٢١٣كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي على دين واحد. قيل هو آدم وذريته كانوا مسلمين على دين واحد إلى أن قتل قابيل هابيل فاختلفوا. وقيل كان الناس على شريعة واحدة من الحق والهدى من وقت آدم إلى مبعث نوح ثم اختلفوا ، فبعث اللّه نوحا ، وهو أول رسول بعث ، ثم بعث بعده الرسل. وقيل هم أهل السفينة الذين كانوا مع نوح وكانوا مؤمنين ثم اختلفوا بعد وفاته. وقيل إن العرب كانت على دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. وقيل كانت الناس أمة واحدة حين أخرجوا من ظهر آدم لأخذ الميثاق فقال : ألست بربكم؟ قالوا بلى ، فاعترفوا بالعبودية ولم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم ، ثم لما ظهروا إلى الوجود اختلفوا بسبب البغي والحسد. وقيل إن آدم وحده كان أمة واحدة يعني إماما وقدوة يقتدى به وإنما ظهر الاختلاف بعده. وقيل كان الناس أمة واحدة على الكفر والباطل بدليل قوله فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّينَ فإن قيل : أليس قد كان فيهم من هو مسلم نحو هابيل وشيث وإدريس ونحوهم؟ فالجواب أن الغالب في ذلك الزمان كان الكفر والحكم للغالب. وقيل إن الآية دلت على أن الناس كانوا أمة واحدة وليس فيها ما يدل على أنهم كانوا على إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّينَ وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر المذكورون منهم في القرآن بأسماء الأعلام ثمانية وعشرون نبيا مُبَشِّرِينَ بالثواب لمن آمن وأطاع وَمُنْذِرِينَ يعني مخوفين بالعقاب لمن كفر وعصى ، وإنما قدم البشارة على الإنذار لأن البشارة تجري مجرى حفظ الصحة للأبدان والإنذار يجري مجرى إزالة المرض ، ولا شك أن المقصود هو الأول فكان أولى بالتقديم وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ أي الكتب أو يكون التقدير وأنزل مع كل واحد الكتاب بِالْحَقِّ أي بالعدل والصدق وجملة الكتب المنزلة من السماء مائة وأربعة كتب أنزل على آدم عشر صحائف ، وعلى شيث ثلاثون ، وعلى إدريس خمسون ، وعلى موسى عشر صحائف والتوراة ، وعلى داود الزبور ، وعلى عيسى الإنجيل ، وعلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم القرآن لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ يعني الكتاب وإنما أضيف الحكم إلى الكتاب وإن كان الحاكم هو اللّه تعالى لأنه أنزله. والمعنى ليحكم اللّه بالكتاب الذي أنزله وقيل معناه ليحكم بين الناس كل نبي بكتابة المنزل عليه فإسناد الحكم إلى الكتاب أو للنبي مجاز واللّه هو الحاكم في الحقيقة فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي في الحق الذي اختلفوا فيه من بعد ما كانوا متفقين عليه وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أي في الحق إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ أي أعطوا الكتاب والمراد به التوراة والإنجيل والذين أوتوه اليهود والنصارى واختلافهم هو تكفير بعضهم بعضا بغيا وحسدا. وقيل اختلافهم هو تحريفهم وتبديلهم. وقيل الكناية فيه راجعة إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى وما اختلف في أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بعد وضوح الدلالات على صحة نبوته صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا اليهود الذين أوتوا الكتاب بغيا منهم وحسدا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي الدلالات الواضحات على صحة نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بَغْياً بَيْنَهُمْ أي إنهم لم يبق لهم عذر في العدول عنه وترك ما جاء وإنما تركوا إتباعه بغيا وحسدا ، وهو طلب الدنيا وطلب الرياسة فَهَدَى اللّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي إلى ما اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ والمعنى فهدى اللّه الذين آمنوا لمعرفة ما اختلفوا فيه من الحق وقيل هو من المقلوب والمعنى فهدى اللّه الذين آمنوا للحق الذي اختلفوا فيه وكان اختلافهم الذي اختلفوا فيه الجمعة فهدى اللّه تعالى هذه الأمة الإسلامية إليها (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (نحن الآخرون السابقون يقوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا اللّه فغدا لليهود وبعد غد للنصارى) وفي رواية قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض اللّه عليهم فاختلفوا فيه فهدانا اللّه له) زاد النسائي : يعني يوم الجمعة ، ثم اتفقا فالناس لنا تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد (م) عن حذيفة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أضل اللّه عن يوم الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وللنصارى يوم الأحد ، فجاء اللّه بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل اللّه الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق. وقيل اختلفوا في شأن القبلة فصلت اليهود نحو المغرب إلى بيت المقدس ، وصلت النصارى إلى المشرق ، وهدانا اللّه إلى الكعبة. وقيل اختلفوا في الصيام فهدانا اللّه لشهر رمضان ، واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود كان يهوديا ، وقالت النصارى كان نصرانيا ، فهدانا إلى الحق فقلنا : كان حنيفا مسلما. واختلفوا في عيسى ابن مريم فاليهود فرطوا فيه والنصارى أفرطوا فيه ، فهدانا اللّه في ذلك كله للحق. والمعنى فهدى اللّه الذين آمنوا إلى الحق الذي اختلف فيه من اختلف بِإِذْنِهِ يعني بعلمه وأمره وإرادته وَاللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. |
﴿ ٢١٣ ﴾