٢٦وقوله تعالى وقال فرعون ذروني أقتل موسى الآية الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرتهم آيات موسى عليه السلام أنهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما وفي هذه الآية على ذلك دليلان أحدهما قوله ذروني فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من انفاذ أوامرهم والدليل الثاني مقالة المؤمن وما صدع به وان مكاشفته لفرعون أكثر من مساترته وحكمه بنبوءة موسى أظهر من توريته في أمره وأما فرعون فانما نحا الى المخرقة والتمويه والاضطراب ومن ذلك قوله ذروني أقتل موسى وليدع ربه أي أني لا أبالي برب موسى ثم رجع الى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال اني أخاف أن يبدل دينكم والدين السلطان ومنه قول زهير ... لئن حللت بحي في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك ... وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أن يظهر وقرأ الباقون وأن يظهر فعلى القراءة الأولى خاف فرعون أحد أمرين وعلى الثانية خاف الأمرين معا ولما سمع موسى مقالة فرعون دعا وقال أني عذت بربي وربكم الآية ثم حكى اللّه سبحانه مقالة رجل مؤمن ومن آل فرعون شرفه بالذكر وخلد ثناؤه في الأمم غابر الدهر قال ع سمعت أبي رحمه اللّه يقول سمعت ابا الفضل اللّه الجوهري على المنبر يقول وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة فأطرق ثم رفع رأسه وأنشد ... عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد ... ماذا تريد من قوم قرنهم اللّه بنبيه وخصهم بمشاهدة وحيه وقد أثنى اللّه تعالى على رجل مؤمن ومن آل فرعون كتم إيمانه وأسره فجعله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر وأين هو من عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال واللّه لا أعبد اللّه سرا بعد اليوم قال مقاتل كان هذا المؤمن ابن عم فرعون قال الفخر قيل انه كان ابن عم لفرعون وكان جاريا مجرى ولي العهد له ومجرى صاحب السر له وقيل كان قبطيا من قومن فرعون وقيل انه كان من بني اسرائيل والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة انتهى قال الثعلبي قال ابن عباس وأكثر العلماء كان اسمه حزقيل وقيل حزبقال وقيل غير هذا انتهى وقوله يصبكم بعض الذي يعدكم قال ابو عبيدة وغيره بعض هنا بمعنى كل وقال الزجاج هو الزام الحجة بأيسر ما في الأمر وليس فيه نفي اصابة الكل قال ع ويظهر لي أن المعنى يصبكم القسم الواحد مما يعدبه لأنه عليه السلام وعدهم أن آمنوا بالنعيم وان كفروا بالعذاب الأليم فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به وقول المؤمن يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض استنزال لهم ووعظ وقوله في الأرض يريد أرض مصر وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون ولذلك استكان هو وراجع بقوله ما أريكم الا ما أرى واختلف الناس من المراد بقوله تعالى وقال الذي آمن فقال الجمهور هو المؤمن المذكور قص اللّه تعالى أقاويله الى آخر الآيات وقالت فرقة بل كلام ذلك المؤمن قد تم وانما أراد تعالى بالذي آمن موسى عليه السلام محتجين بقوة كلامه وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك ولم يكن كلام الأول الا بملاينة لهم وقوله مثل يوم الأحزاب أي مثل يوم من ايامهم لأن عذابهم لم يكن في عصر واحد والمراد بالأحزاب المتحزبون على الأنبياء ومثل الثاني بدل من الأول والدأب العادة ويوم التنادي معناه يوم ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون واختلف في التنادي المشار اليه فقال قتادة هو نداء أهل الجنة أهل النار فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا وقيل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى يوم ندعوا كل أناس بإمامهم قال ع ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة وذلك كثير وقرأ ابن عباس والضحاك وابو صالح يوم التناد بشد الدال وهذا معنى آخر ليس من النداء بل هو من ند البعير اذا هرب وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن اللّه تعالى اذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب فاذا رأى الخلق هول القيامة وأخرجت جهنم عنقا الى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين الى كل جهة فتردهم الملائكة الى المحشر لا عاصم لهم والعاصم المنجي |
﴿ ٢٦ ﴾