٤قوله عز وجل : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال : (جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فقال : قد أذنّا لك يا رسول اللّه قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب). قال أبو رافع فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها ثم جئت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فجاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا يا رسول اللّه ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها قال فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ. وروي عن عكرمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم وسعد بن أبي خيثمة وعويمر بن ساعدة على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا : ماذا أحل لنا فنزلت : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال ابن الجوزي : وأخرج حديث أبي رافع الحاكم في صحيحه قال البغوي : فلما نزلت هذه الآية أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية). ولمسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم) وقال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد الخير قالا : يا رسول اللّه إنّا قوم نصيد بالكلاب وبالبزاة فماذا يحل لنا فنزلت هذه الآية. قال البغوي : وهذا القول أصح في سبب نزولها. وأما التفسير فقوله تعالى يسألونك يعني يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل كأنهم لما تلا عليهم من خبائث المآكل ما تلا سألوا عما أحل لهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعني قل لهم يا محمد أحل لكم الطيبات يعني : ما ذبح عن اسم اللّه عز وجل. وقيل : الطيبات كل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة. واعلم : أن العبرة في الاستطابة والاستلذاذ بأهل المروءة والأخلاق الجميلة من العرب ، فإن أهل البادية منهم يستطيبون أكل جميع الحيوانات فلا عبرة بهم لقوله تعالى : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ فإن الخبيث غير مستطاب ، فصارت هذه الآية الكريمة نصا فيما يحل ويحرم من الأطعمة. وقوله تعالى : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ يعني وأحل صيد ما علمتم من الجوارح فحذف ذكر الصيد وهو مراد في الكلام لدلالة الباقي عليه ولأنهم سألوا عن الصيد وقيل : إن قوله وما علمتم من الجوارح ابتداء كلام خبره فكلوا مما أمسكن عليكم وعلى هذا القول يصح معنى الكلام من غير إضمار. والجوارح : جمع جارحة وهي الكواسب من : السباع والطير كالفهد والنمر والكلب والبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق من الطير مما يقبل التعليم سميت جوارح من الجرح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه وقيل : سميت جوارح لأنها تكسب. والجوارح : الكواسب من جرح واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى : الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ يعني اكتسبوا وقوله ويعلم ما جرحتم بالنهار أي اكتسبتم مكلبين يعني معلمين. والمكلب : هو الذي يغري الكلاب على الصيد. وقيل : هو مؤدّب الجوارح ومعلمها وإنما اشتق له هذا الاسم من الكلب ، لأنه أكثر احتياجا إلى التعليم من غيره من الجوارح. (تعلمونهن) يعني تعلمون الجوارح الاصطياد مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّه يعني من العلم الذي علمكم اللّه ، ففي الآية دليل على أنه لا يجوز صيد جارحة ما لم تكن معلمة. وصفة التعليم هو أن الرجل يعلم جارحة الصيد وذلك أن يوجد فيها أمور منها : أنه إذا أشليت (١) على الصيد استشلت وإذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل منها شيئا ومنها أن لا ينفر منه إذا أراده وأن يجيبه إذا دعاه فهذا هو تعليم جميع الجوارح فإذا وجد ذلك منها مرارا كانت معلمة وأقلها ثلاث مرات فإنه يحل قتلها إذا جرحت بإرسال صاحبها (ق). عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت إنا قوم نصيد بهذه الكلاب؟ فقال (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم اللّه عليه فكل مما أمسك عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالط كلابا لم يذكر اسم اللّه عليه فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره). وفي رواية : فإنك لا تدري أيها قتل وسألته عن الصيد المعراض ، فقال : إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل فإن وقع في المال فلا تأكل. واختلف العلماء فيما إذا أخذت الكلاب الصيد وأكلت منه شيئا فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه ويروى ذلك عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاوس الشعبي وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أصح قول الشافعي ويدل عليه قوله صلى اللّه عليه وسلم : وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ورخص بعضهم في أكله يروي ذلك عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وبه قال مالك لما روي عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صيد الكلب (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم اللّه فكل وإن أكل منه) أخرجه أبو داود. وأما غير المعلم من الجوارح إذا أخذت صيدا أو المعلم إذا خرج بغير إرسال صاحبه فأخذ وقتل فإنه لا يحل إلا أن يدركه حيا فيذبحه فيحل (ق). ________ (١) قوله إذا أشليت قال في الصحاح وقول الناس أشليت الكلب على الصيد خطأ وقال أبو زيد أشليت الكلب دعوته وقال ابن السكيت يقال أو سدت الكلب بالصيد وآسدته إذا أغربته به ولا يقال أشليته إنما الإشلاء الدعاء ا ه. عن أبي ثعلبة الخشني قال : قلت يا رسول اللّه أنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال : أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم اللّه عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم اللّه عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل. وقوله تعالى : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ دخلت من في قوله مما للتبعيض لأنه إنما أحل أكل بعض الصيد وهو اللحم دون الفرث والدم. وقيل : من زائدة فهو كقوله تعالى : كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَيْهِ. قال ابن عباس : يعني إذا أرسلت جارحك فقل بسم اللّه وإن نسيت فلا حرج. ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم لعدي : (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم اللّه عليه فكل) فعلى هذا يكون الضمير في عليه عائد إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا اللّه عليه عند إرساله. وقيل : الضمير عائد إلى ما أمسكن عليكم. والمعنى : سموا اللّه عليه إذا أدركتم ذكاته. وقيل : يحتمل أن يكون الضمير عائد إلى الأكل يعني واذكروا اسم اللّه عليه عند الأكل فعلى هذا تكون للتسمية شرطا عند إرسال الجوارح وعند إرسال الذبيحة وعند الأكل وسيأتي بيان هذه المسألة (١) في سورة الأنعام عند قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه وَاتَّقُوا اللّه يعني واحذروا مخالفة اللّه يعني فيما أحل لكم وحرم عليكم إِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسابِ يعني إذا حاسب عباده يوم القيامة ففيه تخويف لمن خالف أمره وفعل ما نهاه عنه. |
﴿ ٤ ﴾