١٣

١٤

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّه بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ أي بسبب نقضهم الميثاق وذلك أن بني إسرائيل نقضوا ميثاق اللّه وعهده بأن كذبوا الرسل الذين جاءوا من بعد موسى وقتلوا أنبياء اللّه ونبذوا كتابه وضيّعوا فرائضه لَعَنَّاهُمْ يعني جازيناهم على ذلك بأن أبعدناهم وطردناهم عن رحمتنا وأصل اللعنة الإبعاد عن الرحمة وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يعني غليظة يابسة لا تلين لأن القسوة خلاف اللين والرقة

وقيل معناه إن قلوبهم ليست خالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يعني يغيرون حدود التوراة وأحكامها

وقيل هو تبديلهم صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته من التوراة

وقيل هو تحريفهم معاني الألفاظ بسوء التأويل وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني وتركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان يعني على معصية منهم وكانت خيانتهم نقض العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب محمد صلى اللّه عليه وسلم وهمهم بقتله وسمه ونحوها من خيانتهم التي ظهرت إِلَّا قَلِيلًا

مِنْهُمْ يعني أنهم لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم عبد اللّه بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من أهل الكتاب فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ أي فاعف عن زلاتهم يا محمد واصفح عن جرمهم ومؤاخذتهم وهذا الأمر بالعفو والصفح عن أهل الكتاب منسوخ بقوله تعالى : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية التي نزلت في سورة براءة قاله قتادة

وقيل إنها غير منسوخة بل نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم عهد فغدروا ونقضوا ذلك العهد فأظهر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك وأنزل هذا الآية ولم تنسخ وذلك أن يجوز أن يعفو عن غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربا ولم يمنعوا من أداء الجزية والصغار وعلى هذا القول بأنها غير منسوخة يكون معنى الآية فاعف عن مؤمنهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم قبل ذلك.

وقيل : معناه فاعف عن صغائر زلاتهم ما داموا باقين على العهد إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يعني إذا عفوت عنهم فإنك تحسن واللّه يحب المحسنين

قوله عز وجل : وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ لما ذكر نقض اليهود الميثاق اتبعه بذكر نقض النصارى الميثاق وأن سبيل النصارى مثل سبيل اليهود في نقض العهد والميثاق وإنما قال تعالى : وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ولم يقل من النصارى لأنهم الذين ابتدعوا هذا الاسم وسموا به أنفسهم لأن اللّه تعالى سماهم به أخذنا ميثاقهم يعني كتبنا عليهم في الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني فتركوا ما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فَأَغْرَيْنا يعني فألقينا وأوقعنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

قال قتادة : لما تركوا العمل بكتاب اللّه وعصوا رسله وضيعوا فرائضه وعطلوا حدوده ، ألقى اللّه العداوة والبغضاء بينهم.

وقيل : العداوة والبغضاء هي الأهواء المختلفة وفي الهاء والميم من قوله بينهم قولان :

أحدهما أن المراد بهم اليهود والنصارى فإن العداوة والبغضاء حاصلة بينهم إلى يوم القيامة.

والقول الثاني أن المراد بهم فرق النصارى ، فإن كل فرقة منهم تكفر الأخرى وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّه بِما كانُوا يَصْنَعُونَ يعني أن اللّه تعالى يخبرهم في الآخرة بأعمالهم التي عملوها في الدنيا ففيه وعيد وتهديد لهم.

قوله تعالى :

﴿ ١٣