١٧

وقوله تعالى اعلموا أن اللّه يحيي الأرض بعد موتها الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ أي لا يبعد عندكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به فإن اللّه يحيي الأرض بعد موتها فكذلك يفعل بالقلوب يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منها كما يحيي الأرض بعد أن كانت ميتة وباقي الآية بين والمصدقين يعني به المتصدقين وباقي الآية بين ت وقد جاءت آثار صحيحة في الحض على الصدقة قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر وأسند مالك في الموطأ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرق في الموطأ عنه ص - ردوا السائل ولو بظلف محرق قال ابن عبد البر في التمهيد ففي هذا الحديث الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها وفي قول اللّه عز و جل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره أوضح الدلائل في هذا الباب وتصدقت عائشة رضي اللّه عنها بحبتين من عنب فنظر إليها بعض أهل بيتها فقالت لا تعجبن فكم فيها من مثقال ذرة ومن هذا الباب قوله ص - اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة وإذا كان اللّه عز و جل يربي الصدقات ويأخذ الصدقة بيمينه فيربيها كما يربي أحدنا فلوه  فصيله فما بال من عرف هذا يغفل عنه وما التوفيق إلا باللّه انتهى من التمهيد

وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حرملة بن عمران

أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - يقول كل امرىء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس قال يزيد فكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة  بصلة  كذا انتهى والصديقون بناء مبالغة من الصدق  من التصديق على ما ذكر الزجاج

وقوله تعالى والشهداء عند ربهم اختلف في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة والشهداء معطوف على الصديقين والكلام متصل ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال فقال بعضهما وصف اللّه المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء فكل مؤمن شهيد قاله مجاهد

وروى البراء بن عازب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال مؤمنوا أمتي شهداء وتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - هذه الآية وإنما خص ص - ذكر الشهداء السبعة تشريفا لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة ألا ترى أن المقتول في سبيل اللّه مخصوص أيضا من السبعة بتشريف ينفرد به وقال بعضها الشهداء هنا من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد فكأنه قال هم أهل الصدق والشهداء على الأمم وقال ابن عباس ومسروق والضحاك الكلام تام في قوله الصديقون

وقوله والشهداء ابتداء مستأنف ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاستيناف فقال بعضها معنى الآية والشهداء بأنهم صديقون حاضرون عند ربهم وعنى بالشهداء الأنبياء عليهم السلام ت وهذا تأويل بعيد من لفظ الآية وقال بعضها قوله والشهداء ابتداء يريد به الشهداء في سبيل اللّه واستأنف الخبر عنهم بأنهم عند ربهم لهم أجرهم ونورهم فكأنه جعلهم صنفا مذكورا وحده ت وأبين هذه الأقوال الأول وهذا الأخير وإن صح حديث البراء لم يعدل عنه قال أبو حيان والظاهر أن الشهداء مبتدأ خبره ما بعده انتهى

وقوله تعالى ونورهم قال الجمهور ههو حقيقة حسبما تقدم

﴿ ١٧