٢٦٢٧وقوله عز وجل : وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ لما أمر اللّه سبحانه وتعالى المؤمنين بطاعة اللّه وطاعة رسوله وحذرهم من الفتنة ذكرهم نعمته عليهم. فقال تعالى : واذكروا يا معشر المؤمنين المهاجرين إذ أنتم قليل يعني في العدد مستضعفون في الأرض يعني في أرض مكة في ابتداء الإسلام تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعني كفار مكة قال عكرمة كفار العرب وقال وهب ابن منبه يعني فارس والروم فَآواكُمْ يعني إلى المدينة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يعني وقواكم بالأنصار. وقال الكلبي : وقواكم يوم بدر بالملائكة وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني الغنائم أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يعني تشكرون اللّه على نعمه عليكم قوله سبحانه وتعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّه وَالرَّسُولَ قال الزهري والكلبي : نزلت هذه الآية في أبي لبابة هارون بن عبد المنذر الأنصاري من بني عوف بن مالك وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام فأبى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعيد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لأن ماله وولده وعياله كان عندهم فبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتاهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه يعني إنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة : واللّه ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت اللّه ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وشدّ نفسه على سارية من سواري المسجد. وقال : واللّه لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اللّه عليّ فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبره ، قال : أما لو جاءني لاستغفرت له أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب اللّه عليه فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ثم تاب اللّه عليه فقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال واللّه لا أحل نفسي حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يحلني فجاء فحله بيده ثم قال أبو لبابة إن تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يجزيك الثلث أن تصدق به فنزل فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّه وَالرَّسُولَ. وقال السدي : كانوا يسمعون السر من النبي صلى اللّه عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت هذه الآية وقال جابر بن عبد اللّه : إن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لي إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه إن أبا سفيان في مضوع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل اللّه عز وجل لا تخونوا اللّه والرسول وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ومعنى الآية لا تخونوا اللّه والرسول ولا تخونوا أماناتكم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنها أمانة وقيل : معناه وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة وأصل الخيانة من الخون وهو النقص لأن من خان شيئا فقد نقصه والخيانة ضد الأمانة ، وقيل في معنى الآية : لا تخونوا اللّه والرسول فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم. وقال ابن عباس : معناه لا تخونوا اللّه بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض اللّه تعالى والأعمال التي ائتمن عليها العباد وقال قتادة : اعلموا أن دين اللّه أمانة فأدوا إلى اللّه ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ومنه الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب. وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) |
﴿ ٢٧ ﴾