٦٣

٦٥

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة عظيمة لو كان رجلا من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته فقال لهم يعقوب إذا رجعتم إلى ملك مصر فاقرؤوا عليه مني السلام وقولوا له إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ثم قال لهم أين شمعون قالوا ارتهنه ملك مصر عنده وأخبروه بالقصة ثم قالوا يا أبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ وفيه قولان :

أحدهما : أنهم لما أخبروا يوسف بأخيهم من أبيهم طلبوا منه الطعام لأبيهم وأخيهم المتخلف عند أبيهم فمنعهم من ذلك حتى يحضر فقولهم منع منا الكيل إشارة إليه وأراد بالكيل الطعام لأنه يكال.

والقول الثاني : إنه سيمنع منا الكيل في المستقبل وهو إشارة إلى قول يوسف فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون وقال الحسن يمنع منا الكيل إن لم نحمل معنا أخانا وهو

قوله تعالى إخبارا عنهم فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا يعني بنيامين نَكْتَلْ قرئ بالياء يعني يكتل لنفسه وقرئ بالنون يعني نكتل نحن جميعا وإياه معنا وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ يعني نرده إليك فلما قالوا ليعقوب هذه المقالة (قال) يعني يعقوب هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ يعني كيف آمنكم على ولدي بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم وإنكم ذكرتم مثل هذا الكلام بعينه في يوسف وضمنتم لي حفظه وقلتم وإنا له لحافظون فما فعلتم فلما لم يحصل الأمان والحفظ هنالك فكيف يحصل هاهنا ثم قال فَاللّه خَيْرٌ حافِظاً يعني أن حفظ اللّه خير من حفظكم له ففيه التفويض إلى اللّه تعالى والاعتماد عليه في جميع الأمور وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وظاهر هذا الكلام يدل على أنه أرسله معهم ، وإنما أرسله معهم وقد شاهد ما فعلوا بيوسف لأنه لم يشاهد فيما بينهم وبين بنيامين من الحقد والحسد مثل ما كان بينهم وبين يوسف أو أن يعقوب شاهد منهم الخير والصلاح لما كبروا فأرسله معهم أو أن شدة القحط وضيق الوقت أحوجه إلى ذلك.

قوله تعالى : وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ يعني الذي حملوه من مصر فيحتمل أن يكون المراد به الطعام أو أوعية

الطعام وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ يعني أنهم وجدوا في متاعهم ثمن الطعام الذي كانوا قد أعطوه ليوسف قد رد عليهم ودس في متاعهم قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي يعني ماذا نبغي وأي شيء نطلب وذلك أنهم كانوا قد ذكروا ليعقوب إحسان ملك مصر إليهم وحثوا يعقوب على إرسال بنيامين معهم فلما فتحوا متاعهم ووجدوا بضاعتهم قد ردت إليهم قالوا أي شيء نطلب من الكلام بعد هذا العيان من الإحسان والإكرام أوفى لنا الكيل ورد علينا الثمن ، وأرادوا بهذا الكلام تطييب قلب أبيهم هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا يقال مار أهله يميرهم ميرا إذا حمل لهم الطعام وجلبه من بلد آخر إليهم والمعنى إنا نشتري لأهلنا الطعام ونحمله إليهم وَنَحْفَظُ أَخانا يعني بنيامين مما تخاف عليه حتى نرده إليك وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يعني ونزداد لأجل أخينا على أحمالنا حمل بعير من الطعام ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ يعني إن ذلك الحمل الذي نزداد من الطعام هين على الملك لأنه قد أحسن إلينا وأكرمنا بأكثر من ذلك

وقيل معناه أن الذي حملناه معنا كيل يسير قليل لا يكفينا وأهلنا.

قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللّه لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللّه عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّه مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للّه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّه مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)

﴿ ٦٣