١٢٦

١٢٧

١٢٨

قوله عز وجل : وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً يعني وهذا الذي بيّنّا لك يا محمد في هذه السورة وغيرها من سور القرآن هو صراط ربك يعني دينه الذي شرعه لعباده ورضيه لنفسه وجعله مستقيما لا اعوجاج فيه. قال ابن عباس : في قوله وهذا صراط ربك مستقيما يعني الإسلام ، وقال ابن مسعود : يعني القرآن لأنه يؤدي من تبعه وعمل به إلى طريق الاستقامة والسداد قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ يعني قد فصلنا آيات القرآن بالوعد والوعيد والثواب والعقاب والحلال والحرام والأمر والنهي وغير ذلك من أحكام القرآن لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ يعني لمن يتذكر بها ويتعظ بما فيها من المواعظ والعبر.

قال عطاء : يعني أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني الجنة في قول جميع المفسرين. قال الحسن والسدي : السلام هو اللّه تعالى وداره الجنة. معنى السلام في أسماء اللّه تعالى ذو السلام وهو جمع سلامة لأنه تعالى ذو السلامة من جميع الآفات والنقائص فعلى هذا القول أضيفت الدار إلى السلام الذي هو اسم اللّه تعالى إضافة تشريف وتعظيم كما قيل للكعبة بيت اللّه وللنبي صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه في قوله (و أنه لما قام عبد اللّه يدعوه) ، واحتج لصحة هذا بأن في إضافة الدار إلى اللّه تعالى نهاية تشريفها وتعظيمها فكان ذكر الإضافة مبالغة في تعظيم أمرها.

وقيل إن السلام صفة للدار لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع فعلى هذا يكون السلام بمعنى السلامة كأنه قال دار السلامة التي لا يلقون فيها شيئا يكرهونه.

وقيل سميت بذلك لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة كما قال تعالى في وصفها ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم وقال تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وقال سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني أن الجنة معدة مهيأة لهم عند ربهم حتى يوصلهم إليها وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني أنه تعالى يتولى أمرهم وإيصال المنافع إليهم ويدفع المضار عنهم.

وقيل معناه أنه يتولاهم في الدنيا بالتوفيق والهداية وفي الآخرة بالجزاء والجنة.

وقيل : الولي هو الناصر والقريب يعني أنه تعالى ينصرهم في الدنيا ويقربهم في الآخرة بسبب أعمالهم الصالحة التي كانوا يتقربون بها إليه في الدنيا

قوله تعالى : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أي اذكر يا محمد يوم نحشر المعادلين باللّه الأصنام مع أوليائهم من الشياطين يعني نحشر المشركين والشياطين جميعا يوم القيامة يا مَعْشَرَ الْجِنِّ فيه حذف تقديره يقول لهم يا معشر الجن والمعشر الجماعة والمراد من الجن الشياطين قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ يعني من إضلالهم وإغوائهم وقال ابن عباس : معناه أضللتم كثيرا من الإنس وهذا التفسير لا بد له من تأويل آخر لأن الجن لا يقدرون على إضلال الإنس وإغوائهم بأنفسهم لأنه لا يقدر على الإجبار أحد إلا اللّه لأنه هو المتصرف في خلقه بما شاء فوجب أن يكون المعنى : قد استكثرتم من الدعاء إلى الإضلال مع مصادفة القبول من الإنس وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ يعني استمتع الجن بالإنس والإنس بالجن فأما استمتاع الإنس بالجن فقال الكلبي : كان الرجل في الجاهلية إذا سافر فنزل بأرض قفراء وخاف على نفسه من الجن قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوارهم.

وأما استمتاع الجن بالإنس فهم أنهم قالوا سدنا الإنس مع الجن حتى عاذوا بنا فيزدادون بذلك شرفا في قومهم وعظما في أنفسهم.

وقيل : استمتاع الإنس بالجن هو ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة وتزيينهم الأمور التي كانوا يهوونها وتسهيل سبلها عليهم واستمتاع الجن بالإنس طاعة الإنس للجن ، فيما يزينون لهم من الضلالة والمعاصي ،

وقيل : استمتاع الإنس بالجن فيما كانوا يدلونهم على أنواع الشهوات وأصناف الطيبات ويسهلونها عليهم واستمتاع الجن بالإنس هي طاعة الإنس للجن ، فيما يأمرونهم به وينقادون لحكمهم

فصاروا كالرؤساء للإنس والإنس كالأتباع.

وقيل : إن قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض هو من كلام الإنس خاصة لأن استمتاع الجن بالإنس وبالعكس أمر نادر لا يكاد يظهر ، أما استمتاع الإنس بعضهم ببعض فهو ظاهر فوجب حمل الكلام عليه وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعني أن ذلك الاستمتاع كان إلى أجل معين ووقت محدود ثم ذهب وبقيت الحسرة الندامة ، قال الحسن والسدي : لأجل الموت.

وقيل : هو وقت البعث للحساب في يوم القيامة قالَ يعني قال اللّه لهؤلاء الذين استمتع بعضهم ببعض من الجن والإنس النَّارُ مَثْواكُمْ يعني أن النار مقامكم ومقركم فيها ومصيركم إليها خالِدِينَ فِيها يعني مقيمين في نار جهنم أبدا إِلَّا ما شاءَ اللّه اختلفوا في معنى هذا الاستثناء فقيل : معناه خالدين فيها إلا قدر مدة بعثهم ووقوفهم للحساب إلى حين دخولهم إلى النار فإن هذا الوقت ليسوا بخالدين فيه في النار ،

وقيل : المراد من الاستثناء هو أوقات نقلتهم من عذاب إلى عذاب آخر وذلك أنهم يستغيثون من النار فينقلون إلى الزمهرير ثم يستغيثون منه فينقلون إلى النار فكانت مدة نقلتهم هي المراد من هذا الاستثناء. ونقل جمهور المفسرين عن ابن عباس أنه قال : إن هذا الاستثناء يرجع إلى قوم سبق فيهم علم اللّه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى اللّه عليه وسلم فيخرجون من النار قالوا فعلى هذا التأويل تكون ما في قوله إلا ما شاء اللّه ، بمعنى من يعني إلا ما شاء اللّه ونقل الطبري عن ابن عباس أنه كان يتأول هذا الاستثناء بأن اللّه عز وجل جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابهم إلى مشيئته ، وقال في هذه الآية : إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على اللّه في خلقه أن لا ينزلهم جنة ولا نارا.

قال الزجاج : و

القول الأول أولى لأن معنى الاستثناء إنما هو من يوم القيامة لأن قوله : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً هو يوم القيامة ثم قال خالِدِينَ فِيها منذ يبعثون إِلَّا ما شاءَ اللّه من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدة محاسبتهم.

إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ يعني في تدبير خلقه وتصريفه إياهم في مشيئته من حال إلى حال وغير ذلك من أفعاله.

وقيل حكيم فيما يفعله من ثواب الطائع وعقاب العاصي وفي سائر وجوه المجازاة عَلِيمٌ يعني بعواقب أمور خلقه وما هم إليه صائرون كأنه قال إنما حكمت لهؤلاء الكفار بالخلود في النار ، لعلمي بأنهم يستحقون ذلك.

وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠)

﴿ ١٢٦