١٢

١٣

قوله عز وجل : قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ للّه هذا سؤال وجواب المعنى قل يا محمد لهؤلاء المكذبين العادلين بربهم لمن ملك ما في السموات والأرض فإن أجابوك وإلا فأخبرهم أن ذلك للّه الذي قهر كل شيء وملك كل شيء واستعبد كل شيء لا للأصنام التي تعبدونها أنتم فإنها موات لا تملك شيئا ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا وإنما أمره بالجواب عقب السؤال ليكون أبلغ في التأكيد وآكد في الحجة ولما بين اللّه تعالى كمال قدرته وتصرفه في سائر مخلوقاته أردفه بكمال رحمته وإحسانه إليهم

فقال تعالى : كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ يعني أنه تعالى أوجب وقضى على نفسه الرحمة وهذا استعطاف منه للمتولين عنه الإقبال عليه وإخبار بأنه رحيم بعباده وأنه لا يعجل بالعقوبة بل يقبل التوبة والإنابة ممن تاب وأناب

(ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (لما خلق اللّه الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي) وفي البخاري : (أن اللّه كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش)

وفي رواية لهما أن اللّه لما خلق الخلق ، وعند مسلم لما قضى اللّه الخلق كتب في كتاب كتبه على نفسه فهو موضوع عنده ، زاد البخاري على العرش ثم اتفقا (إن رحمتي تغلب غضبي)

(ق) عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (جعل اللّه الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) زاد البخاري في رواية له ولو يعلم الكافر بكل الذي عند اللّه من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند اللّه من العذاب لم يأمن من العذاب.

ولمسلم إن للّه مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر اللّه تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة

(م) عن سلمان الفارسي قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (إن اللّه خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)

(ق) عن عمر قال : قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا واللّه وهي تقدر أن تطرحه فقال صلى اللّه عليه وسلم اللّه أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها.

وقوله تعالى : لَيَجْمَعَنَّكُمْ اللام في قوله ليجمعنكم لام القسم تقديره واللّه ليجمعنكم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني في يوم القيامة

وقيل معناه في قبوركم إلى يوم القيامة لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه أنه آت الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بالشرك باللّه أو غبنوا أنفسهم باتخاذهم الأصنام فعرضوا أنفسهم لسخط اللّه وأليم عقابه فكانوا كمن خسر شيئا وأصل الخسار الغبن يقال خسر الرجل إذا غبن في بيعه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يعني لما سبق عليهم القضاء

بالخسران فهو الذي حملهم على الامتناع عن الإيمان.

قوله تعالى : وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يعني وله ما استقر

وقيل ما سكن وما تحرك فاكتفى بذكر

أحدهما عن الآخر

وقيل إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر وقال ابن جرير كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل والنهار فيكون المراد منه جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر وهذا يفيد الحصر والمعنى أن جميع الموجودات ملك للّه تعالى لا لغيره وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم وأصواتهم الْعَلِيمُ بسرائرهم وأحوالهم.

قُلْ أَغَيْرَ اللّه أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللّه بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)

﴿ ١٣