١١

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم الآية وصية منه سبحانه للمؤمنين أن لا يتناجوا بمكروه وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة

وقوله إنما النجوى أي بالإثم من الشيطان وقرأ نافع وأهل المدينة ليحزن بضم الياء وكسر الزاي والفعل مسند إلى الشيطان وقرأ أبو عمرو وغيره ليحزن بفتح الياء وضم الزاي ثم أخبر تعالى أن الشيطان  التناجي الذي هو منه ليس بضار أحدا إلا أن يكون ضر بإذن اللّه أي بأمره وقدره ثم أمر بتوكيل المؤمنين عليه تبارك وتعالى

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس الآية وقرأ عاصم في المجالس قال زيد بن أسلم وقتادة هذه الآية نزلت بسبب تضايق الناس في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم - وذلك أنهم كانوا يتنافسون في القرب منه وسماع كلامه والنظر إليه فيأتي الرجل الذي له الحق والسن والقدم في الإسلام فلا يجد مكانا فنزلت بسبب ذلك

وروى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح اللّه لكم قال جمهور العلماء سبب نزول الآية مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم

ثم الحكم مطرد في سائر المجالس التي هي للطاعات ومنه قوله ص - أحبكم إلى اللّه ألينكم مناكب في الصلاة وركبا في المجالس وهذا قول مالك رحمه اللّه وقال ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر قال ع فالسنة المندوب إليها هي التفسح والقيام منهي منه في حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم - حيث نهى أن يقوم الرجل فيجلسه الآخر مكانه ت وقد روى أبو داود في سننه عن سعيد بن أبي الحسن قال جاءنا أبو بكرة في شهادة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - نهى عن ذلك ونهى أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه

وروى أبو داود عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - انتهى قال ع فأما القيام إجلالا فجائز بالحديث وهو قوله عليه السلام حين أقبل سعد بن معاذ قوموا إلى سيدكم وواجب على المعظم أن لا يجب ذلك ويأخذ الناس به لقوله عليه السلام من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ت وفي الاحتجاج بقضية سعد نظر لأنها احتفت بها قرائن سوغت ذلك انظر السير وقد أطنب صاحب المدخل في الإنحاء والرد على المجيزين للقيام والسلامة عندي ترك القيام

وقوله تعالى يفسك اللّه لكم معناه في رحمته وجنته ص يفسح مجزوم في جواب الأمر انتهى وإذا قيل انشزوا معناه ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك ومن رياض الصالحين للنووي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قال لايحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية لأبي داود لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما وعن حذيفة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لعن من جلس وسط الحلقة رواه أبو داود بإسناد حسن

وروى الترمذي عن أبي

مجلز أن رجلا قعد وسط الحلقة فقال حذيفة ملعون على لسان صلى اللّه عليه وسلم -  لعن اللّه على لسان صلى اللّه عليه وسلم - من جلس وسط الحلقة قال الترمذي حديث حن صحيح انتهى

وقوله سبحانه يرفع اللّه الذين آمنوا منكم الآية قال جماعة المعنى يرفع اللّه المؤمنين العلماء درجات فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم

وقال آخرون المعنى يرفع اللّه المؤمنين ولعلماء الصنفين جميعا درجات لكنا نعلم تفاضلهم في الدرجات من مواضع أخر فلذلك جاء الأمر بالتفسح عاما للعلماء وغيرهم وقال ابن مسعود وغيره يرفع اللّه الذين آمنوا منكم وهنا تم الكلام ثم ابتدأ بتخصيص العلماء بالدرجات ونصبهم بإضمار فعل فللمؤمنين رفع على هذا التأويل وللعلماء درجات وعلى هذا التأويل قال مطرف بن عبد اللّه بن الشخير فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع

وروى البخاري وغيره عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين اللّه عز و جل ونفعه ما بعثني اللّه به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللّه عز و جل الذي أرسلت به انتهى

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم ارسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر روي عن ابن عباس وقتادة في سببها أن قوما من شباب المؤمنين وإغفالهم كثرت مناجاتهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم - في غير حاجة وكان ص - سمحا لا يرد أحدا فنزلت هذه الآية مشددة عليهم وقال مقاتل نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم - ومجالسته قال جماعة من

الرواة نسخت هذه الآية قبل العمل بها لكن استقر حكمها بالعزم عليه وصح عن علي أنه قال ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين قال ثم فهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال لي يا علي كم ترى أن يكون جد هذه الصدقة أتراه دينارا قلت لا قال فنصف دينار قلت لا قال فكم حبة من شعير قال إنك لزهيد فأنزل اللّه الرخصة يريد للواجدين وأما من لم يجد فالرخصة له ثابتة بقوله فإن لم تجدوا قال الفخر قوله عليه السلام لعلي إنك لزهيد معناه إنك قليل المال فقدرت على حسب حالك انتهى

﴿ ١١