٤١

وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يعني بالقرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يعني أن القرآن موافق لما في التوراة من التوحيد والنبوة والأخبار ونعمت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فالإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن تصديق للتوراة لأن التوراة فيها الإشارة إلى نعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأنه نبي مبعوث فمن آمن به فقد آمن بما في التوراة ومن كذبه وكفر به فقد كذب التوراة وكفر بها وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ الخطاب لليهود ، نزلت في كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود ، والمعنى ولا تكونوا يا معشر اليهود أول من كفر به.

فإن قلت كيف جعلوا أول من كفر به وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب من أهل مكة وغيرهم؟

قلت : هذا تعريض لهم والمعنى كان يجب أن تكونوا أول من آمن به لأنكم تعرفون صفته ونعته بخلاف غيركم وكنتم تستفتحون به على الكفار فلما بعث كان أمر اليهود بالعكس.

وقيل معناه ولا تكونوا أول كافر به من اليهود فيتبعكم غيركم على ذلك فتبوءوا بإثمكم وإثم غيركم ممن تبعكم على ذلك وَلا تَشْتَرُوا أي ولا تستبدلوا بِآياتِي أي ببيان صفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم التي في التوراة ثَمَناً قَلِيلًا أي عوضا يسيرا من الدنيا لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشيء اليسير الحقير الذي لا قيمة له والذي كانوا يأخذونه من الدنيا كالشيء اليسير بالنسبة إلى جميعها فهو قليل القليل فلهذا قال اللّه تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وذلك أن كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود وعلماءهم كانوا يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالهم وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئا معلوما من زرعهم وثمارهم ونقودهم وضروعهم فخافوا إن بينوا صفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه واختاروا الدنيا على الآخرة وأصروا على الكفر وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ أي فخافون في أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. والتقوى قريب من معنى الرهبة والفرق بينهما أن الرهبة خوف مع حزن واضطراب والتقوى جعل النفس في وقاية مما تخاف.

﴿ ٤١