١٢٥بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا قال يوم بدر قال ولم يصبروا ولم يتقوا يوم أحد فلم يمدوا ولو أمدوا لم يهزموا يومئذ وقيل لم يصبروا ولم يتقوا إلّا في يوم الأحزاب فأمدهم اللّه بالملائكة حتى حاصروا قريظة (ق) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : (لما رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فقال : قد وضعت السلاح واللّه ما وضعناه اخرج إليهم قال : فإلى أين؟ قال هاهنا وأشار إلى بني قريظة فخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم) (ق) عن أنس رضي اللّه عنه قال : (كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام حين سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني قريظة وقال عبد اللّه بن أبي أوفى كنا محاصرين قريظة والنضير ما شاء اللّه فلم يفتح علينا فرجعنا فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل عليه السلام فقال : أوضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ثم نادى فينا فقمنا حتى أتينا قريظة والنضير فيومئذ أمدنا اللّه تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ففتح لنا فتحا يسيرا) وقال ابن جرير الطبري : وأولى الأقوال بالصواب أن اللّه تعالى أخبر عن نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال للمؤمنين : (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة) فوعدهم بثلاثة آلاف من الملائكة مددا لهم ثم وعدهم بخمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بهم ولا على أنهم لم يمدوا بهم فقد يجوز أن اللّه أمدهم وقد يجوز أن لا يكون أمدهم ولا يثبت ذلك إلّا بنص تقوم به الحجة في ذلك. وقد ثبت بنص القرآن أنهم أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة كما في سورة الأنفال وأما يوم أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها بأنهم أمدوا وذلك أنهم لو أمدوا لم ينهزموا ولم ينل منهم ما نيل منهم. فإن قلت فما تصنع بحديث سعد بن أبي وقاص المتقدم في يوم أحد وأنه رأى ملكين عن يمين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وشماله قلت إنما كان ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم خاصة لأنه صبر ولم ينهزم كما انهزم أصحابه يوم أحد. وأما التفسير فقوله تعالى : إذ تقول للمؤمنين فعلى قول من قال : إن هذا كان يوم بدر. قال نظم الآية ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة إذ تقول للمؤمنين ومن قال هذا يوم أحد يقول نظم الآية أن اللّه ذكر قصة أحد ثم أتبعه بقوله : (و لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة) فكذلك هو قادر أن ينصركم في سائر المواطن ثم رجع إلى قصة أحد فقال تعالى : إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ ومعنى الكفاية هو سد الخلة والقيام بالأمر مع بلوغ المراد أن يمدكم ربكم. الإمداد إعانة الجيش فما كان على جهة القوة والإعانة يقال أمده إمدادا وما كان على جهة الزيادة يقال. فيه مده مدا ، وقيل المد في الشر والإمداد في الخير بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين إنما وعدهم اللّه بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويثقوا بنصر اللّه ويعزموا على الثبات. بلى تصديق لوعد اللّه أي بلى نمدكم ، وقيل بلى إيجاب لما بعد ألن يعني يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية أن تصبروا أي على لقاء عدوكم وتتقوا يعني معصية اللّه ومخالفة نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ويأتوكم يعني المشركين من فورهم هذا قال ابن عباس : ابتداء الأمر يوجد فيه ثم يوصل بآخر فمن قال معنى من فورهم من وجههم أراد ابتداء مخرجهم يوم بدر. ومن قال معناه من غضبهم أراد ابتداء غضبهم لقتلاهم يوم بدر لأنهم رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم يوم بدر. يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة لم يرد خمسة آلاف سوى الثلاثة المتقدمة بل أراد معهم فمن قال إن هذا الإمداد كان يوم بدر قال : إن اللّه تعالى أمدهم بألف فلما سمعوا أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق على المسلمين ذلك قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للمسلمين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم الآية على تقدير أن يجيء للمشركين المدد ، فلما لم يمدوا لم يمد اللّه المسلمين بغير ألف وروى ابن الجوزي في تفسيره عن جبير بن مطعم عن علي بن أبي طالب قال : بينا أنا امتح من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها إلّا التي قبلها ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها إلا التي كانت قبلها فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألفين من الملائكة وكانوا بين يدي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألفين من الملائكة وكانوا عن يمين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن يسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكنت عن يساره وهزم اللّه أعداءه ومن الناس من ضم العدد القليل إلى الكثير. فقال لأن اللّه تعالى ذكر الألف في سورة الأنفال وذكر هنا ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فيكون المجموع تسعة آلاف ، وإن جعلناه على غزوة أحد فيكون المجموع ثمانية آلاف لأنه ليس فيها ذكر الألف المفردة مُسَوِّمِينَ قرئ بفتح الواو وبكسرها فمن فتح الواو أراد أن اللّه سومهم ومعناه معلمين قد سوموا فيهم مسومون والسومة والسيما العلامة وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها قال عنترة : فتعرفوني أنني أنا ذلكم شاكي سلاح في الحوادث معلم ومن كسر الواو نسب الفعل إلى الملائكة والمعنى أنهم أعلموا أنفسهم بعلامات مخصوصة أو أعلموا خيلهم واختلفوا في تلك العلامة فقال عروة بن الزبير : كانت الملائكة على خيل بلق وعليهم عمائم صفر. وقال علي وابن عباس : كان عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم وقال هشام بن عروة والكلبي : كانت عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم ، وقال قتادة والضحاك : كانوا قد أعلموا بالعهن يعني بالصوف المصبوغ في نواصي خيلهم وأذنابها وروي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأصحابه يوم بدر : (تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم) ذكره البغوي بغير سند وقيل كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك وقيل كانوا قد سوموا أنفسهم بسيما القتال. قوله تعالى : |
﴿ ١٢٥ ﴾