١٣٩ثم وصف اللّه تعالى المنافقين فقال تعالى : الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ يعني يتخذون اليهود أولياء وأنصارا وبطانة من دون المؤمنين وذلك أن المنافقين كانوا يقولون إن محمدا لا يتم أمره فيوالون اليهود فقال اللّه تعالى ردا على المنافقين : أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يعني يطلبون من اليهود العزة والمعونة والظهور على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه جَمِيعاً يعني فإن القوة والقدرة والغلبة للّه جميعا وهو الذي يعز أولياءه وأهل طاعته كما قال تعالى : وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ يا معشر المسلمين فِي الْكِتابِ يعني القرآن أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّه يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها قال المفسرون الذي أنزل عليهم في النهي عن مجالستهم هو قوله تعالى في سورة الأنعام : وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وهذا أنزله بمكة لأن المشركين كانوا يخوضون في القرآن ويستهزءون به في مجالسهم ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون مثل فعل المشركين وكان المنافقون يجلسون إليهم ويخوضون معهم في الاستهزاء بالقرآن فنهى اللّه المؤمنين عن القعود معهم بقوله : فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ يعني يأخذوا في حديث آخر غير الاستهزاء بالقرآن وبمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم قال ابن عباس دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ يعني أنكم يا أيها الجالسون مع المستهزئين بآيات اللّه إذا رضيتم بذلك فأنتم وهم في الكفر سواء. قال العلماء وهذا يدل على أن من رضي بالكفر فهو كافر ومن رضي بمنكر أو خالط أهله كان في الإثم بمنزلتهم إذا رضي به وإن لم يباشره فإن جلس إليهم ، ولم يرض بفعلهم بل كان ساخط له وإنما جلس على سبيل التقية والخوف فالأمر فيه أهون من المجالسة مع الرضا وإن جلس مع صاحب بدعة أو منكر ولم يخض في بدعته أو منكره فيجوز الجلوس معه مع الكراهة وقيل لا يجوز بحال والأول أصح إِنَّ اللّه جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً أي إنهم اجتمعوا في الدنيا على الاستهزاء بآيات اللّه وكذلك يجمعهم في عذاب جهنم يوم القيامة قوله عز وجل : الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ نزلت في المنافقين والمعنى ينتظرون ما يحدث بكم من خير أو شر فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه أي ظفر على عدوكم ، وغنيمة تنالونها منهم قالُوا يعني المنافقين لكم أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ يعني في الوقعة والفتح فأعطونا من الغنيمة وقيل معناه ألم نكن على دينكم وفي الجهاد كنا معكم فاجعلوا لنا نصيبا من الغنيمة وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ أي دولة وظهور على المسلمين قالُوا يعني المنافقين للكفار أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ الاستحواذ هو الاستيلاء والغلبة يقال استحوذ فلان على فلان أي غلب عليه والمعنى أم نغلبكم ونتمكن منكم ومن قتالكم وأسركم ثم لم نفعل ذلك وقيل معناه ألم نغلبكم على رأيكم وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني في صلاتهم والدخول في دينهم وقيل معناه ألم ندفع المؤمنين بتخذيلهم عنكم ومراسلتنا إياكم بأخبارهم وأسرارهم فهاتوا نصيبا مما أصبتم منهم ومراد المنافقين إظهار المنة على الكفار. فإن قلت لم سمي ظفر المؤمنين فتحا وسمي ظفر الكافرين نصيبا قلت تعظيما لشأن المؤمنين وتخسيسا لحظ الكافرين لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى ينزل النصر على المسلمين وأما ظفر الكفار فما هو إلا حظ دنيء ونصيب خسيس لا يبقى منه إلا ما نالوه ولهم في الآخرة العقوبة الشديدة على ذلك النصيب الذي نالوه من المسلمين فَاللّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني الفريقين فريق المؤمنين وفريق المنافقين والمعنى إنما وضع السيف عن المنافقين في الدنيا لا لأجل كرامتهم بل أخر عذابهم إلى يوم القيامة وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فيه قولان : أحدهما وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس أن المراد به يوم القيامة بدليل أنه عطف على قوله فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة روي أن رجلا سأل علي بن أبي طالب عن هذه الآية : وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وهم يقتلوننا فقال ولن يجعل اللّه للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا. والقول الثاني إن هذا في الدنيا والمعنى أن حجة المؤمنين غالبة في الدنيا على الكافرين وليس لأحد أن يغلبهم بالحجة وقيل معناه إن اللّه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا بأن يمحو دولة المؤمنين بالكلية حتى يستبيحوا بيضتهم فلا يبقى أحد من المؤمنين وقيل معناه إن اللّه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن شريعة الإسلام ظاهرة إلى يوم القيامة ويتفرع على ذلك مسائل من أحكام الفقه منها أن الكافر لا يرث المسلم ومنها أن الكافر إذا استولى على مال المسلم لم يملكه بدليل هذه الآية ومنها أن الكافر ليس له أن يشتري عبدا مسلما ومنها أن المسلم لا يقتل بالذمي بدليل هذه الآية. قوله تعالى : |
﴿ ١٣٩ ﴾