سورة القيامة

وهي مكية باجماع

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة هذه قراءة الجمهور

وقرأ ابن كثير لا قسم بيوم القيامة ولا قسم فقيل على قراءة الجمهور لا زائدة وقال الفراء لا نفى لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم وجمهور المتأولين على ان اللّه تعالى اقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة اقسم سبحانه بيوم القيامة تنبيها منه على عظمه وهوله قال الحسن النفس اللوامة هي اللوامة لصاحبها في ترك الطاعة ونحو ذلك فهي على هذا ممدوحة ولذلك اقسم اللّه بها وقال ابن عباس وقتادة اللوامة هي الفاجرة اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا واعراضها وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس قال ع وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالامارة بالسوء فانها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة ومرة تلوم على فوت ما تشتهى فاذا اطمأنت خلصت وصفت قال الثعلبي وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن دل عليه قوله ايحسب الانسان الن نجمع عظامه اي للاحياء والبعث والانسان هنا الكافر المكذب بالبعث انتهى والبنان الاصابع ونسوي بنانه معناه نتقنها سوية قاله القتبي وهذا كله عند البعث وقال ابن عباس وجمهور المفسرين المعنى بل نحن قادرون ان نسوى بنانه اي نجعل اصابع يديه ورجليه شيأ واحدا كخف البعير  كحافر لحمار لا يمكنه ان يعمل بها شيأ ففي هذا توعد ما والقول الأول اجرى مع رصف الكلام

بل يريد الانسان ليفجر امامه معناه ان الانسان انما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها ابدا راكبا رأسه ومطيعا امله ومسوفا توبته قال البخاري ليفجر امامه يقول سوف اتوب سوف اعمل انتهى قال الفخر قوله ليفجر امامه فيه قولان الاول ليدوم على فجورة فيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه فعن ابن جبير يقدم الذنب ويؤخر التوبة يقول سوف اتوب سوف اتوب حتى ياتيه الموت على شر احواله واسوإ اعماله القول الثاني يفجر امامه اي يكذب بما امامه من البعث والحساب لان من كذب حقا كان مفاجرا والدليل

على هذا القول

٦

قوله تعالى يسئل ايان يوم القيامة اي متى يكون ذلك تكذيبا له انتهى وسؤال الكفار ايان هو على معنى التكذيب والهزء وايان بمعنى متى وقرأ نافع وعاصم بخلاف برق البصر بفتح الراء بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت وقرأ ابو عمرو وغيره بكسرها بمعنى شخص والمعنى متقارب قال مجاهد هذا عند الموت وقال الحسن هذا في يوم القيامة قال ابو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد وقال ابن ابي اويس الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه

وروى عروة وسفيان ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت وقرأ ابن مسعود وجمع بين الشمس والقمر

واختلف في معنى الجمع بينهما فقال عطاء يجمعان فيقذفان في النار

وقيل في البحر فيصيرا نار اللّه العظمى

وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما قال الثعلبي وقال علي وابن عباس يجعلان في نور الحجب انتهى

يقول الانسان يومئذ أين المفر اي اين الفرار كلا لا وزر اي لا ملجأ والمستقر موضع الاستقرار

وقوله تعالى ينبؤ الانسان يومئذ بما قدم واخر اي يعلم بكل ما فعل ويجده محصلا وقال ابن عباس وابن مسعود بما قدم في حياته وما اخر من سنة بعد مماته

١٤

وقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة قال ابن عباس وغيره اي للانسان على نفسه من نفسه بصيرة رقباء يشهدون عليه وهم جوارحه وحفظته ويحتمل ان يكون المعنى بل الانسان على نفسه شاهد ودليله

قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال الثعلبي قال ابان بن ثعلب البصيرة والبينة والشاهد بمعنى انتهى ونحوه للّهروي قال ع والمعنى على هذا التأويل الثاني ان في الانسان وفي عقله وفطرته حجة وشاهدا مبصرا على نفسه

ولو القي معاذيره اي ولو اعتذر عن قبيح افعاله فهو يعلمها قال الجمهور المعاذير هما جمع معذرة وقال الضحاك والسدي هي الستور بلغة اليمن يقولون

للستر المعذار

١٦

وقوله تعالى لا تحرك به لسانك الآية قال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه مخافة ان يذهب عنه ما يوحي اليه فنزلت الآية بسبب ذلك واعلمه تعالى انه يجمعه له في صدره

وقوله وقرءانه يحتمل ان يريد وقراءته اي تقرأه انت يا محمد

وقوله فإذا قراناه أي قرأه الملك الرسول عنا فاتبع قرآنه قال البخاري قال ابن عباس فاتبع اي اعمل به وقال البخاري ايضا قوله انا علينا جمعه وقرءانه اي تاليف بعضه الى بعض فاذا قرأناه فاتبع قرءانه اي ما جمع فيه فاعمل بما امرك وانته عما نهاك انتهى

وقوله تعالى ثم ان علينا بيانه قال قتادة وجماعة معناه ان نبينه لك وقال البخاري ان نبينه على لسانك

٢٠

وقوله تعالى كلا بل تحبون العاجلة اي الدنيا وشهواتها قال الغزالي في الاحياء اعلم ان رأس الخطايا المهلكة هو حب الدنيا ورأس اسباب النجاة هو التجافي بالقلب عن دار الغرور وقال رحمه اللّه اعلم انه لا وصول الى سعادة لقاء اللّه سبحانه في الآخرة الا بتحصيل محبته والانس به في الدنيا ولا تحصل المحبة الا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة الا بدوام الفكر ولا يحصل الانس الا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر الا بانقلاع حب الدنيا من القلب ولا ينقلع ذلك الا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات الا بقمع الشهوات ولا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف المحرقة للشهوات انتهى وقرأ ابن كثير وغيره يحبون ويذرون بالياء على ذكر الغائب ولما ذكر سبحانه الآخرة اخبر بشيء من حال اهلها فقال وجوه يومئذ ناضره اي ناعمة والنضرة النعمة وجمال البشرة قال الحسن وحق لها ان تنضر وهي تنظر الى خالقها

وقوله تعالى الى ربها ناظرة حمل جميع اهل السنة هذه الآية على انها متضمنة رؤية المؤمنين للّه عز و جل بلا تكييف ولا تحديد كما

هو معلوم موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو سبحانه مرءي لا يشبه المرءيات في شيء فانه ليس كمثله شيء لا اله الا هو وقد تقدم استيعاب الكلام على هذه المسئلة وما في ذلك من صحيح الاحاديث والباسرة العابسة المغمومة النفوس والبسور اشد العبوس وانما ذكر تعالى الوجوه لانه فيها يظهر ما في النفس من سرور  غم والمراد اصحاب الوجوه والفاقرة المصيبة التي تكسر فقار الظهر وقال ابو عبيدة هي من فقرت البعير اذا وسمت انفه بالنار

٢٦

وقوله تعالى كلا اذا بلغت زجر وتذكير ايضا بموطن من مواطن الهول وهي حالة الموت الذي لا محيد عنه وبلغت يريد النفس والتراقي جمع ترقوة وهي عظام اعلى الصدر ولكل احد ترقوتان لكن جمع من حيث ان النفس المرادة اسم جنس والتراقي هي موارية للحلاقيم فالامر كله كناية عن حال الحشرجة ونزع الموت يسره اللّه علينا بمنه وجعله لنا راحة من كل شر

واختلف في معنى

قوله تعالى

وقيل من راق فقال ابن عباس وجماعة معناه من يرقي ويطب ويشفي ونحو هذا مما يتمناه اهل المريض وقال ابن عباس ايضا وسليمان التيمي ومقاتل هذا القول للملائكة والمعنى من يرقي بروحه اي يصعد بها الى السماء املائكة الرحمة ام ملائكة العذاب

وظن انه الفراق اي ايقن وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن

وقوله تعالى والتفت الساق بالساق قال ابن المسيب والحسن هي حقيقة والمراد ساقا الميت عند تكفينه اي لفهما الكفن

وقيل هو التفافهما من شدة المرض

وقيل غير هذا

٣١

وقوله تعالى فلا صدق ولا صلى الآية قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها انما نزلت في ابي جهل قال ع ثم كادت هذه الآية ان تصرح به في قوله يتمطي فانها كانت مشيته

وقوله فلا صدق ولا صلى تقديره فلم يصدق ولم يصل فلا في الآية نفي لا عاطفة ص قوله فلا صدق فيه دليل على ان لا تدخل على الماضي فتنفيه كقول الراجز

ان تغفر اللّهم تغفر حبما ... واي عبد لك لا الما ...

انتهى وصدق معناه برسالة اللّه ودينه وذهب قوم الى انه من الصدقة والاول اصوب ويتمطى معناه يمشي المطيطاء وهي مشية بتبختر وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لانه يتثنى فيها زاد ص

وقيل اصله يتمطط اي بتمدد في مشيه ومد منكبيه انتهى

وقوله اولى لك وعيد

فاولى وعيد ثان وكرر ذلك تاكيدا ومعنى اولى لك الازدجار والانتهار والعرب تستعمل هذه الكلمة زجرا ومنه فاولى لهم طاعة ويروى ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - لبب ابا جهل يوما في الطحاء وقال له ان اللّه يقول لك اولى لك فاولى فنزل القرءان على نحوها وفي شعر الخنساء ... هممت بنفسي كل الهموم ... فاولى لنفسي اولى لها ...

وقوله تعالى ايحسب توبيخ وسدى معناه مهملا لا يومر ولا ينهى ثم قرر تعالى احوال ابن ءادم في بدايته التي اذا تأملت ام ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل والعلقة القطعة من الدم

فخلق فسوى اي فخلق اللّه منه بشرا مركبا من اشياء مختلفة فسواه شخصا مستقلا والزوجين النوعين ثم وقف تعالى توقيف توبيخ بقوله أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى روي ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - كان اذا قرأ هذه الآية قال بلى

وروي انه كان يقول سبحانك اللّهم وبحمدك بلى انظر سنن ابى داود

﴿ ٠