٨

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا أي ويقول الراسخون في العلم : ربنا لا تزغ قلوبنا أي لا تملها عن الحق والهدى كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا أي وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي أعطنا توفيقا وتثبيتا للذي نحن عليه من الإيمان والهدى

وقيل : هب لنا تجاوزا ومغفرة إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض والوهاب في صفة اللّه تعالى أنه يعطي كل أحد على قدر استحقاقه.

(م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (اللّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) هذا من أحاديث الصفات وللعلماء فيه قولان

أحدهما : الإيمان به وإمراره كما جاء ، من غير تعرض لتأويل ولا تكييف ولا لمعرفة معناه بل نؤمن به كما جاء وأنه حق ونكل علمه إلى مراد اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم هذا القول هو مذهب أهل السنة من سلف الأمة وخلفها من أهل الحديث وغيرهم.

والقول الثاني إنه يتأول بحسب ما يليق به وأن ظاهره غير مراد قال تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فعلى هذا المراد هو المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي يريد أنه تحت قدرته وفي تصرفه إلّا أنه حال في كفه فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء لا يمتنع عليه منها شيء ولا يفوته ما أراد منها كما لا يمتنع على الإنسان ما بين إصبعيه فخاطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بما يفهمونه ويعلمونه من أنفسهم ، وإنما ثنى لفظ الإصبعين والقدرة واحدة لأنه جرى على المعهود من التمثيل بحسب ما اعتادوه وإن كان غير مقصود به التثنية أو الجمع ، وهذا مذهب جمهور المتكلمين وغيرهم من المتأخرين. وإنما خص القلوب بالذكر لفائدة وهي أن اللّه تعالى جعل القلوب ، محلا للخواطر والإرادات والنيات وهي مقدمات الأفعال ثم جعل سائر الجوارح تابعة للقلوب في الحركات والسكنات واللّه أعلم.

﴿ ٨