٦٢

٨١

قالَ أي موسى لثقته وعد اللّه تعالى إياه كَلَّا أي لن يدركونا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ يعني يدلني على طريق النجاة فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ أي فضربه فانشق فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ أي قطعة من الماء كَالطَّوْدِ أي الجبل الْعَظِيمِ قيل لما انتهى موسى ومن معه إلى البحر هاجت الرياح فصار البحر يرمي بموج كالجبال ، قال يوشع : يا كليم اللّه أين أمرت فقد غشينا فرعون من خلفنا ، والبحر أمامنا قال موسى ، ها هنا فخاض يوشع الماء لا يواري حافر دابته ، وقال : الذي يكتم إيمانه يا كليم اللّه أين أمرت قال :

ها هنا فكبح فرسه فصكه بلجامه حتى طار الزبد من شدقه ، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فجعل موسى لا يدري كيف يصنع فأوحى اللّه إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ يعني قربنا فرعون وجنوده إلى البحر وقدمناهم إلى الهلاك

وقيل إن جبريل كان بين بني إسرائيل ، وبين قوم فرعون يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم أولكم ، ويقول للقبط رويدا ليلحق آخركم أولكم ، فكان بنو إسرائيل يقولون ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل ، وكان قوم فرعون يقولون ما رأينا أحسن دعة من هذا الرجل وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعني أنه تعالى جعل البحر يبسا حتى خرج موسى وقومه ، منه وأغرق فرعون وقومه ، وذلك أنهم لما تكاملوا في البحر انطبق عليهم فأغرقهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني ما حدث في البحر من انفلاقه آية من الآيات العظام الدالة على قدرته ومعجزة لموسى عليه السلام وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ يعني أهل مصر قيل : لم يؤمن منهم إلا آسية امرأة فرعون ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، ومريم ابنة مامويا التي دلت على قبر يوسف حين أخرجه موسى من البحر وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

قوله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ يعني أي شيء تعبدون وإنما قال إبراهيم ذلك مع علمه بأنهم عبدة لأصنام ، ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ يعني نقيم على عبادتها وإنما قالوا : نظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ يعني يسمعون دعاءكم إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ

يعني بالرزق أَوْ يَضُرُّونَ يعني إن تركتم عبادتهم وإذا كان كذلك ، فكيف يستحقون العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة القاطعة قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ المعنى أنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ولكن اقتدينا بآبائنا في ذلك ، وفي الآية دليل على إبطال التقليد في الدين وذمه ومدح الأخذ بالاستدلال قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ أي الأولون فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي أي أعداء لي وإنما وحده على إرادة الجنس.

فإن

قلت : كيف وصف الأصنام بالعداوة؟ وهي جمادات لا تعقل.

قلت : معناه فإنهم عدو لي يوم القيامة لو عبدتهم في الدنيا

وقيل : إن الكفار لما عبدوها ونزلوها منزلة الأحياء العقلاء أطلق إبراهيم لفظ العداوة عليها

وقيل : هو من المقلوب أراد فإني عدو لهم لأن من عاديته فقد عاداك إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ أي ولكن رب العالمين ، فإنه ربي وولي

وقيل إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع اللّه تعالى فقال إبراهيم كل ما تعبدون أعداء لي إلا رب العالمين ثم وصف معبوده الذي يستحق العبادة فقال الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ إلى طريق النجاة وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ أي يرزقني ويغذيني بالطعام والشراب وَإِذا مَرِضْتُ أصابني مرض أضاف المرض إلى نفسه استعمالا للأدب وإن كان المرض والشفاء من اللّه فَهُوَ يَشْفِينِ أي يبرئني ويعافيني من المرض وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ أي يميتني في الدنيا ثم يحييني في الآخرة.

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)

وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١)

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦)

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)

﴿ ٦٦