سورة الشورىوهي مكية وقال مقاتل فيها مدني قوله تعالى ذلك الذي يبشر اللّه عباده الى الصدور بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى حم عسق قال الثعلبي قال ابن عباس أن حم عسق هذه الحروف بأعيانها نزلت في كل كتب اللّه المنزلة على كل نبي أنزل عليه كتاب ولذلك ٣قال تعالى كذلك يوحي اليك والى الذين من قبلك وقرأ الجمهور يوحي باسناد الفعل الى اللّه تعالى وقرأ ابن كثير وحده يوحي بفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول والتقدير يوحي اليك القرآن وقوله تعالى والى الذين من قبلك يريد من الأنبياء الذين نزل عليهم الكتاب وقرأ نافع والكسائي يتفطرن وقرأ أبو عمرة وعاصم ينفطرن والمعنى فيهما يتصدعن ويتشققن خضوعا وخشية من اللّه تعالى وتعظيما وطاعة وقوله من فوقهن أي من أعلاهن وقال الأخفش علي بن سليمان الضمير من فوقهن للكفار أي من فوق الجماعات الكافرة والفرق الملحدة من أجل أقوالها يكاد السماوات يتفطرن فهذه الآية على هذا كالتي في كهيعص يكاد السماوات يتفطرن منه الآية وقالت فرقة معناه من فوق الأرضين اذ قد جرى ذكر الأرض وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض قالت فرقة هذا منسوخ بقوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا قال ع وهذا قول ضعيف لأن النسخ في الاخبار لا يتصور وقال السدي ما معناه أن ظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص في المؤمنين فكأنه قال ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين وقالت فرقة بل هي على عمومها لكن استغفار الملائكة ليس بطلب غفران للكفرة مع بقائهم على كفرهم وانما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدي الى الغفران لهم وتأويل السدي أرجح ٦وقوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء اللّه حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل هذه آية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم ووعيد للكافرين والمعنى ليس لك الا البلاغ فقط فلا تهتم بعدم ايمان قريش وغيرهم اللّه هو الحفيظ عليهم كفرهم المحصي لأعمالهم المجازي عليها وأنت لست بوكيل عليهم وما في هذه الألفاظ من موادعة فمنسوخ قال الامام الفخر في شرحه لأسماء اللّه الحسنى عند كلامه على اسمه سبحانه الحفيظ قال بعضهم ما من عبد حفظ جوارحه الا حفظ اللّه عليه قلبه وما من عبد حفظ اللّه عليه قلبه الا جعله حجة على عباده انتهى ثم ٧قال تعالى وكذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا المعنى وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه السورة كذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا مبينا لهم لا يحتاجون الى آخر سواه اذ فهمه متأت لهم ولم نكلفك الا انذار من ذكر وأم القرى هي مكة ويوم الجمع هو يوم القيامة أي تخوفهم اياه وقوله فريق مرتفع على خبر الابتداء المضمر كأنه قال هم فريق في الجنة وفريق في السعير ثم قوي تعالى تسلية نبيه بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة اللّه من ايمانهم كفرهم وأنه لو اراد كونهم أمة واحدة على دين واحد لجمعهم عليه ولكنه سبحانه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة وان الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقاوة ما لهم من ولي ولا نصير قال عبد الحق رحمه اللّه في العاقبة وقد علمت رحمك اللّه أن الناس يوم القيامة صنفان صنق مقرب مصان وآخر مبعد مهان صنف نصبت لهم الأسرة والحجال والأرائك والكلال وجمعت لهم الرغائب والآمال وآخرون أعدت لهم الأراقم والصلال والمقامع والأغلال وضروب الاهوال والأنكال وأنت لا تعلم من ايهما أنت ولا في أي الفريقين كنت ... نزلوا بمكة في قبائل نوفل ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل ... وتقلبوا فرحين تحت ظلالها ... وطرحت بالصحراء غير مظلل وسقوا من الصافي المعتق ريهم ... وسقيت دمعة واله متململ ... بكى سفيان الثوري رحمه اللّه ليلة الى الصباح فقيل له بكاؤك هذا على الذنوب فأخذ نبتة من الأرض وقال الذنوب أهون من هذا إنما أبكي خوف الخاتمة وبكى غير سفيان وغير سفيان وأنه للأمر يبكي عليه ويصرف الاهتمام كله اليه وقد قيل لا تكف دمعك حتى ترى في المعاد ربعك وقيل يا ابن آدم الأقلام عليك تجري وأنت في غفلة لا تدري يا ابن آدم دع التنافس في هذه الدار حتى ترى ما فعلت في أمرك الأقدار سمع بعض الصالحين منشدا ينشد أيا راهبي نجران ما فعلت هند فبكى ليلة الى الصباح فسئل عن ذلك فقال قلت في نفسي ما فعلت الأقدار في وماذا جرت به علي انتهى ٩وقوله تعالى أم اتخذوا من دونه أولياء فاللّه هو الولي الآية قوله ام اتخذوا كلام مقطوع مما قبله وليست بمعادلة ولكن الكلام كانه اضرب عن حجة أم لهم مقالة مقررة فقال بل اتخذوا هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا وذهب عضهم الى أن أم هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقرير اضراب ثم أثبت الحكم بأنه عز و جل هو الولي الذي تنفع ولايته ١٠وقوله تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى اللّه الآية المعنى قل لهم يا محمد وما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب وتصديق وايمان وكفر وغير ذلك فالحكم فيه والمجازاة عنه ليست الي ولا بيدي وانما ذلك الى اللّه تعالى الذي صفاته ما ذكر من احياء الموتى والقدرة على كل شيء وقوله تعالى جعل لكم من أنفسكم أزواجا يريد زوج الانسان الأنثى وبهذه النعمة اتفق الذرء وليست الأزواج هاهنا الأنواع وقوله ومن الأنعام أزواجا الظاهر أيضا فيه والمتسق أنه يريد اناث الذكران ويحتمل أن يريد الأنواع والأول أظهر وقوله يذرؤكم أي يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن قاله مجاهد والناس فلفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق وهو توالي طبقات على مر الزمان وقوله فيه الضمير عائد على الجعل الذي يتضمنه قوله جعل لكم وهذا كما تقول كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه وقال القتبي الضمير للتزويج ولفظة في مشتركة على معان وان كان أصلها الوعاء واليه يردها النظر في كل وجه وقوله تعالى ليس كمثله شيء الكاف موكدة للتشبيه فنفي التشبيه أوكد ما يكون وذلك أنك تقول زيد كعمرو وزيد مثل عمرو فاذا أرادت المبالغة التامة قلت زيد كمثل عمرو وجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب وعلى هذا المعنى شواهد كثيرة وذهب الطبري وغيره الى أن المعنى ليس كهو شيء وقالو لفظة مثل في الآية توكيد وواقعة موقع هو والمقاليد المفاتيح قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد هذا أصلها بالفارسية وهي هاهنا استعارة لوقوع كل أمر تحت قدرته سبحانه وقال السدي المقاليد الخزائن وفي اللفظ على هذا حذف مضاف قال قتادة من ملك مقاليد خزائن فالخزائن في ملكه ١٣وقوله سبحانه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية المعنى شرع لكم وبين من المعتقدات والتوحيد ما وصى به نوحا قبل وقوله والذي عطف على ما وكذلك ما ذكر بعد من اقامة الدين مشروع اتفقت النبوءات فيه وذلك في المعتقدات وأما الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة وهي المراد في قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا واقامة الدين هو توحيد اللّه ورفض سواه وقوله تعالى ولا تتفرقوا نهي عن المهلك من تفرق الانحاء والمذاهب والخير كله في الألفة واجتماع الكلمة ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام كبر على المشركين ما تدعوهم اليه من توحيد اللّه ورفض الأوثان قال قتادة كبر عليهم لا اله الا اللّه وأبى اللّه الا نصرها ثم سلاه تعالى عنهم بقوله اللّه يجتبي اليه من يشاء الآية أي يختار ويصطفي قاله مجاهد وغيره وينيب معناه يرجع عن الكفر ويحرص على الخير ويطلبه وما تفرقوا يعني اوائل اليهود والنصارى الا من بعد ما جاءهم العلم وقوله بغيا بينهم أي بغى بعضهم على بعض واداهم ذلك الى اختلاف الراي وافتراق الكلمة والكلمة السابقة قال المفسرون هي حتمة تعالى القضاء بان مجازاتهم انما تقع في الآخرة ولولا ذلك لفصل بينهم في الدنيا وغلب الحق على المبطل وقوله تعالى وان الذين اورثوا الكتاب اشارة الى معاصري نبينا محمد عليه السلام من اليهود والنصارى وقيل هو اشارة الى العرب والكتاب على هذا هو القرآن والضمير في قوله لفي شك منه يحتمل ان يعود على الكتاب على محمد على الاجل المسمى أي في شك من البعث على قول من راى ان الاشارة الى العرب ووصف الشك بمريب مبالغة فيه واللام في قوله تعالى فلذلك فادع قالت فرقة هي بمنزلة الى كأنه قال فالى ما وصى به الانبياء من التوحيد فادع وقالت فرقة بل هي بمعنى من اجل كانه قال من اجل ان الامر كذا وكذا ولكونه كذا فادع انت الى ربك وبلغ ما أرسلت به وقال الفخر يعني فلأجل ذلك التفرق ولأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين فادع الى الاتفاق على الملة الحنيفية واستقم عليها وعلى الدعوة اليها كما أمرك اللّه ولا تتبع أهواءهم الباطلة انتهى وخوطب عليه السلام بالاستقامة وهو قد كان مستقيما بمعنى دم على استقامتك وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به انما معناه الدوام وهذه الآية ونحوها كانت نصب عيني النبي عليه السلام وكانت شديدة الموقع من نفسه أعني قوله تعالى واستقم كما امرت لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة وفي هذا المعنى قال عليه السلام شيبتني هود وأخواتها فقيل له لم ذلك يا نبي اللّه فقال لأن فيها فاستقم كما أمرت وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر اللّه عز و جل وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا وقوله تعالى ولا تتبع أهواءهم يعني قريشا ت وفرض الفخر هذه القضية في أهل الكتاب وذكر ما وقع من اليهود ومحاجتهم في دفع الحق وجحد الرسالة وعلى هذا فالضمير في اهوائهم عائد عليهم واللّه اعلم اه ثم امره تعالى أن يقول آمنت بما أنزل اللّه من كتاب وهو أمر يعم سائر أمته وقوله وأمرت لا عدل بينكم قالت فرقة اللام في لاعدل بمعنى أن أعدل بينكم وقالت فرقة المعنى وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم وقوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم الى آخر الآية ما فيه من موادعة منسوخ بآية السيف وقوله لا حجة بيننا وبينكم أي لا جدال ولا مناظرة قد وضح الحق وأنتم تعاندون وفي قوله اللّه يجمع بيننا وعيد بين ١٦وقوله تعالى والذين يحاجون في اللّه الآية قال ابن عباس ومجاهد نزلت في طائفة من بني اسرائيل همت برد الناس عن الاسلام واضلالهم وقيل نزلت في قريش لأنها كانت أبدا تحاول هذا المعنى ويحاجون في اللّه معناه في دين اللّه توحيد اللّه أي يحاجون فيه بالابطال والالحاد وما أشبهه والضمير في له يحتمل أن يعود على اللّه تبارك وتعالى ويحتمل أن يعود على الدين والشرع ويحتمل أن يعود على النبي عليه السلام وداحضة معناه زاهقة والدحض الزهق وباقي الآية بين وقوله سبحان اللّه الذي أنزل الكتاب بالحق معناه مضمنا الحق أي بالحق في أحكامه وأوامره ونواهيه وأخباره والميزان هنا العدل قاله ابن عباس ومجاهد والناس وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس قال ع ولا شك أنه داخل في العدل وجزء منه وقوله تعالى وما يدريك لعل الساعة قريب وعيد للمشركين وجاء لفظ قريب مذكرا من حيث تأنيث الساعة غير حقيقي واذ هي بمعنى الوقت ت ينبغي للمؤمن العاقل أن يتدبر هذه الآية ونظائرها ويقدر في نفسه أنه المقصود بها ... لاه بدنياه والأيام تنعاه ... والقبر غايته واللحد مأواه يلهو فلو كان يدري ما أعدله ... اذن لأحزنه ما كان الهاه ... قال الغزالي في الأحياء قال أبو زكريا التيمي بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام اذ أتوي بحجر منقوش فطلب من يقرأه فأوتي بوهب بن منبه فاذا فيه ابن آدم انك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزيادة من عملك ولقصرت من حرصك وحيلك وانما يلقاك غدا ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك ففارقك الولد والقريب ورفضك الوالد والنسيب فلا أنت الى دنياك عائد ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة فبكى سليمان بكاء شديدا انتهى وباقي الآية بين ثم رجى تبارك وتعالى عبادع بقوله اللّه لطيف بعباده ولطيف هنا بمعنى رفيق متحف والعباد هنا المؤمنون ٢٠وقوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة معناه ارادة مستعد عامل لا ارادة متمن مسوف والحرث في هذه الآية عبارة عن السعي والتكسب والاعداد وقوله تعالى نزد له في حرثه وعد متنجز قال الفخر وفي تفسير قوله نزد له في حرثه قولان الأول نزد له في توفيقه واعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه وقال مقاتل نزد له في حرثه بتضعيف الثواب قال تعالى ليوفيهمم أجورهم ويزيدهم من فضله انتهى وقوله ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها معناه ما شئنا منها ولمن شئنا فرب ممتحن مضيق عليه حريص على حرث الدنيا مريد له لا يحس بغيره نعوذ باللّه من ذلك وهذا الذي لا يعقل غير الدنيا هو الذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة ٢١وقوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللّه أم هذه منقطعة لا معادلة وهي بتقدير بل وألف الاستفهاك والشركاء في هذه الآية يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم ويكون الضمير في لهم للكفار المعاصرين لمحمد عليه السلام فالاشتراك هاهنا هو في الكفر والغواية وليس بشركة الاشراك باللّه ويحتمل أن يكون المراد بالشركاء الأصنام والأوثان على معنى أم لهم أصنام جعلوها شركاء للّه في ألوهيته ويكون الضمير في شرعوا لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم والضمير في لهم للاصنام الشركاء وشرعوا معناه أثبتوا ونهجوا ورسموا والدين هنا العوائد والأحكام والسيرة ويدخل في ذلك أيضا المعتقدات السوء لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعا فاسدة وكلمة الفصل هي ما سبق من قضاء اللّه تعالى بأنه يؤخر عقابهم للدار الآخرة والقضاء بينهم هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم ٢٢وقوله تعالى ترى الظالمين هي رؤية بصر ومشفقين حال وليس لهم في هذا الاشفاق مدح لأنهم انما شفقوا حين نزل بهم وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من أمر الساعة كما تقدم وهو واقع بهم أبو حيان ضمير هو عائد على العذاب على ما كسبوا بحذف مضاف أي وبال ما كسبوا انتهى والروضات المواضع المونقة النضرة ٢٣وقوله تعالى ذلك الذي يبشر اللّه عباده اشارة الى قوله تعالى في الآية الأخرى وبشر المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا وقوله تعالى قل لا أسلألكم عليه أجرا الا المودة في القربى اختلف الناس في معناه فقال ابن عباس وغيره هي آية مكية نزلت في صدر الاسلام ومعناها استكفاف شر الكفار ودفع أذاهم أي ما أسالكم على القرآن الا أن تودوني لقرابة بيني وبينكم فتكفوا عني أذاكم قال ابن عباس وابن اسحاق وقتادة ولم يكن في قريش بطن الا وللنبي صلى اللّه عليه وسلم فيه نسب صهر فالآية على هذا فيها استعطاف ما ودفع اذى وطلب سلامة منهم وذلك كله منسوخ بآية السيف ويحتمل هذا التأويل أن يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم أي لا اسالكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودوني لقرابتي منكم وأن تكونوا أولى بي من غيركم قال ع وقريش كلها عندي قربى وان كانت تتفاضل وقد روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من مات على حب آل محمد مات شهيدا ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أن الآية مدنية وأن الأنصار جمعت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مالا وساقته اليه فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك وقيل غير هذا وعلى كل قول فالاستثناء منقطع والا بمعنى لكن ويقترف معناه يكتسب ورجل قرفة اذا كان محتالا كسوبا وغفور معناه ساتر عيوب عباده وشكور معناه مجاز على الدقيقة من الخير لا يضيع عنده لعامل عمل وقوله تعالى أن يقولون افترى على اللّه كذبا أم هذه مقطوعة مضمنة اضرابا عن كلام متقدم وتقريرا على هذه المقالة منهم وقوله تعالى فإن يشأ اللّه يختم على قلبك معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين ينسيك القرآن والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان ابطالها كأنه يقول وكيف يصح أن تكون مفتريا وأنت من اللّه بمرأى ومسمع وهو قادر لو شاء أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراءك فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا وقال مجاهد المعنى فإن يشأ اللّه يختم على قلبك بالصبر لأذى الكفار ويربط عليك بالجلد فهذا تاويل لا يتضمن الرد على مقالتهم قال أبو حيان وذكر القشيري أن الخطاب للكفار أي يختم على قلبك أيها القائل فيكون انتقالا من الغيبة للخطاب ويمح استئناف اخبار لا داخل في الجواب وتسقط الواو من اللفظ لالتقاء الساكنين ومن المصحف حملا على اللفظ انتهى وقوله تعالى ويمح فعل مستقبل خبر من اللّه تعالى أنه يمحو الباطل ولا بد أما في الدنيا وأما في الآخرة وهذا بحسب نازلة نازلة وكتب يمح في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا ويدع الانسان الى غير ذلك مما ذهبوا فيه الى الحذف والاختصار وقوله بكلماته معناه بما سبق في قديم علمه وارادته من كون الأشياء فالكلمات المعاني القائمة القديمة التي لا تبديل لها ثم ذكر تعالى النعمة في تفضله بقبول التوبة من عباده وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمانه وأعماله مقطوع به بهذه الآية وأما ما سلف من أعماله فينقسم فأما التوية من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفائتة وغير ذلك وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة فيها قولان هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه فقالت فرقة هي مذهبة لها وقالت فرقة هي في مشيئة اللّه تعالى وأجمعوا أنها لا تذهب مظالم العباد وحقيقة التوبة الاقلاع عن المعاصي والاقبال والرجوع الى الطاعات ويلزمها الندم على ما فات والعزم على ملازمة الخيرات وقال سري السقطي التوبة العزم على ترك الذنوب والاقبال بالقلب على علام الغيوب وقال يحيى بن معاذ التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على راس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام وقوله تعالى عن عباده بمعنى من عباده وكأنه قال التوبة الصادرة عن عباده وقرأ الجمهور يفعلون بالياء على الغيبة وقرأ حمزة والكسائي تفعلون بالتاء على المخاطبة وفي الآية توعد وقوله تعالى ويستجيب قال الزجاج وغيره معناه يجيب والعرب تقول اجاب واستجاب بمعنى والذين على هذا التأويل مفعول يستجيب وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل ونحوه عن ابن عباس وقالت فرقة المعنى ويستدعي الذين آمنوا الاجابة من ربهم بالأعمال الصالحات ودل قوله ويزيدهم من فضله على أن المعنى فيجيبهم والذين على هذا القول فاعل يستجيب وقالت فرقة المعنى ويجيب المؤمنون ربهم فالذين فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته والزيادة من فضله هي تضعيف الحسنات وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال هي قبول الشفاعات في المذنبين والرضوان ٢٧وقوله تعالى ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير قال عمرو ابن حريث وغيره أنها نزلت لأن قوما من أهل الصفة طلبوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يغنيهم اللّه ويبسط لهم الأموال والأرزاق فعلمهم اللّه تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وافسادهم ولكنه عز و جل أعلم بالمصلحة في كل أحد أنه بعباده خبير بصير بمصالحهم فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم فرب انسان لا يصلح وتنكف عاديته الا بالفقر ت وقد ذكرنا في هذا المختصر أحاديث كثيرة مختارة في فضل الفقراء الصابرين ما فيه كفاية لمن وفق وقد روى ابن المبارك في رقائقه عن سعيد بن المسيب قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال أخبرني يا رسول اللّه بجلساء اللّه يوم القيامة قال هم الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون اللّه كثيرا قال يا رسول اللّه فهم أول الناس يدخلون الجنة قال لا قال فمن أول الناس يدخل الجنة قال الفقراء يسبقون الناس الى الجنة فتخرج اليهم منها ملائكة فيقولون ارجعوا الىالحساب فيقولون على ما نحاسب واللّه ما أفيضت علينا الأموال في الدنيا فنقبض فيها ونبسط وما كنا أمراء نعدل ونجور ولكنا جاءنا أمر اللّه فعبدناه حتى أتانا اليقين انتهى وقوله عز و جل وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا الآية تعديد نعم اللّه الدالة على وحدانيته وانه المولى الذي يستحق أن يعبد دون ما سواه من الأنداد وقرأ الجمهور قنطوا بفتح النون وقرأ الأعمش قنطوا بكسرها وهما لغتان وروي أن عمر رضي اللّه عنه قيل له أجدبت الأرض وقنط الناس فقال مطروا اذن بمعنى أن الفرج عند الشدة وقوله تعالى وينشر رحمته قيل اراد بالرحمة المطر وقيل اراد بالرحمة هنا الشمس فذلك تعديد نعمة غير الأولى وذلك أن المطر اذا الم بعد القنط حسن موقعه فاذا دام سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع وقوله تعالى وهو الولي الحميد أي من هذه أفعاله هو الذي ينفع اذا والى وتحمد أفعاله ونعمه قال القشيري اسمه تعالى الولي هو المتولي لأحوال عباده وقيل هو من الوالي وهو الناصر فأولياء اللّه أنصار دينه وأشياع طاعته والوالي في صفة العبد من يواظب على طاعة ربه ومن علامات من يكون الحق سبحانه وليه أن يصونه ويكفيه في جميع الأحوال ويؤمنه فيغار على قلبه أن يتعلق بمخلوق في دفع شر جلب نفع بل يكون سبحانه هو القائم على قلبه في كل نفس فيحقق آماله عند اشاراته ويعجل مآربه عند خطراته ومن أمارات ولايته لعبده أن يديم توفيقه حتى لو أراد سوءا قصد محظورا عصمه عن ارتكابه أولوا جنح الى تقصير في طاعة أبى الا توفيقا وتأييدا وهذا من أمارت السعادة وعكس هذا من إمارت الشقاوة ومن أمارات ولايته أيضا أن يرزقه مودة في قلوب أوليائه انتهى من التحبير ثم ذكر تعالى الآية الكبرى الدالة على الصانع وذلك خلق السماوات والأرض وقوله تعالى وما بث فيهما من دابة يتخرج على وجوه منها أن يريد أحدهما وهو ما بث في الأرض دون السموات ومنها أن يكون تعالى قد خلق في السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب وقد تقع أحيانا كالضفادع ونحوها فان السحاب داخل في اسم السماء وقوله تعالى وهو على جمعهم يريد يوم القيامة عند الحشر من القبور ٣٠وقوله تعالى وما اصابكم من مصيبة قرأ جمهور القراء فبما بفاء وكذلك هي في جل المصاحف وقرأ نافع وابن عامر بما دون فاء قال أبو علي الفارسي أصاب من قوله وما أصابكم يحتمل أن يكون في موضع جزم وتكون ما شرطية وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه وجوز حذفها ابو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى ويحتمل أن يكون أصاب صلة لما وتكون ما بمعنى الذي وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة والمصيبة انما هي بكسب الأيدي ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ويجوز أن يعرى منه قال ع وأما في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه فقالت فرقة هو اخبار من اللّه تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا انما هي مجازات من اللّه تعالى على ذنوب المرء وخطاياه وأن اللّه تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يصيب ابن آدم خدش عود عثرة قدم ولا اختلاج عرق الا بذنب وما يعفو عنه أكثر وقال مرة الهمداني رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا فقال هذا بما كسبت يدي ويعفو اللّه عن كثير وقيل لأبي سليمان الداراني ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء اليهم فقال لأنهم يعلمون أن اللّه تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم وروى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ما اصابكم من مرض عقوبة بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم واللّه أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا اللّه عنه في الدنيا فاللّه أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه وقال الحسن معنى الآية في الحدود أي ما أصابكم من حد من حدود اللّه فبما كسبت أيديكم ويعفو اللّه عن كثير فيستره على العبد حتى لا يحد عليه ثم أخبر تعالى عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة لا يعجز طلب ربه ولا يمكنه الفرار منه والجواري جمع جارية وهي السفينة والاعلام الجبال وباقي الآية بين فيه الموعظة وتشريف الصبار الشكور ٣٤وقوله تعالى يوبقهن بما كسبوا أوبقت الرجل اذا أنشبته في أمر يهلك فيه وهو في السفن تغريقها وبما كسبوا أي بذنوب ركابها وقرأ نافع وابن عامر ويعلم بالرفع على القطع والاستئناف وقرأ الباقون والجمهور ويعلم بالنصب على تقدير أن والمحيص المنجي وموضع الروغان ثم وعظ سبحانه عباده وحقر عندهم أمر الدنيا وشأنها ورغبهم فيما عنده من النعيم والمنزلة الرفيعة لديه وعظم قدر ذلك في قوله فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند اللّه خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وقرأ الجمهور كبائر على الجمع قال الحسن هي كل ما توعد فيه بالنار وقد تقدم ما ذكره الناس في الكبائر في سورة النساء وغيرها والفواحش قال السدي الزنا وقال مقاتل موجبات الحدود وقوله تعالى واذا ما غضبوا هم يغفرون حض على كسر الغضب والتدرب في أطفائه اذ هو جمرة من جهنم وباب من أبوابها وقال رجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم أوصني قال لا تغضب قال زدني قال لا تغضب قال زدني قال لا تغضب ومن جاهد هذا العارض من نفسه حتى غلبه فقد كفي هما عظيما في دنياه وآخرته ت وروى مالك في الموطأ إن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تغضب قال أبو عمر بن عبد البر اراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة ليلا أنسى إن أكثرت علي ثم اسند أبو عمر من طرق عن الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة أنه قال يا رسول اللّه قل لي قولا ينفعني اللّه به واقلل لي لعلي أعقله قال لا تغضب فأعاد عليه مرارا كلها يرجع اليه رسول اللّه لا تغضب انتهى من التمهيد واسند أبو عمر في التمهيد أيضا عن عبد اللّه بن ابي الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقتن مالا قال عسى انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من كف لسانه عن اعراض المسلمين أقاله اللّه عثرته يوم القيامة ومن كف غضبه عنهم وقاه اللّه عذابه يوم القيامة قال ابن المبارك وأخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال ان اللّه تبارك وتعالى يقول من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ومن ذكرني حين يغضب ذكرته حين أغضب فلم أمحقه فيمن أمحق انتهى ٣٨وقوله تعالى والذين استجابوا مدح لكل من آمن باللّه وقبل شرعه ومدح اللّه تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الايدي والتعاضد على الخير وفي الحديث ما تشاور قوم قط الا هدوا لأحسن ما بحضرتهم وقوله تعالى ومما رزقناهم يتفقون معناه في سبيل اللّه وبرسم الشرع وقال ابن زيد قوله تعالى والذين استجابوا لربهم الآية نزلت في الأنصار والظاهر أن اللّه تعالى مدح كل من انصف بهذه الصفة كائنا من كان وهل حصل الانصار في هذه الصفة الا بعد سبق المهاجرين اليها رضي اللّه عنها جميعهم بمنه وقوله عز و جل والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون مدح سبحانه في هذه الآية قوما بالانتصار ممن بغى عليهم ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا الانتصار بالواجب تغيير منكر قال الثعلبي قال ابراهيم النخعي في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فاذا قدروا عفوا انتهى وقوله سبحانه وجزاء سيئة سيئة مثلها قيل سمى الجزاء باسم الابتداء وان لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة قال ع وإن أخذنا السيئة هنا بمعنى المصيبة في حق البشر أي يسوء هذا هذا ويسوءه الآخر فلسنا نحتاج الى أن نقول سمة العقوبة باسم الذنب بل الفعل الأول والآخر سيئة قال الفخر اعلم أنه تعالى لما قال والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل فان النقصان حيث والزيادة ظلم والمساواة هو العدل فلهذا السبب قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها انتهى ويدل على ذلك قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ونحوه من الآي واللام في قوله ولمن انتصر بعد ظلمه لام التقاء القسم وقوله من سبيل يريد من سبيل حرج ولا سبيل حكم وهذا ابلاغ في اباحة الانتصار والخلاف فيه هل هو بين المؤمن والمشرك بين المؤمنين ٤٢وقوله تعالى انما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية المعنى انما السبيل الحكم والاثم على الذين يظلمون الناس روى الترمذي عن كعب بن عجرة قال قال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم أعيذك باللّه يا كعب من أمراء يكونون فمن غشي ابوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض يا كعب الصلاة برهان والصبر جنة حصينة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار يا كعب أنه لا يربو لحم نبت من سحت الا كانت النار أولى به قال أبو عيسى هذا حديث حسن وخرجه ايضا في كتاب الفتن وصححه انتهى وقوله تعالى انما السبيل الى قوله اليم اعتراض بين الكلامين ثم عاد في قوله ولمن صبر الى الكلام الأول كأنه قال ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ولمن صبر وغفر الآية واللام في قوله ولمن صبر يصح أن تكون لام قسم ويصح أن تكون لام الابتداء وعزم الأمور محكمها ومتقنها والحميد العاقبة منها فمن رأيى أن هذه الآية هي فيما بين المؤمنين والمشركين وأن الصبر للمشركين كان أفضل قال أن الآية نسخت بآية السيف ومن رأى أن الآية بين المؤمنين قال هي محكمة والصبر والغفران أفضل اجماعا وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على اللّه أجر فليقم فيقوم عنق من الناس كبير فيقال ما أجركم فيقولون نحن الذين عفونا عمن ظلمنا في الدنيا وقوله تعالى ومن يضلل اللّه فما له من ولي من بعده تحقير لأمر الكفرة أي فلا يبالي بهم أحد من المؤمنين لأنهم صائرون الى ما لا فلاح لهم معه ثم وصف تعالى لنبيه حالهم في القيامة عند رؤيتهم العذاب وقولهم هل الى مرد من سبيل ومرادهم الرد الىالدنيا والرؤية هنا رؤية عين والضمير في قوله عليها عائد على النار وان لم يتقدم لها ذكر من حيث دل عليها قوله رأوا العذاب وقوله من الذل يتعلق بخاشعين وقوله تعالى ينظرون من طرف خفي قال قتادة والسدي المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه هنا من الهم وسوء الحال لا يستطيعون النظر بجميع العين وانما ينظرون ببعضها قال الثعلبي قال يونس من بمعنى الباء أي ينظرون بطرف خفي أي ضعيف من أجل الذل والخوف ونحوه عن الأخفش انتهى وفي البخاري من طرف خفي أي ذليل وقوله تعالى وقال الذين آمنوا أن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القامة الآية وقول الذين آمنوا هو في يوم القيامة عند ما عاينوا حال الكفار وسوء منقلبهم وقوله تعالى الا ان الظالمين في عذاب مقيم يحتمل أن يكون من قول المؤمنين يومئذ حكاه اللّه عنهم ويحتمل أن يكون استئنافا من قول اللّه عز و جل واخباره لنبيه محمد عليه السلام ٤٦وقوله تعالى وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون اللّه الآية انحاء على الأصنام والأوثان التي أظهر الكفار ولايتها واعتقدت ذلك دينا ثم أمر تعالى نبيه أن يأمرهم بالاستجابة لدعوة اللّه وشريعته من قبل اتيان يوم القيامة الذي لا يرد أحد بعده الى عمل قال ع في الآية الأخرى في سورة ألم غلبت الروم ويحتمل أن يريد لا يرده راد حتى لا يقع وهذا ظاهر بحسب اللفظ والنكير مصدر بمعنى الانكار قال الثعلبي مالكم من ملجأ أي معقل ومالكم من نكير أي من انكار على ما ينزل بكم من العذاب يغير ما بكم انتهى وقوله تعالى فإن أعرضوا الآية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم والانسان هنا اسم جنس وجمع الضمير في قوله تصبهم وهو عائد على لفظ الانسان من حيث هو اسم جنس ٤٩وقوله تعالى للّه ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء الآية هذه آية اعتبار دال على القدرة والملك المحيط بالجميع وأن مشيئته تعالى نافذة في جميع خلقه وفي كل أمرهم وهذا لا مدخل لصنم فيه فان الذي يخلق ما يشاء هو اللّه تبار وتعالى وهو الذي يقسم الخلق فيهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الأولاد الذكور يزوجهم أي ينوعهم ذكرانا واناثا وقال محمد بن الحنفية يريد بقوله تعالى يزوجهم التوأم أي يجعل في بطن زوجا من الذرية ذكرا وانثى والعقيم الذي لا يولد له وهذا كله مدبر بالعلم والقدرة وبدأ في هذه الآية بذكر الاناث تانيسا بهن ليتهم بصونهن والاحسان اليهن وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن اليهن كن له حجابا من النار وقال واثلة بن الأسقع من يمن المرأة تبكيرها بالانثى قبل الذكر لأن اللّه تعالى بدأ بذكر الاناث حكاه عنه الثعلبي قال وقال اسحاق بن بشر نزلت هذه الآية في الانبياء ثم عمت فيهب لمن يشاء اناثا يعني لوطا عليه السلام ويهب لمن يشاء الذكور يعني ابراهيم عليه السلام يزوجهم ذكرانا واناثا يعني نبينا محمدا عليه السلام ويجعل من يشاء عقيما يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام ٥١وقوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه اللّه الا وحيا من وراء حجاب يرسل رسولا الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم اللّه موسى ونحو ذلك ذهب قريش واليهود في ذلك الى تجسيم ونحوه فنزلت الآية مبينة صورة تكليم اللّه عباده كيف هو فبين اللّه تعالى أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه اللّه الا بأن يوحي اليه أحد وجوه الوحي من الالهام قال مجاهد النفث في القلب وحي في منام قال النخعي وكان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزا كموسى عليه السلام وهذا معنى من وراء حجاب أي من خفاء عن المكلم لا يحده ولا يتسور بذهنه عليه وليس كالحجاب في الشاهد بأن يرسل اليه ملكا يشافهه بوحي اللّه عز و جل قال الفخر قوله فيوحي باذنه ما يشاء أي فيوحي ذلك الملك باذن اللّه ما يشاء اللّه انتهى وقرأ جمهور القراء والناس يرسل بالنصب فيوحي بالنصب أيضا وقرأ نافع وابن عامر وابن عباس واهل المدينة يرسل بالرفع فيوحي بسكون الياء وقوله من وراء حجاب من متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام عليه تقديره يكلمه من وراء حجاب وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكليم وأن من حلف لا يكلم فلانا وهو لم ينو المشافهة ثم أرسل رسولا حنث ٥٢وقوله تعالى وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا الآية المعنى وبهذه الطرق ومن هذا الجنس أوحينا اليك أي بالرسول والروح في هذه الآية القرآن وهدي الشريعة سماه روحا من حيث يحي به البشر والعالم كما يحي الجسد بالروح فهذا على جهة التشبيه وقوله تعالى من أمرنا أي واحد من أمورنا ويحتمل أن يكون الأمر بمعنى الكلام ومن لابتداء الغاية وقوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان توقيف على مقدار النعمة والضمير في جعلناه عائد على الكتاب ونهدي بمعنى نرشد وقرأ جمهور الناس وانك لتهدي بفتح التاء وكسر الدال وقرأ حوشب لتهدي بضم التاء وفتح الدال وقرأ عاصم لتهدي بضم التاء وكسر الدال وقوله صراط اللّه يعني صراط شرع اللّه ثم استفتح سبحانه القول في الاخبار بصيرورة الأمور اليه سبحانه مبالغة وتحقيقا وتثبيتا فقال الا الى اللّه تصير الأمور قال الشيخ العارف باللّه أبو الحسن الشاذلي رحمه اللّه إن اردت أن تغلب الشر كله وتلحق الخير كله ولا يسبقك سابق وإن عمل فقل يا من له الخير كله أسألك الخير كله واعوذ بك من الشر كله فانك أنت اللّه الغني الغفور الرحيم أسألك بالهادي صلى اللّه عليه وسلم الى صراط مستقيم صراط اللّه الذي له ما في السماوات وما في الأرض الا الى اللّه تصير الأمور مغفرة تشرح بها صدري وتضع بها وزرى وترفع بها ذكرى وتيسر بها أمري وتنزه بها فكري وتقدس بها سري وتكشف بها ضري وترفع بها قدري انك على كل شيء قدير اه ت قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب هذا بين وقوله ولا الايمان فيه تأويلات قيل معناه ولا شرائع الايمان ومعالمه قال ابو العالية يعني الدعوة الى الايمان وقال الحسين ابن الفضل يعني أهل الايمان من يؤمن ومن لا يؤمن وقال ابن خزيمة الايمان هنا الصلاة دليله وما كان اللّه ليضيع ايمانكم قال ابن ابي الجعد وغيره احترق مصحف فلم يبق منه الا الا الى اللّه تصير الأمور وغرق مصحف فامتحى كله الا قوله الا الى اللّه تصير الأمور نقله الثعلبي وغيره انتهى قال العبد الفقير الى اللّه تعالى عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف اللّه به في الدارين قد يسر اللّه عز و جل في تحرير هذا المختصر وقد أودعته بحمد اللّه جزيلا من الدرر قد استوعبت فيه بحمد اللّه مهمات ابن عطية وزدته فوائد جليلة من غيره وليس الخبر كالعيان توخيت فيه بحمد اللّه الصواب وجعلته ذخيرة عند اللّه ليوم المآب لا يستغني عنه المنتهي وفيه كفاية للمبتدي يستغني به عن المطولات اذ قد حصل منها لبابها وكشف عن الحقائق حجابها التعريف برحلة المؤلف رحلت في طلب العلم في أواخر القرن الثامن ودخلت بجاية في أوائل القرن التاسع فلقيت بها الأئمة المقتدى بهم اصحاب سيدي عبدالرحمن الوغليسي متوافرين فحضرت مجالسهم وكانت عمدة قراءتي بها على سيدي علي بن عثمان المانجلاتي رحمه اللّه بمسجد عين البربر ثن ارتحلت الى تونس فلقيت بها سيدي عيسى الغبريني والأبي والبرزلي وغيرهم وأخذت عنهم ثم ارتحلت الى المشرق فلقيت بمصر الشيخ ولي الدين العراقي فأخذت عنه علوما جمة معظمها علم الحديث وفتح اللّه لي فيه فتحا عظيما وكتب لي وأجازني جميع ما حضرته عليه وأطلق في غيره ثم لقيت بمكة بعض المحدثين ثم رجعت الى الديار المصرية والى تونس وشاركت من بها ولقيت بها شيخنا أبا عبد اللّه محمد بن مرزوق قادما لارادة الحج فأخذت عنه كثيرا وأجازني التدريس في أنواع الفنون الاسلامية وحرضني على اتمام تقييد وضعته على ابن الحاجب الفرعي ت ولما فرغت من تحرير هذا المختصر وافق قدوم شيخنا أبي عبد اللّه محمد بن مرزوق علينا في سفرة سافرها من تلمسان متوجها الى تونس ليصلح بين سلطانها وبين صاحب تلمسان فأوقفته على هذا الكتاب فنظر فيه وأمعن النظر فسر به سرورا كثيرا ودعا لنا بخير واللّه الموفق بفضله |
﴿ ٠ ﴾