٧

٨

٩

وقوله تعالى : فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ يعني : فلنخبرن الرسل ومن أرسلوا إليهم بعلم ويقين بما عملوا في الدنيا وَما كُنَّا غائِبِينَ يعني عنهم وعن أفعالهم وعن الرسل فيما بلغوا وعن الأمم فيما أجابوا.

فإن قلت كيف الجمع بين

قوله تعالى : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ وبين قوله فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ وإذا كان عالما فما فائدة هذا السؤال؟

قلت : فائدة سؤال الأمم والرسل مع علمه سبحانه وتعالى بجميع المعلومات ، التقريع ، والتوبيخ للكفار لأنهم إذ أقروا على أنفسهم كان أبلغ في المقصود ، فأما سؤال الاسترشاد والاستثبات ، فهو منفي عن اللّه عز وجل ، لأنه عالم بجميع الأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها ، فهو العالم بالكليات ، والجزئيات ، وعلمه بظاهر الأشياء كعلمه بباطنها.

قوله تعالى : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ يعني والوزن يوم سؤال الأمم والرسل وهو يوم القيامة العدل ، وقال مجاهد : المراد بالوزن هنا القضاء ، ومعنى الحق العدل. وذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بالوزن وزن الأعمال بالميزان وذلك أن اللّه عز وجل ينصب ميزانا له لسان وكفتان كل كفة ما بين المشرق والمغرب ، قال ابن الجوزي : جاء في الحديث (أن داود عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن يريه الميزان فأراه إياه فقال إلهي من يقدر أن يملأ كفتيه حسنات فقال يا داود إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة) وقال حذيفة : جبريل صاحب الميزان يوم القيامة فيقول له ربه عز وجل زن بينهم ورد من بعضهم على بعض وليس ثم ذهب ولا فضة فيرد على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة فإن لم يكن له حسنة أخذ من سيئات المظلوم فيرد على سيئات الظالم فيرجع الرجل وعليه مثل الجبل.

فإن قلت : أليس اللّه عز وجل يعلم مقادير أعمال العباد فما الحكمة في وزنها؟

قلت : فيه حكم منها إظهار العدل ، وأن اللّه عز وجل لا يظلم عباده ، ومنها امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا وإقامة الحجة عليهم في العقبى ومنها تعريف العباد ما لهم من خير وشر وحسنة وسيئة ومنها إظهار علامة السعادة والشقاوة ونظيره أنه تعالى أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ ثم في صحائف الحفظة الموكلين ببني آدم من غير جواز النسيان عليه سبحانه وتعالى ، ثم اختلف العلماء في كيفية الوزن فقال بعضهم : توزن صحائف الأعمال المكتوبة فيها الحسنات والسيئات ويدل على ذلك حديث البطاقة وهو ما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (إن اللّه عز وجل سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول له أتنكر من هذا شيئا أظلمتك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول اللّه تبارك وتعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم

عليك اليوم فيخرج اللّه له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه فيقول أحضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال فإنه لا ظلم عليك اليوم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم اللّه شي ء) أخرجه الترمذي وأحمد بن حنبل. وقال ابن عباس : يؤتى بالأعمال الحسنة على صورة حسنة وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة فتوضع في الميزان فعلى قول ابن عباس : أن الأعمال تتصور صورا وتوضع تلك الصور في الميزان ويخلق اللّه في تلك الصور ثقلا وخفة.

ونقل البغوي عن بعضهم أنها توزن الأشخاص واستدل لذلك بما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه تعالى جناح بعوضة) أخرجاه في الصحيحين وهذا الحديث ليس فيه دليل على ما ذكر من وزن الأشخاص في الميزان لأن المراد بقوله لا يزن عند اللّه جناح بعوضة مقداره وحرمته لا وزن جسده ولحمه والصحيح قول من قال إن صحائف الأعمال توزن أو نفس الأعمال تتجسد وتوزن واللّه أعلم بحقيقة ذلك.

وقوله تعالى : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع ميزان ، وأورد على هذا أنه ميزان واحد فما وجه الجمع وأجيب عنه بأن العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد ،

وقيل : إنه ينصب لكل عبد ميزان ،

وقيل : إنما جمعه لأن الميزان يشتمل على الكفتين والشاهدين واللسان ولا يتم الوزن إلا باجتماع ذلك كله

وقيل هو جمع موزون يعني من رجحت أعماله بالحسنة الموزونة التي لها وزن وقدر فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني : هم الناجون غدا والفائزون بثواب اللّه وجزائه وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ يعني موازين أعماله وهم الكفار بدليل

قوله تعالى : فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب اللّه وكرامته بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ يعني سبب ذلك الخسران أنهم كانوا بحجج اللّه وأدلة توحيده يجحدون ولا يقرّون بها. روي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه أنه حين حضره الموت قال في وصيته لعمر بن الخطاب : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا ، وإنما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.

قوله عز وجل :

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)

﴿ ٧