سورة الدخان

وهي مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢-٣

حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة الآية قوله والكتاب المبين قسم اقسم اللّه تعالى به

وقوله انا انزلناه يحتمل ان يقع القسم عليه ويحتمل ان يكون وصفا للكتاب ويكون الذي وقع القسم عليه انا كنا منذرين

واختلف في تعينن الليلة المباركة فقال قتادة والحسن وابن زيد هي ليلة القدر ومعنى هذا النزول ان ابتداء نزوله كان في ليلة القدر وهذا قول الجمهور وقال عكرمة الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان قال القرطبي والصحيح ان الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة انتهى من التذكرة ونحوه لابن العربي

٤

وقوله تعالى فيها يفرق كل امر حكيم معناه يفصل من غيره ويتخلص فعن عكرمة ان اللّه تعالى يفصل ذلك للملائكة في ليلة النصف من شعبان وفي بعض الأحاديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم

انه قال تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى ان الرجل لينكح الولد ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى وقال قتادة والحسن ومجاهد يفصل في ليلة القدر كل ما في العام المقبل من الأقدار والارزاق والآجال وغير ذلك وامرا نصب على المصدر

وقوله انا كنا مرسلين يحتمل ان يريد الرسل والاشياء ويحتمل ان يريد الرحمة التي ذكر بعد

واختلف الناس في الدخان الذي امر اللّه تعالى بارتقابه فقالت فرقة منها علي وابن عباس وابن عمر والحسن بن ابي الحسن وابو سعيد الخدري هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام وينضح رءوس المنافقين والكافرين حتى تكون كأنها مصلية حينئذ وقال فرقة منها ابن مسعود هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم - بسبع كسبع يوسف فكان الرجل يرى من الجوع دخانا بينه وبين السماء وما يأتي من الآيات يؤيد هذا التأويل وقولهم انا مؤمنون كان ذلك منهم من غير حقيقة ثم

١٣

قال تعالى انى لهم لذكرى أي من اين لهم التذكر والاتعاظ بعد حلول العذاب وقد جاءهم رسول مبين يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم - فتولوا عنه أي اعرضوا وقالوا معلم مجنون

وقوله انكم عائدون أي الى الكفر

واختلف في يوم البطشة الكبرى فقالت فرقة هو يوم القيامة وقال ابن مسعود وغيره هو يوم بدر

وقوله ان ادوا ماخوذ من الأدء كانه يقول ان ادفعوا الي واعطوني ومكنوني من بني اسرائيل واياهم اراد بقوله عباد اللّه وقال ابن عباس المعنى اتبعوني الى ما ادعوكم اليه من الحق فعباد اللّه على هذا منادى مضاف والمؤدى هي الطاعة والظاهر من شرع موسى عليه السلام انه بعث إلى دعاء فرعون إلى الايمان وان يرسل بني اسراءيل فلما ابى ان يؤمن ثبتت المكافحة في ان يرسل بني اسرائيل

وقوله بعد وان لم تومنوا لي فاعتزلون كالنص في انه أخر الامر انما يطلب ارسال بني اسرائيل فقط

وقوله وان لا تعلوا

على اللّه الآية المعنى كانت رسالته

١٨

وقوله ان ادوا وان لا تعلوا على اللّه أي على شرع اللّه وعبر بالعلو عن الطغيان والعتو وان ترجمون معناه الرجم بالحجارة المؤدى الى القتل قاله قتادة وغيره

وقيل اراد الرجم بالقول والاول اظهر لأنه الذي عاد منه ولم يعذ من الآخر ت وعن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - من استعاذ باللّه فاعيذوه ومن سألكم باللّه فاعطوه ومن استجار باللّه فأجيروه ومن اتى اليكم بمعروف فكافئوه فان لم تقدروا فادعوا له حتى تعلموا ان قد كافأتموه رواه أبو داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما واللفظ للنسائي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين يعنى البخاري ومسلما أه من السلاح

وقوله فاعتزلون متاركة صريحة قال قتادة اراد خلوا سبيلي

وقوله فدعا ربه قبله محذوف تقديره فما اجابوه لما طلب منهم

وقوله فاسر قبله محذوف أي قال اللّه له فاسر بعبادي

قال ابن العربي في احكامه السرى سير الليل والادلاج سير السحر والتأويب سير النهار ويقال سرى واسرى انتهى

واختلف في

قوله تعالى واترك البحر رهوا متى قالها لموسى فقالت فرقة هو كلام متصل بما قبله وقال قتادة وغيره خوطب به بعد ما جاز البحر وذلك انه هم ان يضرب البحر ليلتئم خشية ان يدخل فرعون وجنوده وراءه ورهوا معناه ساكنا كما جزته قاله ابن عباس وهذا القول هو الذي تؤيده اللغة ومنه قول القطامي

... يمشين رهوا فلا الاعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الاعجاز تتكل

ومنه ... وامة خرجت رهوا الى عيد ...

أي اخرجوا في سكون وتمهل فقيل لموسى عليه السلام اترك البحر ساكنا على حاله من الانفراق ليقضي اللّه امرا كان مفعولا

٢٥

وقوله تعالى كم تركوا كم للتكثير أي كم ترك هؤلاء المغترون من كثرة الجنات والعيون فروي ان الجنات كانت متصلة ضفتي النيل جميعا من رشيد الى اسوان واما العيون فيحتمل انه اراد الخلجان فشبهها بالعيون ويحتمل انها

كانت ونضبت ذكر الطرطوشي في سراج الملوك له قال قال ابو عبد اللّه بن حمدون كنت مع المتوكل لما خرج الى دمشق فركب يوما الى رصافة هشام بن عبد الملك فنظر الى قصورها ثم خرج فنظر الى دير هناك قديم حسن البناء بين مزارع واشجار فدخله فبينما هو يطوف به اذ برقعة قد الصقت في صدره فامر بقلعها فاذا فيها مكتوب هذه الابيات ... ايا منزلا بالدير اصبح خاليا ... تلاعب فيه شمأل ودبور ... كانك لم يسكنك بيض  انس ... ولم تتبختر في قبابك حور ... وابناء املاك غواشم سادة

صغيرهم و عند الانام كبير ... اذا لبسوا ادراعهم فعوابس ... وان لبسوا تيجانهم فبدور ... على انهم يوم اللقاء ضراغم ... وانهمو يوم النوال بحور ... ليالي هشام بالرصافة قاطن ... وفيك ابنه يا دير وهو امير ... اذ العيش غض والخلافة لذة ... وانت طروب والزمان غرير ... ورضك مرتاد ونورك مزهر ... وعيش بني مروان فيك نضير ... بلى فسقاك الغيث صوب سحائب ... عليك لها بعد الرواح بكور ... تذكرت قومي فيكما فبكيتهم ... بشجو ومثلي بالبكاء جدير ... فعزيت نفسي وهي إذا جرى لها ذكر قومي انة وزفير ... لعل زمانا جر يوما عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يدور ... فيفرح محزون وينعم بائس ... ويطلق من ضيق الوثاق اسير ... رويدك ان الدهر يتبعه غد ... وان صروف الدائرات تدور ...

فلما قرأها المتوكل ارتاع ثم دعا صاحب الدير فسأله عمن كتبها فقال لا علم لي به وانصرف انتهى وفي هذا وشبهه عبرة لاولى البصائر المستيقظين اللّهم ألا تجعلنا ممن اغتر بزخاف هذه الدار

الا انما الدنيا كأحلام نائم ... وما خير عيش لا يكون بدائم ...

وقرأ جمهور الناس ومقام بفتح الميم قال ابن عباس وغيره اراد المنابر وعلى قراءة ضم الميم قال قتادة اراد المواضع الحسان من المساكن وغيرها والقول بالمنابر بعيد جدا والنعمة بفتح النون غضارة العيش ولذاذة الحياة والنعمة بكسر النون اعم من هذا كله وقد تكون الامراض والمصائب نعما ولا يقال فيها نعمة بالفتح وقرأ الجمهور فاكهين ومعناه فرحين مسرورين كذلك واورثناها قوما آخرين أي بعد القبط وقال قتادة هم بنو اسرائيل وفيه ضعف وقد ذكر الثعلب عن الحسن ان بني اسرائيل رجعوا الى مصر بعد هلاك فرعون

واختلف المتأولون في معنى

قوله تعالى فما بكت عليهم السماء والارض فقال ابن عباس وغيره وذلك ان الرجل المؤمن اذا مات بكى عليه من الارض موضع عبادته اربعين صباحا وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله قالوا ولم يكن في قوم فرعون من هذه حاله فتبكى عليهم السماء والارض قال ع والمعنى الجيد في الآية انها استعارة فصيحة تتضمن تحقير امرهم وانه لم يتغير لاجل هلاكهم شيء ومثله قوله ص - لا ينتطح فيها عنزان وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال ما مات مومن في غربة غابت عنه فيها بواكيه الا بكت عليه السماء والارض ثم قرأ هذه الآية وقال انهما لا يبكيان على كافر قال الداودي وعن مجاهد ما مات مؤمن الا بكت عليه السماء والارض وقال افي هذا عجب وما للارض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل انتهى

وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا الاوزاعي قال حدثني عطاء الخراساني قال ما من عبد يسجد للّه سجدة في بقعة من بقاع الارض الا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت انتهى

وروى ابن المبارك ايضا عن ابي عبيد صاحب سليما ان

العبد المؤمن اذا مات تنادت بقاع الارض عبد اللّه المؤمن مات فتبكى عليه السماء والارض فيقول الرحمن تبارك وتعالى ما يبكيكما على عبدي فيقولان يا ربنا لم يمش على ناحية منا قط الا وهو يذكرك اه ومنظرين أي مؤخرين والعذاب المهين هو ذبح الابناء والتسخير وغير ذلك

وقوله على علم أي على شيء قد سبق عندنا فيهم وثبت في علمنا انه سينفذ ويحتمل ان يكون معناه على علم لهم وفضائل فيهم على العالمين أي عالمي زمانهم بدليل ان امة محمد خير امة اخرجت للناس وءاتيناهم من الايات لفظ جامع لما اجرى اللّه من الآيات على يدي موسى ولما انعم به على بني اسرائيل والبلاء في هذا الموضع الاختبار والامتحان كما

قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة الآية ومبين بمعنى بين ثم ذكر تعالى قريشا على جهة الانكار لقولهم وانكارهم للبعث فقال ان هؤلاء ليقولون ان هي أي ما هي الا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين أي بمبعوثين وقول قريش فآتوا بآياتنا مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم - طلبوا منه ان يحي اللّه لهم بعض ءابائهم وسموا له قصيا وغيره كي يسئلوهم عما رأووا في أخرتهم

٣٧

وقوله سبحانه اهم خير ام قوم تبع الآية اية تقرير ووعيد وتبع ملك حميري وكان يقال لكل ملك منهم تبع الا ان المشار اليه في هذه الآية رجل صالح روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - من طريق سهل بن سعد ان تبعا هذا اسلم وأمن باللّه وقد ذكره ابن اسحاق في السيرة قال السهيلي وبعد ما غزا تبع المدينة واراد خرابها اخبر بأنها مهاجر نبي اسمه احمد فانصرف عنها وقال فيه شعر واودعه عند اهلها فكانوايتوارثونه كابرا عن كابر الى ان هاجر اليهم النبي عليه السلام فادوه اليه ويقال ان الكتاب والشعر كان عند ابى ايوب الانصاري ومنه ... شهدت على احمد انه ... رسول من اللّه بارى النس م ... فلو مد عمرى الى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم

وذكر الزجاج وابن ابي الدنيا انه حفر قبر بصنعاء في الاسلام فوجد فيه امرأتان صحيحتان وعند رأسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر حبى ولميس ويروى وتماضر ابنتي تبع ماتتا وهما تشهدان ان لا اله الا اللّه ولا تشركان به شيأ وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما انتهى ويوم الفصل هو يوم القيامة وهذا هو الاخبار بالبعث والمولى في هذه الآية يعم جميع الموالى

٤٣

وقوله سبحانه ان شجرت الزقوم طعام الاثيم روي عن ابن زيد ان الاثيم المشار اليه أبو جهل ثم هي بالمعنى تتناول كل اثيم وهو كل فاجر روي انها لما نزلت جمع ابو جهل عجوة وزبدا وقال لاصحابه تزقموا فهذا هو الزقوم وهو طعامي الذي حدث به محمد قال ع وانما قصد بذلك ضربا من المغالطة والتلبيس على الجهلة

٤٥

وقوله سبحانه كالمهل قال ابن عباس وابن عمر المهل دردي الزيت وعكره وقال ابن مسعود وغيره المهل ما ذاب من ذهب  فضة والمعنى ان هذه الشجرة اذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل الممهل المذاب من الاحراق والافساد والحميم الماء الساخن الذي يتطاير من غليانه

وقوله خذوه الآية أي يقال يومئذ للملائكة خذوه يعني الاثيم فاعتلوه والعتل السوق بعنف واهانة ودفع قوي متصل كما يساق ابدا مرتكب الجرائم والسواء الوسط

وقيل المعظم وذلك متلازم

٤٩

وقوله تعالى ذق انك انت العزيز الكريم مخاطبة على معنى التقريع

٥٠

وقوله سبحانه ان هذا ما كنتم به تمترون عبارة عن قول يقال للكفرة ثم ذكر تعالى حالة المتقين فقال ان المتقين في مقام امين أي مامون والسندس رقيق الحرير والاستبرق خشنه

وقوله متقابلين وصف لمجالس اهل الجنة لان بعضهم لا يستدبر بعضا في المجالس وقرأ الجمهور وزوجناهم بحور عين وقرا ابن مسعود بعيس عين وهو جمع عيساء وهي البيضاء وكذلك هي من النوق

وروى ابو قرصافة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال اخراج

القمامة من المسجد مهور الحور العين قال الثعلبي قال مجاهد يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن يرى مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كعب احداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون انتهى

وقوله سبحانه يدعون فيها بكل فاكهة أي يدعون الخدمة والمتصرفين قال ابو حيان الا الموتة استثناء منقطع أي لكن الموتة الاولى ذاقوها انتهى والضمير في يسرناه عائد على القرآن بلسانك أي بلغة العرب قال الواحدي لعلهم يتذكرون أي يتعظون انتهى وفي

قوله تعالى فارتقب انهم مرتقبون وعد للنبي صلى اللّه عليه وسلم - ووعيد للكافرين

﴿ ٠