٢٨٢٩٣٠وقوله عز وجل وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ . قيل : هذا مما نزل في أبي لبابة وذلك لأن أمواله وأولاده كانت في بني قريظة فلذلك قال ما قال خوفا عليهم. وقيل : إنه عام في جميع الناس وذلك أنه لما كان الإقدام على الخيانة في الأمانة هو حب المال والولد نبّه اللّه سبحانه وتعالى بقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فتنة على أنه يجب على العاقل أن يحذر من المضار المتولدة من حب المال والولد ، لأن ذلك يشغل القلب ويصيره محجوبا عن خدمة المولى وهذا من أعظم الفتن وروى البغوي بسنده عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (أتى بصبي فقبله وقال أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان اللّه) أخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز قال زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قال : (خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان اللّه) قال الترمذي : لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا عن خولة. قوله ، لمن ريحان اللّه : أي لمن رزق اللّه والريحان في اللغة الرزق. وقوله تعالى : وَأَنَّ اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يعني لمن أدى الأمانة ولم يخن وفيه تنبيه على أن سعادة الآخرة وهو ثواب اللّه أفضل من سعادة الدنيا وهو المال والولد. وقوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّه يعني بطاعته وترك معاصيه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني يجعل لكم نورا وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل والفرقان أصله الفرق بين الشيئين لكنه أبلغ من أصله لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة. قال مجاهد : يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة ، وقال مقاتل : مخرجا في الدين من الشبهات وقال عكرمة : نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال محمد بن إسحاق : فصلا بين الحق والباطل يظهر اللّه به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم وقيل يفرق بينكم وبين الكفار بأن يظهر دينكم ويعليه ويبطل الكفر ويوهنه وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ويمح عنكم ما سلف من ذنوبكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ يعني ويستر عليكم بأن لا يفضحكم في الدنيا ولا في الآخرة وَاللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ لأنه هو الذين يفعل ذلك بكم فله الفضل العظيم وعلى غيركم من خلقه ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفي به قيل إنه يتفضل على الطائعين بقبول الطاعات ويتفضل على العاصين بغفران السيئات وقيل : معناه أن بيده الفضل العظيم فلا يطلب من عند غيره. قوله سبحانه وتعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لما ذكر اللّه المؤمنين نعمه عليهم بقوله تعالى : واذكروا إذ أنتم قليل ذكر نبيه صلى اللّه عليه وسلم نعمه عليه فيما جرى عليه بمكة من قومه لأن هذه السورة مدنية وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة والمعنى واذكر يا محمد إذ يمكر بك الذين كفروا وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير قالوا جميعا إن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويظهر فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان رؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأبو سفيان وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا له : من أنت؟ قال : أنا شيخ من نجد سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا. فقالوا : ادخل. فدخل ، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت مقيدا وتشدوا وثاقه وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون منها طعامه وشرابه وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فصرخ عدو اللّه إبليس وهو الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم لئن حبستموه ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم فقالوا صدق الشيخ النجدي. فقام هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي ، فقال : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه. فقال إبليس اللعين : ما هذا لكم برأي تعتمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاقة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه واللّه لئن فعلتم ذلك يذهب ويستميل قلوب قوم آخرين ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم فقالوا : صدق الشيخ النجدي. فقال أبو جهل : واللّه لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسطا فتيا ثم نعطي كل فتى سيفا صارما ثم يضربوه جميعا ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها وأنهم إذا أرادوا ذلك. قالوا : العقل فتؤدي قريش ديته فقال إبليس اللعين : صدق هذا الفتى هو أجودكم رأيا ، والقول ما قال لا أرى غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجتمعون عليه فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأذن اللّه عز وجل له عند ذلك بالخروج إلى المدينة (فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يبيت في مضجعه وقال له : اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه) ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخذ قبضة من تراب وأخذ اللّه عز وجل أبصارهم عنه فخرج وجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ : إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الى قوله ، فهم لا يبصرون. ومضى إلى الغار من ثور وهو أبو بكر وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته. قالوا : وبات المشركون يحرسون عليا وهو على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحسبون أنه النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما أصبحوا ، ساروا إليه ليقتلوه فرأوه عليا فقالوا له : أين صاحبك؟ قال : لا أدري. فاقتفوا أثره وأرسلوا في طلبه ، فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخله لم يكن لنسج العنكبوت على بابه أثر فمكث في الغار ثلاثا ثم خرج إلى المدينة فذلك قوله سبحانه وتعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وأصل المكر احتيال في خفية لِيُثْبِتُوكَ أي ليحبسوك ويوثقوك لأن كل من شد شيئا وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة أَوْ يَقْتُلُوكَ يعني كما أشار عليهم أبو جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ يعني من مكة وَيَمْكُرُونَ يعني ويحتالون ويدبرون في أمرك وَيَمْكُرُ اللّه يعني ويجازيهم اللّه جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكر ، لأنه في مقابلته. وقيل : معناه ويعاملهم اللّه معاملة مكرهم. والمكر : هو التدبير وهو من اللّه تعالى التدبير بالحق. والمعنى : أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم واللّه سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وتدبيرهم وظهر فعل اللّه وتدبيره وَاللّه خَيْرُ الْماكِرِينَ فإن قلت كيف قال اللّه سبحانه وتعالى واللّه خير الماكرين ولا خير في مكرهم. قلت : يحتمل أن يكون المراد واللّه أقوى الماكرين فوضع خبر موضع أقوى وفيه تنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل اللّه. وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم فقال سبحانه وتعالى في مقابلته : واللّه خير الماكرين. وقيل : ليس المراد التفضيل بل إن فعل اللّه خير مطلقا. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللّهمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) |
﴿ ٣٠ ﴾