سورة الجن

وهي مكية باجماع

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن هؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا النبي صلى اللّه عليه وسلم - يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف وقول الجن انا سمعنا الآيات هو خطاب منهم لقومهم

وقرءانا عجبا معناه ذا عجب لان العجب مصدر يقع من سامع القرءان لبراعته وفصاحته ومضمناته

وقوله وإنه تعالى جد ربنا قال الجمهور معناه عظمة ربنا

وروي عن انس انه قال كان الرجل اذا قرأ البقرة وءال عمران جد في اعيننا اي عظم وعن الحسن جد ربنا غناه وقال مجاهد ذكره وقال بعضهم جلاله ومن فتح الالف من قوله وانه تعالى اختلفوا في تأويل ذلك فقال بعضهم هو عطف على أنه استمع فيجيء على هذا

قوله تعالى وانه تعالى مما امر ان يقول النبي انه اوحي اليه وليس هو من كلام الجن وفي هذا قلق وقال بعضهم بل هو عطف على الضمير في به كأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى وهذا القول ابين في المعنى لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون اعادة الخافض وذلك لا يحسن ت بل هو حسن اذ قد اتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا وقرأ عكرمة تعالى جد ربنا بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كانه يقول تعالى عظيم هو ربنا فربنا بدل والجد العظيم في اللغة وقرأ ابو الدرداء تعالى ذكر ربنا

وروي عنه تعالى جلال ربنا

٤

وقوله تعالى وانه كان يقول سفيهنا لا خلاف ان هذا من قول الجن والسفيه المذكور قال جمهور

من المفسرين هو ابليس لعنه اللّه

وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم ولا محالة ان ابليس صدر في السفاهة وهذا القول احسن والشطط التعدى وتجاوز الحد بقول  فعل ص شططا ابو البقاء نعت لمصدر محذوف اي قولا شططا انتهى ثم قال اولائك النفر وانا ظننا قبل ايماننا ان لن تقول الانس والجن على اللّه كذبا في جهة الالوهية وما يتعلق بذلك

٦

وقوله تعالى وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الآية من القراء من كسر الهمزة من انه ومنهم من فتحها والكسر اوجه والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في اسفارها من ان الرجل اذا اراد المبيت بواد صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادى اني اعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ويعتقد بذلك ان الجني يحميه ويمنعه قال قتادة فكانت الجن تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم ويغوونهم في ارادتهم فهذا هو الرهق الذي زادته الجن بني ءادم وقال مجاهد وغيره بنو ءادم هم الذين زادوا الجن رهقا وهي الجراءة والطغيان وقد فسر قوم الرهق بالإثم

وقوله وانهم ظنوا يريد به بني اءدم

وقوله كما ظننتم مخاطبة لقومهم من الجن وقولهم ان لن يبعث اللّه احدا يحتمل معنيين احدهما بعث الحشر من القبور والآخر بعث ءادمي رسولا وذكر المهدوي تأويلا ثالثا ان المعنى وان الجن ظنوا كما ظننتم ايها الانس فهي مخاطبة من اللّه تعالى قال الثعلبي

وقيل ان قوله وانه كان رجال من الانس الآية ابتداء اخبار من اللّه تعالى ليس هو من كلام الجن انتهى فهو وفاق لما ذكره المهدوي وقولهم وانا لمسنا السماء قال جمهور المتأولين معناه التمسنا والشهب كواكب الرجم والحرس يحتمل ان يريد الرمي بالشهب وكرر المعنى بلفظ مختلف ويحتمل ان يريد الملائكة ومقاعد جمع مقعد وقد تقدم بيان ذلك في سورة الحجر وقولهم فمن يستمع الآن الآية قطع على ان كل من استمع الآن احرقه شهاب

فليس هنا بعد سمع انما الاحراق عند الاستماع وهذا يقتضي ان الرجم كان في الجاهلية ولكنه بمستأصل فلما جاء الاسلام اشتد الامر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة ورصدا نعت لشهاب ووصفه بالمصدر وقولهم وانا لا ندرى اشر أريد بمن في الارض الآية معناه لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبي فيرشدوا ام يكفرون به فينزل بهم الشر وعبارة الثعلبي وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض حين حرست السماء ومنعنا السمع ام اراد بهم ربهم رشدا انتهى

١١

وقولهم وانا منا الصالحون الى آخر قولهم ومنا القاسطون هو من قول الجن وقولهم ومنا دون ذلك اي غير صالحين ص دون ذلك قيل بمعنى غير ذلك

وقيل دون ذلك في الصلاح فدون في موضع الصفة لمحذوف أي ومنا قوم دون ذلك انتهى والطرائق السير المختلفة والقدد كذلك هي الأشياء المختلفة كأنه قدقد بعضها من بعض وفصل قال ابن عباس وغيره طرائق قددا أهواء مختلفة وقولهم وإنا ظننا أي تيقنا فالظن هنا بمعنى العلم ان لن نعجز اللّه في الارض الآية وهذا اخبار منهم عن حالهم بعد ايمانهم بما سمعوا من نبينا صلى اللّه عليه وسلم - والهدى يريدون به القرءان والبخس النقص والرهق تحميل ما لا يطاق وما يثقل قال ابن عباس البخس نقص الحسنات والرهق الزيادة في السيئات

وقوله تعالى فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا الوجه فيه ان يكون مخاطبة من اللّه تعالى لنبيه محمد عليه السلام ويؤيده ما بعده من الآيات وتحروا معناه طلبوا باجتهادهم

١٦

وقوله سبحانه وان لو استقاموا على الطريقة الآية قال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جبير الضمير في قوله استقاموا عائد على القاسطين والمعنى لو استقاموا على طريقة الاسلام والحق لأنعمنا عليهم وهذا المعنى نحو

قوله تعالى ولو ان اهل الكتاب آمنوا واتقوا الآية الى قوله لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم والقاسط الظالم والماء الغدق هو الماء الكثير

ولنفتنهم معناه لنختبرهم قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حيث يكون الماء فثم المال وحيث المال فثم الفتنة ونزع بهذه الآية وقال الحسن وجماعة من التابعين كانت الصحابة رضي اللّه عنهم سامعين مطيعين فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر على الناس ثارت الفتن ونسلكه ندخله وصعدا معناه شاقا وقال ابن عباس وابو سعيد الخدري صعدا جبل في النار وان المساجد للّه قيل اراد البيوت التي للعبادة والصلاة في كل ملة وقال الحسن اراد بها كل موضع يسجد فيه اذ الأرض كلها جعلت مسجدا لهذه الامة

وروي ان هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة حينئذ فقيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم - المواضع كلها للّه فاعبده حيث كنت قال ع والمساجد المخصوصة بينة التمكن في كونها للّه تعالى فيصلح ان تفرد للعبادة وكل ما هو خالص للّه تعالى وان لا يتحدث بها في امور الدنيا ولا يجعل فيها لغير اللّه نصيب

١٩

وقوله تعالى وانه لما قام عبد اللّه يحتمل ان يكون خطابا من اللّه تعالى ويحتمل ان يكون اخبارا عن الجن وعبد اللّه هو صلى اللّه عليه وسلم - والضمير في كادوا يحتمل ان يكون لكفار قريش وغيرهم في اجتماعهم على رد امره ص -

وقيل الضمير للجن والمعنى انهم كادوا يتقصفون عليه لاستماع القرءان وقال ابن جبير معنى الآية انها قول الجن لقومهم يحكون لهم والعبد محمد عليه السلام والضمير في كادوا لأصحابه الذين يطيعون له ويقتدون به في الصلاة فهم عليه لبد واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد وقال البخاري قال ابن عباس لبدا اعوانا انتهى ويدعوه معناه يعبد

وقيل عبد اللّه في الآية المراد به نوح وقرأ جمهور السبعة قال انما ادعوا ربي وقرأ حمزة وعاصم وابو عمرو بخلاف عنه قل ثم امر اللّه تعالى محمدا عليه السلام بالتبري من القدرة وانه لا يملك لاحد ضرا ولا نفعا والملتحد الملجأ الذي يمال إليه ومنه الالحاد وهو الميل

 

٢٣

وقوله الا بلاغا قال قتادة التقدير لا املك

الا بلاغا اليكم فاما الايمان  الكفر فلا املكه وقال الحسن ما معناه انه استثناء منقطع والمعنى لن يجيرني من اللّه احد الا بلاغا فإنى ان بلغت رحمنى بذلك اي بسبب ذلك

وقوله تعالى ومن يعص اللّه يريد بالكفر بدليل تأبيد الخلود

٢٥

وقوله تعالى قل ان ادرى أقريب ما توعدون يعنى عذابهم الذي وعدوا به الامد المدة والغاية

وقوله تعالى الا من ارتضى من رسول معناه فانه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة رصدا لأبليس وحزبه من الجن والانس

وقوله تعالى ليعلم ان قد ابلغوا الآية قال ابن جبير ليعلم محمد ان الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يدي جبريل وخلفه قد ابلغوا رسالات ربهم وقال مجاهد معناه ليعلم من كذب  اشرك ان الرسل قد بلغت

وقيل المعنى ليعلم اللّه تعالى رسله مبلغة خارجة الى الوجود لان علمه بكل شيء قد تقدم والضمير في احاطوا وأحصى للّه سبحانه لا غير

﴿ ٠