١٠٥

وقوله سبحانه وقل اعملوا فسيرى اللّه علمكم ورسوله والمؤمنين وستردون إلى عالم الغيب والشهادة الآية هذه الآية صيغتها صيغة أمر مضمنها الوعيد وقال الطبري المراد بها الذين اعتذروا ولم يتوبوا من المتخلفين وتابوا قال ع والظاهر أن المراد بها الذين اعتذروا ولم يتوبوا وهم المتوعدون وهم الذي في ضمير ألم يعلموا ومعنى فسيرى اللّه عملكم أي موجودا معرضا للجزاء عليه بخير  بشر

وقال ابن العربي في أحكامه

قوله سبحانه وقل أعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله هذه الآية نزلت بعد ذكر المؤمنين ومعناها الأمر أي أعملوا بما يرضي اللّه سبحانه وأما الآية المتقدمة وهي

قوله تعالى قد نبأنا اللّه من أخباركم وسيرى اللّه عملكم ورسوله فإنها نزلت بعد ذكر المنافقين ومعناها التهديد وذلك لأن النفاق موضع ترهيب والإيمان موضع ترغيب فقوبل أهل كل محل من الخطاب بما يليق بهم انتهى

وقوله سبحانه وآخرون مرجون لأمر اللّه عطف على قوله اولا

وآخرون اعترفوا ومعنى الإرجاء التأخير والمراد بهذه الآية فيما قال ابن عباس وجماعة الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك وصاحباه على ما سيأتي إن شاء اللّه

وقيل إنما نزلت في غيرهم من المنافقين الذين كانوا معرضين للتوبة مع بنائهم مسجد الضرار وعلى هذا يكون الذين اتخذوا بإسقاط واو العطف بدلا من آخرون  خبر مبتدأ تقديره هم الذين وقرأ عاصم وعوام القراء والناس في كل قطر إلا بالمدينة والذين اتخذوا وقرأ أهل المدينة نافع وغيره الذين اتخذوا بإسقاط الواو على أنه مبتدأ والخبر لا يزال بنيانهم وأما الجماعة المرادة بالذين اتخذوا بإسقاط الواو على أنه مبتدأ والخبر لا يزال بنيانهم وأما الجماعة المرادة بالذين اتخذوا مسجدا فهم منافقوا بني غنيم بن عوف وبني سالم بن عوف واسند الطبري عن ابن إسحاق عن الزهري وغيره أنه قال أقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم من غزوة تبوك حتى نزل بذي اوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضرار قد أتوه صلى اللّه عليه و سلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول اللّه انا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة وانا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فقال إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء اللّه أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما قفل ونزل بذي اوان نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مالك بن الدخشن ومعن بن عدي  أخاه عاصم بن عدي فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه وذكر النقاش أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث لهدامه وتحريقه عمار بن ياسر ووحشيا مولى المطعم بن عدي وكان بانوه اثني عشر رجلا منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل بن الحارث وغيرهم

وروي أنه لما بني صلى اللّه عليه و سلم مسجدا في بني عمرو ابن عوف وقت الهجرة وهو مسجد قباء وتشرف القوم بذلك حسدهم حينئذ

رجال من بني عمهم من بن بني غنم بن عوف وبنى سالم بن عوف وكان فيهم نفاق وكان موضع مسجد قباء مربطا لحمار امرأة من الأنصار اسمها لية فكان المنافقون يقولون واللّه لا نصبر على الصلاة في مربط حمار لية ونحو هذا من الأقوال وكان أبو عامر المعروف بالراهب منهم وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان سيدا من نظراء عبد اللّه بن أبي أبن سلول فلما جاء اللّه بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرا بذلك فسماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفاسق ثم خرج في جماعة من المنافقين فخرب على النبي صلى اللّه عليه وسلم الأحزاب فلما ردهم اللّه بغيظهم أقام أبو عامر بمكة مظهرا لعداوته فلما فتح اللّه مكة هرب إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف خرج هاربا إلى الشام يريد قيصر مستنصرا به على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكتب إلى المنافقين من قومه أن ابنوا مسجدا مقاومة لمسجد قباء وتحقيرا له فأني سآتي بجيش من الروم أخرج به محمدا وأصحابه من المدينة فبنوه وقالوا سيأتي أبو عامر ويصلي فيه فذلك قوله وارصادا لمن حارب اللّه ورسوله يعني أبا عامر وقولهم سيأتي أبو عامر

وقوله ضرارا أي داعية للتضارر من جماعيتن

وقوله وتفريقا بين المؤمنين يريد تفريقا بين الجماعة التي كانت تصلي في مسجد قباء فإن من جاور مسجدهم كانوا يصرفونه إليه وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان

وقيل أراد بقوله بين المؤمنين جماعة مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

وروي أن مسجد الضرار لما هدم وأحرق اتخذ مزبلة ترمى فيه الأقذار والقمامات

وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما نزلت لا تقم فيه أبدا كان لا يمر بالطريق التي هو فيها

وقوله لمسجد قيل أن اللام قسم

وقيل هي لام ابتداء كما تقول لزيد احسن الناس فعلا وهي مقتضية تأكيدا وذهب ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين إلى أن المراد بمسجد أسس على التقوى مسجد قباء

وروي عن ابن عمر

وأبى سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم ويليق القول الأول بالقصة إلا أن القول الثاني مروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا نظر مع الحديث

قال ابن العربي في أحكامه وقد روي ابن وهب وأشهب عن مالك أن المراد بمسجد أسس على التقوى مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم حيث قال اللّه تبارك وتعالى وتركوك قائما وكذلك روى عنه ابن القاسم وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال رجل هو مسجد قباء وقال الآخر هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو مسجدي هذا قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وخرجه مسلم انتهى ومعنى أن تقوم فيه أي بصلاتك وعبادتك

وقوله فيه رجال يحبون أن يتطهروا اختلف في الضمير أيضا هل يعود على مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم  على مسجد قباء روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يا معشر الأنصار أني رأيت اللّه أثنى عليكم بالطهور فما ذا تفعلون قالوا يا رسول اللّه انا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء يريدون الاستنجاء ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا تدعوه إذن والبنيان الذي أسس على شفا جرف هو مسجد الضرار بإجماع والشفا الحاشية والشفير وهار معناه متهدم بال وهو من هار يهور البخاري هار هائر تهورت البير إذا تهدمت وانهارت مثله انتهى وتأسيس البناء على تقوى إنما هو بحسن النية فيه وقصد وجه اللّه تعالى وإظهار شرعه كما صنع في مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم وفي مسجد قباء والتأسيس على شفا جرف هار إنما هو بفساد النية وقصد الرياء والتفريق بين المؤمنين فهذه تشبيهات صحيحة بارعة

وقوله سبحانه فانهار به في نار جهنم الظاهر منه أنه خارج مخرج المثل

وقيل بل ذلك حقيقة

وأن ذلك المسجد بعينه انهار في نار جهنم قاله قتادة وابن جريج

وروي عن جابر بن عبد اللّه وغيره أنه قال رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

وروي في بعض الكتب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رآه حين انهار بلغ الأرض السابعة ففزع لذلك صلى اللّه عليه و سلم

وروي أنهم لم يصلوا فيه أكثر من ثلاثة أيام وهذا كله بإسناد لين واللّه أعلم واسند الطبري عن خلف بن ياسين أنه قال رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره اللّه في القرآن فرأيت فيه مكانا يخرج منه الدخال وذلك في زمن أبي جعفر المنصور

وروي شبيه بهذا  نحوه عن ابن جريج اسنده الطبري

قال ابن العربي في أحكامه وفي

قوله تعالى فانهار به في نار جهنم مع قوله فأمه هاويه إشارة إلى أن النار تحت كما أن الجنة فوق انتهى والريبة الشك وقد يسمى ريبة فساد المعتقد ومعنى الريبة في هذه الآية أمر يعم الغيظ والحنق ويعم اعتقاد صواب فعلهم ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الارتياب في الإسلام فمقصد الكلام لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقى في قلوبهم حزازة وأثر سوء وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا وبالجملة أن الريبة هنا تعم معان كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق

وقوله إلا أن تقطع قلوبهم بضم التاء يعني بالموت قاله ابن عباس وغيره وفي مصحف أبي حتى الممات وفيه حتى تقطع

﴿ ١٠٥