٩٩

١٠٠

١٠١

قوله تعالى : ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ يعني ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم إلا تبليغ ما أرسل به من الإنذار بما فيه قطع الحجج ، ففي الآية تشديد عظيم في إيجاب القيامة بما أمر اللّه وأن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت الحجة عليكم بذلك ولزمتكم الطاعة فلا عذر في التفريط وَاللّه يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ يعني أنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوالكم ظاهرا وباطنا قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ يعني الحلال والحرام في الدرجة والرتبة ولا يعتد الرديء والجيد ولا المسلم والكافر ولا الصالح والطالح وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني ولو سرك كثرة الخبيث لأن عاقبته عاقبة سوء. والمعنى : أن أهل الدنيا يعجبهم كثرة المال وزينة الدنيا وما عند اللّه خير وأبقى لأن زينة الدنيا ونعيمها يزول وما عند اللّه يدوم. وقال ابن الجوزي :

روى جابر بن عبد اللّه أن رجلا قال : يا رسول اللّه إن الخمر كانت تجارتي فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة اللّه؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إن اللّه طيب لا يقبل إلا الطيب) وقال مقاتل : نزلت في شريح بن ضبعة البكري وحجاج بن بكر وقد تقدمت القصة في أول السورة فَاتَّقُوا اللّه يعني فيما أمركم به أو نهاكم عنه ولا تعتدوه يا أُولِي الْأَلْبابِ يعني يا ذوي العقول السليمة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فروي عن أنس بن مالك قال خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبة ما سمعنا مثلها قط فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجوههم لهم حنين فقال رجل : من أبي؟ فقال فلان فنزلت هذه الآية لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

وفي رواية أخرى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر فيها أمورا عظاما ثم قال : من أحب أن يسألني عن شيء فليسأل ، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي فأكثر الناس البكاء وأكثر أن يقول سلوا فقام عبد اللّه بن حذافة السهمي فقال : من أبي؟ فقال :

أبوك حذافة. ثم أكثر أن يقول سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال : (رضينا باللّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا) فسكت ثم قال : عرضت علي الجنة والنار أنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر. قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال : قالت أم عبد اللّه بن حذافة لعبد اللّه بن حذافة ما سمعت بابن قط أعق منك أمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما تقارف أهل الجاهلية فتفضحها عن أعين الناس؟ فقال عبد اللّه بن حذافة : لو ألحقني بعبد أسود للحقته زاد في رواية أخرى قال قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ أخرجاه في الصحيحين

(خ).

عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل : تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الآية كلها

وقيل نزلت هذه الآية في شأن الحج عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت وَللّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قالوا : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كل عام؟ فسكت فقالوا يا رسول اللّه في كل عام؟ قال : لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل اللّه عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ أخرجه الترمذي وقال حديث غريب

(م).

عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول اللّه فقال : يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا. فقال رجل : أفي كل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال : ذروني ما تركتكم ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذ نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

وروى مجاهد عن ابن عباس : لا تسألوا عن أشياء قال هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ألا ترى أنه يقول بعد ذلك ما جعل اللّه من بحيرة ولا كذا ولا كذا وقال عكرمة : إنهم كانوا يسألون عن الآيات فنهوا عن ذلك ثم قال قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرون ومعنى الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ جمع شيء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ أي تظهر لكم وتبن لكم تَسُؤْكُمْ يعني إن أمرتم بالعمل بها فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به فلا يقدر عليه فيسوءه ذلك ومن سأل عن نسبه لم يأمن أن يلحقه النبي صلى اللّه عليه وسلم بغير أبيه فيفتضح ويسوءه ذلك وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ معناه : إن صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهي أو حكم وليس في ظاهره شرح ما تحتاجون إليه ومست حاجتكم إليه فإذا سألتم عنه فحينئذ يبدي لكم ، ومثال هذا : أن اللّه عز وجل لما بيّن عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل ولم يكن في عدد هؤلاء دليل على عدة التي ليست ذات قرء ولا حامل فسألوا عنها فأنزل اللّه عز وجل جوابهم في قوله وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ الآية عَفَا اللّه عَنْها يعني عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي كره اللّه لكم السؤال عنها فلم يؤاخذكم بها ولم يعاقبكم عليها وَاللّه غَفُورٌ يعني لمن تاب منكم حَلِيمٌ فلا يعجل بعقوبتكم. وقال عطاء : غفور يعني لما كان في الجاهلية. حليم : يعني عن عقابكم منذ آمنتم وصدقتم. وقال بعض العلماء : الأشياء التي يجوز السؤال عنها ، هي ما يترتب عليها أمر الدين والدنيا من مصالح العباد وما عدا ذلك فلا يجوز السؤال عنه

(ق).

عن سعد بن أبي وقاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته

(ق).

عن المغيرة بن شعبة أنه كتب إلى معاوية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) عن معاوية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (نهى عن الأغلوطات) أخرجه أبو داود. والأغلوطات صعاب المسائل التي تزل فيها أقدام العلماء ويؤيد ذلك قول أبي هريرة : شرار الناس الذين يسألون عن شرار المسائل كي يغلطوا بها العلماء. عن سلمان قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء فقال (الحلال ما أحل اللّه في كتابه والحرام ما حرمه اللّه في كتابه وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه فلا تتكلفوا) وعن أبي ثعلبة الخشني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (إن اللّه تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تقربوها وترك أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) هذان الحديثان أخرجهما في جامع الأصول ولم يعزهما إلى الكتب الستة ثم قال تعالى :

قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣)

قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها فأصبحوا بها كافرين ، وقوم موسى قالوا : أرنا اللّه جهرة ، فكان هذا السؤال وبالا عليهم ، وقوم عيسى ، سألوا نزول المائدة عليهم ثم كذبوها. كأنه تعالى يقول : إن أولئك سألوا فلما أعطوا سؤلهم كفروا به فلا تسألوا أنتم شيئا فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك.

﴿ ٩٩