١٨

{خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} أي ينتظرُ سوءًا ينالُه منهم.

{فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيثُ به. يعني: الإسرائيليَّ.

{قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} يجوز أن يكون هذا القولُ للإسرائيليّ (١) . أي أغْوَيْتَنِي بالأمس حتى قتلتُ بنُصرتِك رجلا. ويجوز أن يكون لعدوِّهما (٢) .

{يَسْعَى} أي يُسرِعُ [في مشيه] (٣) .

{قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ} يعني: الوُجوهَ من الناس والأشراف (٤) .

{يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} قال أبو عبيدة: (٥) "يتشاورون فيك ليقتلوك". واحتَج بقول الشاعر:

أحارُ بنَ عمرٍو! كأنِّي خَمِرْ ... ويَعْدُو على المرءِ ما يَأْتَمِرْ (٦)

وهذا غلط بيّنٌ لمن تدبر، ومضادَّةٌ للمعنى. كيف يعدو على المرء ما شاور فيه،

__________

(١) كما قال ابن عباس واختاره الطبري ٢٠/٣١.

(٢) القبطي. كما قال الحسن، على ما في تفسير القرطبي ١٣/٢٦٥.

(٣) كما في تأويل المشكل ٣٩٠، وانظر تفسير الطبري ٢٠/٣٣.

(٤) كما تقدم: ص ١٧١. وانظر: البحر المحيط ٧/١١١.

(٥) اللسان ٥/٨٩. وراجع: تفسير الطبري ٢٠/٣٢-٣٣، والقرطبي ١٣/٢٦٦.

(٦) ورد البيت في اللسان ٥/٩٠ منسوبا لامرئ القيس. وهو مطلع قصيدة في ديوانه ٧٧، كما ورد في اللسان ٥/٨٩ منسوبا للنمر بن تولب بلفظ: "فؤادي قمر".

والمشاورةُ بركة وخير؟! وإنما أراد: يعدو عليه ما همّ به للناس من الشر. ومثله: قولهم: "مَن حفر حفرة وقع فيها".

وقوله: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ} أي يَهِمُّون بك. يَدُلُّك على ذلك قولُ النَّمِر بن تَوْلَب:

اعْلَمَنْ أنْ كلَّ مُؤْتَمَرٍ ... مُخْطِئٌ في الرَّأي أحْيَانَا (١)

فإذَا لم يصِبْ رَشَدًا ... كانَ بعضُ الَّلومِ ثُنْيَانَا

يعني: أن كل من ركب هواهُ وفعل ما فعل بغير مشاورة فلا بد من أن يخطئَ أحيانًا. فإذا لم يُصبْ رُشْدًا لامَهُ الناسُ مرتَيْن: مرةً لركوبه الأمرَ بغير مشاورة، ومرةً لغلطه.

ومما يدلك على ذلك أيضا قولُه عز وجل: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} (٢) لم يُرِد تَشاوَرُوا، وإنما أراد: هُمُّوا به، واعتَزِموا عليه. وقالوا في تفسيره: هو أن لا تُضِرّ المرأةُ بزوجها، ولا الزوجُ بالمرأة.

ولو أراد المعنى الذي ذهب إليه أبو عُبيدةَ، لكان أوْلَى به أن يقول: "إن الملأََ يَتَآمَرُون فيك" أي يَسْتَأمِرُ بعضُهم بعضًا.

﴿ ١٨