غريب القرآن

أبو محمد عبد اللّه بن عبد المجيد بن مسلم

ابن قتيبة الدينوري

(ت ٢٧٦ هـ ٨٨٩ م)

_________________________________

 مقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال عبد اللّه بن مسلم بن قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ:

نَفَتتِحُ كتابَنا هذا بذكْر أسمائه الحُسنى، وصفاته العُلا (١) ؛ فنُخبِرُ بتأويلهما واشتقاقهما؛ ونُتْبِعُ ذلك ألفاظا كثر تَرْدادُها في الكتاب لم نر بعض السُّور أولى بها من بعض؛ ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، دون تأويل مُشْكله: إذ كنا قد أفْرَدْنا للمشكل كتابًا جامعًا كافيًا، بحمد اللّه.

وغرضنا الذي امتثَلْناه في كتابنا هذا: أن نختصر ونُكْمل، وأن نوضِّح ونُجْمِلَ؛ وأن لا نستشهدَ على اللفظ المُبْتَذَل، ولا نُكْثِرَ الدِّلالةَ على الحرف المستعمل؛ وأن لا نحشُوَ كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنَّا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث: لاحتجنا إلى أن نأتِيَ بتفسير السلف - رحمة اللّه عليهم - بعينه؛ ولو أتَيْنا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي أَلَّفَهَا نَقَلَةُ الحديث؛ ولو تكلَّفْنا بعدُ اقتصاصَ اختلافِهم، وتبيينَ معانيهم، وفتْقَ جُمَلِهم بألفاظنا، وموضعَ الاختيارِ من ذلك الاختلاف، وإقامةَ الدلائل عليه، والإخبارَ عن العلة فيه -: لأسْهبْنا في القول، وأطلنا الكتاب؛ وقطعْنا منه طمعَ المُتحفِّظ، وباعدْناه من بُغْيَة المُتأدِّب؛ وتكلَّفنا من نقل الحديث، ما قد وُقِينَاه وكُفِيناه.

__________

(١) العلا: جمع العليا، كما في اللسان ١٩/٣١٨.

وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين. لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلَّفنا في شيء منه بآرائنا غيرَ معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أَوْلَى الأقاويلِ في اللغة، وأشْبَهَهَا بقصةِ الآية.

ونَبَذْنَا مُنكَرَ التأويل، ومَنحولَ التفسير. فقد نَحَلَ قومٌ ابنَ عباس، أنه قال في قول اللّه جل وعز: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (١) إنها غُوِّرتْ؛ من قول الناس بالفارسية: كُورْ بِكِرد (٢) .

وقال آخر في قوله: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} (٣) أراد سَلْني سبيلا إليها يا محمدُ.

وقال الآخر في قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (٤) إن الويل: وادٍ في جهنمَ.

وقال الآخر في قوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (٥) إن الإبل: السحابُ.

__________

(١) سورة التكوير ١.

(٢) في اللسان ٦/٤٧٢ - ٤٧٣ "كورْ بِكِرْ" وانظر الدر المنثور ٦/٣١٨، والبحر المحيط ٨/٤٣١، والإتقان ١/٢٣٨، والمعرب للجواليقي ٢٨٧.

(٣) سورة الإنسان ١٨.

(٤) سورة المطففين ١.

(٥) سورة الغاشية ١٧، وفي اللسان ١٣/٥ "قال أبو عمرو بن العلاء: من قرأها (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) بالتخفيف، يعني به البعير؛ لأنه من ذوات الأربع يبرك فيحمل عليه الحمولة، وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم. ومن قرأها بالتثقيل، قال: الإبل: السحاب التي تحمل الماء للمطر" وانظر البحر المحيط ٨/٤٦٤ والكشاف ٤/٢٠٧.

وقال الآخر في قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (١) -: إن النعيم: الماء الحار في الشتاء.

وقال الآخر في قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (٢) -: إن الزينة: المُشطُ.

وقال آخر في قوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه} (٣) إنها الآرَابُ التي يَسجد عليها المرء؛ وهي جبهتهُ ويداه، وركبتاه وقدماه.

وقال الآخر في قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى} (٤) أن تُجعل كلُّ واحدة منهما ذُِكَرًا؛ يريد: أنهما يَقومان مَقام رجل، فإحداهما تُذكِّر الأخرى.

مع أشباهٍ لهذا كثيرة؛ لا ندري: أَمِن جهة المفسرين لها وَقَع الغلطُ؟ أو من جهة النَقَلة؟

وباللّه نستعين، وإيّاه نسأل التوفيق للصواب.

__________

(١) سورة التكاثر ٨.

(٢) سورة الأعراف ٣١.

(٣) سورة الجن ١٨، والقائل هو ابن عطاء، كما في البحر ٨/٣٥٢.

(٤) سورة البقرة ٢٨٢.

اشْتِقَاقُ أَسْمَاءِ اللّه وَصِفَاتِه، وَإِظْهَار مَعَانِيهَا

"الْرَّحْمنُ الرَّحِيمُ": صفتان مبنِيَّتان من "الرحمة".

قال أبو عبيدةَ: وتقديرهما: نَدْمانُ، ونَدِيمٌ (١) .

ومن صفاته: "السَّلامُ". قال: {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (٢) ومنه سُميَ الرجلُ: عبدَ السلام؛ كما يقال: عبدُ اللّه.

ويرى أهل النظر - من أصحاب اللغة -: أن "السلام" بمعنى السلامة؛ كما يقال: الرَّضاعُ والرَّضاعة، واللَّذَاذُ واللَّذَاذة (٣) . قال الشاعر:

تُحَيِّى بِالسَّلامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... فَهَلْ لَكِ - بَعْدَ قَومِكِ - مِنْ سَلامِ?

فسَمى نفسه - جل ثناؤه - "سلامًا": لسلامته ممَّا يَلحق الخلقَ: من العيب والنقص، والفناء والموت.

قال اللّه جل وعز: {وَاللّه يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} (٤) ؛ فالسلام: اللّه؛ ودارُه: الجنة. يجوز أن يكون سماها "سلاما": لأن الصائر إليها يَسلَمُ فيها من

__________

(١) مجاز القرآن ٢١.

(٢) سورة الحشر ٢٣.

(٣) في اللسان ١٥/١٨١ "قال ابن قتيبة: يجوز أن يكون السلام والسلامة: لغتين كاللذاذ واللذاذة، وأنشد - البيت - قال: ويجوز أن يكون السلام جمع سلامة".

(٤) سورة يونس ٢٥.

كل ما يكون في الدنيا: من مرض ووَصَبٍ، وموت وهَرَم؛ وأشباهِ ذلك. فهي دارُ السلام. ومِثلُه: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (١) .

ومنه يقال: السلامُ عليكم. يراد: اسمُ السلام عليكم. كما يقال: اسمُ اللّه عليكم.

وقد بيَّن ذلك لَبِيدٌ، فقال:

إلَى الحَوْلِ, ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلا كَامِلا فَقَدِ اعْتَذَرْ (٢)

ويجوز (٣) أن يكون [معنى] "السلامُ عليكم": السلامةَ لكم. وإلى هذا المعنى، يَذهب مَن قال: "سلامُ اللّه عليكم، وأَقرِئْ فلانًا سلامَ اللّه".

وقال: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (٤) ؛ يريد: فسلامةٌ لك منهم؛ أي: يُخبِرُك عنهم بسلامة. وهو معنى قول المفسرين.

ويُسمَّى الصوابُ من القول "سلاما": لأنه سَلِم من العيب والإثم. قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (٥) ؛ أي: سَدادًا من القول.

ومن صفاته: "القَيُّومُ" و "القَيَّامُ". وقُرِئ بهما جميعا.

وهما "فَيْعُولٌ" و "فَيْعَالٌ" (٦) . من "قمتُ بالشيء": إذا وَلِيتُه. كأنه القَيِّم بكل شيء. ومثله في التقدير قولهم: ما فيها دَيُّورٌ وَدَيَّارٌ (٧) .

__________

(١) سورة الأنعام ١٢٧.

(٢) خزانة الأدب ٢/٢١٧، ومجمع البيان ١/٢٠، ومجاز القرآن ١٦، وتفسير القرطبي ١/٩٨.

(٣) نقله أبو جعفر الطبري في تفسيره بنصه ١٥/٤٠ - ٤١.

(٤) سورة الواقعة ٩٠ - ٩١.

(٥) سورة الفرقان ٦٣، وانظر مفردات الراغب ٢٢٩.

(٦) مفردات الراغب ٤٢٩.

(٧) في اللسان ٥/٣٨٥ "ما بالدار دوْريّ ولا ديار ولا ديور، على إبدال الواو من الياء، أي ما بها أحد".

ومن صفاته: "سُبُّوحٌ".

وهو حرف مبني على "فُعُّول"؛ من "سبَّح اللّه": إذا نزهه وبرَّأه من كل عيب.

ومنه قيل: سبحان اللّه؛ أي: تنزيهًا للّه، وتبرئةً له من ذلك.

ومنه قوله: {يُسَبِّحُ للّه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} (١) .

وقال الأعْشَى:

أَقُولُ لَمَّا جَاءَنَا فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ (٢)

أراد: التبرُّؤَ من علقمةَ. وقد يكون تَعجبَ [بالتسبيح من فخره؛ كما يقول القائل إذا تعجب] من شيء: سبحان اللّه.

فكأنه قال: عجبًا من علقمةَ الفاخرِ.

ومن صفاته: "قُدُّوسٌ".

وهو حرف مبني على "فُعُّول"؛ من "القُدْس" وهو: الطهارة.

ومنه قيل: "الأرْض الْمُقَدَّسَة" (٣) ؛ يراد: المطهَّرة بالتبريك. ومنه قوله حكاية عن الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (٤) ؛ أي: نَنْسُبك

__________

(١) سورة الجمعة ١، وسورة التغابن ١.

(٢) اللسان ٣/٢٩٩، ومفردات الراغب ٢٢٠، وسيبويه ١/١٦٣، وخزانة الأدب ١/٨٩، ٢/٤١، ٣/٢٤٧، ٢٥١، وتفسير القرطبي ١/٢٧٦، وتفسير الطبري ١/٤٧٤، والصحاح ١/٣٧٢، والبيت في شأن علقمة بن علاثة الصحابي.

(٣) راجع تفسير الطبري ١/٤٧٥، ومفردات الراغب ٤٠٥، وفي سورة المائدة ٢١: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) .

(٤) سورة البقرة ٣٠.

إلى الطهارة. و"نُقدّسك ونُقدِّس لك" و"نُسَبِّح لك ونُسبِّحك" بمعنى واحد.

وحَظِيرة القُدس - فيما قاله أهل النظر - هي: الجنة. لأنها موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا: من الغائط والبول والحيض، وأشباهِ ذلك.

ومن صفاته: "الرَّبُّ".

والرب: المالك. يقال: هذا ربُّ الدار، وربُّ الضَّيْعة، وربُّ الغلام. أي: مالكُه؛ قال اللّه سبحانه: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} (١) ؛ أي: إلى سيِّدك.

ولا يقال لمخلوق: هذا الرب؛ معرَّفا بالألف واللام؛ كما يقال للّه. إنما يقال: هذا ربُّ كذا. فيعرَّفُ بالإضافة. لأن اللّه مالكُ كل شيء. فإذا قيل: الربُّ؛ دلَّت الألف واللام على معنى العموم. وإذا قيل لمخلوق: ربُّ كذا وربُّ كذا؛ نُسِب إلى شيء خاص: لأنه لا يَملِك [شيئًا] غيره.

ألا ترى أنه قيل: "اللّه"؛ فألزم الألفَ واللام: ليُدَلَّ بها على أنه إلهُ كل شيء. وكان الأصل: "الإلاه". فتُركت الهمزة: لكثرة ما يجري ذكره - عز وجل - على الألسنة؛ وأدغمتْ لام المعرفة في اللام التي لقيَتْها؛ وفُخِّمتْ وأُشْبِعتْ حتى طبَّق اللسانُ بها الحَنَك: لفخامة ذكره تبارك وتعالى؛ وليُفرَقَ أيضا - عند الابتداء بذكره - بينه وبين اللات [والعُزَّى] .

ومن صفاته: "الْمُؤْمِنُ".

وأصلُ الإيمان: التصديقُ. قال: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}

__________

(١) سورة يوسف ٥٠.

(١) ؛ أي: وما أنت بمصدِّق ولو كنا صادقين. ويقال [في الكلام] : ما أُومِنُ بشيء مما تقول؛ أي: ما أُصدقُ بذلك.

فإيمانُ العبد باللّه: تصديقهُ قولا وعملا وعَقْدًا. وقد سمى اللّه الصلاة - في كتابه - إيمانًا؛ فقال: {وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (٢) ؛ أي: صلاتَكُمْ إلى بيت المَقْدس.

فالعبدُ مؤْمن، أي: مصدِّق مُحقِّق. واللّه مؤْمن، أي: مصدِّق ما وعده ومحقِّقُه، أو قابلٌ إيمانَه.

وقد يكون "المؤْمن" من "الأمَان"؛ أي: لا يأمَنُ إلا من أَمَّنَه [اللّه] .

وقد ذكرت الإيمان ووجوهَه، في كتاب "تأويل المشكل (٣) ".

وهذه الصفةُ - من صفات اللّه جل وعزّ - لا تتصَرَّف تصرُّف غيرِها؛ لا يقال: أَمِنَ اللّه؛ كما يقال: تقدَّس اللّه. ولا يقال: يُؤْمِنُ اللّه؛ كما يقال: يتقدَّس اللّه.

وكذلك يقال: "تعالى اللّه". وهو تفاعُلٌ من "العُلُو". و"تبارَكَ اللّه" هو تفاعُلُ من "البركة" و"اللّه مُتعالٍ". ولا يقال: مُتبارِكٌ. لم نسمعه.

وإنما نَنْتَهي في صفاته إلى حيث انتَهَى؛ فإن كان قد جاء من هذا شيءٌ - عن الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله، أو عن الأئمة -: جاز أن يُطَلقَ، كما أُطِلق غيرُه.

__________

(١) سورة يوسف ١٧.

(٢) سورة البقرة ١٤٣، وانظر البخاري ١/ ١٣، وسنن أبي داود ٤/٢٢٠.

(٣) راجع تأويل مشكل القرآن ٣٦٧.

ومن صفاته: "المُهَيْمِنُ".

وهو: الشهيدُ. قال اللّه: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (١) ؛ أي: شاهدًا عليه. هكذا قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه.

وروى عنه - من غير هذه الجهة - أنه قال: "أمينًا عليه" (٢) .

وهذا أعجبُ إليَّ؛ وإن كان التفسيران متقارَبيْن. لأن أهل النظر - من أصحاب اللغة - يَرَون: أن "مُهَيْمِنًا" اسم مبني من "آمَنَ" (٣) ؛ كما بُني "بَطِيرٌ" و "مُبَيْطِرٌ" و "بَيْطارٌ" من "بَطَر". قال الطِّرِمَّاحُ:

كَبَزْغِ الْبَطِيرِ الثَّقْفِ رَهْصَ الْكَوَادِنِ (٤)

__________

(١) سورة المائدة ٤٨.

(٢) راجع سائر الروايات عن ابن عباس في الدر المنثور ٢/٢٨٩ - ٢٩٠.

(٣) في اللسان ١٧/٣٢٧ "والمهيمن الشاهد، وهو من آمن غيره من الخوف. وأصله "أَأْمَنَ" فهو "مُؤَأْمِن" بهمزتين، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة اجتماعهما، فصار "مُؤَيْمِن" ثم صيرت الأولى هاء، كما قالوا: هراق وأراق. وقال بعضهم "مهيمن" معنى "مؤَيمن" والهاء بدل من الهمزة، كما قالوا: هرقت وأرقت، وكما قالوا: إيَّاك وهِيَّاك. قال الأزهري: وهذا على قياس العربية صحيح مع ما جاء في التفسير أنه بمعنى "الأمين" وقيل: بمعنى "مُؤْتَمَن".

(٤) ديوان الطرماح ١٧٢، واللسان ٥/١٣٥، ١٠/٣٠٠، وصدره:

"يساقطها تترى بكل خميلة"

يصف ثورا طعن الكلاب بقرنيه. والبطر: الشق، وبه سمي البيطار بيطارًا، والبطير والبَيْطر والبيطار والبِيَطْر مثل هزبر، والمبيطر: معالج الدواب. والثقف: الحاذق. والرهص: جمع رهصة، وهي مثل الوقرة، وهي أن يَدْوَى حافر الدابة من حجر تطؤه. والكوادن: البراذين.

وقال النابغة:

شَكَّ المُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي مِنَ الْعَضَدِ (١)

وكأن الأصل، "مُؤَيْمِنٌ"؛ ثم قُلبت الهمزة هاء: لقُرب مَخرجهما؛ كما تُقلب في "أَرَقتُ الماء"، فيقالُ: هَرَقت الماء. وقالوا: ماءٌ مُهَرَاق؛ والأصل: ماءٌ مُراق. وقالوا: "إبْرِيَةٌ وهِبْرِيَةٌ، وأَيْهاتَ وهَيْهَاتَ، وإيَّاكَ وهِيَّاكَ". فأبدلوا من الهمزة هاءَ. وأنشد الأخْفَش:

فَهِيَّاكَ وَالأمْرَ الَّذِي إِنْ تَوَسَّعَتْ ... مَوَارِدُهُ, ضَاقَتْ عَلَيْكَ مَصَادِرُهْ (٢)

و"آمِينَ" اسم من أسماء اللّه. وقال قوم من المفسرين - في قول المصلي بعد فراغه من قراءة أمِّ الكتاب: "آمينَ"-: [أمينَ] قُصر من (٣) ذلك؛ كأنه قال: يا أللّه؛ وأضمر "استجبْ لي" -: لأنه لا يجوز أن يَظهر هذا في هذا الموضع من الصلاة؛ إذ كان كلامًا.- ثم تُحذف ياء النداء.

وهكذا يختار أصحاب اللغة في "أمينَ": أن يَقصرُوا الألف، ولا يُطَوِّلوا. وأنْشَدوا فيه:

__________

(١) ديوانه ٢٧، واللسان ٤/٢٨٦، ٥/١٣٦ وصدره: "شك الفريصة بالمدرى فأنفذها" والمدرى هنا: قرن الثور. يريد أنه ضرب بقرنه فريصة الكلب، وهي اللحمة التي تحت الكتف التي ترعد منه ومن غيره. والعضد: داء يأخذ الإبل في أعضادها.

(٢) البيت غير منسوب في اللسان ٢٠/٢٥٣، ٣٢٢.

(٣) في اللسان عن الزجاج في قول القارئ بعد الفراغ من فاتحة الكتاب: آمين، فيه لغتان. تقول العرب: أمين بقصر الألف، وآمين بالمد ... وذكر شاهدا على لغة من مد، وهو قول عمر بن أبي ربيعة:

يا رب لا تسلبني حبها أبدًا ... ويرحم اللّه عبدا قال آمينا

تَبَاعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إِذْ سَأَلْتُهُ ... أَمِينَ, فَزَادَ اللّه مَا بَيْنَنَا بُعْدَا (١)

ويفتحونها: لانفرادها، وانقطاعها عما يُضمر فيها: من معنى النداء. حتى صارت عندهم معنى "كذلك فَعَل اللّه".

وقد أجازوا أيضا "آمينَ" مطوّلة الألف. وحكَوها عن قوم فصحاء.

وأصلها: "يا أمين" بمعنى: يا أللّه. ثم تُحذف همزة "أمين" استخفافا لكثرة ما تَجْرى هذه الكلمة على ألسنة الناس. ومَخْرَجُها مخرج "آزيدُ". يريد: يا زيدُ. و "آراكبُ" يريد: يا راكبُ. وقد سمعنا من فصحاء العرب: "آخبيثُ"؛ يريدون: يا خبيثُ.

وفي ذلك قولٌ آخر؛ يقال: إنما مدت الألف فيها، ليطول بها الصوتُ.

كما قالوا: "أَوِّهْ" مقصورةَ الألف، ثم قالوا: "آوَّهْ" [ممدودة] . يريدون تطويل الصوت بالشكاية. وقالوا: "سقط على حاقِّ رأسِه"؛ أي: على حَقِّ رأسه (٢) . وكذلك "آمين": أرادوا تطويل الصوت بالدعاء.

وهذا أعجب إليَّ.

وأما قول العباس بن عبد المُطَّلِب، في مدح رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم -:

__________

(١) في اللسان ١٦/١٦٧ "روى ثعلب: فطحل بضم الفاء والحاء - أراد زاد اللّه ما بيننا بعدًا، آمين" وفيه ١٤/٤٣ "فطحل إذ رأيته" ونقل عن الجوهري قوله: "فطحل -بفتح الحاء - اسم رجل".

(٢) في اللسان ١١/٣٤١ "سقط فلان على حاق رأسه: أي على وسط رأسه".

حَتَّى احْتَوَى بَيْتُك الْمُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ, عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ (١)

فإنه أراد: حتى احتويتَ - يا مُهيمن- من خندفَ علياءَ؛ فأقام البيتَ مُقامَه: لأن بيته إذا حَلَّ بهذا المكان، فقد حل هو به. وهو كما يقال: بيتُه أعزُّ بيتٍ. وإنما يراد: صاحبُه. قال النابغة:

وَحَلَّتْ بُيُوتِي فِي يَفَاعٍ مُمَنَّعٍ ... تَخَالُ بِهِ رَاعي الْحُمُولَةِ طَائِرَا (٢)

ولم يكن بيته في جبل بهذه الصفة؛ إنما أراد: أني ممتنعٌ على من أرادني، فكأني حللت في يفاع مُمنَّع.

ومن صفاته: "الغَفُورُ".

وهو من قولك: "غَفَرتُ الشيء": إذا غَطَّيتهَ. كما يقال: "كَفَرْتُه": إذا غطَّيْته. ويقال: كذا أَغْفَرُ من كذا؛ أي: أستَرُ. و "غَفْرُ الخَزِّ والصوف" ما علا فوق الثوب منها: كالزِّئْبِر. سمي "غفرا": لأنه ستر الثوب. ويقال لجُنَّة

__________

(١) في أمالي الزجاجي ٤٤، والفائق ٢/٢٨١.

وفي اللسان ١٧/٣٢٧ "وأما قول عباس بن عبد المطلب في شعره يمدح النبي.. فإن القتيبي قال: معناه: حتى احتويت يا مهيمن من خندف العلياء، يريد به النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأقام البيت مقامه؛ لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حل به صاحبه. قال الأزهري: وأراد ببيته: شرفه، والمهيمن من نعته، كأنه قال: حتى احتوى شرفك الشاهد على فضلك علياء الشرف من نسب ذوي خندف أي ذروة الشرف من نسبهم التي تحتها النطق، وهي أوساط الجبال العالية. جعل خندف نطقًا له. قال ابن بري في تفسير قوله: بيتك المهيمن -: أي بيتك الشاهد بشرفك. وقيل: أراد بالبيت: نفسه؛ لأن البيت إذا حل فقد حل به صاحبه".

(٢) ديوانه ٥٦ "يخال" وعجزه في اللسان ١٣/١٩٠، واليفاع المشرف من الأرض والجبل. والحمول: الإبل بأثقالها.

الرأس: "مِغفرٌ"؛ لأنها تستر الرأس (١) . فكأن "الغفور": الساترُ لعبده برحمته، أو الساترُ لذنوبه.

ونحوٌ منه قولهم: "تَغَمَّدْني برحمتك"؛ أي: ألبِسْني إياها. ومنه قيل: "غِمْدُ السيف"؛ لأنه يُغمد فيه، أي: يُدخل.

ومن صفاته: "الواسِعُ".

وهو الغنيُّ. والسَّعةُ: الغِنَى. قال اللّه [: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (٢) أي] : يعط من سعته.

ومن صفاته: "البارِئُ".

ومعنى "البارئ": الخالقُ. يقال: بَرَأ اللّه الخلقَ يَبْرَؤُهم.

و"البَرِيَّة": الخلق. وأكثر العرب والقُراء: على ترك همزها؛ لكثرة ما جرت على الألسنة. وهي "فَعِيلةٌ" بمعنى "مَفْعولة".

ومن الناس مَن يزعم: أنها مأخوذة من "بَريْتُ العودَ".

ومنهم من يزعم: أنها من "البَرَى"، وهو: التراب أي: خُلق من التراب. وقالوا: لذلك لم يُهمز.

__________

(١) في اللسان ٦/٢٣٠ "والمغفر والغفارة: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة".

(٢) سورة الطلاق ٧.

وقد بينت هذا في كتاب "القراءات" (١) وذكرت موضع الأخبار منه.

ومِثلُ البارئ: "الذَّارِئُ".

وهو: الخالق. يقال: ذَرَأ اللّه الخلقَ. وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا} (٢) أي: خلَقْنا. و "الذُّرِّيةُ" منه؛ لأنها خلق اللّه من الرجل.

وأكثر القُراء والعرب: على ترك همزها؛ لكثرة ما يُتكلم بها.

ومنهم من يزعم: أنها من "ذَرَوْتُ" أو "ذَرَيْتُ".

ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ" بمعنى "فاعِلٍ"؛ نحو: "قَديرٍ" بمعنى "قادرٍ"، و"بصيرٍ" بمعنى "باصِرٍ"، و"سَميعٍ" بمعنى "سامعٍ"، و"حَفيظٍ" بمعنى "حافِظٍ" و"بَدِيءٍ" بمعنى: "بادئ الخلق"، و"شَهِيدٍ" بمعنى "شاهِدٍ"، و"عَليمٍ" بمعنى "عالِمٍ"، و"رَقِيبٍ" بمعنى "راقِبٍ" - وهو: الحافظ - و"كَفِيلٍ" بمعنى "كافِلٍ"، و"خَبيرٍ" بمعنى "خابِرٍ"، و"حَكِيمٍ" بمعنى "حاكِمٍ"، و"مَجِيدٍ" بمعنى "ماجد" وهو: الشريف.

ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ" بمعنى "مُفْعِلٍ"؛ نحو:

__________

(١) هذا النص يدل على أنه ألف كتاب القراءات قبل هذا الكتاب، وقد ذكره في تأويل مشكل القرآن ٤٥ فقال: "وستراه كله في كتابنا المؤلف في وجوه القراءات، إن شاء اللّه" ولم يكن هذا النص كافيًا للقطع بأنه قد فرغ من تأليفه.

(٢) سورة الأعراف ١٧٩.

"بَصيرٍ" بمعنى "مُبْصِرٍ"، و "بَدِيعِ الخلْقِ" بمعنى "مُبْدِع الخلق". كما قالوا: "سميعٌ"؛ بمعنى مُسْمِعٍ. قال عَمْرُو بن مَعْدِيكَرِب:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الداعِي السَّمِيعُ (١)

و"عذابٌ أليمٌ" أي: مؤْلمٌ، و"ضرْبٌ وَجِيعٌ" أي: مُوجِعٌ.

[ومنه] : {إِنَّ اللّه كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (٢) ؛ أي: كافيًا. من قولك: "أَحْسَبَني هذا الشيءُ"، أي: كفاني (٣) . و"اللّه حَسِيبي وحسيبُك" أي: كافينا؛ أي: يكون حَكَما بيننا كافيًا. قال الشاعر:

وَنُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ: إنْ كَانَ جَائِعًا ... وَنُحْسِبُهُ: إنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِعِ (٤)

أي: نُعطيه ما يَكفيه، حتى يقولَ: حَسْبِي.

وقال بعض المفسرين -في قوله: {إِنَّ اللّه كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} -: أي مُحاسبًا. وهو -على هذا التأويل- في مذهب "جَليس" و "أَكِيل" و "شرِيب" و "نَديمٍ" و "قَعيدٍ".

ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ": لا يكونُ منها غيرُ لفْظِها؛ نحو:

__________

(١) صدره:

"أمن ريحانة الداعي السميع"

وريحانة هي أخت عمرو كما قال ابن قتيبة في الشعر والشعراء ١/ ٣٣٢، والبيت في الخزانة ٣/ ٤٦٠، والأغاني ١٤/ ٢٥، ٣٣، واللسان ١٠/ ٢٨، والأصمعيات ١٩٨، والصحاح ٣/ ١٢٣٣، وتأويل مشكل القرآن ٢٢٩.

(٢) سورة النساء ٨٦.

(٣) عن مجاز القرآن ١/ ١٣٥.

(٤) البيت غير منسوب في الصحاح ١/ ١١٠، واللسان ٢٠/ ٥٩، وفيه ١/ ٣٠٢ لامرأة من بني قشير "وقوله: نقفيه، أي نؤثره بالقفية، ويقال لها: القفاوة أيضا، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي".

"قَريب" و"جَليل" و"حَليم" و"عَظيم" و"كَبير" و"كَريم" -وهو الصَّفُوح عن الذنوب- و"وَكيل" وهو الكَفيل. قال: {وَاللّه عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (١) {وَكَفَى بِاللّه وَكِيلا} (٢) {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (٣) ؛ أي: اجعلْه كافلَك، واعتمد على كفالته لك. ووكيل الرجل في ماله هو الذي كفَلَه له، وقام به.

ومن صفاته: "الوَدُودُ".

وفيه قولان. يقال: هو "فَعُولٌ" بمعنى "مَفْعول"؛ كما يقال: رجل هَيُوب؛ أي مَهيبٌ، يراد به: مَوْدودٌ.

ويقال: هو "فَعُول" بمعنى "فاعل" كقولك: غفورٌ؛ بمعنى غافر. أي: يَودُّ عباده الصالحين.

وقد تأتي الصفةُ بالفعل للّه ولعبده، فيقال: "العبدُ شكورٌ للّه" أي: يشكر نعمه. و "اللّه شكور للعبد" أي: يشكر له عملَه. و "العبدُ تَوَّابٌ إلى اللّه من الذنب"، و "اللّه توَّابٌ عليه".

و "كِبْرياءُ اللّه": شَرَفُه. وهو من "تكبَّر": إذا أعلا نفسَه.

__________

(١) سورة القصص ٢٨.

(٢) سورة النساء ٨١، ١٣٢، ١٧١، وسورة الأحزاب ٣، ٤٨.

(٣) سورة هود ١٢٣.

و "جَدُّ اللّه": عَظَمتُه. ومنه قوله: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} (١) .

ومنه يقال في افتتاح الصلاة: "تَبَارَك اسمُك، وتعالَى جَدُّك" (٢) .

يقال: جَدَّ الرجلُ في صدور الناس وفي عيونهم، إذا عَظُم. ومنه قول أنسٍ: "كان الرجُل إذا قرأ البقرة وآلَ عمران، جَدَّ فينا" (٣) ؛ أي: عَظُم.

و "مَجْدُ اللّه": شرَفُه، وكرَمُه.

و "جَبَرُوتُه": تجَبُّرُه؛ أي تعظُّمُه.

و "مَلَكُوتُه": مُلْكُه. ويقال: دارُ مُلكِه.

وزيدتْ التاءُ فيهما، كما زيدتْ في "رَهَبُوتٍ" و "رَحَمُوتٍ". تقول العرب: "رَهَبوتٌ خيرٌ من رَحَموتٍ"؛ أي: [أنْ] تُرهَبَ خير من أن تُرحمَ.

و "فَضْلُ اللّه": عطاؤه. وكذلك "منُّه" هو: عطاؤه. يقال: اللّه ذو مَنٍّ عظيم. ومنه قوله: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٤) ؛ أي أعط أو أمسك. وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (٥) ؛ أي: لا تعطِ لتأخذ من المكافأة أكثر مما أعطيتَ.

و "حَمْدُ اللّه": الثناء عليه بصفاته الحسنى. و "شُكْرُه":

__________

(١) سورة الجن ٣.

(٢) في اللسان ٤/ ٧٨ "أي علا جلالك وعظمتك".

(٣) في اللسان والفائق ١/ ١٧٧.

(٤) سورة ص ٣٩.

(٥) سورة المدثر ٦.

الثناء عليه بنعمه وإحسانِه. تقول: "حمِدتُ الرجل": إذا أثنيتَ عليه بكرم وحسب وشجاعة: وأشباهِ ذلك؛ و "شكرتُ له": إذا أثنيتَ عليه بمعروفٍ أَوْلاكَهُ.

وقد يوضعُ الحمدُ موضع الشكر. ولا يوضع الشكرُ موضع الحمد.

و "أسماءُ اللّه الحُسنى": (١) الرحمنُ، والرحيم، والغفورُ، والشكُورُ؛ وأشباهُ ذلك.

والإلحادُ (٢) في أسمائه: [الجورُ عن الحق والعدولُ عنه، وذكرُ] اللاتِ والعُزَّى، وأشباهِ ذلك.

و "مَثَلُه الأعلى" (٣) لا إله إلا اللّه. ومعنى المَثَل -ها هنا- معنى الصفة؛ أي: هذه صفته. وهي أعلى من كل صفة: إذ كانت لا تكون إلا له.

ومِثْل هذا -مما المَثَلُ فيه بمعنى الصفة- قوله في صفة أصحاب رسوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} (٤) ؛ أي: صِفَتهم. وقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (٥) ؛ أي: صفتُها. وقد بينت هذا في كتاب "الْمُشْكل" (٦) .

__________

(١) التي وردت في سورة الأعراف ١٨٠ والإسراء ١١٠ وطه ٨.

(٢) يشير إلى قوله تعالى في سورة الأعراف ١٨٠ (وذر الذين يلحدون في أسمائه) .

(٣) في سورة النحل ٦٠ (وللّه المثل الأعلى) وسورة الروم ٢٧ (وله المثل الأعلى) .

(٤) سورة الفتح ٢٩.

(٥) سورة الرعد ٣٥.

(٦) راجع تأويل مشكل القرآن ٣٧٨.

بَابُ تَأْوِيلِ حُرُوفٍ كَثُرَتْ فِي الْكِتَابِ

{الجن} من "الاجْتنان"، وهو الاسْتِتارُ. يقال للدرع: جُنَّةٌ؛ لأنها سترت. ويقال: أجَنَّه الليل؛ أي: جعله من سواده في جُنّة؛ وجَنَّ عليه الليلُ.

وإِنما سموا جِنًّا: لاستتارهم عن أبصار الإنس.

وقال بعض المفسرين في قوله: {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (١) ؛ أي: من الملائكة (٢) . فسماهم جنًّا: لاجتِنَانهم واستتارهم عن الأبصار.

وقال الأعشى يذكر سليمانَ النبيَّ -صلى اللّه عليه وسلم-:

وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلائِكِ تِسْعَةً ... قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلا أَجْرِ (٣)

وسُمي {الإنس} إنسا: لظهورهم، وإدراكِ البصر إياهم. وهو من قولك: آنستُ كذا؛ أي: أبصرتُه. قال اللّه جل ثناؤه: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} (٤) أي: أبصرت.

__________

(١) سورة الكهف ٥٠.

(٢) راجع اللسان ١٦/ ٢٥١، ويروى عن قتادة وابن عباس أنهما قالا: إنه كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن. وأن ابن عباس قال: لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود. وقال الحسن البصري: قاتل اللّه أقواما يزعمون أن إبليس كان من الملائكة، واللّه يقول: كان من الجن. راجع تفصيل ذلك في الدر المنثور ٤/ ٢٢٧.

(٣) البيت له في اللسان ١٦/ ٢٥١ وتأويل مختلف الحديث ٣٥٢.

(٤) سورة طه ١٠، وسورة النمل ٧، وسورة القصص ٢٩.

وقد روي عن ابن عباس، أنه قال: إنما سُمي إنسانا: لأنه عُهد إليه فنَسىَ (١) .

وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة. واحتجوا في ذلك بتصغير إنسان وذلك: أن العرب تُصغره "أْنَيْسيان": بزيادة ياء؛ كأن مكبَّره "إنْسِيانٌ" -إفْعِلانٌ- من النِّسيان؛ ثم تُحذف الياء من مكبَّره استخفافا: لكثرة ما يجرى على اللسان؛ فإذا صُغر رجعت الياء وردّ إلى أصله؛ لأنه لا يكثر مصغَّرا كما يكثر مكبَّرا.

والبصريون يجعلونه "فِعْلانًا" على التفسير الأول. وقالوا: زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير ليلة، فقالوا: لُيَيْلة. وفي تصغير رجل، فقالوا: رُوَيْجل.

وهما {الثقلان} ؛ يعني: الجن والإنس. سميا بذلك (٢) لأنهما ثِقْل الأرض، إذ كانت تحملهم أحياء وأمواتا. ومنه قول اللّه: {وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا} (٣) أي: موتاها. وقالت الخنساء ترثي أخاها:

أبَعْدَ ابنِ عَمْرٍو من آل الشَّرِيـ ... دِ حَلَّتْ به الأرضُ أَثْقَالَهَا (٤)

__________

(١) في اللسان ٧/ ٣٠٧.

(٢) في اللسان ١٣/ ٩٢ - ٩٣ "وسمى اللّه تعالى الجن والإنس: الثقلين، سميا ثقلين لتفضيل اللّه إياها على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز والعقل الذي خصا به. قال ابن الأنباري: قيل للجن والإنس: الثقلان، لأنهما كالثقل للأرض وعليها".

(٣) سورة الزلزلة ٢.

(٤) ديوان الخنساء ٢٠١، والكامل ٣/ ١٢١٦-١٢١٧، والأغاني ١٣/ ١٤٢-١٤٣ واللسان ٤/ ٢٢٤، وفي ١٣/ ٩٠ عن الفراء "وقول الخنساء.. إنما أراد حلت به الأرض موتاها، أي زينتهم بهذا الرجل الشريف الذي لا مثل له، من الحلية، وكانت العرب تقول: الفارس الجواد ثقل على الأرض، فإذا قتل أو مات سقط عنها ثقلها -وأنشد بيت الخنساء- أي لما كان شجاعا سقط بموته عنها ثقل".

قالوا: حلَّت من التَّحْلِيَة، لا مِنَ الحَلِّ الذي هو ضد العقد. أي: حلَّتْ به موتاها كأنها زيّنتهم به.

و {الملائكة} من الألُوك. وهي الرسالة. وهي المأْلُكَة والمأْلَكَة، ومنه قالت الشعراء: أَلِكْنِي. أي أرسلني. وبمعنى كن رسولي، واحدهم ملك -بترك الهمزة- لكثرة ما يجرى في الكلام، والهمزة في الجمع مؤخرة لأنهم رسل اللّه.

و (إبليس) فيه قولان: قال أبو عبيدة: هو اسم أعجمي ولذلك لا يصرف. (١) وقال غيره: هو "إفْعِيل" من أبْلَسَ الرجل إذا يَئِسَ. قال اللّه جل ثناؤه: {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (٢) أي: يائسون. [كذلك قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه] ؛ قال: ولما لعنه اللّه وغضب عليه أبْلَس من رحمته أي: يئس [منها] فسماه [اللّه عز وجل] إبليس. وكان اسمه عَزَازِيل.

قال: ولم يصرف لأنه لا سَمِيَّ له فاستثقل.

و {الشيطان} تقديره فَيْعَال. والنون من نفس الحرف. كأنه من شَطَنَ أي: بَعُدَ. ومنه يقال شَطَنَتْ دارُه [أي: بعدت] وقَذفَتْه نَوًى [شَطُون] أي: بعيدة. وشياطين الجن: مَرَدَتُهم. وكذلك شياطين الإنس: مَرَدتهم [أيضًا] .

__________

(١) مجاز القرآن ٣٨.

(٢) سورة الأنعام ٤٤.

كأن المارد منهم يخرج عن جملتهم ويبعد [منهم] لتمرُّده. ومثله قولهم: شَاطِر وشُطَّار. لأنهم كانوا يبعدون عن منازلهم. فسُمِّي بذلك كلُّ من فَعَلَ مثل فعلهم وإن لم يَعْزُب عن أهله. قال طرَفَة:

في القوم الشُّطُرْ (١)

أي: البعداء.

والدليل على أن النون من شيطان من نفس الحرف قول أمية بن أبي الصلت في وصف سليمان النبي صلى اللّه عليه-:

أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ ... ثُمَّ يُلْقَى في السجْنِ والأغْلالِ (٢)

فجاء به على فاعل من شطن.

وقوله {يَتَوَفَّى الأنْفُسَ} (٣) هو من استيفاء العدد واستيفاء الشيء إذا استقصيته كله. يقال: توفيته واستوفيته. كما يقال: تيقَّنت الخبر واسْتَيْقَنْتُه، وتثبَّت في الأمر واسْتَثْبَتُه. وهذا [هو] الأصل. ثم قيل للموت: وفاة وتوف.

__________

(١) في ديوان طرفة ٧٢:

ففداء لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سر وضر

خالتي والنفس قدما إنهم ... نعم الساعون في القوم الشطر

وفي الخزانة ٤/ ١٠٢ "قال شارح ديوانه: الأعلم الشنتمري: يقول: نفسي فداء لبني قيس على ما أصاب الناس من أمر يسرهم أو يضرهم. والسر والضر: السراء والضراء، وقوله: في القوم الشطر، يعني البعداء من الناس الغرباء، وواحد الشطر: شطير. وأصل الشطير الناحية وكل من بعد عن أهله فقد أخذ في ناحية من الأرض. يقول: سعيهم في الغرباء أحسن سعي".

(٢) البيت له في اللسان ١٧/ ١٠٥، ١٩/ ٣١٥ وعكاه: شده في الوثاق.

(٣) سورة الزمر ٤٢. وفي اللسان ٢٠/ ٢٨٠ "أي يستوفى مدد آجالهم في الدنيا، وقيل: يستوفى تمام عددهم إلى يوم القيامة".

والعرب تسمى الدم نفسا لاتصال النفس به على مذهبهم في تسمية الشيء بما اتصل به أو جاوره أو كان سببا له.

ويقولون: نَفِسَت المرأة: إذا حاضت كأنها دَمِيَت. وقال أصحاب اللغة: وإنما سمِّيت المرأة نُفَسَاء لسيلان الدم.

وقال إبراهيم (١) : كل شيء ليست له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا سقط فيه. يريد كل شيء ليس له دم سائل.

وتسمى العرب النفس نسمة. وأصل النسمة النفس. وروي في بعض الحديث "تَنَكَّبُوا الغبار فإن منه تكون النسمة" (٢) يراد منه يكون النفس.

والربو سمي نفسًا لأنه عن النفس يكون.

والعرب تقول: مات فلان حتف نفسه، وحتف أنفه إذا مات على فراشه؛ لأنه لا يزال يتنفس حتى يموت فتخرج نفْسُه نَفَسًا من أَنفه وفمه.

و {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} (٣) قال أبو عبيدة: وهو جمع صُورَة. يقال: صُورَة وصُوَر وصَوَر.

قال: ومثله سُورَةُ البناء وسُورُه. وأنشد:

__________

(١) لعله إبراهيم النخعي، ففي اللسان ٨/ ١٢٠ وروى عن النخعي أنه قال: كل شيء إلخ.

(٢) الحديث في الفائق ٣/ ٨٨ وفي اللسان ١٦/ ٥١-٥٢ "قيل النسمة هنا: الربو، ولا يزال صاحب هذه العلة ينفس نفسا ضعيفا. قال ابن الأثير: النسمة في الحديث النفس، واحد الأنفاس أراد تواتر النفس والربو والنهج، فسميت العلة نسمة لاستراحة صاحبها إلى تنفسه، فإن صاحب الربو لا يزال ينفس كثيرا".

(٣) سورة النمل ٨٧.

سُرْتُ إليه في أَعَالِي السُّورِ (١)

قال: وسور المجد أعاليه. أي ينفخ في صُوَرِ الناس.

وقال غيره: الصُّور القَرْن بلغة قوم من أهل اليمن، وأنشد:

نَحْنُ نَطَحْناهمْ غَداةَ الْجَمعَيْن ... بالضَّابِحَاتِ في غُبارِ النَّقْعَين (٢)

نَطْحًا شدِيدًا لا كَنَطحِ الصُّورَين

وهذا أعجب إليَّ من القول الأول (٣) لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله (٤) : "كيف أَنْعَمُ وصاحب القرْن قد التَقَمه وحنَى جبْهَته، ينتظر متى يؤْمر فينفخ" (٥) .

و (اللَّعنُ) في اللغة أصله الطّرْد. ولعن اللّه إبليس: طرده حين قال: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا} (٦) ثم انتقل ذلك فصار قولا. قال الشماخ: -وذكر ماء-

__________

(١) ديوانه ٢٧ واللسان ٦/ ٥٢، ٥٥، وتفسير الطبري ١/ ١٠٤ (طبع المعارف) ومجاز القرآن ٥، ١٩٦. ومعنى سرت: وثبت.

(٢) الأول والثالث في اللسان ٦/ ١٤٦ "لقد نطحناهم"، والضابحات: الخيل الصاهلة.

(٣) في اللسان ٦/ ١٤٦ "قال أبو الهيثم: اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصور قرنا، كما أنكروا العرش والميزان والصراط، وادعوا أن الصور: جمع الصورة، ورووا ذلك عن أبي عبيدة. قال أبو الهيثم: وهذا خطأ فاحش وتحريف لكلمات اللّه عن مواضعها، لأن اللّه قال: (وصوركم فأحسن صوركم) ففتح الواو. قال: ولا نعلم أحدا من القراء قرأها: فأحسن صُوْرَكم، وكذلك قال: (ونفخ في الصور) فمن قرأ: ونفخ في الصوَر، أو قرأ: فأحسن صُوْركم، فقد افترى الكذب وبدل كتاب اللّه. وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو".

(٤) الحديث في اللسان ٦/ ١٤٦ عن أبي سعيد الخدري.

(٥) في اللسان بعد ذلك "قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل".

(٦) سورة الأعراف ١٨.

ذَعَرْتُ به القَطَا وَنَفَيْتُ عنه ... مَقَامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ الُلَّعِينِ (١)

أراد مقام الذئب اللعين. أي الطريد كالرَّجُل. فكأن القائل: لعنه اللّه، أراد طردَه اللّه عنه، باعده اللّه منه، أسحقه اللّه، هذا أو نحوه.

و (الشِّرْك) في اللغة مصدر شَرِكْتُه في الأمر أشْرَكُه، وفي الحديث: أن مُعَاذا أجاز بين أهل اليمن الشِّرْك (٢) . يراد في المزارعة أن يشترك فيها رجلان أو ثلاثة. فكان الشِّرْكَ باللّه هو أن يجعل له شريك قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (٣) .

قال أبو عُبَيْدَة: كانت تَلْبِيَةُ أهل الجاهلية: لَبَّيْكَ لا شرِيك لك إلا شريك هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ (٤) . فأنزل اللّه هذه الآية.

و (الجَحْدُ) في اللغة: إنكارك بلسانك ما تَسْتَيْقِنهُ نَفْسُك. قال اللّه جل ثناؤه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (٥) وقال: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه يَجْحَدُونَ} (٦) يريد أنهم لا يَنْسبُونَكَ إلى الكذب في قراءة من قرأ "يُكَذِّبُونَك" بالتشديد. ومن قرأ "يُكْذِبونك"

__________

(١) ديوانه ٩٢ واللسان ١٧/ ٢٧٣.

(٢) الفائق ١/ ٦٥٣ واللسان ١٢/ ٣٣٤.

(٣) سورة يوسف ١٠٦.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٢٧٢ وفي اللسان ٢/ ٣٣٥ "يعنون بالشريك: الصنم، يريدون أن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقربون بها إليه- كلها ملك للّه عز وجل، فذلك معنى قوله: تملكه وما ملك".

(٥) سورة النمل ١٤.

(٦) سورة الأنعام ٣٣، وانظر تأويل مشكل القرآن ٩٣، ٢٤٧.

بالتخفيف، أراد: لا يجدونك كذابا ولكنهم بآيات اللّه يجحدون. أي ينكرونها بألسنتهم وهم مستيقنون [أنك] لم تكذب ولم تأت بها إلا عن اللّه تبارك اسمه.

و (الكُفْرُ) في اللغة من قولك كَفَرْتُ الشيءَ إذا غَطَّيته. يقال لليل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء. ومنه قول اللّه عز وجل: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (١) يريد بالكُفَّار الزُّرَّاع. سمّاهم كفّارًا لأنهم إذا ألقوا البذر في الأرض كفَرُوه أي: غطوه وستروه، فكأن الكافر ساتر للحق وساتر لنعم اللّه عز وجل.

و (الظلم) في اللغة وضع الشيء غير موضعه.

ومنه ظُلْمُ السِّقَاءِ وهو شُرْبُهُ قبل الإدْرَاك؛ لأنَّه وضع الشُّرْب غيرَ موضعه.

وظلم الجَزُورِ وهو نَحْرُه لغير عِلَّة.

ومنه يقال: من أشبه أباه فما ظَلَمَ (٢) أي: ما وضع الشبه غير موضعه. ومنه قول النابغة:

والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ (٣)

__________

(١) سورة الحديد ٢٠.

(٢) جمهرة الأمثال ١٨٥.

(٣) صدره

"إلا الأوارى لأيا ما أبينها"

وهو في ديوانه ٢٥ واللسان ٤/ ٩٩ وشرح القصائد العشر ٢٩١ والأواري: جمع آري وهو محبس الدابة، واللأي: البطء وفي اللسان ١٥/ ٢٦٩ "والنؤى: الحاجز حول البيت من تراب، فشبه داخل الحاجز بالحوض- بالمظلومة، يعني أرضا مروا بها في برية فتحوضوا حوضا سقوا فيه إبلهم وليست بموضع تحويض. يقال: ظلمت الحوض: إذ عملته في موضع لا تعمل فيه الحياض" والجلد: الأرض الصلبة.

والمظلومة: الأرض التي حُفِرَ فيها ولم تكن موضع حفْر. سميت بذلك لأن الحفر وُضِع غير موضعه.

فكأَن الظالم هو الذي أزال الحق عن جهته وأخذ ما ليس له، هذا وما أشبهه.

ثم يتفرع من الظلم معان قد ذكرتها في كتاب "تأويل المشكل" (١) .

و (الفِسْقُ) في اللغة: الخروج عن الشيء. ومنه قول اللّه جل وعز: {إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (٢) أي خرج من طاعته. قال الفراء: ومنه يقال فَسَقَت الرُّطَبَةُ: إذا خرجت من قشرها.

و (النِّفَاق) في اللغة مأخوذ من نافِقاء اليَرْبُوعِ وهو جُحْر من جِحَرتِه يخرج منه إذا أخذ عليه الجُحْر الذي دخل فيه. فيقال: قد نَفَقَ ونافَق، شبِّه بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب. وكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد. وقد ذكرت هذا في كتاب "غريب الحديث" بأكثر من هذا البيان.

والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب قبل الإسلام تعرفه (٣) .

__________

(١) راجع تأويل مشكل القرآن ٣٥٩.

(٢) سورة الكهف ٥٠.

(٣) في اللسان ١٢/ ٢٣٧ "وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه؛ وإن كان أصله في اللغة معروفا".

و (البُهْتَانُ) من بَهت الرجلَ إذا واجهته بالباطل.

و (العُدْوَان) من عَدَوْت وتَعَدَّيت على الرجل. والعَدَاء: الظلم.

و (الخُسْرَان) النُّقْصَان. وكذلك الخُسْرُ، ويكون بمعنى الهلَكة. قال اللّه تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (١) أي الهالكون: وقال: {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} (٢) أي هلكة، وقال في موضع آخر: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (٣) أي هلكة.

و (الإفْكُ) الكذب، لأنه كلام قُلِبَ عن الحق. وأصله من أفَكْتُ الرجلَ إذا صرفته عن رأي كان عليه. ومنه قيل لمدائن قوم لوط: {المؤتفكات} (٤) لانقلابها. ومنه قول اللّه جل وعز: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (٥) أي: من أين تحرمون وتُصْرفون عن الحق، قال الشاعر:

إنْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَة مَأْ ... فُوكًا فَفِي آخَرِين قَدْ أُفِكُوا (٦)

__________

(١) سورة التوبة ٦٩.

(٢) سورة هود ٦٣.

(٣) سورة هود ١٠١.

(٤) سورة التوبة ٧٠، والحاقة ٩.

(٥) سورة الأنعام ٩٥، ويونس ٣٤، وفاطر ٣، وغافر ٦٢.

(٦) البيت لعروة بن أذينة، كما في اللسان ١٢/ ٢٧٠ والصحاح ٤/ ١٥٧٣ "يقول: إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك أيضا".

أي: إن تك عن أحسن الصنيعة مَعدُولا.

وكذلك (الفجور) هو الميل عن الحق إلى الباطل. ويقال للكذب أيضا: فجور، وهو الميل عن الصدق.

و (الافْتِرَاء) الاختلاق، قال اللّه تعالى: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الْكَذِبَ} (١) أي: يختلقونه. ومنه قيل: افترى فلان على فلان، إذا قذفه بما ليس فيه، أو قذف أبويه.

 (إقامة الصّلاة) إدامتها لأوقاتها. والعرب تقول: قامت السوق وأقمتها: إذا أدمتها ولم أعطلها. قال الشاعر:

أقَامَتْ غَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابِ ... لأهْلِ العِراقَيْنِ حَوْلا قَمِيطًا (٢)

ويقولون في خلاف ذلك: نامت السوق، إذا عطلت أو كسدت.

و (التَّزْكِيَةُ) من الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله، أَخْذُ الزكاة. قال: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} (٣)

وأصل الزكاة النَّماء والزيادة. ومنه قيل للصدقة عن المال: زكاة لأنها

__________

(١) سورة المائدة ١٠٣.

(٢) البيت لأيمن بن خريم في ذكر غزالة الحرورية امرأة شبيب الخارجي، كما في اللسان ٩/ ٢٦١، ١٤/ ٥.

(٣) سورة البقرة ١٥١.

تثمره، ومنه يقال: زكا الزرع، وزكت النفقة: إذا بورك فيها.

و (الحِكْمَةُ) العلم والعمل. لا يسمى الرجل حكيما حتى يجمعهما.

و (شَعَائِرُ اللّه) واحدُها شَعِيرة، وهي كل شيء جُعل علما من أعلام طاعته. ومنه إِشْعَارُ البُدْنِ: إذا أُهدِيت. وهو أن تطعن في سَنامها، وتُجَللّها وتُقَلِّدَها، لأن ذلك من علامات إهْدَائها.

وقال قائل حين شُجَّ عمرُ: أُشْعِرَ أميرُ المؤمنينَ (١) . كأنه أعلِم بعلامة من الجراح.

ويرى أهل النظر أن أصله من الشِّعار، وهو ما ولي الجسد من الثياب.

و (حَجُّ البيت) مأخوذ من قولك: حججت فلانا إذا عدت إليه مرّة بعد مرة، قال الشاعر:

وأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبِرْقَانِ المُزَعْفَرَا (٢)

أي: يكثرون الاختلافَ إليه لِسُؤْدَدِه.

__________

(١) اللسان ١١/ ٨١.

(٢) البيت للمخبل السعدي، كما ذكر ابن قتيبة في المعاني الكبير ١/ ٤٧٨، وقال في شرحه: "يحجون: يعودون مرة بعد مرة. والسب: العمامة. والمزعفر: المصبوغ بالزعفران، وكان السيد يعتم بعمامة مصبوغة لا يكون ذلك لغيره، وإنما سمي الزبرقان بذلك، ويقال لكل شيء صفرته: زبرقته. وإنما أراد: أنهم يأتون الزبرقان لسؤدده" وهو له في الصحاح ١/ ١٤٥، واللسان ١/ ٤٤٠، ٣/ ٤٨، ١٢/ ٣ وغير منسوب في الصاجي ٤٧.

وكان الرئيس يعتم بعمامة صفراء تكون علمًا لرياسته ولا يكون ذلك لغيره ونحوه قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} (١) أي يثوبون إليه، يعني يعودون إليه في كل عام.

و (السُّلطان) [المُلْكُ والقهر] فإذا لم يكن ملك وقهر فهو بمعنى حجة وبرهان، كقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (٢) وكقوله: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} (٣)

و (القُرْآن) من قولك: ما قرأت الناقة سَلًى (٤) قَطُّ، أي: ما ضَمَّت في رحمها ولدًا، وكذلك ما قرأت جنينا. وأنشد أبو عُبَيْدة:

هِجَانِ اللَّونِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا (٥)

وقال في قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (٦) أي تأليفه. قال: وإنما سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمّها. ويكون القرآن مصدرًا كالقراءة: يقال: قرأت قراءة حسنة وقرآنا حَسَنًا. وقال اللّه: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (٧) أي قراءة الفجر، يعني صلاة الفجر. قال الشاعر في عثمان بن عفان رضي اللّه عنه-:

__________

(١) سورة البقرة ١٢٥.

(٢) سورة هود ٩٦، وغافر ٢٣.

(٣) سورة الصافات ١٥٦، وانظر بحث السلطان في تأويل مشكل القرآن ٣٨٥.

(٤) في اللسان ١٩/ ١٢٠ "السلى: لفافة الولد من الدواب والإبل، وهو من الناس المشيمة".

(٥) مجاز القرآن ٢.

(٦) سورة القيامة ١٧.

(٧) سورة الإسراء ٧٨.

ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السّجُّودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنا (١)

أي: تسبيحًا وقراءة.

و (السُّورَةُ) تهمز ولا تهمز: فمن همزها جعلها من أسْأَرْتُ، يعني أفضَلْت. لأنها قطعة من القرآن. (٢) ومن لم يهمزها جعلها من سُورَة البِنَاء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة في النّعْمان:

أَلَمْ تَرَ أنَّ اللّه أَعْطَاكَ سُورَةً ... تَرَى كلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ (٣)

والسُّورَةُ في هذا البيت سُورَةُ المَجْد. وهي [مستعارة من] سورة البناء.

و (الآيةُ) جماعة الحروف. قال الشَّيْبَاني (٤) : وهو من قولهم: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم.

__________

(١) يروى لحسان بن ثابت كما في ديوانه ٤١٠ واللسان ١٧/ ١٦٨، ١٩/ ٢١١ والاقتضاب ٩٨ والبيان والتبيين ١/ ٢٢٠، ٣/ ٢٦٢ وهو غير منسوب في تفسير الطبري ١/ ٩٧ طبع المعارف ونسب إلى أوس بن مغراء، ونقل العيني في المقاصد النحوية بهامش الخزانة ٤/ ١٧ عن ابن السيرافي أنه لكثير بن عبد اللّه النهشلي، المعروف بابن الغريرة. ونقل البغدادي في الخزانة ٤/ ١١٨ عن ابن يعيش أنه لكثير هذا، وقيل لحسان. ومعنى ضحوا: أي ذبحوه كالأضحية. قال ابن بري: أي جعلوه بدل الأضحية، كأنهم قتلوه في أيام لحوم الأضاحي، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين من الهجرة. والشمط بالتحريك بياض الشعر من الرأس يخالط سواده.

(٢) في الطبري ١٠٥ "وتأويلها في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت" وانظر الإتقان ١/ ٨٩.

(٣) ديوانه ١٧، واللسان ٦/ ٥٣، ومجاز القرآن ٤، وتفسير الطبري ١/ ١٠٥، وتفسير القرطبي ١/ ٦٥ والإتقان ١/ ٨٩.

(٤) هو أبو عمرو الشيباني الراوية المشهور المتوفّى سنة ثلاث عشرة ومائتين. وقوله هذا في الخزانة ٣/ ١٣٧ وبعده: "أي لم يدعوا وراءهم شيئا".

و (السَّبْعُ الطِّوَالُ) آخرها براءة. كانوا يرون الأنفال وبراءة سورة واحدة؛ لأنهما جميعا نزلتا في مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، ولذلك لم يفصلوا بينهما.

و (السور التي تعرف بالمِئِين) هي ما ولي السَّبْع الطوال، سميت بمئين لأن كل سور منها تزيد على مائة آية أو تقاربها.

و (المَثَانِي) ما ولي المِئين من السور التي هي دون المائة. كأن المئين مَبَادٍ وهذه مَثَانٍ.

وقد تكون المثاني سُوَر القرآن كلَّها قصارها وطوالها. ويقال من ذلك قوله جل وعز: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (١) ومنه قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (٢) .

وإنما سمِّي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص تثنَّى فيه.

ويقال المثاني في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} آيات سورة الحمد. سمَّاها مثاني لأنها تثنَّى في كل صلاة (٣) .

__________

(١) سورة الزمر ٢٣.

(٢) سورة الحجر ٨٧.

(٣) في اللسان ١٨/ ١٢٩ "وقال أبو عبيد: المثاني من كتاب اللّه ثلاثة أشياء: سمى اللّه عز وجل القرآن كله مثاني في قوله: (اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) وسمى فاتحة الكتاب مثاني في قوله: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) . وسمى جميع القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه".

و (المُفَصَّلُ) ما يلي المثاني من قِصَار السّور؛ سمِّيت مفصّلا لقصرها وكثرة الفصُول فيها بسطر: بسم اللّه الرحمن الرحيم.

وأما (آل حميم) فإنه يقال: إن حم اسم من أسماء اللّه، أضيفت هذه السور إليه. كأنه قيل: سور اللّه. لشرفها وفضلها. قال الكُمَيْتُ:

وَجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حمِيمَ آيةً ... تَأوَّلها مِنّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ (١)

وقد يُجعل حم اسمًا للسورة، ويدخله الإعراب ولا يُصرف. ومن قال هذا قال في الجميع: الحَوَامِيم. كما يقال: طس والطَّوَاسِين.

وأما (التوراة) فإن الفرّاءَ يجعلُها من وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي: إذا خرجت نارُه، وأوْرَيتُه (٢) . يريد أنها ضِياء.

و (الإنجيل) من نَجلتُ الشيءَ: إذا أخرجته. وولدُ الرجل نجلُه (٣) . وإنجيل "إِفْعِيل" من ذلك. كأن اللّه أظهر به عَافيًا من الحق دَارِسًا.

وقد سمى اللّه القرآن: (كِتَابًا) فقال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} (٤)

__________

(١) البيت له في سيبويه ٢/ ٣٠، واللسان ١٥/ ٤٠، ١٨/ ٢٣٠.

(٢) قال ذلك في كتابه في المصادر، كما في اللسان ٢٠/ ٢٦٨، وانظر مفردات الراغب ٥٤٢.

(٣) في اللسان ١٤/ ١٧١ "وقيل: اشتقاقه من النجل الذي هو الأصل" وفي المعرب ٢٣ "فاشتقاقه من النجل، وهو ظهور الماء على وجه الأرض واتساعه".

(٤) سورة البقرة ٢.

وقال: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ} (١) والكتاب فِعْلُ الكاتب. تقول: كتب كتابًا، كما تقول: حَجَبَ حِجابا وقام قياما وصام صياما. وقد يُسمَّى الشيء بفعل الفاعل، يقال: هذا درهم ضَرْبُ الأمير، وإنما هو مضروب الأمير، وتقول: هؤلاء خلق اللّه. لجماعة الناس، وإنما هم مخلوقو اللّه.

و (الزَّبُور) هو بمعنى مكتوب من زَبَرَ الكتاب يَزْبُرُه إذا كتَبَه وهو فَعُولٌ بمعنى مَفْعُول، كما يقال: جلُوب وركُوب في معنى مَجْلُوب ومركُوب. ومعنى: "كتَبَ الكِتَاب" أي جمع حروفَه. ومنه كَتبَ الخَرَزَ، ومنه يقال: كتبتُ البَغْلةَ: إذا جمعت بين شُفْرَيْها بحلْقة.

و {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أخبارهم. وما سطِّر منها أي كتب. ومنه قوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ} (٢) أي يكتبون. واحدها سطر ثم أسطار، ثم أسَاطِير [جمع الجمع، مثل: قول وأقوال وأقاويل] .

وأبو عبيدة (٣) يجعل واحدها أُسْطورة وإسطارة [معناها التُّرَّهات البَسابِس] (٤) وهو الذي لا نِظَامَ له. وليس بشيء صحيح.

__________

(١) سورة إبراهيم ١.

(٢) سورة ن ١.

(٣) راجع اللسان ٦/ ٢٨.

(٤) في اللسان ٧/ ٣٢٧ "والبسبس: الكذب. والترهات البسابس: هي الباطل، وربما قالوا: ترهات البسابس بالإضافة".

سورة الحمد

١

{بِسْمِ اللّه} اختصار كأنه قال: أبدأ باسم اللّه. أو بدأت باسم اللّه.

٢

و (العالَمُونَ) أصناف الخلق الرُّوحانِيِّين، وهم الإنس والجن والملائكة، كلُّ صِنْفٍ منهم عالَم.

٤

و {يَوْمِ الدِّينِ} يوم القيامة. سمِّي بذلك لأنه يوم الجزاء والحساب، ومنه يقال: دِنْتُه بما صَنَع. أي جازيته. ويقال في مَثَلٍ: "كما تَدِين تُدان" (١) يراد كما تَصنع يُصنع بك، وكما تُجَازِي تُجَازَى.

٦

و {الصِّرَاطَ} الطريق. ومثله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (٢) ومثله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٣) .

٧

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يعني الأنبياء والمؤمنين.

و {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود.

و (الضَّالُّونَ) النصارى.

__________

(١) المثل ليزيد بن الصعق، كما في جمهرة الأمثال ١٦٩ وهو في مجمع الأمثال ٢/١٥٥.

(٢) سورة الأنعام ١٥٣.

(٣) سورة الشورى ٥٢.

﴿ ٠