١٠٦

قوله عز وجل : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ يعني اذكروا يوم تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين ،

وقيل تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة ،

وقيل تبيض وجوه المخلصين وتسود وجوه المنافقين وفي بياض الوجوه وسوادها قولان :

أحدهما ، إن البياض كناية عن الفرح والسرور والسواد كناية عن الغم والحزن ، وهذا مجاز مستعمل يقال لمن نال بغيته وظفر بمطلوبه ابيضّ وجهه يعني من السرور والفرح ولمن ناله مكروه اسود وجهه وأريد لونه يعني من الحزن والغم قال اللّه تعالى : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا يعني من الحزن فعلى هذا بياض الوجوه إشراقها وسرورها واستبشارها بعملها ، وذلك أن المؤمن إذا ورد القيامة على ما قدم من خير وعمل صالح استبشر بثواب اللّه ونعمه عليه فإذا كان كذلك وسم وجهه ببياض اللون وإشراقه واستنارته وابيضت صحيفته وأشرقت وسعى النور بين يديه وعن يمينه وشماله.

وأما الكافر والظالم إذا ورد القيامة على ما قدم من قبيح عمل وسيئات حزن واغتم لعلمه بعذاب اللّه فإذا كان كذلك وسم وجهه بسواد اللون وكمودته واسودت صحيفته وأظلمت وأحاطت به الظلمة من كل جانب نعوذ بفضل اللّه وسعة رحمته من الظلمات يوم القيامة

والقول الثاني بياض الوجوه وسوادها حقيقة تحصل في الوجه فيبيض وجه المؤمن ويكسى نورا ويسود وجه الكافر ويكسى ظلمة لأن لفظ البياض والسواد حقيقة فيهما والحكمة في بياض الوجوه وسوادها أن أهل الموقف إذا رأوا بياض وجه المؤمن عرفوا أنه من أهل السعادة وإذا رأوا سواد وجه الكافر عرفوا أنه من أهل الشقاوة فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتقريع.

فإن قلت كيف قال أكفرتم بعد إيمانكم وهم لم يكونوا مؤمنين فمن المراد بهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم

قلت اختلف العلماء في ذلك فروى عن أبيّ بن كعب أنه قال : أراد به الإيمان يوم أخذ الميثاق حين قال لهم ألست بربكم؟ قالوا بلى فآمن الكل ، فكل من كفر في الدنيا فقد كفر بعد الإيمان ، وقال الحسن : هم المنافقون وذلك أنهم تكلموا بالإيمان بألسنتهم وأنكروه بقلوبهم. وقال عكرمة : هم أهل الكتاب وذلك أنهم آمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مبعثه فلما بعث أنكروه وكفروا به

وقيل هم الذين ارتدوا زمن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه وهم أهل الردة

(ق) عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأنا لهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)

(ق) عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فيقال لي لا تدري ما أحدثوا بعدك) زاد في رواية فأقول : (سحقا لمن بدل بعدي)

(ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي أو قال من أمتي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول : إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقهرى)

وقيل هم الخوارج الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب وقتلهم وهم الحرورية.

(م) عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي لما ساروا إلى الخوارج فقال عليّ : أيّها الناس إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)

وفي رواية سويد بن غفلة عنه يقرءون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند اللّه يوم القيامة

(ق) عن بشير بن عمرو. قال : قلت لسهل بن حنيف هل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في الخوارج شيئا قال : سمعته يقول وأهوى بيده إلى العراق (و يخرج منهم قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية)

وقيل هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة كالقدرية ونحوهم ومن قال بهذا القول يقول كفرهم بعد إيمانهم هو خروجهم من الجماعة ومفارقتهم في الاعتقاد.

(م) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا).

وقال الحارث الأعور : سمعت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول : على المنبر إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به الجنة وإن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار ثم قرأ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ الآية ثم نادى هم الذين كفروا بعد الإيمان ورب الكعبة.

وقوله تعالى :

﴿ ١٠٦