٢قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّه نزلت في الحطم واسمه شريح بن هند بن ضبعة البكري أتى المدينة وحده وخلف خيله خارج المدينة ودخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إلا ما ، تدعو الناس فقال : إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال حسن إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم فخرج من عنده وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان فلما خرج شريح. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم ، فمرّ بسرح من سرح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول : لقد لفّها بالليل سواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم باتوا نياما وابن هند لم ينم بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين ممسوح القدم فتبعوه فلم يدركوه فلما كان العام القابل ، خرج شريح حاجّا مع حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلد الهدي ، فقال المسلمون : يا رسول اللّه هذا الحطم قد خرج حاجا فخلّ بيننا وبينه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : إنه قد قلد الهدي. فقالوا : يا رسول اللّه هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية فأبى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّه. قال ابن عباس : هي المناسك كان المشركون يحجون ويهدون ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم اللّه عن ذلك. وقيل : الشعائر ، الهدايا المشعرة وإشعارها أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل دمه فيكون ذلك علامة أنها هدي وهو سنة في الإبل والبقر عون الغنم ، ويدل عليه ما روي عن عائشة : (فتلت قلائد بدن النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلالا) أخرجاه في الصحيحين (م). عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهلّ بالحج. وعند أبي حنيفة لا يجوز إشعار الهدي بل قال يكره ذلك. وقال ابن عباس (١) في معنى الآية : لا تحلوا شعائر اللّه هي أن تصيد وأنت محرم. وقيل : شعائر اللّه شرائع اللّه ومعالم دينه ، والمعنى : لا تحلوا شيئا من فرائضه التي افترض عليكم واجتنبوا نواهيه التي نهى عنها وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ أي ولا تحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه والشهر الحرام : هو الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال في الجاهلية فيه ، فلما جاء الإسلام ، لم ينقض هذا الحكم ، بل أكده. والمراد بالشهر الحرام هنا ، ذو القعدة. وقيل : رجب. ذكرهما ابن جرير. وقيل : المراد بإحلال الشهر الحرام النسيء. قال مقاتل : كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ ، فيقول : إني قد أحللت كذا وحرمت كذا يعني به الأشهر فنهى اللّه عن ذلك وسيأتي تفسير النسيء في سورة براءة : وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ الهدي ما يهدى إلى بيت اللّه من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك مما يتقرب به إلى اللّه تعالى ، والقلائد جمع قلادة وهي التي تشد في عنق البعير وغيره والمعنى : ولا الهدي ذوات القلائد. قال الشاعر : حلفت برب مكة والمصلى وأعناق هدي مقلدات فعلى هذا القول إنما عطف القلائد على الهدي مبالغة في التوصية لأنها من أشراف البدن المهداة والمعنى : ولا تستحلوا الهدي خصوصا المقلدات منها. وقيل : أراد أصحاب القلائد وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا ________ (١) قوله وقال ابن عباس إلخ كأن هذا قول ثان له رضي اللّه عنه إذ تقدم له غير هذا ا ه. أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم من لحاء شجر الحرم فكانوا يأمنون بذلك فلا يتعرض لهم أحد ، فنهى اللّه المؤمنين عن ذلك الفعل ونهاهم عن استحلال نزع شيء من شجر الحرم وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يعني ولا تستحلوا القاصدين إلى البيت الحرام وهو الكعبة شرّفها اللّه وعظمها يَبْتَغُونَ يعني يطلبون فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ يعني الرزق والأرباح في التجارة وَرِضْواناً يعني ويطلبون رضا اللّه عنهم بزعمهم لأن الكافر لا حظ له في الرضوان لكن يظن أن فعله ذلك طلب الرضوان فيجوز أن يوصف به بناء على ظنه. وقيل إن المشركين كانوا يقصدون بحججهم ابتغاء رضوان اللّه وإن كانوا لا يغالونه فلا يبعد أن يحصل لهم بسبب ذلك القصد نوع من الحرمة وهو الأمن على أنفسهم. وقيل : كان المشركون يلتمسون في حجهم ما يصلح لهم دنياهم ومعاشهم. وقيل : ابتغاء الفضل هو للمؤمنين والمشركين عامة وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة وذلك أنهم يحجون جميعا. ( (فصل)) اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية فقال قوم : هذه الآية منسوخة إلى هاهنا لأن قوله تعالى لا تحلوا شعائر اللّه ولا الشهر الحرام يقتضي حرمة القتل في الشهر الحرام وفي الحرم وذلك منسوخ بقوله تعالى : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله تعالى : وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يقتضي حرمة منع المشركين عن البيت الحرام وذلك منسوخ بقوله تعالى : فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا فلا يجوز أن يحج مشرك ولا يأمن بالهدي والقلائد كافر وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر المفسرين. قال الشعبي : لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية. وقيل : المنسوخ منها قوله ولا آمين البيت الحرام نسختها آية براءة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله : فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وقال ابن عباس : كان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعا فنهى اللّه المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل اللّه بعد هذا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال آخرون : لم ينسخ من ذلك شيء سوى القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء شجر الحرم. قال الواحدي : وذهب جماعة إلى أنه لا منسوخ في هذه السورة وأن هذه الآية محكمة قالوا ما ندبنا إلى أن نخيف من يقصد بيته من أهل شريعتنا في الشهر الحرام ولا في غيره وفصل الشهر الحرام عن غيره بالذكر تعظيما وتفضيلا وحرم علينا أخذ الهدي من المهدين وصرفه عن بلوغ محله وحرم علينا القلائد التي كانوا يفعلونها في الجاهلية وهذا غير مقبول ، والظاهر ما عليه جمهور العلماء من نسخ هذه الآية لإجماع العلماء ، على أن اللّه عزّ وجلّ قد أحلّ قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها. وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه وذراعيه جميع لحاء الشجر لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن قد تقدم له عهد ذمة أو أمان. وكذلك أجمعوا على منع من قصد البيت بحج أو عمرة من المشركين لقوله تعالى عمرة من المشركين لقوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا واللّه أعلم. وقوله تعالى : وَإِذا حَلَلْتُمْ يعني من إحرامكم فَاصْطادُوا هذا أمر إباحة ، لأن اللّه حرم الصيد على المحرم حالة إحرامه بقوله تعالى : غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وإذا حلّ من إحرامه بقوله وإذا حللتم فاصطادوا وإنما قلنا إنه أمر إباحة لأنه ليس واجبا على المحرم إذا حل من إحرامه أن يصطاد ومثله قوله تعالى : فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ معناه أنه قد أبيح لكم ذلك بعد الفراغ من الصلاة وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ. قال ابن عباس : لا يحملنكم. وقيل : معناه لا يكسبنكم ولا يدعوكم شَنَآنُ قَوْمٍ يعني بغض قوم وعداوتهم أَنْ صَدُّوكُمْ يعني لأن صدوكم عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والمعنى : لا يحملنكم عداوة قوم على الاعتداء ، لأن صدوكم عن المسجد الحرام ، لأن هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية ، فكان الصدّ قد تقدم أَنْ تَعْتَدُوا عليهم يعني : بالقتل وأخذ المال وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى يعني ليعن بعضكم بعضا على ما يكسب البر والتقوى قال ابن عباس : البر متابعة السنة وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ يعني ولا يعن بعضكم بعضا على الإثم وهو الكفر والعدوان هو الظلم. وقيل : الإثم المعاصي ، والعدوان البدعة (م) عن النواس بن سمعان ، قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البر والإثم فقال : البر (حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) وَاتَّقُوا اللّه أي احذروا اللّه أن تعتدوا ما أمركم به أو تجاوزوا إلى ما نهاكم عنه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ يعني لمن خالف أمره ففيه وعيد وتهديد عظيم. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) |
﴿ ٢ ﴾