١٠٢١٠٦فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ يعني مشركي مكة إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع اللّه في قوم نوح وعاد وثمود. والعرب تسمي العذاب أياما والنعم أياما كقوله تعالى وذكرهم بأيام اللّه والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يوما يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعا فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف قُلْ فَانْتَظِرُوا يعني : قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ يعني : هلاككم ، قال الربيع بن أنس : خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى اللّه رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى : ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني من العذاب والهلاك كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ يعني كما أنجينا رسلنا ، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب. قال بعض المتكلمين : المراد بقوله حقا علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئا. قوله سبحانه وتعالى : قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره صلى اللّه عليه وسلم لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي صلى اللّه عليه وسلم فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذه الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم على ما أنتم عليه فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبدها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى : وَلكِنْ أَعْبُدُ اللّه الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ والحكمة في وصف اللّه سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبده أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولا ولم تكونوا شيئا ثم يميتكم ثانيا ثم يحييكم بعد الموت ثالثا ، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيها على الباقي ، وقيل : لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذ المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد اللّه الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً الواو في قوله وأن أقم واو عطف معناه وأمرت أن أقيم وجهي يعني أقم نفسك على دين الإسلام حنيفا يعني مستقيما عليه غير معوج عنه إلى دين آخر ، وقيل معناه أقم عملك على الدين الحنيفي وقيل أراد بقوله وأن أقم وجهك للدين صرف نفسه بكليته إلى طلب الدين الحنيفي غير مائل عنه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه غيره فيهلك وقيل إن النهي عن عبادة الأوثان قد تقدم في الآية المتقدمة فوجب حمل هذا النهي على معنى زائد وهو أن من عرف اللّه عز وجل وعرف جميع أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة لا غيره فلا ينبغي له أن يلتفت إلى غيره بالكلية وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشكر الخفي وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّه ما لا يَنْفَعُكَ يعني إن عبدته ودعوته وَلا يَضُرُّكَ يعني إن تركت عبادته فَإِنْ فَعَلْتَ يعني ما نهيتك عنه فعبدت غيري أو طلبت النفع ودفع الضر من غيري فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ يعني لنفسك لأنك وضعت العبادة في غير موضعها وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى اللّه عليه وسلم فالمراد به غيره لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يدع من دون اللّه شيئا البتة فيكون المعنى ولا تدع أيها الإنسان من دون اللّه ما لا ينفعك ، الآية. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللّه بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّه وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩) |
﴿ ١٠٣ ﴾