٩٢٩٣٩٤قوله عز وجل : وَأَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ يعني ، فيما أمركم به ونهاكم عنه وَاحْذَرُوا أي واحذروا مخالفة اللّه ومخالفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما أمركم به ونهاكم عنه فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني فإن أعرضتم عما أمركم به ونهاكم عنه فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وهذا وعيد وتهديد لمن أعرض عن أمر اللّه ونهيه كأنه قال فاعلموا أنكم بسبب توليكم وإعراضكم قد استحققتم العذاب والسخط. قوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية عن البراء بن عازب قال : مات ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريم الخمر قال ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ قال : فنزلت : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية أخرجه الترمذي. وقال حديث : حسن صحيح. عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول اللّه أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر لما نزل تحريم الخمر فنزلت : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ومعنى الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا أي لا حرج ولا إثم عليهم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار في وقت الإباحة قبل التحريم قال ابن قتيبة يقال : لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما قال الشاعر : فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا النقاخ الماء والبرد النوم إِذا مَا اتَّقَوْا يعني إذا ما اتقوا الشرك وقيل اتقوا ما حرم اللّه عليهم وَآمَنُوا يعني باللّه ورسوله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي وازدادوا من عمل الصالحات ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا يعني اتقوا الخمر والميسر بعد التحريم فعلى هذا تكون الأولى إخبارا عن حال من مات وهو يشربها قبل التحريم أنه لا جناح عليه. والثانية : خطاب لمن بقي بعد التحريم أمروا باتقائها والإيمان بتحريمها ثُمَّ اتَّقَوْا يعني ما حرم عليهم في المستقبل وَأَحْسَنُوا يعني العمل. وقيل : المراد بالاتقاء الأول فعل التقوى وبالثاني المداومة عليها وبالثالث اتقاء الظلم مع ضم الإحسان إليه. وقيل : إن المقصود من التكرير التأكيد والمبالغة في الحث على الإيمان والتقوى وضم الإحسان إليهما ثم قال تعالى : وَاللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يعني أنه تعالى يحب المتقربين إليه بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى والإحسان وهذا ثناء ومدح لهم على الإيمان والتقوى والإحسان لأن هذه المقامات من أشرف الدرجات وأعلاها (م) عن عبد اللّه بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إلى آخر الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل لي : أنت منهم ومعناه ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل له إن ابن مسعود منهم يعني من الذين آمنوا وعملوا الصالحات والتقوى والإحسان. قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ نزلت هذه الآية عام الحديبية وكانوا محرمين ، فابتلاهم اللّه بالصيد ، فكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهمّوا بأخذها وصيدها فأنزل اللّه هذه الآية : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه الآية اللام في ليبلونكم لام القسم أي ليخبرن طاعتكم من معصيتكم والمعنى يعاملكم معاملة المختبر بشيء من الصيد يعني بصيد البر دون البحر. وقيل : أراد الصيد في حالة الإحرام دون الإحلال وإنما قال بشيء من الصيد ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي نزل عندها أقدام الثابتين ويكون التكليف فيها صعبا شاقا كالابتلاء ببذل الأموال والأرواح وإنما هو ابتلاء سهل كما ابتلي أصحاب السبت بصيد السمك فيه لكن اللّه عز وجل بفضله وكرمه عصم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم فلم يصطادوا شيئا في حالة الابتلاء ولم يعصم أصحاب السبت فمسخوا قردة وخنازير. وقوله تعالى : تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ يعني الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفر من صغار الصيد وَرِماحُكُمْ يعني كبار الصيد مثل حمر الوحش ونحوها. وقال ابن عباس : في قوله تناله أيديكم ورماحكم هو الضعيف من الصيد وصغيره يبتلي اللّه به عباده في إحرامهم حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم فنهاهم اللّه أن يقربوه لِيَعْلَمَ اللّه أي : ليرى اللّه فإنه قد علمه فهو مجاز لأنه تعالى عالم لم يزل والمعنى يعاملكم معاملة المختبر. وقيل : معناه ليظهر المعلوم وهو خوف الخائف وقيل هو من باب حذف المضاف والتقدير ليعلم أولياء اللّه مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ يعني : من يخاف اللّه ولم يره فلا يصطاد في حالة الإحرام شيئا بعد النهي فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ يعني فصاد في حالة الإحرام بعد النهي فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الدنيا. قال ابن عباس : هو أن يوجع ظهره وبطنه جلدا وتسلب ثيابه وهذا قول أكثر المفسرين في معنى هذه الآية لأنه قد سمى الجلد عذابا وهو قوله وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّه عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) |
﴿ ٩٢ ﴾