٥٩

٦٠

وقوله تعالى : وَلا يَحْسَبَنَّ قرئ بالتاء على الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمعنى ولا تحسبن يا محمد الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا يعني فاتوا وانهزموا يوم بدر وقرئ بالياء على الغيبة ومعناه ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا يعني خلصوا من القتل والأسر يوم بدر إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ يعني أنهم بهذا السبق لا يعجزون اللّه من الانتقام منهم إما في الدنيا بالقتل

وإما في الآخرة بعذاب النار وفيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منهم فأعلمهم اللّه أنهم لا يعجزونه.

قوله عز وجل : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه وفي المراد بالقوة أقوال

أحدها : أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوة في الحرب على قتال عدوكم ، الثاني : أنها الحصون والمعاقل الثالث : الرمي وقد جاءت مفسرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر قال (سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على المنبر يقول : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ثلاثا) أخرجه مسلم

(خ) عن أبي أسيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (يوم بدر حين صففنا لقريش إذا أكثبوكم) يعني غشوكم

وفي رواية أكثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم

وفي رواية (إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل)

(م) عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (ستفتح عليكم الروم ويكفيكم اللّه فلا يعجز أحدكم أن يلهو باسمه)

(م) عن فقيم اللخمي قال قلت لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير يشق عليك فقال عقبة لولا كلام سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم أغانه قال قلت وما ذاك؟ قال سمعته يقول : (من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى) عن أبي نجيح السلمي قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (من بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة) فبلغت يومئذ عشرة أسهم قال وسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (من رمى بسهم في سبيل اللّه فهو عدل محرر) أخرجه النسائي والترمذي بمعناه وعنده قال عدل رقبة محررة وأخرجه أبو داود أيضا عن عقبة بن عامر بمعناه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (إن اللّه عز وجل ليدخلن بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ، صانعه يحتسب في عمله الخير والرامي به والممد به)

وفي رواية (و منبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا كل لهو باطل ليس من اللّهو محمود إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه

وملاعبته أهله ورميه بقوسه أي نبله إنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو كفرها) أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي مختصر إلى نبله

(خ) عن سلمة بن الأكوع قال (مر النبي صلى اللّه عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ما لكم لا ترمون؟ فقالوا : كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال : ارموا وأنا معكم كلكم. القول الرابع : أن المراد بالقوة جميع ما يتقوى به في الحرب على العدو فكل ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوة المأمور باستعدادها وقوله صلى اللّه عليه وسلم (ألا أن القوة الرمي) لا ينفي كون غير الرمي من القوة فهو كقوله صلى اللّه عليه وسلم (الحج عرفة)

وقوله : (الندم توبة) فهذا لا ينفي اعتبار غيره بل يدل على أن هذا المذكور من أفضل المقصود وأجله فكذا هاهنا يحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الحرب وجهاد العدو بجميع ما يمكن من الآلات كالرمي بالنبل والنشاب والسيف والدرع وتعليم الفروسية كل ذلك مأمور به إلا أنه من فروض الكفايات

وقوله تعالى : وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعني اقتناءها وربطها للغزو في سبيل اللّه والربط شد الفرس وغيره بالمكان للحفظ وسمي المكان الذي يخص بإقامة

حفظة فيه رباطا والمرابطة إقامة المسلمين بالثغور للحراسة فيها وربط الخيل الجهاد من أعظم ما يستعان به.

روي أن رجلا قال لابن سيرين : إن فلانا أوصى بثلث ماله للحصون فقال ابن سيرين : يشتري به الخيل ويربطها في سبيل اللّه. وقال عكرمة : القوة الحصون ومن رباط الخيل يعني الإناث ووجه هذا أن العرب تربط الإناث من الخيل بالأفنية للنسل. وروي أن خالد بن الوليد كان لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها. وعن ابن محيريز قال : كانت الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف وإناث الخيل عند الشنات والغارات.

وقيل : ربط الفحول أولى من الإناث لأنها أقوى على الكر والفر والعدو فكانت المحاربة عليها أولى من الإناث

وقيل إن لفظ الخيل عام فيتناول الفحول والإناث فأي ذلك ربط بنية الغزاة كان في سبيل اللّه

(ق) عن عروة بن الجعد البارقي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة)

(ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)

(خ) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (من احتبس فرسا في سبيل اللّه إيمانا باللّه وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة) يعني حسنات

(ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال (الخيل ثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر ، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل اللّه زاد في رواية لأهل الإسلام فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان لها حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت له آثارها وأرواثها حسنات ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات فهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق اللّه في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك الرجل ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر) وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الحمر فقال : ما أنزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الطيل الحبل الذي يشد به الفرس وقت الرعي واستنان الجري والشرف الشوط الذي تجري فيه الفرس وقوله تغنيا يعني استغناء بها عن الطلب لما في أيدي الناس أما حق ظهورها فهو أن يحمل عليها منقطعا إلى أهله

وأما حق رقابها فقيل : أراد به الإحسان إليها.

وقيل : أراد به الحمل عليها فعبر بالرقبة عن الذات

وقوله : نواء لأهل الإسلام النواء المعاداة يقال ناوأت الرجل مناوأة إذا عاديته.

وقوله تعالى : تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّه وَعَدُوَّكُمْ يعني : تخوفون بتلك القوة وبذلك الرباط عدو اللّه وعدوكم يعني الكفار من أهل مكة وغيره. وقال ابن عباس : تحزنون به عدو اللّه وعدوكم وذلك لأن الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد مستعدون له مستكملون لجميع الأسلحة وآلات الحرب وإعداد الخيل مربوطة للجهاد خافوهم فلا يقصدون دخول دار الإسلام بل يصير ذلك سببا لدخول الكفار في الإسلام أو بذل الجزية للمسلمين.

وقوله تعالى : وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ يعني وترهبون آخرين من دونهم اختلف العلماء فيهم فقال مجاهد :

هم بنو قريظة ، وقال السدي : هم فارس وقال ابن زيد هم المنافقون لقوله تعالى : لا تَعْلَمُونَهُمُ لأنهم معكم يقولون بألسنتهم لا إله إلا اللّه اللّه يَعْلَمُهُمْ يعني أنهم منافقون وأورد على هذا القول أن المنافقين لا يقاتلون لإظهارهم كلمة الإسلام فكيف يخوفون بإعداد القوة ورباط الخيل. وأجيب عن هذا الإيراد أن المنافقين إذا شاهدوا قوة المسلمين وكثرة آلاتهم وأسلحتهم كان ذلك مما يخوفهم ويحزنهم فكان في ذلك إرهابهم وقال الحسن : هم كفار الجن وصحح هذا القول الطبري قال : لأن اللّه تعالى قال لا تعلمونهم ولا شك بأن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لعلمهم بأنهم مشركون ولأنهم حرب للمؤمنين أما الجن فلا يعلمونهم اللّه يعلمهم يعني يعلم أحوالهم وأماكنهم دونكم ويعضد هذا القول ما روي (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال هم الجن وأن الشيطان لا يخيل أحدا في داره فرس عتيق) ذكر هذا الحديث ابن الجوزي وغيره من المفسرين بغير إسناد وقال الحسن :

صهيل الخيل يرهب الجن.

وقوله سبحانه وتعالى : وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّه قيل أراد به نفقة الجهاد والغزو

وقيل هو أمر عام في كل وجوه الخير والطاعة فيدخل فيه نفقة الجهاد وغيره يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يعني أجره في الآخرة ويعجل لكم عوضه في الدنيا وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ يعني وأنتم لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا قوله تبارك وتعالى :

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّه هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللّه أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)

﴿ ٥٩