١٣١٥قوله سبحانه وتعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يعني بل يقول كفار مكة اختلقه يعني ما أوحي إليه من القرآن قُلْ أي قل لهم يا محمد فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ لما قالوا له افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك وليس هو من عند اللّه تحداهم وأرخى لهم العنان وفاوضهم على مثل دعواهم فقال صلى اللّه عليه وسلم هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي شيء وأن الأمر كما قلتم وأنتم عرب مثلي من أهل الفصاحة وفرسان البلاغة وأصحاب اللسان فأتوا أنتم بكلام مثل هذا الكلام الذي جئتكم به مختلق من عند أنفسكم فإنكم تقدرون على مثل ما أقدر عليه من الكلام فلهذا قال سبحانه وتعالى : فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ في مقابلة قولهم افتراه. فإن قلت قد تحداهم بأن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وعجزوا عنه فكيف قالوا فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ومن عجز عن سورة واحدة فهو عن العشرة أعجز. قلت : قد قال بعضهم إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس ، وأنه تحداهم أولا بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس وأنكر المبرد هذا القول وقال : إن سورة يونس نزلت أولا ، قال : ومعنى قوله في سورة يونس فأتوا بسورة مثله يعني مثله في الإخبار عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد وفي قوله في سورة هود فأتوا بعشر سور مثله يعني في مجرد الفصاحة والبلاغة من غير خبر عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد فلما تحداهم بهذا الكلام أمره بأن يقول لهم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّه حتى يعينوكم على ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في قولكم إنه مفترى فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمرين وخطابين : أحدهما : أمر وخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. والثاني : أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى وادعوا من استطعتم من دون اللّه ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون اللّه لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال اللّه سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين فإن لم يستجيبوا لكم فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّه يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثباتا لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند اللّه ، وقيل : الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي صلى اللّه عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجميع تعظيما له صلى اللّه عليه وسلم. القول الثاني : أن قوله سبحانه وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة وادعوا من استطعتم من دون اللّه قال اللّه عز وجل في هذه الآية فإن لم يستجيبوا لكم أيها الكفار ولم يعينوكم فاعلموا أنما أنزل بعلم اللّه وأنه ليس مفترى على اللّه بل هو أنزله على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعني الذي أنزل القرآن هو اللّه الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا للّه العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام. قوله عز وجل : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير اللّه عز وجل : نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا وذلك أن اللّه سبحانه وتعالى يوسع عليهم في الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ يعني أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفرة. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) |
﴿ ١٣ ﴾