٤٤

٤٨

قالُوا يعني قال جماعة الملأ وهم السحرة والكهنة والمعبرون مجيبين للملك أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعني أخلاط مشتبهة واحدها ضغث وأصله الحزمة المختلطة من أنواع الحشيش والأحلام جمع حلم وهو الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ لما جعل اللّه هذه الرؤيا سببا لخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن وذلك أن الملك لما رآها قلق واضطرب وذلك لأنه قد شاهد الناقص الضعيف قد استولى على القوي الكامل حتى قهره وغلبه فأراد أن يعرف تأويل ذلك فجمع سحرته وكهنته ومعبريه وأخبرهم بما رأى في منامه وسألهم عن تأويلها فأعجز اللّه بقدرته جماعة الكهنة والمعبرين عن تأويل هذه الرؤيا ومنعهم عن الجواب ليكون ذلك سببا لخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن فذلك

قوله تعالى : وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما يعني وقال الساقي الذي نجا من السجن والقتل بعد هلاك صاحبه الخباز وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني أنه تذكر قول يوسف اذكرني عند ربك بعد أمة يعني بعد حين وهو سبع سنين وسمي الحين من الزمان أمة لأنه جماعة الأيام والأمة الجماعة أَنَا أُنَبِّئُكُمْ يعني أخبركم بِتَأْوِيلِهِ وقوله أنا أنبئكم بلفظ الجمع إما أنه أراد به الملك مع جماعة السحرة والكهنة والمعبرين أو أراد به الملك وحده وخاطبه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم وذلك أن الفتى الساقي جثا بين يدي الملك وقال إن في السجن رجلا عالما يعبر الرؤيا فَأَرْسِلُونِ فيه اختصار

تقديره فأرسلني أيها الملك فأرسله فأتى السجن قال ابن عباس ولم يكن السجن في المدينة يُوسُفُ أي يا يوسف أَيُّهَا الصِّدِّيقُ إنما سماه صديقا لأنه لم يجرب عليه كذبا قط والصديق الكثير الصدق والذي ل يكذب قط

وقيل سماه صديقا لأنه صدق في تعبيره رؤياه التي رآها في السجن أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ فإن الملك رأى هذه الرؤيا لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يعني أرجع بتأويل هذه الرؤيا إلى الملك وجماعته لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ يعني بتأويل هذه الرؤيا

وقيل لعلهم يعلمون منزلتك في العلم قالَ يعني يوسف معبرا لتلك الرؤيا أما البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبة

وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبة فذلك

قوله تعالى : تَزْرَعُونَ وهذا خبر بمعنى الأمر أي ازرعوا سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً يعني عادتكم في الزراعة والدأب العادة

وقيل ازرعوا بجد واجتهاد فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إنما أمرهم بترك ما حصدوه من الحنطة في سنبله لئلا يفسد ويقع في السوس وذلك أبقى له على طول الزمان إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ يعني ادرسوا قليلا من الحنطة للأكل بقدر الحاجة وأمرهم بحفظ الأكثر لوقت الحاجة أيضا وهو وقت السنين المجدبة وهو قوله ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد السنين المخصبة سَبْعٌ شِدادٌ يعني سبع سنين مجدبة ممحلة شديدة على الناس يَأْكُلْنَ يعني يفنين ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ يعني يؤكل فيهن كل ما أعددتم وادخرتم لهن من الطعام وإنما أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسع في الكلام إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ يعني تحرزون وتدخرون للبذر ، والإحصان الإحراز وهو إبقاء الشيء في الحصن بحيث يحفظ ولا يضيع.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ للّه ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّه لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)

﴿ ٤٨