سورة الطلاق

وهي مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء أي إذا أردتم طلاقهن قاله الثعلبي وغيره فطلقوهن لعدتهن وطلاق النساء حل عصمتهن وصورة ذلك وتنويعه مما لا يختص بالتفسير ومعنى فطلقوهن لعدتهن أي لاستقبال عدتهن وعبارة الثعلبي أي لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن وهو طهر لم يجامعها فيه انتهى قال ع ومعنى الآية أن لا يطلق أحد امرأته إلا في طهر لم يمسها فيه هذا على مذهب مالك ومن قاله بقوله القائلين بأن الإقراء عندهم هي الإطهار فيطلق عندهم

المطلق في طهر لم يمس فيه وتعتد به المرأة ثم تحيض حيضتين تعتد بالطهر الذي بينهما ثم تقيم في الطهر الثالث معتدة به فإذا رأت أول الحيضة الثالثة حلت ومن قال بأن الإقراء الحيض وهم العراقيون قال لعدتهن معناه أن يطلق طاهرا فتسقبل بثلاث حيض كوامل فإذا رأت الطهر بعد الثالثة حلت والأصل في منع طلاق الحائض حديث ابن عمر ثم أمر تعالى بإحصاء العدة لما يلحق ذلك من أحكام الرجعة والسكن والميراث وغير ذلك وعبارة الثعلبي وأحصوا العدة أي احفظوا عدد قروءها الثلاثة ونحوه تفسير ابن العربي قال

قوله تعالى وأحصوا العدة معناه احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق لما يترتب على ذلك من الأحكام انتهى من أحكامه ثم أخبر تعالى بأنهن أحق بسكنى بيوتهن التي طلقن فيها فنهى سبحانه عن إخراجهن وعن خروجهن وسنة ذلك ألا تبيت عن بيتها ولا تغيب عنه نهارا إلا في ضرورة وما لا خطب له من جائز التصرف وذلك لحفظ النسب والتحرز بالنساء واختلفت في معنى

قوله تعالى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فقال الحسن وغيره ذلك الزنا فيخرجن للحد وقال ابن عباس ذلك البذاء على الإحماء فتخرج ويسقط حقها من المسكن وتلزم الإقامة في مسكن تتخذه حفظا للنسب وفي مصحف أبي إلا أن يفحشن عليكم وعبارة الثعلبي عن ابن عباس إلا أن تبذو على أهلها فيحل لهم إخراجها انتهى وهو معنى ما تقدم وقرأ الجمهور مبينة بكسر الياء تقول بأن الشيء وبين بمعنى واحد إلا أن التضعيف للمبالغة وقرأ عاصم مبينة بفتح الياء

وقوله سبحانه وتلك حدود اللّه إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية

وقوله تعالى لا تدري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا قال قتادة وغيره يريد به الرجعة أي احصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به تجدوا المخلص إن ندمتم فإنكم لا تدرون لعل الرجعة تكون بعد

٢

وقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن يريد به أخر القروء فأمسكوهن بمعروف وهو حسن العشرة

 فارقوهن بمعروف وهو أداء جميع الحقوق والوفاء بالشروط حسب نازلة نازلة وعبارة الثعلبي فإذا بلغن أجلهن أي أشرفن على انقضاء عدتهن انتهى وهو حسن

وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم يريد على الرجعة وذلك شرط في صحة الرجعة وتمنع المرأة الزوج من نفسها حتى يشهد وقال ابن عباس على الرجعة والطلاق معا قال النخعي العدل من لم تظهر منه ريبة والعدل حقيقة الذي لا يخاف إلا اللّه

وقوله سبحانه وأقيموا الشهادة للّه أمر للشهود

وقوله ذلكم يوعظ به إشارة إلى إقامة الشهادة وذلك أن فصول الأحكام تدور على إقامة الشهادة

وقوله سبحانه ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب قال بعض رواة الآثار نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي أسر ولده وقدر عليه رزقه فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - فأمره بالتقوى فلم يلبث أن تفلت ولده وأخذ قطيع غنم للقوم الذين أسروه فسأل عفو النبي صلى اللّه عليه وسلم - أتطيب له تلك الغنم فقال نعم فقال أبو عمر ابن عبد البر قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - أبى اللّه عز و جل أن يجعل أرزاق عباده المؤمنين إلا من حيث لا يحتسبون وقال عليه السلام لابن مسعود لا يكثر همك يا عبد اللّه ما يقدر يكن وما ترزق يأتيك وعنه ص - استنزلوا الرزق بالصدقة انهتى من كتابه المسمى ببهجة المجالس وأنس المجالس

٣

وقوله تعالى ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه هذه الآيات كلها عظة لجميع الناس ومعنى حسبه كافيه وقال ابن مسعود أكثر هذه الآيات حضا على التفويض للّه

وقوله تعالى إن اللّه بالغ أمره بيان وحض على التوكل أي لا بد من نفوذ أمر اللّه توكلت أيها المرء  لم تتوكل قاله مسروق فإن توكلت على اللّه كفاك وتعجلت الراحة والبركة وإن لم تتوكل وكلك إلى عجزك وتسخطك وأمره سبحانه في الوجهين نافذ

٤

وقوله سبحانه واللائي يئسن من المحيض من نسائكم الآية اللائي جميع التي واليائسات من المحيض على مراتب محل بسطها كتب الفقه

وروى إسماعيل بن خالد أن قوما منهم أبي بن كعب وخلاد بن النعمان لما سمعوا قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا يا رسول اللّه فما عدة من لا قرء لها من صغر  كبر فنزلت هذه الآية فقال قائل منهم فما عدة الحامل فنزلت وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهو لفظ يعم الحوامل المطلقات والمعتدات من الوفاة والارتياب المذكور قيل هو بأمر الحمل

٦

وقوله سبحانه أسكنوهن من حيث سكنتم الآية أمر بإسكان المطلقات ولا خلاف في ذلك في التي لم تبت وأما المبتوتة فمالك يرى لها السكنى لمكان حفظ النسب ولا يرى لها نفقة لأن النفقة بإزاء الاستمتاع وقال الثعلبي من حيث سكنتم أي في مساكنكم التي طلقتموهن فيها انتهى والوجد السعة في المال وأما الحامل فلا خلاف في وجوب سكناها ونفقتها بتت  لم تبت لأنها مبينة في الآية وإنا اختلفوا في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها هل ينفق عليها من التركة أم لا وكذلك النفقة على المرضع المطلقة واجبة وبسط ذلك في كتب الفقه

وقوله سبحانه واتمروا بينكم بمعروف أي ليأمر كل واحد صاحبه بخير وليقبل كل أحد ما أمر به من المعروف

وقوله سبحانه وإن تعاسرتم أي تشططت المرأة في الحد الذي يكون أجره على الرضاع فللزوج أن يسترضع بما فيه رفقة إلا أن لا يقبل المولود غير أمه فتجبر هي حينئذ على رضاعه بأجرة مثلها ومثل الزوج في حالهما وغناهما ت وهذا كله في المطلقة البائن قال ابن عبد السلام من أصحابنا الضمير في

قوله تعالى فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن عائد على المطلقات وكذلك قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن وأما ذات الزوج  الرجعية فيجب عليها أن ترضع من غير أجر إلا أن تكون شريفة فلا يلزمها ذلك انتهى

٧

وقوله سبحانه لينفق ذو سعة من سعته الآية عدل بين الأزواج ليلا تضيع هي ولا يكلف هو ما لايطيق ثم رجى تعالى باليسر تسهيلا على النفوس وتطييبا لها

وقوله سبحانه وكأين قال الثعلبي وكأين أي وكم من قرية عتت أي عصت

٨

وقوله فحاسبناها قال ع قال بعض المتأولين الآية في أحوال الآخرة أي ثم هو الحساب والتعذيب والذوق وخسارة العاقبة

وقال آخرون ذلك في الدنيا ومعنى حاسبناها حسابا شديدا أي لم تغتفر لهم زلة بل أخذت بالدقائق من الذنوب ثم ندب تعالى أولي الألباب إلى التقوى تحذيرا

وقوله تعالى قد أنزل اللّه إليكم ذكرا رسولا اختلف في تقديره وأبين الأقوال فيه معنى أن يكون الذكر القرآن والرسول محمدا صلى اللّه عليه وسلم - والمعنى وأرسل رسولا لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول ونحا هذا المنحى السدي وسائر الآية بين

١٢

وقوله سبحانه اللّه الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن لا خلاف بين العلماء أن السماوات سبع وأما الأرض فالجمهور على أنها سبع أرضين وهو ظاهر هذه الآية وإنما المماثلة في العدد ويبينه قوله ص - في الحديث الصحيح من غصب شبرا من أرض طوقه اللّه من سبع أرضين إلى غير هذا مما وردت به الروايات

وروي عن قوم من العلماء أنهم قالوا الأرض واحدة وهي مماثلة لكل سماء بانفرادها في ارتفاع جرمها وفي أن فيها عالما يعبد اللّه

وقوله سبحانه يتنزل الأمر بينهن الأمر هنا يعمم الوحي وجميع ما يأمر به سبحانه من تصريف الرياح نوالسحاب وغير ذلك من عجائب صنعه لا إله غيره وباقي السورة وعظ وحض على توحيد اللّه عز و جل

وقوله على كل شيء قدير عموم معناه الخصوص في المقدورات

وقوله بكل شيء علما عموم على إطلاقه

﴿ ٠