١٣١٤١٥١٦قوله سبحانه وتعالى : لِكَ يعني الذي وقع من القتل والأسر يوم بدرأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّه وَرَسُولَهُ يعني بأنهم خالفوا اللّه ورسوله. والمشاقة : المخالفة ، وأصلها المجانبة ، كأنهم صاروا في شق وجانب عن شق المؤمنين وجانبهم وهذا مجاز معناه أنهم شاقّوا أولياء اللّه وهم المؤمنون أو شاقوا دين اللّه ثم قال سبحانه وتعالى : مَنْ يُشاقِقِ اللّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ يعني أن الذي نزل بهم في ذلك اليوم من القتل والأسر شيء قليل فيما أعد اللّه لهم من العقاب يوم القيامة ثم قال تعالى : ذلِكُمْ إشارة إلى القتل والأسر الذي نزل بهم فَذُوقُوهُ يعني عاجلا في الدنيا لأن ذلك يسير بالإضافة إلى المؤجل الذي أعده اللّه لهم في الآخرة من العذاب وهو قوله : وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ يعني في الآخرة ، عن ابن عباس قال : لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بدر قيل له عليك بالعير ليس من دونها شيء قال فناداه العباس من وثاقه لا يصلح لك لأن اللّه وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك اللّه ما وعدك قال : صدقت ، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً يعني مجتمعين متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني في القتال وأصل الزحف مشي مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي وسمي مشي الطائفتين بعضهم إلى بعض في القتال زحفا لأنها تمشي كل طائفة إلى صاحبتها مشيا رويدا وذلك قبل التداني للقتال ، وقال ثعلب : الزحف المشي قليلا قليلا إلى الشيء فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يعني فلا تولوهم ظهوركم منهزمين منهم فإن المنهزم يولي ظهره ودبره وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ يعني ومن ينهزم ويول دبره يوم الحرب والقتال إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ يعني إلا منقطعا إلى القتال يرى عدوه من نفسه الانهزام وقصده طلب الكرة على العدو والعود إليه وهذا هو أحد أبواب الحرب وخدعها ومكايدها. وقوله تعالى : أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ يعني أو منضما وصائرا إلى جماعة من المؤمنين يريدون العود إلى القتال فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه يعني من انهزم من المسلمين وقت الحرب إلا في هاتين الحالتين وهي التحرف للقتال والتحيز إلى فئة من المسلمين فقد رجع بغضب من اللّه وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( (فصل في حكم هذه الآية)) اختلف العلماء في ذلك ، فقال أبو سعيد الخدري : هذا في أهل بدر خاصة لأنه ما كان يجوز لهم الانهزام يوم بدر لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان معهم ولم تكن لهم فئة يتحيزون إليها دون النبي صلى اللّه عليه وسلم ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ولأنها أول غزاة غزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه والمسلمون معه فشدد اللّه عليهم أمر الانهزام وحرمه عليهم يوم بدر فأما بعد ذلك اليوم فإن المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهذا قول الحسن وقتادة والضحاك قال يزيد بن أبي حبيب : أوجب اللّه النار لمن فرّ يوم بدر فلما كان يوم أحد قال اللّه تعالى إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم ثم كان يوم حنين بعده فقال سبحانه وتعالى : ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللّه مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وقال عبد اللّه بن عمر : كنا في جيش بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحاص الناس حيصة فانهزمنا فقلنا يا رسول اللّه نحن الفرارون قال : لا بل أنتم الكرارون إنا فئة المسلمين. قوله فحاص الناس حيصة ، يعني جال الناس جولة يطلبون الفرار من العدو. والمحيص : الهرب. وقال محمد بن سيرين : لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر بن الخطاب ، فقال : لو انحاز إليّ كنت له فئة أنا فئة كل مسلم. وقال بعضهم : حكم الآية عام في حق كل من ظهره منهزما بدليل قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهذا خطاب عام فيتناول جميع الصور وإن كانت الآية نزلت في غزاة بدر لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وجاء في الحديث (من الكبائر الفرار من الزحف) وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : الْآنَ خَفَّفَ اللّه عَنْكُمْ فليس لقوم أن يفروا من مثلهم فنسخت بذلك إلا في هذه العدة وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا منهم ويولوهم ظهورهم وإن كان العدو أكثر من المثلين جاز لهم أن يفروا منهم قال ابن عباس من فرّ من ثلاثة لم يفر ومن فرّ من اثنين فقد فرّ قوله تعالى : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّه قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّه رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) |
﴿ ١٣ ﴾