١٠٤١٠٦أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ هذه صيغة استفهام إلا أن المقصود منه التقرير فبشر اللّه عز وجل هؤلاء التائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم ومعنى الآية ألم يعلم الذين تابوا أن اللّه تعالى يقبل التوبة الصادقة والصدقة الخالصة. وقيل : إن المراد بهذه الآية غير التائبين ترغيبا لهم في التوبة وبذل الصدقات وذلك أنه لما نزلت توبة هؤلاء التائبين قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين : هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما بالهم اليوم فأنزل اللّه هذه الآية ترغيبا لهم في التوبة. و قوله سبحانه وتعالى عن عباده قيل : لا فرق بين عن عباده ومن عباده إذ لا فرق بين قولك أخذت هذا العلم عنك أو منك. وقيل : بينهما فرق ولعل عن في هذا الموضع أبلغ لأن فيه تبشيرا بقبول التوبة مع تسهيل سبيلها و قوله سبحانه وتعالى : وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ يعني يقبلها ويثيب عليها وإنما ذكر لفظ الأخذ ترغيبا في بذل الصفقة وإعطائها الفقراء وقيل معنى أخذ اللّه الصدقات تضمنه الجزاء عليها. ولما كان هو المجازي عليها والمثيب بها ، أسند الأخذ إلى نفسه وإن كان الفقير أو السائل هو الآخذ لها وفي هذا تعظيم أمر الصدقات وتشريفها وأن اللّه تعالى يقبلها من عبده المتصدق (ق). عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما تصدق أحدكم بصدقة من كسب حلال طيب ولا يقبل اللّه إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله) لفظ مسلم. وفي البخاري : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى اللّه إلا الطيب). وفي رواية : (و لا يقبل اللّه إلا الطيب فإن اللّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) وأخرجه الترمذي ولفظه : (إن اللّه سبحانه وتعالى يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى اللقمة لتصير مثل جبل أحد) وتصديق ذلك في كتاب اللّه سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَعْلَمُوا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ويمحق اللّه الربا ويربى الصدقات. وقوله : من كسب طيب. أي : حلال. وذكر اليمين والكف في الحديث كناية عن قبول الصدقة وأن اللّه سبحانه وتعالى قد قبلها من المعطي ، لأن من عادة الفقير أو السائل ، أخذ الصدقة بكفه اليمين ، فكأن المتصدق قد وضع صدقته في القبول والإثابة. وقوله : فتربو أي تكبر. يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد وكبر. والفلو : بضم الفاء وفتحها لغتان المهر أول ما يولد والفصيل ولد الناقة إلى أن ينفصل عنها. وقوله سبحانه وتعالى : وَأَنَّ اللّه هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ تأكيد ل قوله سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وتبشير لهم بأن اللّه هو التواب الرحيم. قوله عز وجل : وَقُلِ أي : قل يا محمد لهؤلاء التائبين اعْمَلُوا يعني للّه بطاعته وأداء فرائضه فَسَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ فيه ترغيب عظيم للمطيعين ووعيد عظيم للمذنبين فكأنه قال اجتهدوا في العمل في المستقبل فإن اللّه تعالى يرى أعمالكم ويجازيكم عليها وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ يعني ويرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون أعمالكم أيضا. أما رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فباطلاع اللّه إياه على أعمالكم. وأما رؤية المؤمنين ، فبما يقذف اللّه عز وجل في قلوبهم من محبة الصالحين وبغض المذنبين وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني : وسترجعون يوم القيامة إلى من يعلم سركم وعلانيتكم ولا يخفى عليه شيء من بواطنكم وظواهركم فَيُنَبِّئُكُمْ أي فيخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني في الدنيا من خير أو شر فيجازيكم عن أعمالكم. قوله سبحانه وتعالى : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ أي مؤخرون والإرجاء التأخير لِأَمْرِ اللّه يعني لحكم اللّه فيهم قال بعضهم إن اللّه سبحانه وتعالى قسم المتخلفين على ثلاثة أقسام : أولهم : المنافقون وهم الذين مردوا على النفاق واستمروا عليه. والقسم الثاني : التائبون وهم الذين سارعوا إلى التوبة بعد ما اعترفوا بذنوبهم وهم أبو لبابة وأصحابه فقبل اللّه توبتهم. والقسم الثالث : موقوفون ومؤخرون إلى أن يحكم اللّه تعالى فيهم وهم المراد بقوله : وآخرون مرجون لأمر اللّه. والفرق بين القسم الثاني والقسم الثالث ، أن القسم الثاني سارعوا إلى التوبة فقبل اللّه توبتهم ، والقسم الثالث توقفوا ولم يسارعوا إلى التوبة فأخر اللّه أمرهم. نزلت هذه الآية في الثلاثة الذين تخلفوا وهم : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وستأتي قصتهم عند قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا وذلك أنهم لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه فوقفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمسين ليلة ونهى الناس عن كلامهم وكانوا من أهل بدر ، فجعل بعض الناس يقول هلكوا وبعضهم يقول : عسى اللّه أن يتوب عليهم ويغفر لهم وهو قوله سبحانه وتعالى : إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ يعني أن أمرهم إلى اللّه تعالى إن شاء عذبهم بسبب تخلفهم وإن شاء غفر لهم وعفا عنهم وَاللّه عَلِيمٌ يعني بما في قلوبهم حَكِيمٌ يعني بما يقضي عليهم. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّه وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللّه يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) |
﴿ ١٠٤ ﴾