٢٠

٢٣

الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّه يعني أن من كان موصوفا بهذه الصفات يعني الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل اللّه بالمال والنفس كان أعظم درجة عند اللّه ممن افتخر بالسقاية وعمارة المسجد الحرام وإنما لم يذكر القسم المرجوح لبيان فضل القسم الراجح على الإطلاق على من سواهم والمراد بالدرجة المنزلة والرفعة عند اللّه في الآخرة وَأُولئِكَ يعني من هذه صفتهم هُمُ الْفائِزُونَ يعني بسعادة الدنيا والآخرة يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ يعني يخبرهم ربهم والبشارة الخبر السار الذي يفرح الإنسان عند سماعه وتستنير بشرة وجهه عند سماعه ذلك الخبر السار ثم ذكر الخبر الذي يبشرهم به

فقال تعالى :

بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وهذا أعظم البشارات لأن الرحمة والرضوان من اللّه عز وجل على العبد نهاية مقصوده وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ يعني أن نعيم الجنة دائم غير منقطع أبدا خالِدِينَ فِيها يعني في الجنان وفي

النعيم أَبَداً يعني لا انقطاع له إِنَّ اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يعني لمن عمل بطاعته وجاهد في سبيله.

قوله سبحانه وتعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ قال مجاهد : هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة وقال ابن عباس : لما أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم الناس بالهجرة إلى المدينة فمنهم من تعلق به أهله وأولاده يقولون ننشدك اللّه أن لا تضيعنا فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة فأنزل اللّه هذه الآية. وقال مقاتل : نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى اللّه المؤمنين عن موالاتهم وأنزل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء يعني بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتؤثرون المقام معهم على الهجرة. قال بعضهم : حمل هذه الآية على ترك الهجرة مشكل لأن هذه السورة نزلت بعد الفتح وهي من آخر القرآن نزولا والأقرب أن يقال إن اللّه سبحانه وتعالى لما أمر المؤمنين بالتبري من المشركين قالوا كيف يمكن أن يقاطع الرجل أباه وأخاه وابنه فذكر اللّه أن مقاطعة الرجل أهله وأقاربه في الدين واجبة فالمؤمن لا يوالي الكافر وإن كان أباه وأخاه وابنه وهو

قوله تعالى : إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ يعني إن اختاروا الكفر وأقاموا عليه وتركوا الإيمان باللّه ورسوله وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يعني ومن يختار المقام معهم على الهجرة والجهاد فقد ظلم نفسه بمخالفة أمر اللّه واختيار الكفار على المؤمنين ولما نزلت هذه الآية قال الذين أسلموا : لم يهاجروا إن نحن هاجرنا ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا فأنزل اللّه سبحانه وتعالى :

قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّه بِأَمْرِهِ وَاللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)

﴿ ٢٠