضبعا ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم أن اللّه سبحانه لما اهلكهم بعث طيرا فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر فذلك قوله سبحانه فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وفي بعض ما روي من شأنهم أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله سبحانه فاهلكوا بريح صرصر عاتية وروي أن هودا لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا فاللّه أعلم أي ذلك كان وقولهم أجئتنا لنعبد اللّه وحده الآية ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردون العبادة للّه مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع وهذا هو الأظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم ولا يجحد ربوبية اللّه تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته وقولهم فاتنا بما تعدنا تصميم على التكذيب واستعجال للعقوبة ٧١وقوله سبحانه قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما نزل اللّه بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا الآية أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب وقوله أتجادلونني في أسماء سميتموها أي في مسميات سميتموها آلة وقطعنا دابر استعارة تستعمل فيمن يستأصل بالهلاك والدابر الذي يدبر القوم ويأتي خلفهم فإذا انتهى القطع والاستيصال إلى ذلك فلم يبق أحد وقوله كذبوا بآياتنا دال على المعجزة وإن لم تتعين ت ومن معجزاته قوله فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون على ما سيأتي إن شاء اللّه في موضعه ٧٣وقوله سبحانه وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم قرأ الجمهور وإلى ثمود بغير صرف على ارادة القبيلة وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وإلى ثمود بالصرف على إرادة الحي والقراءتان فصيحتان مستعملتان وقد قال تعالى ألا إن ثمودا كفروا ربهم و أخاهم عطف على نوح والمعنى وأرسلنا إلى ثمود أخاهم وهي أخوة نسب وهم قوم عرب فهود وصالح عربيان وكذلك إسماعيل وشعيب كذا قال الناس في أمر إسماعيل ت النظر الذي أشار إليه لا يخفى عليك وذلك أن إسماعيل والده إبراهيم عليه السلام أعجمي وتعلم إسماعيل العربية من العرب الذين نزلوا عليه بمكة حسب ما ذكره أهل السيرة فهذا وجه النظر الذي أشار إليه وفي نظره رحمة اللّه نظر يمنعني من البحث معه ما أنا له قاصد من الإيجار والاختصار دون البسط والانتشار نعم خرج أبو بكر والآجري الآجري من حديث أبي ذر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر انتهى يذكر إسماعيل فهذا الحديث قد يعضد ما قاله ع وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عابر بن ارم بن سام بن نوح كذا ذكر مكي قال وهب بعثه اللّه حين راهق الحلم ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا بها حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر أي كما ارتحل هود بمن معه إلى مكة صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين وقوله قد جاءتكم بينة من ربكم أي آية حجة موعظة بينة من ربكم قال بعض الناس أن صالحا جاء بالناقة من تلقاء نفسه وقال الجمهور بل كانت مقترحة وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان وقالوا يا صالح إن كنت صادقا فادع لنا ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر ناقة عشراء فدعا اللّه فتمخضت تلك الهضبة وانشقت عن ناقة عظيمة وروي أنها كانت حاملا فولدت سقبها المشهور وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة وقيل لها ناقة اللّه تشريفا لها وتخصيصا وهي إضافة خلق إلى خالق وجعل اللّه لها شربا يوما ولهم شرب يوم وكانت آية في شربها وحلبها قال المفسرون كانت خلقا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت ثمود في الماء يوما بيوم فكانت الناقة ترد يومها فتستوفي ماء بيرهم شربا ويحلبونها ما شاءوا من لبن ثم تمكث يوما وترد بعد ذلك غبا فاستمر ذلك ما شاء اللّه حتى ملتها ثمود وقالوا ما نصنع باللبن الماء أحب إلينا منه وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتشتو في ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتمالئوا على ملل الناقة وروي أن صالحا أوحى اللّه إليه أن قومك سيعقرون الناقة وينزل بهم العذاب عند ذلك فأخبرهم بذلك فقالوا عياذا باللّه أن نفعل ذلك فقال إن لم تفعلوا أنتم أوشك أن يولد فيكم من يفعله وقال لهم صفة عاقرها أحمر أشقر أزرق فولد قدار على الصفة المذكورة فكان الذي عقرها بالسيف وقيل بالسهم في ضرعها وهرب فصيلها عند ذلك حتى صعد على جبل يقال له القارة فرغا ثلاثا فقال يا صالح هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه فيندفع عنهم العذاب به فراموا الصعود إليه في الجبل فارتفع الجبل في السماء حتى ما تناله الطير وحينئذ رغا الفصيل وروي أن صالحا عليه السلام قال لهم حين رغا الفصيل ستصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في الثاني وتسود في الثالث فلما ظهرت العلامات التي قال لهم أيقنوا بالهلاك واستعدوا ولطخوا ابدانهم بالمر وحفروا القبور وتحنطوا وتكفنوا في الأنطاع فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن آمن معه حتى نزل رملة فلسطين وقد اكثر الناس في هذا القصص وهذا القدر كاف ومن أراد استيفاء هذا القصص فليطالع الطبري قال ع وبلاد ثمود هي بين الشام والمدينة وهي التي مر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم اعتجر بعمامة وأسرع السير حتى جاز الوادي صلى اللّه عليه و سلم ت ولفظ البخاري ثم قنع رأسه وأسرع السير الحديث ٧٤وقوله سبحانه واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض الآية بوأكم معناه مكنكم وهي مستعملة في المكان وظروفه و القصور جمع قصر وهي الديار التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت على الناس قصرا تاما والنحت النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه وكانوا ينحتون الجبال لطول أعمارهم و تعثوا معناه تسفدوا قال أبو حيان ومفسدين حال مؤكدة انتهى و الذين استكبروا هم الأشراف والعظماء الكفرة و الذين استضعفوا هم العامة والاغفال في الدنيا وهم اتباع الرسل وقولهم أتعلمون استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين اللّه فحملت الانفة الأشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم ٧٧وقوله سبحانه فعقروا الناقة يقتضي بتشريكهم أجمعين في الضمير إن عقر الناقة كان على تمالىء منهم واتفاق وكذلك روي أن قدارا لم يعقرها حتى كان يستشير وعتوا معناه خشنوا وصلبوا ولم يذعنوا للأمر والشرع وصمموا على تكذيبه واستعجلوا النقمة بقولهم ائتنا بما تعدنا فحل بهم العذاب والرجفة ما تؤثره الصيحة الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتحرك ويضطرب ويرتعد ومنه فرجع بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرجف فؤاده وروي أن صيحة ثمود كان فيها من كل صوت مهول وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثموا على صدورهم والجاثم اللاطىء بالأرض على صدره فجاثمين معناه باركين قد صعق بهم وهو تشبيه بجثوم الطير وجثوم الرماد قال بعض المفسرين معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة وروي أن الصيحة أصابت كل من كان منهم في شرق الأرض وغربها إلا رجلا كان في الحرم فمعنه الحرم ثم هلك بعد خروجه من الحرم ففي مصنف أبي داود قيل يا رسول اله من ذلك الرجل قال أبو رغال وذكره الطبري أيضا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وهذا الخبر يرد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل ٧٩وقوله فتولى عنهم أي تولى عنهم وقت عقر الناقة وذلك قل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ويحتمل أن يكون خطابه لهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم وذكر حالهم غير ذلك كما خاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم أهل قليب بدر قال الطبري وقيل أنه لم تهلك أمة ونبيها معها وروي أنه أرتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ولفظ التولي يقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم وقوله ولكن لا تحبون الناصحين عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي السديد إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة الذي ينصح ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك ٨٠وقوله سبحانه ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين لوط عليه السلام بعثه اللّه سبحانه إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام ونصبه إما بارسلنا المتقدم في الأنبياء وأما بفعل محذوف تقديره واذكر لوطا والفاحشة إتيان الذكور في الأدبار وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمة قبلهم وحكم هذه الفاحشة عند مالك وغيره الرجم أحصن أم لم يحصن وحرق أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه رجلا عمل عمل قوم لوط وقرأ نافع وغيره إنكم على الخبر كأنه فسر الفاحشة والإسراف الزيادة الفاسدة ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وخذلان و يتطهرون معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا قال قتادة عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم واستثنى اللّه سبحانه امرأة لوط عليه السلام من الناجين وأخبر أنها هلكت والغابر هو الباقي هذا هو المشهور في اللغة وقد يجيء الغابر بمعنى الماضي وكذلك حكى أهل اللغة غبر بمعنى بقي وبمعنى مضى وقوله و أمطرنا عليهم مطرا الآية أي بحجارة وروي أن اللّه تعالى بعث جبريل فاقتلعها بجناحه وهي ست مدن وقيل خمس وقيل أربع فرفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا صراخ الديكة ونباح الكلاب ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم من كان في سفر خارجا من البقع المرفوعة وقالت امرأة لوط حين سمعت الوجبة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها ٨٥وقوله سبحانه وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها الآية قيل في مدين أنه اسم بلد وقطر وقيل اسم قبيلة وقيل هم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل وهذا بعيد وروي أن لوطا هو جد شعيب لأمه وقال مكي كان زوج بنت لوط وأخاهم منصوب بأرسلنا في أول القصص والبينة إشارة إلى معجزته ولا تبخسوا معناه ولا تظلموا ومنه قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي ظالمة خادعة وقال في سورة هود البخس النقص ت ويحتمل واللّه أعلم أن البخس هو ما اعتاده الناس من ذم السلع ليتوصلوا بذلك إلى رخصها فتأمله واللّه أعلم بما أراد سبحانه قال أبو حيان ولا تبخسوا متعد إلى مفعولين تقول بخست زيدا حقه أي نقصته إياه انتهى و أشيائهم يريد أمتعتهم وأموالهم ولا تفسدوا لفظ عام في دقيق الفساد وجليلة وكذلك الإصلاح عام ذلكم خير لكم أي عند اللّه إن كنتم مؤمنين أي بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان ولا تقعدوا بكل صراط الآية قال السدي هذا نهي عن العشارين والمتغلبين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل و الصراط الطريق وذكل أنهم كانوا يكثرون من هذا لأنه من قبيل بخسهم ونقصهم الكيل والوزن وقال أبو هريرة رضي اللّه عنه هو نهي عن السلب وقطع الطرق وكان ذلك من فعلهم وروي في ذلك حديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وما تقدم من الآية يؤيد هذين القولين وقال ابن عباس وغيره قوله ولا تقعدوا نهى لهم عما كانوا يفعلونه من رد الناس عن شعيب وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه وما بعد هذا من الألفاظ يشبه هذا من القول والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم اللّه وأن يعود على شعيب في قوله من رأى القعود على الطرق للرد عن شعيب قال الداودي وعن مجاهد يبغونها عوجا يلتمسون لها الزيغ انتهى ثم عدد عليهم نعم اللّه تعالى وأنه كثرهم بعد قلة عدد وقيل أغناهم بعد فقرهمثم حذرهم ومثل لهم بمن امتحن من الأمم ٨٧وقوله وان كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا الآية قوله اصبروا تهديد للطائفة الكافرة وقولهم لتعودن في ملتنا معناه لتصيرن وعاد في كلام العرب على وجهين أحدهما عاد الشيء إلى حال قد كان فيها قبل ذلك وهي على هذا الوجه لا تتعدى فإن عديت فبحرف ومنه قول الشاعر ... ألا ليت أيام الشباب جديد ... وعمرا تولى بابثين يعود ... ومنه قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والوجه الثاني أن تكون بمعنى صار وعاملة عملها ولا تتضمن أن الحال قد كانت متقدمة ومنه قول الشاعر ... تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد ابوالا ... ومنه قول الآخر ... وعاد راسى كالثغامة ... ومنه قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم على أن هذه محتملة بقوله في الآية لتعودن وشعيب عليه السلام لم يك قط كافرا فيقتضى أنها بمعنى صار وأما في جهة المؤمنين به بعد كفرهم فيترتب المعنى الآخر ويخرج عنه شعيب وقوله لو كنا كارهين توقيف منه لهم على شنعة المعصية وطلب أن يقروا بالسنتهم بإكراه المؤمنين على الإخراج ظلما وغسما قال ص قد افترينا هو بمعنى المستقبل لأنه سد مسد جواب الشرط وهو أن عدنا هو جوابه على قول انتهى وقوله إلا أن يشاء اللّه ربنا يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا في ذلك من اللّه سابق سوء وينفذ منه قضاء لا يرد قال ع والمؤمنون هو المجوزون لذلك وأما شعيب فقد عصمته النبوءة وهذا أظهر مما يحتمل القول ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد اللّه به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات وقيل أن هذا الاستثناء إنما هو تسنن وتأدب وقوله وسع ربنا كل شيء علما معناه وسع علم ربنا كل شيء كما تقول تصبب زيد عرقا أي تصبب عرق زيد و وسع بمعنى أحاط وقوله افتح معناه أحكم وقوله على اللّه توكلنا استسلام للّه سبحانه وتمسك بلطفه وذلك يؤيذ التأويل الأول في قوله إلا أن شاء اللّه ربنا ٨٨وقوله سبحانه وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا الآية أي قال الملأ لتباعهم ومقلديهم والرجفة الزلزلة الشديدة التي ينال الإنسان معها اهتزاز وارتعاد واضطراب فيحتمل أن فرقة من قوم شعيب هلكت بالرجفة وفرقة بالظلة ويحتمل أن الظلة والرجفة كانتا في حين واحد ت و الرجفة هي الصيحة يرجف بسببها الفؤاد وكذلك هو مصرح بها في قصة قوم شعيب في قوله سبحانه وأخذت الذين ظلموا الصيحة الآية وقوله سبحانه كان لم يغنوا فيها الضمير في قوله فيها عائد على دارهم و يغنوا معناه يقيمون بنعمة وخفض عيش وهذا اللفظ فيه قوة الإخبار عن هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبره والاتعاظ بهم ونحو هذا قول الشاعر ... كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ... قال ع فغنيت في المكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش مرضي وقوله يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم كلام يقتضي حزنا وإشفاقا لما رأى هلاك قومه إذ كان أمله فيهم غير ذلك ولما وجد في نفسه ذلك طلب أن يثير في نفسه سبب التسلى عنهم فجعل يعدد معاصيهم وإعراضهم ثم قال لنفسه لما نظر وفكر فكيف أسى على قوم كافرين ونحو هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم لأهل قليب بدر و أسى معناه احزن قال مكي وسار شعيب بمن معه حتى سكن مكة إلى أن ماتوا بها ٩٤وقوله سبحانه وما أرسلنا في قرية من بني إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أخبر سبحانه أنه ما بعث نبيا في قرية وهي المدينة إلا أخذ أهلها المكذبين له بالبأساء وهي المصائب في المال وعوارض الزمن والضراء وهي المصائب في البدن كالأمراض ونحوها لعلهم يضرعون أي ينقادون إلى الإيمان وهكذا قولهم الحمى أضرعتني لك ثم بدلنا مكان السيئة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي السراء والنعمة حتى عفوا معناه حتى كثروا يقال عفا النبات والريش إذا كثر نباته ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم احفوا الشوارب واعفوا اللحى ولما بدل اللّه حالهم بالخير لطفا بهم فنموا رأوا أن إصابة الضراء والسراء إنما هي بالاتفاق وليست بقصد كما يخبر به النبيء واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالا أي قد أصاب هذا آبائنا فلا ينبغي لنا أن ننكره ثم أخبر سبحانه أنه أخذ هذه الطوائف اللتي هذا معتقدها وقوله بغتة أي فجأة وأخذة أسف وبطشا للشقاء السابق لهم في قديم علمه سبحانه ٩٦وقوله تعالى ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض أي من بركات المطر والنبات وتسخير الرياح والشمس والقمر في مصالح العباد وهذا بحسب ما يدركه نظر البشر وللّه سبحانه خدام غير ذلك لا يحصى عددهم وما في علم اللّه أكثر ٩٧وقوله سبحانه افأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون الآية تتضمن وعيدا للكافرين المعاصرين لنبينا صلى اللّه عليه وسلم لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية قال ومن يؤمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك وهذا استفهام على جهة التوقيف والبأس العذاب و مكر اللّه هي إضافة مخلوق إلى خالق والمراد فعل يعاقب به مكرة الكفرة والعرب تسمي العقوبة باسم الذنب ١٠٠وقوله سبحانه أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هذه الف تقرير دخلت على واو العطف و يهدي معناه يبين فيحتمل أن يكون المبين اللّه سبحانه ويحتمل أن يكون المبين قوله أن لو نشاء أي علمهم بذلك وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد يهدي معناه يتبين وهذه أيضا آية وعيد أي ألم يظهر لوارثي الأرض بعد أولئك الذين تقدم ذكرهم وما حل بهم أنا نقدر لو شئنا أصبناهم بذنوبهم كما فعلنا بمن تقدم وفي العبارة وعظ بحال من سلف من المهلكين ١٠١وقوله سبحانه تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين تلك ابتداء و القرى قال قوم هو نعت والخبر نقص وعندي أن أهل القرى هي خبر الابتداء وفي ذلك معنى التعظيم لها ولمهلكها وهذا كما قيل في قوله تعالى الكتاب قال عليه السلام اولئك الملأ وكقوله ابن أبي الصلت تلك المكارم وهذا كثير ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن جميعهم بقوله جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل أحدها أن يريد أن الرسول جاء لكل فريق منهم فكذبوه لأول أمره ثم استبانت حجته وظهرت الآيات الدالة على صدقه مع استمرار دعوته فلجوا هم في كفرهم ولم يؤمنوا بما سبق به تكذيبهم والثاني من الوجوه أن يريد فما كان آخرهم في الزمن ليؤمن بما كذب به أولهم في الزمن بل مشى بعضهم على سنن بعض في الكفر أشار إلى هذا التأويل النقاش والثالث أن هؤلاء لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا لم يكن منهم إيمان قاله مجاهد وقرنه بقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والرابع أنه يحتمل فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم اللّه سبحانه انهم مكذبون به وذكر هذا التأويل المفسرون ١٠٢وقوله سبحانه وما وجدنا لأكثرهم من عهد الآية اخبر سبحانه أنه لم يجد لأكثرهم ثبوتا على العهد الذي أخذه سبحانه على ذرية آدم وقت استخراجهم من ظهره قاله أبو العالية عن أبي بن كعب ويحتمل أن يكون المعنى وما وجدنا لأكثرهم التزام عهد وقبول وصاة مما جاءتهم به الرسل عن اللّه ولا شكروا نعم اللّه عز و جل قال ص لأكثرهم يحتمل أن يعود على الناس على أهل القرى الأمم الماضية انتهى ١٠٣وقوله سبحانه ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها الآيات في هذه الآية عام في التسع وغيرها والضمير في من بعدهم عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم وقوله سبحانه فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فيه وعيد وتحذير للكفرة المعاصرين لنبينا صلى اللّه عليه وسلم وقوله سبحانه وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق علي أن لا أقول على اللّه إلا الحق قرأ نافع وحده على بإضافة على إليه وقرأ الباقون على بسكون الياء قال الفارسي معنى هذه القراءة أن على وضعت موضع الباء كأنه قال حقيق بان لا أقول على اللّه إلا الحق وقال قوم حقيق صفة لرسول تم عندها الكلام وعلى خبر مقدم وأن لا أقول ابتداء وإعراب أن على قراءة من سكن الياء خفض وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع وفي قراءة عبد اللّه حقيق أن لا أقول وهذا المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الي أمر به عليه السلام وقوله قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معني بني إسرائيل قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة منها أدل وهذا من موسى عليه السلام عرض نبؤته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدال على الصدق وظاهر هذه الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل وذكره لعله يتذكر يخشى وقوله فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين روي ان موسى قلق به وبمجاورته فرعون فقال لأعوانه خذوه فألقى موسى العصا فصارت ثعبانا وهمت بفرعون فهرب منها وقال السدي أنه أحدث وقال يا موسى كفه عني فكفه وقال نحوه سعيد بن جبير ويقال أن الثعبان وضع اسفل لحييه في الأرض وأعلاهما في أعلى شرفات القصر والثعبان الحية الذكر وهو أهول وأجرأ قاله الضحاك وقال قتادة صارت حية اشعر ذكرا وقال ابن عباس غرزت ذنبها في الأرض ورفعت صدرها إلى فرعون وقوله مبين معناه لا تخييل فيه بل هو بين أنه ثعبان حقيقة و نزع يده معناه من جبيبه كمه حسب الخلاف في ذلك وقوله فإذا هي بيضاء للنظارين قال مجاهد كاللبن أشد بياضا وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس تأتلق وكان موسى عليه السلام آدم أحمر إلى السواد ثم كان يرد يديه فترجع إلى لون بدنه قال فهاتان الآيتان عرضهما عليه السلام للمعارضة ودعا إلى اللّه بهما وخرق العادة بهما ت وظاهر الآية كما قال وليس في الآية ما يدل على أنه أراد بإلقاء العصا الانتظار والتخويف كما يعطيه ما تقدم ذكره من القصص ١٠٩وقوله عز و جل قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون لا محالة أنهم خافوا أمر موسى وجالت ظنونهم كل مجال وقوله فماذا تأمرون الظاهر أنه من كلام الملأ بعضهم لبعض وقيل انه من كلام فرعون لهم وروى كردم عن نافع تأمرون بكسر النون وكذلك في الشعراء وما استفهام وذا بمعنى الذي فهما ابتداء وخبر وفي تأمرون ضمير عائد على الذي تقديره تأمرون به ويجوز أن تجعل ماذا بمنزلة اسم واحد في موضع نصب بتأمرون ولا يضمر فيه على هذا ١١١وقوله قالوا ارجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم أشار الملأ على فرعون بأن يؤخر موسى وهارون ويدع النظر في أمرهما ويجمع السحرة وحكى النقاش أنه لم يكن يجالس فرعون ولد غية وإنما كانوا أشرافا ولذلك أشاروا بالإرجاء ولم يشيروا بالقتل وقالوا أن قتلته دخلت على الناس شبهة ولكن أغلبه بالحجة ١١٣وقوله سبحانه وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين الأجر هنا الأجرة واختلف الناس في عدد السحرة على أقوال كثيرة ليس لها سند يوقف عنده والحاصل من ذلك أنهم جمع عظيم ١١٥وقوله تعالى قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس وخير السحرة موسى في أن يتقدم في الإلقاء يتأخر وهذا فعل المدل الواثق بنفسه والظاهر أن التقدم في التخييلات والمخاريق أنجح لأن بديهتها تمضي بالنفوس فليظهر اللّه أمر نبوءة موسى قوى نفسه ويقينه ووثق بالحق فأعطاهم التقدم فنشطوا وسروا حتى أظهر اللّه الحق وأبطل سعيهم ١١٦وقوله سبحانه سحروا أعين الناس نص في أن لهم فعلا ما زائد على ما يحدثونه من التزويق واسترهبوهم بمعنى أرهبوهم أي فزعوهم ووصف اللّه سبحانه سحرهم بالعظيم ومعنى ذلك من كثرته وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيرا موقورة بالجبال والعصي فلما ألقوها تحركت وملأت الوادي يركب بعضها بعضا فاستهول الناس ذلك واسترههم قال الزجاج قيل أنهم جعلوا فيها الزيبق فكانت لا تستقر ١١٧وقوله سبحانه وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون وروي أن موسى عليه السلام لما كان يوم الجمع خرج متكئا على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر فلما القوا واسترهبوا أوحى اللّه إليه أن ألق فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فعظم حتى كان كالجبل وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى جعلوا يرقون وجعلت حبالهم تعظم وجعلت عصا موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلا واعدمها اللّه عز و جل ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجدا مؤمنين باللّه ورسوله وتلقف معناه تبتلع وتزدرد وقرأ ابن جبير تلقم بالميم ١١٨وقوله سبحانه فوقع الحق الآية أي نزل ووجد وقال أبو حيان فوقع أي فظهر والحق يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز وما كانوا يعملون لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته والضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي اللّه عنهم وقوله سبحانه وإلقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال أأمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين لما رأى السحرة من عظيم القدرة ما تيقنوا به نبوءة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة اللّه عز و جل فخروا للّه سبحانه متطارحين قائلين بالسنتهم آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال ع وهارون أخو موسى اسن منه بثلاث سنين وقول فرعون به قبل أن آذن لكم دليل على وهنه وضعف أمره لأنه إنما جعل ذنبهم عدم إذنه والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم اللّه سبحانه ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام وعنفهم فرعون على الإيمان قل أذنه ثم الزمهم أن هذا كان عن اتفاق منهم وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال نعم فعلم بذلك فرعون فلهذا قال إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ثم توعدهم وقوله سبحانه قالوا انا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا الآية هذا استسلام من مؤمني السحرة واتكال على اللّه سبحانه وثقة بما عنده وقرأ الجمهور تنقم بكسر القاف ومعناه وما تعد علينا ذنبا تواخذنا به إلا أن آمنا قال ابن عباس وغيره فيهم اصبحوا سحرة وأمسوا شهداء قال ابن عباس لما آمنت السحرة البتع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل وقول ملا فرعون أتذر موسى وقومه الآية مقالة تتضمن إغراء فرعون وتحريضه وقولهم ويذرك وإلهتك روي أن فرعون كان في زمنه للناس إلهة من بقر وأصنام وغير ذلك وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الاله الأعلى فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى إنما يريد بالنسبة إلى تلك المعبودات وقيل إن فرعون كان يعبد حجرا يعلقه في صدره كأنه ياقوتة نحوها وعن الحسن نحوه وقوله سنقتل أبناءهم المعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقوله وانا فوقهم يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا و قاهرون يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم قلت وهذا من عدو اللّه تجلد وإلا فقد قال فيما أخبر اللّه سبحانه به عنه أن هؤلاء لشرذمة قليلون وأنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون ١٢٨وقوله سبحانه قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا الآية لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عن اللّه تعالى استعينوا باللّه والأرض هنا أرض الدنيا وهو الأظهر وقيل المراد هنا أرض الجنة وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات والبأس وقولهم أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون به الذبح الذي كان في المدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه ومن بعد ما جئتنا يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الاخافة لهم وقال ابن عباس والسدي إنما قالت بنوا إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم فرعون واضطرهم إلى البحر قال ع وبالجملة فهو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم واستعطاف موسى لهم بقوله عسى ربكم أن يهلك عدوكم ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسا نافرة ويقوي هذا الظن في جهة بني إسرائيل سلوكهم هذا السبيل في غير ما قصة وقوله فينظر كيف تعملون تنبيه وحض على الاستقامة ولقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع ١٣٠وقوله سبحانه ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين أي بالجدوب والقحوط وهذه سيرة اللّه في الأمم وقوله ونقص من الثمرات أي حتى روي أن النخلة من نخلهم لا تحمل إلا ثمرة واحدة وقال نحوه رجاء بن حيوة وفعل اللّه تعالى بهم هذا لينيبوا ويزدجروا عماهم عليه من الكفر إذ أحوال الشدة ترق معها القلوب وترغب فيما عند اللّه سبحانه ١٣١وقوله عز و جل فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه الآية كان القصد في اصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات ان ينيبوا ويرجعوا فإذا هم قد ضلوا وجعلوها تشاؤما بموسى فكانوا إذا اتفق لهم اتفاق حسن في غلات ونحوها قالوا هذه لنا وبسببنا وإذا نالهم ضر قالوا هذا بسبب موسى وشؤمه قاله مجاهد وغيره وقرأ الجمهور يطيروا بالياء وشد الطاء والياء الأخيرة وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ مجاهد تشاءموا بموسى بالتاء حظهم ونصيبهم قال ابن عباس وهو مأخوذ من زجر الطير فسمي ما عند اللّه من فوق وبلفظ الشؤم وقوله سبحانه الا إنما طائرهم عند اللّه من القدر للإنسان طائرا لما كان الإنسان يعتقد أن كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر فهي لفظة مستعارة ومهما أصلها عند الخليل ماما فأبدلت الألف الأولى هاء وقال سيبويه هي مه ما خلطتا وهي حرف واحد لمعنى واحد وقال غيره معناها مه أي كف وما جزاء ذكره الزجاج وهذه الآية تتضمن طغيانهم وعتوهم وقطعهم على أنفسهم بالكفر البحت ١٣٣وقوله سبحانه فأرسلنا عليهم الطوفان الآية الطوفان مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثير في الماء والمطر الشديد قال ابن عباس وغيره الطوفان في هذه الآية هو المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير وقالت عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الطوفان المراد في هذه الآية هو الموت قلت ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا وروي أن اللّه عز و جل لما والى عليهم المطر عرقت أرضهم وامتنعوا من الزراعة قالوا يا موسى أدع لنا ربك في كشف هذا الغرق ونحن نؤمن فدعا فكشفه اللّه عنهم فانبتت الأرض إنباتا حسنا فنكثوا وقالوا ما نود انا لم نمطر وما هذا إلا إحسان من اللّه الينا فبعث اللّه عليهم حينئذ الجراد فأكل جميع ما انبتت الأرض فروى ابن وهب عن مالك أنه أكل حتى أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك اللّه من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع لنا ربك في كشف الجراد ونحن نؤمن فدعا اللّه فكشفه ورجعوا إلى كفرهم فبعث اللّه عليهم القمل وهي الدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير قاله ابن عباس وغيره وقرأ الحسن القمل بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا القمل المعروف وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملا في مصر ثم أنهم قالوا أدع في كشف هذا فدعا فرجعوا إلى طغيانهم وكفرهم فبعث اللّه عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب ضفدع في فمه قال ابن جبير كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع وقال ابن عباس لما أرسلت الضفادع عليهم وكانت برية سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها اللّه بحسن طاعتها برد الماء فقالوا يا موسى ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم فبعث اللّه عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عنده دما فروي أنه كان يستقى القبطي والإسرائيلي باناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دما والذي يلي الإسراءيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء هذا قول جماعة من المتأولين وقال زيد بن أسلم إنما سلط عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم وقوله آيات مفصلات التفصيل اصله في الإجرام إزالة الاتصال فهو تفريق شيئين فإذا استعمل في المعاني فيراد به أنه فرق بينها وأزيل اشتباكها وإشكالها فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة مفصلات يراد بها مفرقات في الزمن قال الفخر قال المفسرون كان العذاب يبقى عليهم من السبت إلى السبت وبين العذاب والعذاب شهر وهذا معنى قوله آيات مفصلات على هذا التأويل أي فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم وينظر ايقبلون الحجة والدليل أم يستمرون على الخلاف والتقليد انتهى ١٣٤وقوله عز و جل ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى أدع لنار بك بما عهد عندك الآية الرجز العذاب والظاهر من الآية أن المراد بالزجر هنا العذاب المتقدم الذكر من الطوفان والجراد وغيره وقال قوم الرجز هنا طاعون أنزله اللّه بهم واللّه أعلم وهذا يحتاج إلى سند وقولهم بما عهد عندك لغظ يعم جميع الوسائل بين اللّه وبين موسى من طاعة من موسى ونعمة من اللّه تبارك وتعالى ويحتمل أن يكون ذلك منهم على جهة القسم على موسى وقولهم لئن كشفت أي بدعائك لنؤمن ولنرسلن قسم وجوابه وهذا عهد من فرعون ملائه وروي أنه لما انكشف العذاب قال فرعون لموسى أذهب ببني إسرائيل حيث شئت فخالفه بعض ملائه فرجع ونكث وإذا هنا للمفاجأة والأجل يراد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت كما تقول أخرت كذا إلى وقت وأنت لا تريد وقتا بعينه فاللفظ متضمن توعدا ما وكانوا عنها غافلين أي غافلين عما تضمنته الآيات من النجاة والهدى ١٣٧وقوله تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية الذين كانوا يستضعفون كناية عن بني إسرائيل ومشارق الأرض ومغاربها قال الحسن وغيره هي الشام وقالت فرقة يريد الأرض كلها وهذا يتجه إما على المجاز لأنه ملكهم بلادا كثيرة وإما على الحقيقة في أنه ملك ذريتهم وهم سليمان بن داود ويترجح التأويل الأول بوصف الأرض بأنها التي بارك فيها سبحانه وقوله سبحانه وتمت كلمة ربك الحسنى أي ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه قاله مجاهد ويعرشون قال ابن عباس ومجاهد معناه يبنون قال ع رأيت للحسن البصري رحمه اللّه أنه احتج بقوله سبحانه وتمت كلمة ربك إلى آخر الآية على أنه ينبغي أن لا يخرج عن ملوك السوء وإنما ينبغي أن يصبر عليهم فإن اللّه سبحانه يدمرهم ورأيت لغيره أنه إذا قابل الناس البلاء بمثله وكلهم اللّه إليه وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى اللّه بالفرج وروي هذا أيضا عن الحسن ١٣٨وقوله سبحانه وجاوزنا ببني إسرائيل البحر بحر القلزم فأتوا على قوم قيل هم الكنعانيون وقيل هم من لخم وجذام والقوم في كلام العرب هم الرجال خاصة يعكفون العكوف الملازمة على أصنام لهم قيل كانت بقرا وقال ابن جريج كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوها وذلك كان أول فتنة العجل وقولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة يظهر منه استحسانهم لما رأوه من تلك الآلهة بجهلهم فارادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى اللّه وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى أجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ونكفر بربك وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي نصه النبي صلى اللّه عليه وسلم في قول أبي واقد الليثي أجعل لنا يا رسول اللّه ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فأنكره النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال اللّه أكبر قلتم واللّه كما قالت بنو إسرائيل أجعل لنا إلها كما لهم آلهة لتتبعن سنن من قبلكم الحديث ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفرا ولفسظة الآله تقتضي ذلك وهذا محتمل وما ذكرته أولا أصح واللّه أعلم قلت وقولهم هذا ألهكم واله موسى وجواب موسى هنا يقوى الاحتمال الثاني نعم الذي يجب أن يعتقد أن مثل هذه المقالات إنما صدرت من اشرارهم وقريبي العهد بالكفر قال الشيخ الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه الخثعمي ثم السهيلي ذكر النقاش في قوله تعالى فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم انهم كانوا من لحم وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر وأن السامري كان أصله منهم ولذلك نزع إلى عبادة العجل انتهى واللّه أعلم وهذا هو معنى ما تقدم من كلام ع ١٣٩وقوله إن هؤلاء متبر ما هم فيه أي مهلك مدمر رديء العاقبة والتبار الهلاك واناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة وقوله ما هم فيه يعم جميع أحوالهم وباطل معناه فاسد ذاهب مضمحل وابغيكم معناه أطلب ثم عدد عليهم سبحانه في هذه الآية النعم التي بحب من أجلها أن لا يكفروا به ولا يرغبوا في عبادة غيره فقال وإذ أنجيناكم من آل فرعون الآية و يسومونكم معناه يحملونكم ويكلفونكم ومساومة البيع تنظر إلى هذا فإن كل واحد من المتساومين يكلف صاحبه أرادته ثم فسر سوء العذاب بقوله يقتلون أبناءكم الآية ١٤٢وقوله سبحانه وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر الآية قال ابن عباس وغيره الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة وان العشر هي عشر ذي الحجة وروي أن الثلاثين إنما وعد بأن يصومها وأن مدة المناجاة هي العشر وحيث ورد أن المواعدة أربعون ليلة فذلك اخبار بجملة الأمر وهو في هذه الآية اخبار بتفصيله والمعنى في قوله وكلمه ربه أنه خلق له أدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات وكلام اللّه سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين وليس في جهة من الجهات وكما هو موجود لا كالموجودات ومعلوم لا كالمعلومات كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث وجواب لما في قوله قال والمعنى أنه لما كلمه اللّه عز و جل وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك فسأل ربه الرؤية ورؤية اللّه عز و جل عند أهل السنة جائزة عقلا لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأله جائزا وقوله سبحانه لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل الآية ليس بجواب من سأل محالا ولن تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون اللّه يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته قلت وأيضا قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فهو نص في الرؤية بينه صلى اللّه عليه و سلم ففي الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا انتهى قال مجاهد وغيره أن اللّه عز و جل قال له يا موسى لن تراني ولكن سأتجلى للجبل وهو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي قال ع فعلى هذا إنما جعل اللّه الجبل مثالا قلت وقول ع ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة قول مرجوح لم يتفطن له رحمه اللّه والحق الذي لا شك فيه أن لن لا تقتضي النفي المؤبد قال بدر الدين أبو عبد اللّه بن مالك في شرح التسهيل ولن كغيرها من حروف النفي في جواز كون استقبال المنفي بها منقطعا عند حد وغير منقطع وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لتأبيد النفي وحامله على ذلك اعتقاده أن اللّه تعالى لا يرى وهو اعتقاد باطل لصحة ثبوت الرؤية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واستدل على عدم اختصاصها بالتأبيد بمجيء استقبال المنفي بها مغيا إلى غاية ينتهي بانتهائها كما في قوله تعالى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى وهو واضح انتهى ونحوه لأبن هشام ولفظه ولا تفيد لن توكيد المنفي خلافا للزمخشري في كشافه ولا تأبيده خلافا له في أنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل قيل ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في فلن اكلم اليوم أنسيا ولكان ذكره الأبد في ولن يتمنوه أبدا تكرارا والأصل عدمه انتهى من المعنى وقوله سبحانه فلما تجلى ربه للجبل التجلي هو الظهور من غير تشبيه ولا تكليف وقوله جعله دكا المعنى جعله أرضا دكا يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها وخر موسى صعقا أي مغشيا عليه قاله جماعة من المفسرين قال ص وخر معناه سقط وقوله سبحانك أن تنزيها لك كذا فسره النبي صلى اللّه عليه وسلم وقوله تبت إليك معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها فيها قال ع ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول المطلع ولم يعن التوبة من شيء معين ولكنه لفظ لائق بذلك المقام والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة وقوله وأنا أول المؤمنين أي من قومه قاله ابن عباس وغيره من أهل زمانه إن كان الكفر قد طبق الأرض أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا قاله أبو العالية وقوله سبحانه فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين فيه تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله فإن جميع النعم من عند اللّه سبحانه بمقدار وكل الأمور بمرأى منه ومسمع وكتبنا له في الألواح من كل شيء أي من كل شيء ينفع في معنى الشرع وقوله وتفصيلا لكل شيء مثله وقوله بقوة أي بجد وصبر عليها قاله ابن عباس وقوله بأحسنها يحتمل معنيين أحدهما التفضيل كما إذا عرض مثلا مباحان كالعفو والقصاص فيأخذون بالأحسن منهما والمعنى الثاني يأخذون بحسن وصف الشريعة بجملتها كما تقول اللّه أكبر دون مقايسة وقوله سبحانه ساوريكم دار الفاسقين الرؤية هنا رؤية عين هذا هو الأظهر إلا أن المعنى يتضمن الوعد للمؤمنين والوعيد للفاسقين ودار الفاسقين قيل هي مصر والمراد آل فرعون وقيل الشام والمراد العمالقة وقيل جهنم والمراد الكفرة بموسى وقيل غير هذا مما يفتقر إلى صحة إسناد ١٤٦وقوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض الآية المعنى سأمنع وأصد قال سفيان ابن عيينة الآيات هنا كل كتاب منزل قال ع والمعنى عن فهمها وتصديقها وقال ابن جريج الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية والمعنى عن النظر فيها والتفكر والاستدلال بها واللفظ يعم الوجهين والمتكبرون في الأرض بغير الحق هم الكفار قلت ويدخل في هذا المعنى من تشبه بهم من عصاة المؤمنين والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم وقوله وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتم من اللّه على الطائفة التي قدر عليهم أن لا يؤمنوا وقوله ذلك إشارة إلى الصرف المتقدم ١٤٧وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة الآية هذه الآية مؤكدة للتي قبلها وفيها تهديد ١٤٨وقوله سبحانه واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الخوار صوت البقر وقرأت فرقة له جؤار بالجيم أي صياح ثم بين سبحانه سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله ألم يروا أنه لا يكلمهم الآية وقوله وكانوا ظالمين اخبار عن جميع أحوالهم ماضيا وحالا ومستقبلا وقد مر في البقرة قصة العجل فأغنى عن إعادته قال أبو عبيدة يقال لمن ندم على أمر وعجز عنه سقط في يده وقول بني إسرائيل لئن لم يرحمنا ربنا إنما كان بعد رجوع موسى وتغييره عليهم ورؤيتهم أنهم قد خرجوا من الدين ووقعوا في الكفر ١٥٠وقوله سبحانه ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا يريد رجع من المناجات والأسف قد يكون بمعنى الغضب الشديد وأكثر ما يكون بمعنى الحزن والمعنيان مترتبان هنا وعبارة ص غضبان صفة مبالغة والغضب غليان القلب بسبب ما يؤلم وأسفا من أسف فهو أسف كفرق فهو فرق يدل على ثبوت الوصف ولو ذهب به مذهب الزمان لقيل أسف على وزن فاعل والأسف الحزن انتهى وقوله تعالى اعجلتم معناه اسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به قال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان سبب إلقائه الألواح غضبه على قومه في عبادتهم العجل وغضبه على أخيه في إهمال أمرهم قال ابن عباس لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة وهو الذي أخذ بعد ذلك قال ابن عباس كانت الألواح من زمرذ وقيل من ياقوت وقيل من زبرجد وقيل من خشب واللّه أعلم وقوله ابن أم استعطاف برحم الأم إذ هو الصق القرابات وقوله كادوا معناه قاربوا ولم يفعلوا وقوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين يريد عبدة العجل ١٥٢وقوله سبحانه إن الذين أتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وقد وقع ذلك النيل بهم في عهد موسى عليه السلام فالغضب والذلة هو أمرهم بقتل أنفسهم وقال بعض المفسرين الذلة الجزية ووجه هذا القول أن الغضب والذلة بقيت في عقب هؤلاء وقال ابن جريج الإشارة إلى من مات من عبدة العجل قبل التوبة بقتل الأنفس وإلى من فر فلم يكن حاضرا وقت القتل والغضب من اللّه عز و جل إن اخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن أخذ بمعنى العقوبة وإحلال النقمة فهو صفة فعل وقوله وكذلك نجزي المفترين المراد أولا أولئك الذين افتروا على اللّه سبحانه في عبادة العجل وتكون قوة اللفظ تعم كل مفتر إلى يوم القيامة وقد قال سفيان بن عيينة وأبو قلابة وغيرهما كل صاحب بدعة فرية ذليل واستدلوا بالآية وقوله سبحانه والذين عملوا السيئات الآية تضمنت وعدا بأن اللّه سبحانه يغفر للتائبين وقرأ معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب قال أبو حيان واللام في لربهم يرهبون مقوية لوصول الفعل وهو يرهبون إلى مفعوله المتقدم وقال الكوفيون زائدة وقال الأخفش لام المفعول له أي لأجل ربهم انتهى قلت قال ابن هشام في المغنى ولام التقوية هي المزبدة لتقوية عامل ضعف إما لتأخير نحو لربهم يرهبون وإن كنتم للرؤيا تعبرون لكونه فرعا في العمل نحو مصدقا لما معهم فعال لما يريد وقد اجتمع التأخير والفرعية في كنا لحكمهم شاهدين انتهى ١٥٥وقوله واختار موسى قومه الآية قال الفخر قال جماعة النحويين معناه واختار موسى من قومه فحذف من يقال اخترت من الرجال زيدا واخترت من الرجال زيدا انتهى قال ع معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء فيكون منه ومنهم اعتذار إلى اللّه سبحانه من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وقد تقدم في سورة البقرة قصصهم قالت فرقة من العلماء أن موسى عليه السلام لما أعلمه اللّه سبحانه بعبادة بني إسرائيل العجل وبصفته قال موسى أي رب ومن أختاره قال أنا قال موسى فأنت يا رب أضللتهم أن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء أي أن الأمور بيدك تفعل ما تريد وقوله سبحانه واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة الآية اكتب معناه اثبت واقض والكتب مستعمل في كل ما يخلد وحسنة لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة للّه سبحانه وغير ذلك وحسنة الأخرى الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها وهدنا بضم الهاء معناه تبنا وقوله سبحانه قال عذابي أصيب به من أشاء يحتمل أن يريد بالعذاب الرجفة التي نزلت بالقوم ثم أخبر سبحانه عن رحمته ويحتمل وهو الأظهر أن الكلام قصد به الخبر عن عذابه وعن رحمته وتصريف ذلك في خليقته كما يشاء سبحانه ويندرج في عموم العذاب أصحاب الرجفة وقرأ الحسن بن أبي الحسن وطاوس وعمرو بن فائد من أساء من الإساءة ولا تعلق فيه للمعتزلة وأطنب القراء في التحفظ من هذه القراءة وحملهم على ذلك شحهم على الدين وقوله سبحانه ورحمتي وسعت كل شيء قال بعض العلماء هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله كل شيء والمراد من قد سبق في علم اللّه أن يرحمهم وقوله سبحانه فسأكتبها أي أقدرها وأقضيها وقال نوف البكالي أن موسى عليه السلام قال يا رب جعلت وفادتي لأمه محمد عليه السلام وقوله ويؤتون الزكاة الظاهر أنها الزكاة المختصة بالمال وروي عن ابن عباس أن المعنى يؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم وقوله سبحانه الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الآية هذه ألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله فسأكتبها للذين يتقون وخلصت هذه العدة لأمة صلى اللّه عليه وسلم قاله ابن عباس وغيره قلت وهذه الآية الكريمة معلمة بشرف هذه الأمة على العموم في كل من آمن باللّه تعالى وأقر برسالة النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم هم يتفاوتون بعد في الشرف بحسب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال الغزالي رحمة اللّه في الأحياء وإنما أمته صلى اللّه عليه و سلم من اتبعه وما أتبعه إلا من أعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة فإنه عليه السلام ما دعا إلا إلى اللّه واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما تعرض عن الدنيا وتقبل على الآخرة تسلك سبيله الذي سلكه صلى اللّه عليه و سلم وبقدر ما سلكت سبيله فقد اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من أمته وبقدر ما أقبلت على الدنيا عدلت عن سبيله ورغبت عن متابعته والتحقت بالذين قال اللّه تعالى فيهم فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى انتهى فإن أردت إتباع النبي صلى اللّه عليه وسلم على الحقيقة واقتفاء أثره فأبحث عن سيرته وخلقه في كتب الحديث والتفسير قال ابن القطان في تصنيفه الذي صنفه في الآيات والمعجزات والقول الوجيز في زهده وعبادته وتواضعه وسائر حلاه ومعاليه صلى اللّه عليه و سلم أنه ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز ثم توفي عليه السلام وعليه دين ودرعه مرهونة في طعام لأهله ولم يترك دينارا ولا درهما ولا شيد قصرا ولا غرس نخلا ولا شقق نهرا وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويلبس العباءة ويجالس المساكين ويمشي في الأسواق ويتوسد يده ويلعق أصابعه ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خصه ويمهن لأهله ولا يأكل متكئا ويقول أنا عبد آكل كما يأكل العبد ويقتص من نفسه ولا يرى ضاحكا ملء فيه ولو دعي إلى ذراع لأجاب ولو اهدي إليه كراع لقبل لا يأكل وحده ولا يضرب عبده ولا يمنع رفده ولا ضرب قط بيده إلا في سبيل اللّه وقام للّه حتى ورمت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا وكان يسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء إذا قال بالليل صلى اللّه عليه و سلم على آله وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة انتهى وقال الفخر قوله تعالى الذين يتبعون الرسول الآية قال بعضهم الإشارة بذلك إلى من تقدم ذكره من بني إسرائيل والمعنى يتبعونه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة وسيجدونه مكتوبا في الإنجيل وقال بعضهم بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيام النبي صلى اللّه عليه وسلم فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا تكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا أتبعوا النبي الأمي قال الفخر وهذا القول أقرب وقوله يجدونه أي يجدون صفة نبينا صلى اللّه عليه وسلم ونعته ففي البخاري غيره عن عبد اللّه بن عمرو أن في التوراة من صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم يا أيها النبي أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزئى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا اللّه فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما واعينا عميا وفي البخاري فيفتح به عيونا عمياء وآذانا صما وقلوبا غلفا ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال قلوبا غلوفا وآذانا صموما سبحانه يأمرهم بالمعروف الآية يحتمل أن يكون ابتداء كلام وصف به النبي صلى اللّه عليه وسلم ويحتمل أن يكون متعلقا بيجدونه في موضع الحال على تجوز أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده والمعروف ما عرف بالشرع وكل معروف من جهة المرؤة فهو معروف بالشرع فقد قال صلى اللّه عليه و سلم بعثت لأتمم محاسن الأخلاق والمنكر مقابله والطيبات عند مالك هي المحللات والخبائث هي المحرمات وكذلك قال ابن عباس والأصر الثقل وبه فسر هنا قتادة وغيره والأصر أيضا العهد وبه فسر ابن عباس وغيره وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم العهد بأن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم نبينا صلى اللّه عليه وسلم وقال ابن جبير الأصر شدة العبادة وقرأ أبن عامر آسارهم بالجمع فمن وحد الأصر فإنما هو اسم جنس عنده يراد به الجمع والأغلال التي كانت عليهم عبادة مستعارة أيضا لتلك الأثقال كقطع الجلد من أثر البول وإن لادية ولا بد من قتل القاتل إلى غير ذلك هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن زيد إنما المراد هنا بالأغلال قول اللّه عز و جل في اليهود غلت أيديهم فمن آمن بنبينا صلى اللّه عليه وسلم زالت عنه الدعوة وتغليلها ومعنى عزروه أي وقروه فالتعزير والنصر مشاهدة خاصة للصحابة واتباع النور يشترك فيه معهم المؤمنون إلى يوم القيامة والنور كناية عن جملة الشرع وشبه الشرع والهدى بالنور إذ القلوب تستضيء به كما يستضيء البصر بالنور ١٥٨وقوله سبحانه قل يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعا هذا أمر من اللّه سبحانه لنبيه بإشهار الدعوة العامة وهذه من خصائصه صلى اللّه عليه و سلم من بين سائر الرسل فإنه صلى اللّه عليه و سلم بعث إلى الناس كافة وإلى الجن وكل نبي إنما بعث إلى فرقة دون العموم وقوله سبحانه فآمنوا باللّه ورسوله الآية حض على اتباع نبينا صلى اللّه عليه وسلم وقوله الذي يؤمن باللّه وكلماته أي يصدق باللّه وكلماته والكلمات هنا الآيات المنزلة من عند اللّه كالتوراة والإنجيل وقوله واتبعوه لفظ عام يدخل تحته جميع الزامات الشريعة جعلنا اللّه من متبعيه على ما يلزم بمنه ورحمته قلت فإن أردت الفوز أيها الأخ فعليك باتباع النبي صلى اللّه عليه وسلم وتعظيم شريعته وتعظيم جميع أسبابه قال عياض ومن إعظامه صلى اللّه عليه وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته ومعاهده وما لمسه عليه السلام عرف به حدثت أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا ... ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا ... ... نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا ... وحكي عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول عليه السلام أنشأ يقول ... رفع الحجاب للنا فلاح لناظري ... قمر تقطع دونه الأوهام ... ... وإذا المطي بنا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال حرام ... ... قربنا من خير من وطئى الحصى ... فلها علينا حرمة وذمام ... وحكي عن بعض المشايخ أنه حج ماشيا فقيل له في ذلك فقال العبد الآبق يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي قال عياض وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل وتردد فيها جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح واشتملت ربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين اللّه وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ان تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدراتها ... يا دار خير المرسلين ومن به ... هدي الأنام خص بالآيات ... ... عندي لأجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات ... الآبيات انتهى من الشفا وقوله سبحانه ومن قوم موسى أمة يهدون أي يرشدون أنفسهم وهذا الكلام يحتمل أن يريد به وصف المؤمنين منهم على عهد موسى وما والاه من الزمن فأخبر سبحانه أنه كان في بني إسرائيل على عتوهم وخلافهم من اهتدى واتقى وعدل ويحتمل أن يريد الجماعة التي آمنت بنبينا صلى اللّه عليه وسلم من بني إسرائيل على جهة الاستجلاب لإيمان جميعهم وقوله أسباطا بدل من اثنتي والتمييز الذي بين العدد محذوف تقديره اثنتي عشرة فرقة قطعة أسباطا وقوله سبحانه وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام الآية انبجست بمعنى انفجرت وقد تقدم الكلام على هذه المعاني في البقرة ١٦١وقوله سبحانه وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب تغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون القرية هي بيت المقدس وقيل أريحاء وبدل معناه غير اللفظ وقوله سبحانه وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الآية قال بعض المتأولين أن اليهود المعاصرين للنبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم فسؤالهم إنما هو على جهة التوبيخ والقرية هنا ايلة قاله ابن عباس وغيره وقيل مدين وحاضرة البحر أي البحر فيها حاضر ويحتمل أن يريد معنى الحاضرة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر ويعدون معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو وشرعا أي مقلبة إليهم مصطفة كما تقول شرعت الرماح إذا مدت مصطفة وعبارة البخاري شرعا أي شوارع انتهى والعامل في قوله ويوم لا يسبتون قوله لا تأتيهم وهو ظرف مقدم ومعنى قوله كذلك الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به هذا على من وقف على تأتيهم ومن وقف على كذلك فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا أي فما أتى منها يوم لا يسبتون فهو قليل ونبلوهم أي نمتحنهم بفسقهم وعصيانهم وقد تقدم في البقرة قصصهم وقوله سبحانه قالت أمة منهم لم تعظون قوما اللّه مهلكهم معذبهم عذابا شديدا جمهور المفسرين أن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطفيان العاصية وعتوها قالت للناهية لم تعظون قوما يريدون العاصية اللّه مهلكهم معذبهم فقالت الناهية موعظنتنا معذرة إلى اللّه أي إقامة عذر ومعنى مهلكهم أي في الدنيا معذبهم أي في الآخرة والضمير في قوله نسوا للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة وما في قوله ما ذكروا به بمعنى الذي والسؤ لفظ عام في جميع المعاصي إلا الذي يختص هنا بحسب قصص الآية هو صيد الحوت والذين ظلموا هم العاصون وقوله بعذاب بيس معناه مؤلم موجع شديد واختلف في الفرقة التي لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناجين وقيل هلكت مع العاصين وقوله بما كانوا يفسقون أي لأجل ذلك وعقوبة عليه والعتو الاستعصاء وقلة الطواعية وقوله سبحانه قلنا لهم كونوا يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم فكان اذهب في الأغراب والهول والاصغار ويحتمل أن يكون عبارة عن القدرة المكونة لهم قردة وخاسئين معناه مبعدين فخاسئين خبر بعد خبر فهذا اختيار أبي الفتح وضعف الصفة فروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير ١٦٧وقوله سبحانه وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب معنى هذا الآية وإذ علم اللّه ليبعثن وتقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه سبحانه مقترن بانفاذ وامضاء كما تقول في أمر عزمت عليه علم اللّه لأفعلن وقال الطبري وغيره تأذن معناه اعلم وقال مجاهد تأذن معناه أمر وقالت فرقة معنى تأذن تألى والضمير في عليهم لبني إسرائيل وقوله يسومهم وقوله من يسومهم قال ابن عباس هي إشارة إلى صلى اللّه عليه وسلم وأمته يسومون اليهود سوء العذاب قال ع والصحيح أن هذا حالهم في كل قطر ومع كل ملة ويسومهم معناه يكلفهم ويحملهم وسوء العذاب الظاهر منه أنه الجزية والإذلال وقد حتم اللّه عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي ثم حسن في آخر الآية التنبيه على سرعة العقاب والتخويف لجميع الناس ثم رجى سبحانه بقوله لغفور رحيم لطفا منه بعباده جل وعلا وقطعناهم في الأرض معناه فرقناهم في الأرض قال الطبري عن جماعة من المفسرين ليس في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود والظاهر في المشار إليهم بهذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم والظاهر أنهم قبل مدة عيسى عليه السلام لأنهم لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى اللّه عليه و سلم وبلوناهم معناه امتحناهم بالحسنات أي بالصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره والسيئات مقابلات هذه لعلهم يرجعون إلى الطاعة ١٦٩وقوله سبحانه فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الآية خلف معناه حدث خلفهم وبعدهم وخلف بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم وقوله سبحانه يأخذون عرض هذا الأدنى إشارة إلى الرشى والمكاسب الخبيثة والعرض ما يعرض ويعن ولا يثبت والأدنى إشارة إلى عيش الدنيا وقولهم سيغفر لنا ذم لهم باغترارهم وقولهم سيغفر لنا مع علمهم بما في كتاب اللّه من الوعيد على المعاصي وإصرارهم وأنهم بحال إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم وقوله سبحانه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الآية تشديد في لزوم قول الحق على اللّه في الشرع والأحكام وقوله ودرسوا ما فيه معطوف على قوله ألم يؤخذ لأنه بمعنى المضي والتقدير أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وادارسوا ما فيه ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون وقرأ أبو عمرو أفلا يعقلون بالياء من اسفل ١٧٠وقوله سبحانه والذين يمسكون بالكتاب عطف على قوله للذين يتقون وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر يمسكون بسكون الميم وتخفيف السين وقرأ الأعمش والذين استمسكوا ١٧١وقوله عز و جل وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة معناه اقتلعنا ورفعنا وقد تقدم قصص الآية في البقرة وقوله سبحانه ما فيه تدبروه واحفظوا أوامره ونواهيه فما وفوا ١٧٢وقوله سبحانه وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا الآية قوله من ظهورهم قال النحاة هو بدل اشتمال من قوله من بني آدم وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من طرق أن اللّه عز و جل استخرج من ظهر آدم عليه السلام نسم بنيه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب أنها الأرواح جعلت لها مثالات وروي عن عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أخذوا من ظهر آدم كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل اللّه لهم عقولا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا اله غيره فاقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية فشهد بعضهم على بعض وشهد اللّه عليهم وملائكته قال الضحاك بن مزاحم من مات صغيرا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن وقوله شهدنا يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض فلا يحسن الوقف على قوله بلى ويحتمل أن يكون قوله شهدنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بلى قال السدي المعنى قال اللّه وملائكته شهدنا ورواه عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ١٧٣وقوله سبحانه أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين الآية المعنى ليلا تقولوا مخافة أن تقولوا والمعنى في هذه الآية أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد اللّه وعبادته لكانت لهم حجتان احداهما أن يقولوا كنا عن هذا غافلين والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرق لنا واضلنا فوقع شهادة بعضهم على بعض وشهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجة ١٧٥وقوله سبحانه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا قال ابن عباس هو رجل من الكنعانيين الجبارين اسمه بلعم بن باعوراء وقيل بلعام بن باعر وقيل غيره هذا وكان في جملة الجبارين الذين غزاهم موسى عليه السلام فلما قرب منهم موسى لجؤا إلى بلعام وكان صالحا مستجاب الدعوة وقيل كان عنده علم من صحف إبراهيم ونحوها وقيل كان يعلم أسم اللّه الأعظم قاله ابن عباس أيضا وهذا الخلاف هو في المراد بقوله آتيناه آياتنا فقال له قومه أدع اللّه على موسى وعسكره فقال لهم وكيف ادعوا على نبي مرسل فما زالوا به حتى فتنوه فخرج حتى أشرف على جبل يرى منه عسكر موسى وكان قد قال لقومه لا أفعل حتى استامر ربي ففعل فنهي عن ذلك فقال لهم قد نهيت فما زالوا به حتى قال سأستامره ثانية ففعل فسكت عنه فاخبرهم فقالوا له ان اللّه لم يدع نهيك إلا وقد أراد ذلك فخرج فلما أشرف على العسكر جعل يدعو على موسى فتحول لسانه بالدعاء لموسى والدعاء على قومه فقالوا له ما تقول فقال إني لا أملك هذا وعلم أنه قد أخطأ فروي أنه قد خرج لسانه على صدره فقال لقومه إني قد هلكت ولكن لم يبق لكم إلا الحيلة فأخرجوا النساء إلى عسكر موسى على جهة التجر وغيره ومروهن إلا تمتنع امرأة من رجل فأنهم إذا زنوا هلكوا ففعلوا فخرج النساء فزنى بهن رجال من بني إسرائيل وجاء فنحاص بن العيزار بن هارون فانتظم برمحه امرأة ورجلا من بني إسرائيل ورفعهما على أعلى الرمح فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا ثم ذكر المعتمر عن أبيه أن موسى عليه السلام قتل بعد ذلك الرجل المنسلخ من آيات اللّه قال المهدوي روي أنه دعا على موسى أن لا يدخل مدينة الجبارين فأجيب ودعا عليه موسى أن ينسى اسم اللّه الأعظم فأجيب وفي هذه القصة روايات كثيرة تحتاج إلى صحة إسناد وانسلخ عبارة عن البراءة منها والإنفصال والبعد كالمنسلخ من الثياب والجلد واتبعه الشيطان أي صيره تابعا كذا قال الطبري إما لضلالة رسمها له وإما لنفسه ومن الغاوين أي من الضالين ولو شيئنا لرفعناه بها قال ابن عباس وجماعة معنى لرفعناه لشرفنا ذكره ورفعنا منزلته لدينا بهذه الآيات التي آتيناه ولكنه اخلذ إلى الأرض أي تقاعس إلى الحضيض الأسفل الأخس من شهوات الدنيا ولذاتها وذلك أن الأرض وما أرتكن فيها هي الدنيا وكل ما عليها فإن ومن أخلد إلى الفاني فقد حرم حظ الآخرة الباقية ت قال الهروي قوله أخلد إلى الأرض معناه سكن إلى لذاتها واتبع هواه يقال أخلد إلى كذا أي ركن إليه واطمأن به انتهى قال عبد الحق الأشبيلي رحمه اللّه في العاقبة وأعلم رحمك اللّه أن لسوء الخاتمة أعاذنا اللّه منها أسبابا ولها طرق وأبواب أعظمها الاكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن الإكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء وماكان أتاه اللّه تعالى من آياته واطلعه عليه من بيناته وما أراه من عجائب ملكوته أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسلبه اللّه سبحانه جميع ما كان أعطاه وتركه مع من استماله وأغواه انتهى وقوله فمثله كمثل الكلب شبه به في أنه كان ضالا قبل أن يؤتى الآيات ثم اوتيها فكان أيضا ضالا لم تنفعه فهو كالكلب في انه لا يفارق اللّهت في كل حال هذا قول الجمهور وقال السدي وغيره أن هذا الرجل عوقب في الدنيا فإنه كان يلهث كما يلهت الكلب فشبه به صورة وهيئة وذكر الطبري عن ابن عباس أن معنى أن تحمل عليه ان تطرده وقوله وقوله ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي هذا المثل يا محمد مثل هؤلاء الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم بالهدى والرسالة ثم جئتهم بها فبقوا على ضلالتهم ولم ينتفعوا بذلك فمثلهم كمثل الكلب وقوله فاقصص القصص أي أسرد عليهم ما يعلمون أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا أهل الكتب الماضية ولست منهم لعلهم يتفكرون في ذلك فيؤمنوا ١٧٨وقوله سبحانه من يهد اللّه فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون القول فيه أن ذلك كله من عند اللّه الهداية منه وبخلقه واختراعه وكذلك الإضلال وفي الآية تعجيب من حال المذكورين ١٧٩وقوله سبحانه ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس خبر من اللّه تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيرا وفي ضمنه وعيد للكفار وذرأ معناه خلق وأوجد مع بث ونشر وقوله سبحانه لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل الآية لما كانت هذه الطائفة الكافرة المعرضة عن النظر في آيات اللّه لم بنفعهم النظر بالقلب ولا بالعين ولا ما سمعوه من الآيات والمواعظ استوجبوا الوصف بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون والفقه الفهم أولئك كالأنعام في أن الأنعام لا تفقه الأشياء ولا تعقل المقاييس ثم حكم سبحانه عليهم بأنهم أضل لأن الأنعام تلك هي بنيتها وخلقتها وهؤلاء معدون للفهم والنظر ثم بين سبحانه بقوله أولئك هم الغافلون الطريق الذي به صاروا أضل من الأنعام وهو الغفلة والتقصير قال الفخر أما قوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل فتقريره أن الإنسان وسائر الحيوانات متشاركة في قوى الطبيعة الغاذية والنامية والمولدة ومتشاركة أيضا في منافع الحواس الخمس الباطنة والظاهرة وفي أحوال التخيل والتفكر والتذكر وإنما حصل الامتياز بين الإنسان وسائر الحيوانات في القوة العقلية والفكرية التي تهديه إلى معرفة الحق فلما أعرض الكفار عن أحوال العقل والفكر ومعرفة الحق كانوا كالأنعام بل هم أضل لأن الحيوانات لا قدرة لها على تحصيل هذه الفضائل وقد قال حكيم الشعراء ... الروح من عند رب العرش مبدؤه ... وتربة الأرض أصل الجسم والبدن ... ... قد ألف الملك الجبار بينهما ... ليصلحا لقبول الأمر والمحن ... ... فالروح في غربة والجسم في وطن ... فلتعرفن ذمام النازح الوطن ... انتهى ١٨٠وقوله سبحانه وللّه الأسماء الحسنى فأدعوه بها الآية السبب في هذه الآية على ما روي أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ فيذكر اللّه تعالى في قراءته ومرة يذكر الرحمن ونحو ذلك فقال محمد يزعم أن الإله واحد وهم إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه الآية ومن أسماء اللّه تعالى ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه وقوله سبحانه ذروا الذين يلحدون في أسمائه قال ابن زيد معناه اتركوهم فالآية على هذا منسوخة وقيل معناه الوعيد كقوله سبحانه ومن خلقت وحيدا وذرهم يأكلوا ويتمتعوا يقال الحد ولحد بمعنى جار ومال وأنحرف والحد أشهر ومنه لحد القبر ومعنى الإلحاد في أسماء اللّه عز و جل أن يسموا اللات نظير أسم اللّه تعالى قاله ابن عباس والعزى نظير العزيز قاله مجاهد ويسمون اللّه أبا ويسمون أوثانهم أربابا وقوله سبحانه سيجزون ما كانوا يعملون وعيد محض ١٨١وقوله سبحانه وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الآية تتضمن الأخبار عن قوم أهل إيمان واستقامة وهداية وظاهرها يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة نبينا صلى اللّه عليه وسلم وروي في ذلك حديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال هذه الآية لكم ١٨٢وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا الآية وعيد والإشارة إلى الكفار وسنستدرجهم معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب وقوله من حيث لا يعلمون أي من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم وهذه عقوبة لهم من اللّه سبحانه على التكذيب لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما وقوله وأملى معناه أوخر ملاوة من الدهر أي مدة ومتين معناه قوي وقوله سبحانه لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة الآية تقرير يقارنه توبيخ للكفار والوقف على قوله لم يتفكروا ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال ما بصاحبهم من جنة أي بصلى اللّه عليه وسلم ويحتمل أن يكون المعنى لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمره صلى اللّه عليه و سلم وأنه ليس به جنة كما احالهم بعد هذه الآية على النظر وقال الفخر قوله تعالى أولم يتفكروا أمر بالفكر والتأمل والتدبر وفي اللفظ محذوف والتقدير لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة والجنة حالة من الجنون كالجلسة ودخول من في قوله من جنة ينفي أنواع الجنون انتهى ١٨٥وقوله سبحانه أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض الآية النظر هنا بالقلب عبرة وفكرا وملكوت بناء عظمة ومبالغة وقوله وما خلق اللّه من شيء لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنسان وحواسه ومواضع رزقه والشيء واقع على الموجودات وان عسى عطف على قوله في ملكوت والمعنى توقيفهم على ان لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنهم قربت اجالهم فما تواففات أوان التدارك ووجب عليهم المحذور ثم وقفهم بأي حديث أوامر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ونحو هذا المعنى قول الشاعر ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل ... والضمير في بعده يراد به القرآن وقيل المراد به النبي صلى اللّه عليه وسلم وقصه وأمره أجمع وقيل هو عائد على الأجل أي بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت ١٨٦وقوله سبحانه من يضلل اللّه فلا هادي له الآية هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم والطغيان الإفراط في الشيء وكأنه مستعمل في غير الصلاح والعمه الحيرة ١٨٧وقوله سبحانه يسئلونك عن الساعة قال قتادة السائلون هم قريش وقال ابن عباس هم أحبار اليهود ت وفي السيرة لابن هشام أن السائلين من أحبار اليهود حمل بن أبي قشير وسموأل بن زيد انتهى والساعة القيامة موت كل من كان حيا حينئذ وبعث الجميع وأيان معناه متى وهي مبنية على الفتح قال الشاعر ... أيان تقتضي حاجتي ايانا ... أما ترى لفعلها أبانا ... ومرساها معناه مثبتها ومنتهاها مأخوذ من أرسى يرسي فمرساها رفع بالابتداء والخبر أيان وعبارة البخاري أيان مرساها متى خروجها انتهى ويجليها معناه يظهرها وقوله سبحانه ثقلت في السموات والأرض قيل معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها وقال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع على أهل السموات والأرض لأتأتيكم إلا بغتة أي فجأة وقوله سبحانه يسئلونك كأنك حفي عنها قال ابن عباس وغيره المعنى يسئلونك كأنك حفي أي متحف ومهتبل بهم وهذا ينحو إلى ما قالت قريش يا محمد إنا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة وقال ابن زيد وغيره معناه كأنك حفي في المسألة عنها والأشتغال بها حتى حصلت علمها وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم كأنك حفي بها وقوله سبحانه ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال الطبري معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا اللّه بل يظن أكثرهم أنه مما يعلمه البشر ١٨٨وقوله سبحانه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء اللّه الآية هذا أمر بأن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة اللّه وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بأنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى اللّه وشاء ويسر وهذا الاستثناء منقطع وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي واستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له وهذا لفظ عام في كل شيء وقوله وما مسني السوء يحتمل وجهين وبكليهما قيل أحدهما أن ما معطوفة على قوله لاستكثرت أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به قال مؤرج السدوسي السوء الجنون بلغة هذيل وأما على التأويل الأول فلا يريد بالسوء الجنون ويترجح الثاني بنحو قوله سبحانه ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم الآية ولقوم يؤمنون يحتمل معنيين أحدهما أن يريد لقوم يطلب منهم الإيمان وهؤلاء الناس أجمع والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه وقوله جلت عظمته هو الذي خلقكم من نفس واحدة الآية قال جمهور المفسرين المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام وبقوله وجعل منها زوجها حواء وقوله منها هو ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى اضلاعه وخلقت منها حواء وقوله ليسكن إليها أي ليأنس ويطمئن وكان هذا كله في الجنة ثم ابتدأ بحالة أخرى وهي في الدنيا بعد هبوطهما فقال فلما تغشاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع والحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في رحمها وقوله فمرت به أي استمرت به وقرأ ابن عباس فاستمرت به وقرأ ابن مسعود فاستمرت بحملها وقرأ عبد اللّه ابن عمرو بن العاص فمارت به أي جاءت به وذهبت وتصرفت كما تقول مارت الريح مورا واثقلت دخلت في الثقل كما تقول أصبح وأمسى والضمير في قوله دعوا على هذا التأويل عائد على آدم وحواء وروي في قصص ذلك أن الشيطان أشار على حواء أن تسمي هذا المولود عبد الحارث وهو اسم إبليس وقال لها أن لم تفعلي قتلته فزعموا أنهما أطاعاه حرصا على حياة المولود فهذا هو الشرك الذي جعلا للّه في التسمية فقط وقال الطبري والسدي في قوله فتعالى اللّه عما يشركون كلام منفصل من خبر آدم وحواء يراد به مشركوا العرب ت وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ولم أقف بعد على صحة ما روي في هذه القصص ولو صح لوجب تأويله نعم روى الترمذي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فسمته عبد الحارث فعاش ذلك وكان ذلك من وحي وأمره قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انفرد به عمر بن إبراهيم عن قتادة وعمر شيخ بصري انتهى وهذا الحديث ليس فيه أنهما أطاعاه وعلى كل حال الواجب التوقف والتنزيه لمن اجتباه اللّه وحسن التأويل ما أمكن وقد قال ابن العربي في توهين هذا القول وتزييفه وهذا القول ونحوه مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره وفي الإسرائيليات التي ليس لها ثابت ولا يعول عليها من له قلب فإن آدم وحواء وإن كانا غرهما باللّه الغرور فلا يلدغ المؤمن من حجر مرتين وما كانا بعد ذلك ليقبلا له نصحا ولا يسمعا له قولا والقول الاشبه بالحق أن المراد بهذا جنس الآدميين انتهى من الأحكام قال ع وقوله صالحا قال الحسن معناه غلاما وقال ابن عباس وهو الأظهر بشرا سويا سليما وقال قوم إنما الغرض من هذه الآية تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين الموجب للعقاب فقال مخاطبا لجميع الناس هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحدا واحدا كذلك فهذه نعمة يختص كل واحد بجزء منها ثم جاء قوله فلما تغشاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا أي هكذا يفعلون فإذا أتاهم اللّه ولدا صالحا سليما كما أرادوه صرفوه عن الفطرة إلى الشرك فهذا فعل المشركين قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو الاشبه بالحق واقرب للصدق وهو ظاهر الآية وعمومها الذي يشمل جميع متناولاتها ويسلم فيها الأنبياء عن النقص الذي لا يليق بجهال البشر فكيف بساداتهم وأنبيائهم انتهى وهو كلام حسن وباللّه التوفيق وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر شركا بكسر الشين وسكون الراء على المصدر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم شركاء على الجمع وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقة على قول من قال أن الآية الأولى في آدم وحواء وفي مصحف أبي بن كعب فلما أتاهما صالحا أشركا فيه وقوله أيشركون ما لا يخلق شيئا الآية ذهب بعض من قال بالقول الأول إلى أن هذه الآية في آدم وحواء على ما تقدم وفيه قلق وتعسف من التأويل في المعنى وإنما تنسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الأخير فإنهم قالوا إن الآية في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وأياها يراد في قوله ما لا يخلق وعبر عن الأصنام بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها ويخلقون معناه ينحتون ويصنعون يعني الأصنام ويحتمل أن يكون المعنى وهؤلاء المشكرون يخلقون أي فكان حقهم أن يعبدوا خالقهم لا من لا يخلق شيئا وقرأ أبو عبد الرحمن عما تشركون بالتاء من فوق أتشكرون ١٩٣وقوله سبحانه وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ن قال أن الآيات في آدم عليه السلام قال هذه مخاطبة مستأنفة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأمته في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى اللّه عليه وسلم ومن قال بالقول الآخر قال أن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ أيشركون بالياء من تحت وللكفار فقط على قراءة من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف أي هذا حال الأصنام معكم أن دعوتموهم لم يجيبوكم ١٩٤وقوله سبحانه إن الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم فأدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين الآية مخاطبة للكفار في تحقير شأن اصنامهم وقوله فأدعوهم أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا ١٩٥وقوله سبحانه لهم ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها الآية الغرض من هذه الآية ألهم حواس الحي وأوصافه فإذا قالوا لا حكموا بأنها جمادات من غير شك لا خير عندها قال الزهراوي المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يعجزهم بقوله قل ادعوا شركاءكم أي استنجدوهم واستنفروهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلكم ولما احالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضرره وأراهم أن اللّه سبحانه هو القادر على كل شيء لا تلك عقب ذلك بالإستناد إلى اللّه سبحانه والتوكل عليه والإعلام بأنه وليه وناصره فقا ان وليي اللّه الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ١٩٧وقوله والذين تعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون إنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمان ومستوليا على عقولها فاوعب القول في ذلك لطفا منه سبحانه بهم ١٩٨وقوله وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا الآية قالت فرقة هذا خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأمته في أمر الكفار والهاء والميم في قوله تدعوهم للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة قاله مجاهد والسدي وقال الطبري المراد بالضمير المذكور الأصنام ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة ولما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان ١٩٩وقوله سبحانه خذ العفو وأمر بالعرف الآية وصية من اللّه سبحانه لنبيه عليه السلام تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق قال الجمهور معنى خذ العفو أقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف فالعفو هنا الفضل والصفو قال مكي قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف الآية قال بعض أهل المعاني في هذه الآية بيان قول النبي صلى اللّه عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم فهذه الآية قد جمعت معان كثيرة وفوائد عظيمة وجمعت كل خلق حسن لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين وفي الأمر بالمعروف تقوى اللّه وطاعته وصلة الرحم وصون الجوارح عن المحرمات وسمي هذا ونحوه عرفا لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه وفي الأعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مخاطبة السفيه ومنازعة اللجوج وغيره ذلك من الأفعال المرضية انتهى من الهداية وقوله وأمر بالعرف معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة ومن ذلك أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك الحديث فالعرف بمعنى المعروف ٢٠٠وقوله عز و جل وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه إنه سميع عليم هذه الآية وصية من اللّه سبحانه لنبيه صلى اللّه عليه و سلم تعم أمته رجلا رجلا والنزغ حركة فيها فساد وقلما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركته مسرعة مفسدة ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فالمعنى في هذه الآية فأما تلمن بك لمة من الشيطان فاستعذ باللّه وعبارة البخاري ينزغنك يستخفنك انتهى ونزغ الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك وفي جامع الترمذي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ان للملك لمة وللشيطان لمة الحديث قال ع وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر فالآخذ بالواجب يلقى لمة الملك بالامتثال والاستدامة ولمة الشيطان بالرفض والاستعاذة واستعاذ معناه طلب أن يعاذ وعاذ معناه لاذ وانضوى واستجار قال الفخر قال ابن زيد لما نزل قوله تعالى واعرض عن الجاهلين قال النبي صلى اللّه عليه وسلم كيف يا رب والغضب فنزل قوله وأما ينزغنك من الشيطان نزغ وقوله أنه سيمع عليم يدل على أن الاستعاذة لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة فكأنه تعالى قال اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك فإني عليم بما في ضميرك وفي الحقيقة القول اللساني دون المعارف العقلية عديم الفائدة والأثر انتهى ٢٠١وقوله سبحانه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا الآية خرجت مخرج المدح للمتقين والتقوى هاهنا عامة في اتقاء الشرك والمعاصي وقرأ ابن كثير وغيره طيف قال أبو علي الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة وقوله تذكروا إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها وإلى ما للّه عز و جل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها وقرأ ابن الزبير من الشيطان تأملوا فإذا هم وفي مصحف أبي بن كعب إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا وقوله مبصرون من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه والضمير في إخوانهم عائد على الشياطين وفي يمدونهم عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان هذا قول الجمهور قال ع وقرأ جميع السبعة غير نافع يمدونهم من مددت وقرأ نافع يمدونهم من أمددت قال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد والمستعمل في المكروه مد فقراءة الجماعة جارية على المنهاج المستعمل وقراءة نافع هي مقيدة بقوله في الغي ما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر ومد الشياطين للكفرة أي ومن نحا نحوهم هو بالتزيين لهم والإغواء المتتابع وقوله ثم لا يقصرون من أقصر والضمير عائد على الجميع أي هؤلاء لا يقصرون عن الإغواء وهؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين ٢٠٣وقوله سبحانه وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها سببها فيما روي أن الوحي كان يتأخر أحيانا فكان الكفار يقولون هلا اجتبيتها أي اخترتها فأمره اللّه عز و جل أي يجيب بالتسليم للّه وأن الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء ثم أشار بقوله هذا بصائر إلى القرآن أي علامات هدى وأنوار تستضيء القلوب به ٢٠٤وقوله سبحانه وإذا قرئى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ذكر الطبري وغيره أن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا بمكة بتكلمون في المكتوبة بحوائجهم فنزلت الآية أمرا لهم بالاستماع والإنصات في الصلاة وأما قول من قال أنها في الخطبة فضعيف لأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة وألفاظ الآية على الجملة تتضمن تعظيم القرآن وتوقيره وذلك واجب في كل حالة والإنصات السكوت قال الزجاج ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه قال ابن العربي في أحكامه روى الترمذي وأبو داود عن عبادة بن الصامت قال صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما أنصرف قال إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم قلنا يا رسول اللّه إي واللّه فقال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وقد روى الناس في قراءة المأمومين خلف الإمام بفاتحة الكتاب أحاديث كثيرة وأعظمهم في ذلك اهتبالا الدارقطني وقد جمع البخاري في ذلك جزءا وكان رأيه قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهي إحدى روايات مالك وهو اختيار الشافعي انتهى وقد تقدم أول الكتاب ما اختاره ابن العربي وقوله سبحانه وأذكر ربك في نفسك الآية مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وتعم جميع أمته وهو أمر من اللّه تعالى بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان ويدل على ذلك من هذه الآية قوله دون الجهر من القول وهذه مرتبة السر والمخافتة وقال الفخر المراد بقوله تعالى وأذكر ربك في نفسك كونه عارفا بمعاني الإذكار التي يقولها بلسانه مستحضرا لصفات الجلال والعظمة وذلك أن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب كان عديم الفائدة إلا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أن الرجل إذا قال بعت واشتريت مع أنه لا يعرف معاني هذه الألفاظ ولا يفهم منها شيئا فإنه لا ينعقد البيع والشراء فكذلك هنا قال المتكلمون وهذه الآية تدل على إثبات كلام النفس وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما وأن لا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال اللّه وكبريائه بقدر الطاقة البشرية وتحقيق القول في هذا أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة لأن كل أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى إلى الروح ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس منه وإذا تخيل حالة مكروهة غضب سخن بدنه انتهى وتضرعا معناه تذللا وخضوعا البخاري وخيفة أي خوفا انتهى وقوله بالغدو والآصال معناه دأبا وفي كل يوم وفي أطراف النهار ولا تكن من الغافلين تنبيه منه عز و جل ولما قال سبحانه ولا تكن من الغافلين جعل بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة ليبعث على الجد في طاعة اللّه سبحانه ت قال صاحب الكلم الفارقية غفلة ساعة عن ربك مكدرة لمرآة قلبك فكيف بغفلة جميع عمرك انتهى قال ابن عطاء اللّه رحمه اللّه لا تترك الذكر لعدم حضورك مع اللّه فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على اللّه بعزيز انتهى قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا تكن من الغافلين أي فيما أمرت به وكلفته وهذا خطاب له عليه السلام والمراد به جميع أمته انتهى وقوله الذين يريد به الملائكة وقوله عند إنما يريد به المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان فهم بذلك عنده ثم وصف سبحانه حالهم من تواضعهم وإدمانهم العبادة والتسبيح والسجود وفي الحديث اطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم راكع ساجد وهذا موضع سجدة قال عبد الرحمن بن محمد عفا اللّه عنه كمل ما انتخبناه في تفسير السورة والحمد للّه على ما به انعم وصلى اللّه على سيدنا محمد وأله وسلم تسليما كثيرا |
﴿ ٠ ﴾