١١٢٢وَكَمْ قَصَمْنا يعني أهلكنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً يعني كافرة والمراد أهل القرية وَأَنْشَأْنا بَعْدَها أي أحدثنا بعد هلاك أهلها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي عذابنا بحاسة البصر إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يعني يسرعون هاربين من قريتهم لما رأوا مقدمة العذاب لا تَرْكُضُوا يعني قيل لهم لا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ يعني تنعمتم فيه من العيش وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قال ابن عباس عن قتل نبيكم ، قيل نزلت هذه الآية في أهل حضر موت قرية باليمن ، وكان أهلها عربا فبعث اللّه إليهم نبيا يدعوهم إلى اللّه فكذبوه وقتلوه ، فسلط اللّه عليهم بختنصر فقتلهم وسباهم ، فلما استمر فيهم القتل هربوا فقالت الملائكة لهم استهزاء لا تركضوا ، أي لا تهربوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم ، فإنكم أهل ثروة ونعمة فأتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ، ونادى مناد من جو السماء يا لثارات الأنبياء فلما رأوا ذلك ، أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ يعني لأنفسنا حين كذبنا الرسل وذلك أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب ، وقالوا ذلك على سبيل الندامة ولم ينفعهم الندم فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ يعني تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً يعني بالسيوف كما يحصد الزرع خامِدِينَ يعني ميتين. قوله عز وجل : وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ معناه ما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من العجائب للعب واللهو ، سويناهما لفوائد منها التفكر في خلقهما وما فيهما من العجائب والمنافع التي لا تعد ولا تحصى لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً قال ابن عباس : اللهو المرأة وعنه أنه الولد لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا من الحور العين لا من عندكم من أهل الأرض ، وقيل معناه لو كان ذلك جائزا في حقنا لم نتخذه بحيث يظهر لكم بل نستر ، ذلك حتى لا تتطلعوا عليه ، وذلك أن النصارى لما قالوا ، في المسيح وأمه ما قالوا رد اللّه عليهم بقوله لاتخذناه من لدنا لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ يعني ما كنا فاعلين ، وقيل ما كنا ممن يفعل ذلك لأنه لا يليق بالربوبية بَلْ يعني دع ذلك الذي قالوه فإنه كذب وباطل نَقْذِفُ يعني نرمي ونسلط بِالْحَقِّ يعني بالإيمان عَلَى الْباطِلِ يعني على الكفر ، وقيل الحق قول اللّه أنه لا ولد له والباطل قولهم اتخذ اللّه ولدا فَيَدْمَغُهُ فيهلكه فَإِذا هُوَ زاهِقٌ يعني ذاهب والمعنى أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يذهب ويضمحل ، ثم أوعدهم على كذبهم فقال تعالى (وَ لَكُمُ الْوَيْلُ) يا معشر الكفار (مِمَّا تَصِفُونَ) اللّه بما لا يليق من الصاحبة والولد وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني عبيدا وملكا وهو الخالق لهم والمنعم عليهم بأصناف النعم وَمَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة وإنما خص الملائكة وإن كانوا داخلين في جملة من في السموات لكرامتهم ومزيد الاعتناء بهم لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ يعني لا يتكبرون ولا يتعظمون عنها وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يعني لا يعيون ولا يتعبون ، وقيل لا ينقطعون عن العبادة ثم وصفهم اللّه تعالى يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ يعني لا يضعفون ولا يسأمون ، وذلك أن تسبيحهم متصل دائم لا يفتر في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو شغل أخر قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبني آدم أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يعني الأصنام من الحجارة والخشب وغيرهما من المعادن وهي من الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ يعني يحيون الأموات ، إذ لا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم ، وهو اللّه عز وجل لَوْ كانَ فِيهِما يعني في السماء والأرض آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ يعني غير اللّه (لفسدتا) يعني لخربتا وهلك من فيهما الوجود والتمانع من الآلهة لأن كل أمر صدر عن الاثنين فأكثر لم يجر على النظام وقال الإمام فخر الدين الرازي قال المتكلمون القول بوجود إلهين يفضي إلى المحال ، فوجب أن يكون القول بوجود إلهين محالا ، وإنما قلنا إنه يفضي إلى المحال لأنا لو فرضنا وجود إلهين ، فلا بد وأن يكون كل واحد منهما قادرا على كل المقدورات ، ولو كان كذلك لكان كل واحد منهما قادرا على تحريك زيد وتسكينه. لو فرضنا أن أحدهما أراد تحريكه وأراد تسكينه ، فإما أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين أو لا يقع واحد منهما وهو محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما مراد الآخر فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس فلو امتنعن معا لوجدا معا وذلك محال أو يقع مراد أحدهما : دون الثاني وذلك أيضا محال لوجهين أحدهما أنه لو كان كل واحد منهما قادرا على ما لا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر ، بل لا بد وأن يستويا في القدرة وإذا استويا في القدرة استحال أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من مراد الثاني وإلا لزم ترجيح الممكن من غير مرجح. وثانيهما : أنه إذا وقع مراد أحدهما دون الآخر فالذي وقع مراده يكون قادرا والذي لم يقع مراده يكون عاجزا والعجز نقص ، وهو على الإله محال. ولو فرضنا إلهين ، لكان كل واحد منهما قادرا على جميع المقدورات فيفضي إلى وقوع مقدور من قادرين مستقلين من وجه واحد ، وهو محال لأن إسناد الفعل إلى الفاعل إنما كان لإمكانه ، فإذا كان كل واحد منهما مستقلا بالإيجاد فالفعل لكونه مع هذا يكون واجب الوقوع فيستحيل إسناده إلى هذا لكونه حاصلا منهما جميعا ، فيلزم استغناؤه عنهما معا واحتياجه إليهما معا ، وذلك محال وهذه حجة تامة في مسألة التوحيد فنقول القول بوجود إلهين يفضي إلى امتناع وقوع المقدور بواحد منهما ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يقع البتة وحينئذ يلزم وقوع الفساد قطعا ، أو نقول لو قدرنا إلهين فإما أن يتفقا أو يختلفا ، فإن اتفقا على الشيء الواحد فذلك الواحد مقدور لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما ، وهو محال وإن اختلفا فإما أن يقع المرادان أو لا يقع واحد منهما أو يقع أحدهما دون الثاني والكل محال فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات. واعلم أنك إذا وقفت على حقيقة هذه الدلالة عرفت أن جميع ما في العالم العلوي والسفلي من المحدثات والمخلوقات فهو دليل على وحدانية اللّه تعالى. وأما الدلائل السمعية على الوحدانية فكثيرة في القرآن ، واعلم أن كل من طعن في دلالة التمانع ففسر الآية بأن المراد لو كان في السماء والأرض آلهة يقول بإلهيتها عبدة الأصنام ، لزم فساد العالم لأنها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فلزم إفساد العالم قالوا وهذا أولى لأنه تعالى حكى عنهم في قوله : أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ ثم ذكر الدلالة على فساد هذا فوجب أن يختص الدليل به وأما قوله فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ففيه تنزيه اللّه سبحانه وتعالى عما يصفه به المشركون من الشريك والولد لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ يعني لا يسأل عما يفعله ويقضيه في خلقه وَهُمْ يُسْئَلُونَ يعني والناس عن أعمالهم ، والمعنى أنه لا يسأل عما يحكم في عباده من إعزاز وإذلال وهدى وإضلال وإسعاد وإشقاء ، لأنه الرب مالك الأعيان والخلق يسألون سؤال توبيخ. يقال لهم يوم القيامة لم فعلتم كذا لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم. واللّه تعالى ليس فوقه أحد يقول له لشيء فعله لم فعلته قوله عز وجل : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)  | 
	
﴿ ١١ ﴾