٨١١اللّه يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى لما سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الآيات أخبرهم اللّه عز وجل عن عظيم قدرته ، وكمال علمه وأنه عالم بما تحمل كل أنثى يعني من ذكر أو أنثى سويّ الخلق أو ناقص الخلق واحدا أو اثنين أو أكثر وَما تَغِيضُ يعني وما تنقص الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ قال أهل التفسير : غيض الأرحام الحيض على الحمل فإذا حاضت الحامل كان ذلك نقصانا في الولد لأن دم الحيض هو غذاء الولد في الرحم ، فإذا خرج الدم نقص الغذاء فينقص الولد ، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم ، والزيادة تمام خلقه باستمساك الدم ، وقيل : إذا حاضت المرأة في وقت حملها ينقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرة فإن رأت خمسة أيام دما ، وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام فالنقصان في الغذاء زيادة في مدة الحمل. وقيل : النقصان السقط والزيادة تمام الخلق. وقال الحسن : غيضها نقصانها من تسعة أشهر والزيادة زيادتها على تسعة أشهر فأقل مدة الحمل ستة أشهر وقد يولد لهذه المدة ويعيش. واختلفوا في أكثره فقال قوم : أكثر مدة الحمل سنتان ، وهو قول عائشة ، وبه قال أبو حنيفة وقيل : إن الضحاك ولد لسنتين. وقال جماعة : أكثرها أربع سنين وإليه ذهب الشافعي. وقال حماد بن أبي سلمة : إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين ، وعند مالك أن أكثر مدة الحمل خمس سنين وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ يعني بتقدير واحد لا يجاوزه ، ولا ينقص منه. وقيل : إنه تعالى يعلم كمية كل شيء وكيفيته على أكمل الوجوه. وقيل : معناه إنه تعالى خصص كل حادثة من الحوادث بوقت معين وحالة معينة وذلك بمشيئته الأزلية وإرادته وتقديره الذي لا يقدر عليه غيره عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني أنه تعالى يعلم ما غاب عن خلقه ، وما يشاهدونه. وقيل : الغيب هو المعدوم والشاهد هو الموجود. وقيل : الغيب ما غاب عن الحس والشاهد ما حضر في الحس الْكَبِيرُ أي العظيم الذي يصغر كل كبير بالإضافة إلى عظمته وكبريائه فهو يعود إلى معنى كبر قدرته ، وأنه تعالى المستحق لصفات الكمال الْمُتَعالِ يعني المنزه عن صفات النقص المتعالي عن الخلق ، وفيه دليل على أنه تعالى موصوف بالعلم الكامل والقدرة التامة وتنزيهه عن جميع النقائص. قوله تعالى سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ أي مستو منكم من أخفى القول وكتمه ومن أظهره وأعلنه ، والمعنى أنه قد استوى في علم اللّه تعالى المسرّ بالقول والجاهر به وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أي مستتر بظلمته وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي ذاهب بالنهار في سربه ظاهر. والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق. وقال القتيبي : السارب المتصرف في حوائجه. قال ابن عباس في هذه الآية : هو صاحب ريبة مستخف بالليل ، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم. وقيل : مستخف بالليل ظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته ، وأخفيته إذا كتمته وسارب بالنهار أي متوار دخل في السرب مستخفيا ، ومعنى الآية : سواء ما أضمرت به القلوب أو نطقت به الألسن ، وسواء من أقدم على القبائح مستترا في ظلمات الليل أو أتى بها ظاهرا في النهار فان علمه تعالى محيط بالكل لَهُ مُعَقِّباتٌ يعني : للّه ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار ، فإذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة النهار والتعقيب العود بعد البدء وإنما ذكر معقبات بلفظ التأنيث ، وإن كان الملائكة ذكورا لأن واحدها معقب ، وجمعها معقبة ثم جمع المعقبة معقبات. كما قيل أبناوات سعد ورجالات بكر (ق) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (يتعقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر ، وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ، وهو أعلم بهم ، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون. وقيل : إن مع كل واحد من بني آدم ملكين ملك عن يمينه ، وهو صاحب الحسنات وملك عن شمال وهو كاتب السيئات وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل العبد حسنة كتبها له بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيئة قال صاحب الشمال لصاحب اليمين أكتبها عليه فيقول : انظره لعله يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات ، فإن هو تاب منها وإلا قال : اكتبها عليه سيئة واحدة وملك موكل بناصية العبد فإذا تواضع العبد للّه عز وجل رفعه بها ، وإن تجبر على اللّه عز وجل وضعه بها وملك موكل بعينيه يحفظهما من الأذى وملك موكل بفيه لا يدعه يدخل فيه شيء من الهوام يؤذيه فهؤلاء خمسة أملاك موكلون بالعبد في ليله وخمسة غيرهم في نهاره ، فانظر إلى عظمة اللّه تعالى وقدرته وكمال شفقته عليك أيها العبد المسكين. وهو قوله تعالى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه يعني : يحفظون العبد من بين يديه ومن وراء ظهره ، ومعنى من أمر اللّه بأمر اللّه وإذنه ما لم يجيء القدر فإذا جاء خلوا عنه. وقيل : معناه إنهم يحفظونه ، بما أمر اللّه به من الحفظ له. قال مجاهد : ما من عبد إلا وملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه يؤذيه إلا قال له الملك وراءك ، إلا شيء يأذن اللّه فيه فيصيبه. وقال كعب الأحبار : لولا أن اللّه تعالى وكلّ بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن. وقال ابن جريج : معنى يحفظونه أي يحفظون عليه الحسنات والسيئات ، وهذا على قول من يقول : إن الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم والضمير في قوله له راجع إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال ابن عباس في معنى هذه الآية : لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من شر الجن وطوارق الليل والنهار. وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، وهما من بني عامر بن زيد وكانت قصتهما على ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. قال : (أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وهما من بني عامر بن زيد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه فدخل المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر ، وكان من أجمل الناس وكان أعور فقال : يا رسول اللّه هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه فان يرد اللّه به خيرا يهده فأقبل حتى قام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال : يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين. قال : تجعل الأمر لي بعدك؟ قال ليس ذلك لي إنما ذلك إلى اللّه تعالى يجعله حيث يشاء. قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟ قال : لا قال : فما تجعل لي؟ قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال : أو ليس ذلك لي اليوم قم معي أكلمك فقام معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وكان عامر قد أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل عامر يخاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويراجعه ودار أربد من خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليضربه ، فاخترط شبرا من سيفه ثم حبسه اللّه تعالى عليه فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأى أربد وما صنع بسيفه ، فقال : اللّهم اكفنيهما بما شئت فأرسل اللّه على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته فولى عامر هاربا وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد ، واللّه لأملأنها عليك خيلا جردا وشبابا مردا. فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : يمنعني اللّه من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج ، فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه ، فخرج له خراج في أصل أذنه أخذه منه مثل النار فاشتد عليه فقال غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ، ثم ركب فرسه وجعل يركض في الصحراء ، ويقول : ادن يا ملك الموت وجعل يقول الشعر ، ويقول لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل اللّه إليه ملكا فلطمه ، فأرداه في التراب ثم عاد فركب جواده حتى مات على ظهره ، وأجاب اللّه عز وجل دعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في عامر بن الطفيل فمات بالطعن ، وأربد بن ربيعة مات بالصاعقة وأنزل اللّه عز وجل في شأن هذه القصة سواء منكم من أسر القول ، ومن جهر به إلى قوله له معقبات من بين يديه ، ومن خلفه يعني لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معقبات يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه من أمر اللّه أي بأمر اللّه وقيل : إن تلك المعقبات من أمر اللّه ، وفيه تقديم وتأخير تقديره له معقبات من أمر اللّه يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، وقوله إِنَّ اللّه لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ خطاب لهذين عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة ، يعني لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة التي أنعم بها عليهم حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ يعني : من الحالة الجميلة فيعصون ربهم ، ويجحدون نعمه عليهم فعند ذلك تحل نقمته بهم ، وهو قوله تعالى وَإِذا أَرادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوْءاً يعني هلاكا وعذابا فَلا مَرَدَّ لَهُ يعني لا يقدر أحد أن يرد ما أنزل اللّه بهم من قضائه وقدره وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ يعني وليس لهم من دون اللّه من وال يلي أمرهم ونصرهم ويمنع العذاب عنهم قوله عز وجل : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) |
﴿ ٨ ﴾